الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

الحقيقة الضائعة
Body and Soul

الكاتبة : شارلوت لامب
------------
الملخص
------------
لم يكن بروني فاكوشي سوى رجل حاقد يشكل تهديدا كبيراً. فهو لم يتحايل فقط للوصول إلى مركز السلطة في المصرف الذي تعمل فيه مارتن، ولكنه الآن قد صمم على إيقاعها في حبائله لتكون تحت سلطته أيضاً. ولكن لم يكن ثمة سبيل إلى أن تسمح له مارتن، بذلك رغم جاذبيته غير العادية التي ترسلها عيناه الايطاليتان السوداوان الكبيرتان بنظراتهما التي اصابت منها الصميم
*****
«تعالي نتابع سهرتنا، يا مارتن.»
*****
استدارت إليه قائلة وقد شحب وجهها: «أتعلم أنني أشعر بالإشمئزاز؟ لقد جعلتني أضعف أمامك وأنجرف معك بشكل مفاجىء في مشروع زواج. لقد كانت هذه خطتك طيلة الوقت، أليس كذلك؟ ثم ابتدأت بتنفيذها وكدت تنجح، وكدت أنا اسقط في الشرك.» وساد صمت عميق، كانت عيناه السوداوان تلمعان خلاله، ثم قال: «ولكنك سقطت فعلاً... وتزوجتني، حتى انني لم ابذل جهداً يذكر لإقناعك...»
-----------
الفصل الأول
-----------
كانت مارتن على عجلة من أمرها حيث أنها تأخرت، وهكذا قفزت من سيارة الاجرة وركضت مجتازة الرصيف متجهة نحو مطعم ماي فير، دون أن تلحظ ذلك الرجل الذي خرج من سيارة خاصة كان قد أوقفها في الناحية الأخرى من الشارع، ثم يتقدم في نفس اتجاهها. وعندما وصلا إلى الباب تبادلا نظرة خاطفة دون أن
يتوقف أحد منهما ليسمح للآخر بالدخول، ذلك أن مارتن ظنت نفسها الأقرب إلى ذلك الباب الدوار، بينما كان هو أسرع منها، وهكذا كان دخولهما في نفس الوقت ما جعلهمايدخلان معاً في قسم واحد منه. رفعت إليه عينين خضراوين ثائرتين كبحار الشمال، فالتقتا بعينين سوداوين باردتين تبعثان على الغيظ، بينما قال لها بصوت عميق ذي لكنة اجنبية لم تستطع ادراك كنهها: «عليك أن تتراجعي إلى الخلف لكي يتحرك الباب.» فأجابت بحدة: «لو كنت من الشهامة بحيث كنت تدعني أدخل أولاً، لما حدث هذا. تراجع أنت إلى الخلف.»
لم تعجبها منه لهجته الحاسمة بينما كان الذنب ذنبه، كلا، ولا كونها اضطرت لمعرفة اخلاقه إلى الحد الذي شعرت به تماماً بذلك الانسان البدائي رغم ملابس المساء الحضارية التي يرتديها، البدائي بصلابة عضلاته وقوتها، هذا إلى طوله البالغ ستة أقدام ووجهه الذي كأنه قد من الصوان.
قال يجيبها بنفس الحدة: «لا فائدة من الجدل عمن الذنب ذنبه، تراجعي فقط قليلاً إلى الخلف.» فقالت: «أنت الذي سيفعل ذلك.» أيظنها أنثى عاجزة ضعيفة يمكن له أن يفرض عليها رأيه لمجرد أنه أطول قامة منها بقدم تقريباً؟ إنها لن تتراجع عن موقفها ولو اضطرها الأمر إلى البقاء طيلة المساء بهذا الوضع.
أحنى رأسه ينظر في عينيها الخضراوين الغاضبتين. فأجفلت كهرة تواجه خطراً، وقد قف شعر رأسها. ذلك أن شيئاً في منظره المتغطرس، وشعره الأسود وعينيه الباردتي النظرات، ذكرها برجل أحبته ذات مرة، ولكنه هجرها ليتزوج من فتاة ثرية. لقد مضى على ذلك ثلاث سنوات، خرجت أثناءها مارتن مع أصدقاء لها، ولكنها حرصت على أن لا تقع في غرام أي منهم، فقد ذاقت طعم الآلام مرة ولا تريد أن تكرر التجربة.
قال ببرود: «أنظري، حتى الغبي يمكنه أن يرى أن أسهل طريقة لكي ينفتح الباب هو أن تتراجعي إلى الخلف.» فقالت وهي تميل جانباً: «حسناً جداً.» وكانت قدمه في طريقها، فشعرت بكعب حذائها العالي يغوص في مقدمة حذائه اللامع. نظر إليها ثائراً وهو يتنفس بحدة ويتمتم بشيء لم تسمعه جيداً، ولكنها شكت في أن يكون شتيمة، فقالت وعيناها تلتقيان بعينيه السوداوين: «آسفة.» قال: «انك فعلت ذلك عمداً.» فأجابت: «لا تكن سخيفاً، لقد كنت أفسح لك الطريق، فكيف لي بأن اعلم أنك واضع قدمك في طريقي؟»
حدق فيها باستياء ثم قال: «أظن من الأفضل أن اقوم أنا بمحاولة لخروجنا وإلا أمضينا الليل كله هنا. فقط لا تتحركي.» واستدار بكتفه حاشراً نفسه لكي يتمكن من الخروج. ما جعلها تشعر، بالرغم منها، بالحرج والخجل. قالت له بصوت خفيض وهي تفكر في أنه فعل ذلك متعمداً من باب الانتقام لإصرارها على أن يكون هو الذي يتراجع وليس هي، قالت: «ها... أنتبه.» ولكن كان من الخطأ أن تقول شيئاً كهذا، لأن ذلك جعله يتوقف فجأة يحدق فيها بعينين ضيقتين، ثم قال: «كوني واثقة من أن خروجي هكذا لا يزعجني بشيء.» فتوهج وجهها وهي تتمتم قائلة: «أوه، هيا أخرج. إن الناس ينظرون إلينا.»
وكان يوجد البعض في داخل المطعم يحاولون الخروج، بينما آخرون على الرصيف يحاولون الدخول وكان الجميع يراقبونهما ضاحكين، ما جعل مارتن تشعر بالغضب لحماقتها، كما جعلها تبتسم لأولئك الناس وهي تهز كتفيها مظهرة العجز. وهكذا تراجع الرجل الكريه أخيراً، ومن ثم دفعت مارتن الباب داخلة إلى المطعم حيث خلعت سترتها المسائية الحريرية وناولتها إلى النادل وهي تسأله: «هل حضر السيد ردموند؟»
فأجاب: «إذا كان قد حضر فلا بد أنه في الاستراحة، يا آنسة.» وسمعت الباب خلفها يعود إلى الدوران، ثم يدخل منه ذلك الشخص الضخم، ولكنها تجاهلته، وعندما تابعت طريقها نحو الاستراحة، شاهدت انعكاس صورتها في الزجاج الأسود الذي يغطي الجدار خلف الاستراحة. كانت نحيلة في ثوب أسود من الجورجيت، ذات وجه مميز بشكله البيضاوي الناصع البياض وعنق طويل وشعر أحمر قاتم معقود على رقبتها من الخلف. ورأت خلفها ذلك الرجل الذي كان يزيدها طولاً بحوالي الثلاثين سنتمتراً، أسود الشعر يرتدي سترة المساء السوداء فوق قميص ناصع البياض، واعترفت انهما، هما الاثنين، يشكلان مزيجاً جميلاً من اللونين
الأبيض والأسود، ما عدا لون شعرها ذي اللهب القاتم. وقفت تنظر حولها، فوجدت قلة من الناس، ولكنها لم تر أثراً لتشارلز وهذا لم يدهشها. فهو غالباً غير دقيق في مواعيده، ولكنه على كل حال، رجل لديه الكثير مما يشغل عقله، إذ أنه، منذ وفاة زوجته، دفن نفسه في العمل، حتى انه لم يكن يعرف، أحياناً، في أي يوم هو أو أي تاريخ. ولكن ما كانت ترجوه فقط، هو أن لا ينسى أنه دعاها إلى العشاء هذه الليلة.
كان قد وصل من نيويورك بعد الظهر، ولم يحضر إلى مكتبه إذ بقي في منزله ليرتاح من عناء الرحلة، وكان قد واعدها على العشاء باتصال هاتفي من نيويورك. وكانت تدرك أن ثمة ما فعله يريد أن يتحدث إليها خارج نطاق العمل الذي لم يكن ليسمح لهما بالخوض في أحاديث خاصة. وما ان جلست إلى إحدى الموائد الفارغة، حتى أقبل النادل يسألها عما تريد أن تشرب، فأجابت: «أريد كوباً من المياه المعدنية من فضلك.» ثم استرخت في جلستها واضعة ساقيها الواحدة فوق الأخرى وهي تسوي من ذيل ثوبها
فوق ركبتيها وتجيل عينيها حولها بشكل عفوي، لتجد نفسها تحدق في تلك العينين السوداوين لذلك الرجل الأجنبي اللتين كانتا تراقبانها. وبادلته هي نظرة باردة كبرودة الثلج، إذ لم تكن تحب أن ينظر إليها أحد بهذا الشكل وكأنها سلعة للبيع، وليست بشراً. وكان بعض الرجال يضمرون بمثل هذه النظرات، إهانة صامتة. وساورها شعور بأن نظرات هذا الرجل هي من هذا النوع، خاصة بعد الطريقة التي كان تحدث بها إليها أثناء انحشارها في الباب الدوار.
لكنه ما لبث أن حول نظراته عنها لينظر إلى ساعة معصمه الذهبية مقطباً جبينه، ثم وقف وتصلبت هي في جلستها ظانة أنه سيتوجه نحو مائدتها، ولكنه لم يفعل بل اتجه خارجاً من الاستراحة دون أن يلقي عليها نظرة أخرى، بينما أخذت بعض النسوة الحاضرات يتابعنه بانظارهن النهمة.
فكرت مارتن بأنه يستحق ذلك فعلاً. كانت تحب طوال القامة من الرجال. وكانت سمرة بشرته رائعة، هذا إلى كتفين عريضتين وساقين طويلتين. ولكنها ما لبثت ان عبست. ما الذي كانت تفكر فيه؟ إن الرجال الذين على شاكلته لا يجلبون سوى التعاسة. ولا بد أن ابتعادها عن
الرجال منذ حوالي السنة، جعلها تفكر بهذا الشكل. فالوحدة والشعور بالإحباط جعلها لا تنظر إلى رجل مرتين. ورفعت كوب الماء ترشف منه وهي تتساءل، أين ترى تشارلز الآن؟ ولكنها سرعان ما رأته يسرع نحوها، بقامته النحيلة وشعره الأشقر وبذلته الأنيقة

تحميل الرواية من هنا

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع