الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

دفع الثمن
Payment Due

الكاتبة : بيني جوردن
-------------------
الملخص
------------
لقد اتهم جايمس وارن تانيا بأنها تتعمد تحطيم زواج شقيقته. وأقسم على أن يجعلها تدفع الثمن. كانت تانيا مجرد متفرجة بريئة على شبكة الأكاذيب والخداع التي كانت تحيط بزواج فوريس، ولكنها غذا لم تتمكن من أن تجعل جايمس يصدق ذلك، فليس أمامها إلا أن تودع أمانها في تأسيس حياة جديدة لها ولابنتها في قرية ابليفورد الهادئة. والأسوأ من ذلك أن جايمس كان من ذلك النوع من الرجال الذي كان يمكن أن يجذبها لو كانت أمورها غير ما هي عليه
------------
الفصل الأول
------------
انتهى تنظيم المعروضات في واجهة المتجر، ونزلت تانيا من الواجهة، ثم خرجت إلى امام المتجر لتقف على الرصيف وتمعن النظر في ما قامت به. ذلك ان المدارس ستفتح ابوابها بعد انتهاء العطلة الصيفية، وذلك بعد اسبوعين، ومن ثم كان عليها أن تسرع في العمل لكي تتمكن من فتح متجر احذية الأطفال هذا في الوقت المناسب، وقد نجحت في ذلك بعزيمة أدهشتها هي قبل الآخرين. ولكنها عندما اتخذت قراراً بالقيام بهذا العمل، كان هنالك كثيرون حولها حاولوا الاستفادة من سذاجتها وعدم خبرتها، متظاهرين بمساعدتها والاهتمام بها.
لم تعد تستطيع إحصاء عدد الناس الذين كانوا نبهوها إلى انها إنما تضيع وقتها... ذلك ان فتح متجر يقتصر على أحذية الأطفال هو الجنون بعينه، خصوصاً وقد اختارت العمل في مدينة صغيرة من اقليم شيشاير. ذلك ان كل انسان كان يعلم ان الزبون يريد ان يشتري كل لوازمه بسرعة ومن مكان واحد، مفضلين لذلك المتاجر الضخمة الواسعة التي تبيع كل شيء. لقد استمعت تانيا اليهم، ولكنها وبكل عناد، لم تبدل من موقفها، فقد كانت هي نفسها والدة، وكانت تعلم انها عندما تريد شراء أحذية لابنتها لوسي فهي تفضل أن تذهب إلى
متجر خاص مريح وتختار ما تريده مستعينة برأي مساعد يعرف ما يحتاج إليه الطفل... إذ يكون قد تدرب جيداً على قياس القدم وتقديم النصائح الجيدة بهذا الشأن. أما بالنسبة إلى قرارها العمل في هذه المدينة الهادئة، حسناً، كان ذلك لعدة عوامل، أهمها انها كانت ورثت هذا المتجر من عمة لوالدها لم تكن تعرفها، وكان متجراً للقماش من الطراز القديم. كان بإمكانها أن تبيع المحل هذا كما هو، كما نصحها كثيرون، ولكنها رأت في هذه المدينة الصغيرة ابليفورد مكاناً تهرب إليه مع ابنتها من زحام المدينة الكبيرة وشقتهما الضيقة غير الصحية التي كانتا تقيمان فيها. نظرة واحدة منها إلى مدينة ابليفورد هذه بجمالها الريفي وهوائها النقي والحقول التي تحيط بها واطفالها الذين اكسبتهم تلك البيئة الصحية، نضارة وحيوية، وهو ما كانت دوماً تحلم به لأجل ابنتها لوسي، عند ذلك اتخذت قرارها. وحيث ان العمل الوحيد الذي كانت تحسنه هو الذي كانت تدربت عليه أثناء عملها في متجر احذيه في المدينة، كان
من الطبيعي ان تفكر في إعادة فتح متجر عمتها ولكن للاتجار بأحذية الأطفال فقط. فهي لم تندفع بهذا القرار بخفة وطيش رغم ما قد يفكر فيه الآخرون. خلال ستة أشهر من تلقيها النبأ المذهل بأن لها عمة لوالدها لم تسمع بها يوماً، قد ماتت، وأنها وريثتها الوحيدة، منذ ذلك الحين كرست نفسها روحاً وجسداً لكي تسير بمشروعها هذا إلى النجاح
دخلت معهداً حكومياً حيث قامت بدورة تدربت فيها على إدارة الأعمال. كما ان ابنتها لوسي كانت في العاشرة من عمرها وتبدو اكبر من سنها ما جعلها تخشى عليها من الفساد الأخلاقي الذي يحويه بيئة المدن الكبرى. وربما كان ذلك لأنها هي نفسها كانت نشأت في بيئة ريفية، فكان في عودتها إلى بيئة مماثلة ما يعبر عن رغبة دفينة مازالت في اعماقها. وقد فات الأوان الآن للأسف لعدم معرفتها بعمتها تلك. لا شك أنه كان للعمة اسبابها الخاصة التي جعلتها لا تتعرف إليها، وتركها تنشأ معتقدة أنها وحيدة في هذه الحياة، وذلك بعد ان اختطف الموت والديها في حادث اصطدام وهي في الثانية عشرة في عمرها، ما جعلها تنتقل من ظل والدين محبين إلى رعاية المحسنين في مياتم يتعاقب عليها سلسلة لا تنتهي من الناس ما جعلها تنطوي على نفسها ما زاد من شعورها بالوحدة. كانت تلك سنوات لم تكن تريد أن تتذكرها، سنوات توجت بولادة لوسي التي أصحبت عزيزة غالية عليها رغم أنها لم ترغب بها في البداية.
ذلك انها فجعت، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، بفتي عقد زواجه عليها في أحد مكاتب الزواج بينما لا تكاد تعرفه بل فرض نفسه عليها فاستجابت له هرباً من وحدتها وحياتها الموحشة. كانا قد تعارفا في حفلة ذهبت إليها مع زميلة لها في العمل، وكانت تعيش في ذلك الوقت في شقة مع ثلاث فتيات أخريات لهن نفس وضعها
لكن ذلك الفتى الذي كانت قد ندمت على الزواج منه في نفس اللحظة التي تم فيها ذلك الزواج، ذلك الفتى سرعان ما ذهب ضحية حادث دراجة بخارية لتكتشف بعد ذلك أنها كانت حاملا منه. وهكذا أمضت فترة الحمل تتملكها المخاوف واليأس والعذاب إزاء مسؤولية لم تكن تتوقعها وذلك إلى اللحظة التي وضعت فيها الطيبة، لوسي بين ذراعيها. عند ذلك أدركت ان عليها أن تحتفظ بابنتها هذه مهما كلفها ذلك من صعوبات ومعاناة، كان هناك الحرمان والمشقات، لقد كرهت الحاجة التي كانت تضطرها إلى تقبل المساعدة الحكومية، ولكن لم يكن لديها خيار في الأمر.
وحالما أصبحت لوسي في سن الدراسة، اتخذت لنفسها عملاً نصف نهاري، وبشكل ما، افلحت في العثور على نوع من الإستقرار لحياتها، ولكن ضغط أحوالها المالية السيئة كان مستمراً يستنزف منها القوى. وما أكثر ما كانت تنظر فيه إلى وهي ترتدي الثياب المستعملة والي كانت تبالغ في العناية بها من غسل وكي، فكانت تتلهف إلى أن تكسو ابنتها هذه بملابس جديدة تشتريها لها، متلهفة إلى أن تمنحها ولو جزءاً من الرعاية والدلال الذي يتمتع به غيرها من الأطفال. ولشد ما كانت تتألم عندما ترى أحياناً نوعاً من الكتبة والشوق في عيني ابنتها. ولم تكن وحدها الوالدة التي تعيش دون زوج في ذلك المجمع السكني الضخم، فقد كان لها عدة صديقات من
الوالدات الأخريات، وكانت تعلم انها ستفتقد صحبتهن الآن بعد أن استقرت مع ابنتها في أبليفورد. كانت قبل رحيلها، قد شددت عليهن الدعوة إلى زيارتها هناك، متلهفة إلى أن لا تفقد الإتصال مع أولئك الناس القلائل الذين استطاعت أن تعقد معهم أواصر الصداقة. جميعهن كانت لديهن قصص تعسة شقية، فتلك التي هجرها زوجها مع اطفالها، وأخرى طردها من بيتها زوج كرهها، وجميعهن، مثلها، قد تملكتهن مشاعر عنيفة محتدمة لتجنيب أولادهن الآلام التي عانينها هن، وهدايتهم إلى عالم أفضل وأكثر رحمة وحكمة. نعم، انها ستفتقد مساندتهن لها وصداقتهن، وسيكون من الصعب عليها اتخاذ بديلات لهن. فهي لم تكن تتخذ اصدقاء بسهولة، وهذا تراث آخر من ماضيها، فهو خوف متعمق الجذور من أن تعود فتفقد من تحب وما يتبع ذلك من آلام ومعاناة.
كلا، فقد كان اتخاذها هذه الخطوة الخطرة في الحياة لأجل لوسي فقط، ولأجل لوسي كانت تريد في الحياة أكثر بكثير مما نالته هي إنما ليس من الضروري أن يكون ذلك في الأمور المادية، ذلك أنه سيمضي وقت طويل قبل أن يسمح لها عملها بالعيش في رفاهية كما لم يتوفر لهما في المدينة. ولكن بإمكان لوسي أن تتمتع هنا، على الأقل، ببيئة اكثر نظافة وهواء اكثر نقاء في تلك الآفاق المتسعة. كذلك كانت قد اخبرت والدتها أنها في المدرسة هنا، تلميذات صفها يبلغ عددهن العشرين، بينما في مدرستها
في المدينة كن فوق الستين، كما كان التلاميذ هنا يستمتعون باللعب في ملاعب فسيحة وساحات للعب التنس ومركز محلي للرياضة وذلك بعكس عما هو عليه الحال في المدينة، نعم، لقد كان قرارها صائباً مهما ظن الآخرون الذين كانوا يهزون رؤوسهن متوقعين لها الفشل. قد لا يكون بإمكانها أن توفر لابنتها الخلفية العاطفية السعيدة التي يتمتع بها طفل لديه والدين يسبغان عليه حبهما، ولكنها على الأقل تقوم نحوها بكل ما في وسعها، كما أن الزواج ليس دوماً ذلك الوضع السعيد المشبع للمشاعر الباعث على الإستقرار كما يتصوره غير المتزوجين.
فهذا نيكولاس فوربس مثلاً، والذي كان مستشار عمتها القانوني من قبل وأصبح الآن مستشارها هي، فإن له زوجة رائعة الجمال والتي هي مناسبة بالنسبة لرجل أعمال بالغ الثراء وولدين حسنا الصحة، وعمل ناجح، ومنزل في اكثر ضواحي المدينة غني، وهو منزل كانت تانيا سمعت شائعة تقول إن شقيق الزوجة قدمه لهما هدية زفاف. ومع ذلك كما تقول الشائعات لم يكن نيكولاس فوربس وزوجته سعيدين مطلقاً. ولم تكن هذه شائعات فقط بل إن نيكولاس نفسه كان قد أشار إلى ذلك مرات كثيرة امامها وذلك قبل أن توقفه عند حده موضحة له أن آخر شيء تريده هو أن تورط نفسها في الحياة الخاصة لأي شخص كان، وأن أكره شيء لديها، في أي رجل هو أن يخون الثقة والسرية التي بين شخصين ملتزمين وان يتحدث أحدهما عن مشاكلهما الشخصية إلى
شخص غريب لا علاقة له بالأمر من ناحية الإستشارة أو الإرشاد. هذا إلى انها لا تكاد تعرف نيكولاس فوربس، فهو بالنسبة إليها، كان مجرد مستشار قانوني اعتاد ان يرشدها بكل دقة وتشجيع ودفء في مشاكل حياتها العملية ما جعلها تظن ان ربما السنوات التي أمضتها بعيدة عن الرجال، قد أصبحت الآن شيئاً عليها أن تتخلى عنه، لقد كانت تكن لنيكولاس المودة بصفته إنساناً، ولكن عاطفياً... كلا، فقد كانت ذات مناعة ضد الرجال وكان هذا ما تريد أن تبقى عليه.
كانت امرأة ذكية، فقد كانت تعلم أن ليس كل الرجال مفروضاً بهم أن يكونوا مثل والد لوسي، والذي هو أيضاً ربما كان يدرك النضج والحكمة لو كان ما يزال على قيد الحياة. لقد حاولت جهدها كيلا تنقل مخاوفها تلك وكراهيتها للرجال إلى ابنتها، فقد كانت عاطفة الأمومة تدفعها إلى ان تطلب لابنتها كل ما كانت هي حرمت منه ومنها الثقة بالنفس، والحرية، والثقة بالآخرين ما يجعلها قادرة على اختيار شريك حياتها عندما يحين الوقت لذلك، وذلك بشكل لم تستطعه هي.
كانت تريد للوسي كل شيء، السعادة النجاح، الأمن. ولم تكن تشجع ابنتها مطلقاً على اعتبار نفسها أقل انسانية كونها فتاة. كان كل ما تريده لها هو أن تكون مستقلة عن أي شخص آخر. وكانت لوسى طفلة ذكية. كما كانت تألف الآخرين وتكون أصدقاء بسهولة، وهو ما كانت تختلف فيه عن والدتها

تحميل الرواية من هنا

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع