الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع
الكاتبة : جين لوغان
-----------------------
الملخص
------------
كانت عطلتها في كينيا قد تحولت إلي كارثة. فقررت نورما أن تصل الى وطنها, انكلترا عن طريق العمل على يخت آلان سان كلير. ولكن آلان كان رجلا جذابا جدا, ومركب صغير، ممكن ان يجمع بين شخصين معا, وربما لهذا السبب حذرها آلان قائلا: ” لا تضعي في رأسك أية خيالات رومانسية عني! ” ولكن هذا لم يمنع نورما من الوقوع في حبه .
ثم أدركت لماذا كان يبعدها عنه , عندما اكتشفت أمر جودي ويلفورد !
--------------------------------
الفصل الأول : في غابة الوحوش
--------------------------------
العاصفة كانت ما تزال تضرب التلال خلال فترة بعد الظهر ، ولكن نورما تطلعت الى السماء الافريقية الزرقاء قبل أن تخرج ، وقررت أن العاصفة ما تزال بعيدة عدة أميال .
ولكنها لم تكن كذلك .
الغيوم الراعدة المنذرة بالسوء ، تجمعت مثل كرات من الصوف الناعم القذر في السماء وتكثفت بسرعة هائلة فوق تلال "سيرتيجتي" ، ولم يعد الرعد صوت يأتي من البعيد بل أصبح دويا هائلا بعث الخوف في قلب نورما . فى مكان ما ، لمعت السماء بالبرق والرعد الغاضب دوى عبر التلال والأدغال الصفراء الجافة . وارتعدت نورما ودفعت المفتاح في لوحة إدارة سيارتها الفورد . ودار المحرك ببطء ثم توقف وتمتمت بالصلاة ، ثم حاولت من جديد ثم من جديد . أن تكون في قلب محمية طبيعية واسعة ، تحتوى على الأسود والضباع ، ليس المكان المناسب لهذا العطل .
إدارة المفتاح الآن أصبحت مجرد تكتكات لا طائل منها . فالبطارية كما يبدو قد استنزفت ، وضربت نورما المقود بغضب . ما هذا الحظ المثالي السيئ ! لابد ان النحس يلازمها منذ فترة ، ونظرت حولها الى الاجمة الجافة اللون ، بحر من العشب الجاف يمتد هنا وهناك ، الى جانب الأشجار الشوكية وكأنما تتوقع أن ترى عيون الأسود من خلالها .
ماذا ستفعل بحق الشيطان ؟ ليس مزاحا أن تعلق وسط طريق رملية في وسط "سيرنيجيتي" على بعد عشرة أميال من المخيم مع سيارة معطلة ، وبوجود عاصفة تتقدم بسرعة هائلة . لابد أنها كانت مجنونة لخروجها وحدها . لقد تركت زملاءها الخمسة الآخرين يلعبون الورق في المخيم ، لانها لم تكن راغبة فى إضاعة آخر يوم لها فى هذه المحمية الطبيعية سدي . فغدا سيعودون إلى "مومياسا" كي يصعدوا إلى متن زورق بيرت التجاري الكبير ويقلع بهم عائدين الى بريطانيا .
ونظرت إلى السماء ولم يفتها أن تلاحظ أن الوقت ما بين البرق وصوت الرعد قد بدأ يتضآءل ، فالعاصفة في طريقها الى هنا . فهل ستستطيع العودة الى المخيم قبل أن تنفجر ؟ واستدارت في مقعدها لتنظر إلى الطريق من خلفها .. لاشئ .. لايوجد أي أثر لسيارة آخري على الطريق الترابية الضيقة ، ولا أي شكل لحيوان بري . لاشئ سوي الأراضي الاستوائية المليئة بالعشب الجاف . والأسوأ من هذا كما ادركت نورما بمرارة ، أن ما من أحد قد يفكر بالخروج في مثل هذا الطقس . ولن يكون هناك أية حركة سير على الطرقات بعد ظهر هذا اليوم ، لا أحد فى الواقع سوى مجنون غبي يمكن أن يترك مخيمه .
- اللعنة !
وتذكرت التعليمات التى قالها لهم رئيس حرس المحمية ، بأن لا تضع قدمها خارج السيارة ضمن أراضي المحمية . وأضافت :
- "سيرنيجيتي" ليست حديقة حيوانات ، الادغال مليئة بالحيوانات التى تستطيع أن تهاجم البشر ، فلا تخرجوا من سياراتكم مهما كانت الأسباب .
وسأله أحدهم :
- وإذا تعطلت السيارة ؟
- عندها تغلق نوافذ السيارة جيدا وتجلس ساكنا فيها . فستصل النجدة إليك عاجلا أم آجلا . فنحن نقوم بدوريات على الطريق بإنتظام ، لذا فلا شئ يقلق . ولكن إذا خرجت من السيارة وحاولت أن تسير فكل ما سنجده منك بضع عظام فقط .
وقتها أصدرت نورما أصواتا تنم عن الرعب . ولكنها الآن وهي تتصب عرقا في السيارة ، بدت لها كلمات رئيس الحرس تهديدية أكثر منها واقعية ، فهي لم تشاعد حتى الان أي أثر لأي حيوان .
وعلى الفور اتجهت أفكارها إلى رالف كالعادة ، والى بعض الحركات الخفيفة ، ربما لم تكن منتبهة جيدا ، ولكن ما عدا بضعة طيور وسحالي غريبة الشكل ، كانت الغابة تبدو فارغة وكأنها آخر مخلوق حي على وجه الأرض ، ودوى الرعد بقوة ومسحت العرق عن شفتها العليا .
كم مرة يا ترى يجوبون المنطقة بالدوريات ؟ مرة في اليوم ؟ مرة في السنة ؟ وتنهدت بيأس ، لقد بدت لها فكرة زيارة أفريقيا : " كينيا ترحب بكم ، بمحمياتها الطبيعية وشواطئها الجميلة " كأفضل طريقة للتهرب من تحطم قلبها على ريد رالف كلارك ، ومن شكوكه التى حولت حياتها الى جحيم . لقد تخيلت أشجار النخيل والمشروبات الباردة اللذيذة ، والراحة حيث تستطيع الجلوس ومراقبة الحيوانات وهي تنظر إليها ،وتصغي إلى ضربات الطبول . وليس هذا .. هذه الأراضي القاحلة التى تظللها الآن الغيوم العاصفة ، وهذه الحرارة التى لاتحتمل ، وبالطبع لم تكن تتصور أن تعلق في سيارة مستأجرة على بعد أميال من اللامكان اللعين هذا ، دون امل فى النجدة ودون ماء ومسحت جبينها ، وحدقت فى الأراضي الجافة من حولها بعينيها البنيتين المضطربتين .
فكرة بانها ستصبح مشوية مثل الكركند خلال يومين أو ثلاثة تحت حرارة الشمس أو أن تموت جوعا ، أو أن تضربها صاعقة خلال الدقائق المقبلة ، بدأ يقنعها بأن اللقاء مع حيوان متوحش وجائع أكثر إغراء من هذا . عشرة أميال مسافة بعيدة للسير ، ولكن الطريق أمامها تبدو سهلة . وهي شابة كاملة الصحة لاتزيد عن الثالثة والعشرين ، حسنا : اثنان وعشرون وثلاثة أرباع . إذا تبللت بالمطر فهذا على الأقل افضل من الحرارة التى لا تحتمل داخل السيارة . إضافة الى أن احدا لن يعرف أين سيفتش عنها .
وأخذت قرارها وانزلت ساقيها الطويلتين من السيارة ثم أقفلت الابواب ، وبدأت السير فوق الطريق الترابية الحمراء باتجاه المخيم . كان الجو أبرد في الخارج . ونظرت خلفها الى السيارة الفورد الزرقاء ، وهي تشعر بانها اتخذت القرار المناسب . وابتسمت ابتسامة كشفت عن وجه جميل ومدت ذراعيها .. وتصورت لو أنها بقيت في السيارة طوال اليوم ! كم ستكون نهاية ساخرة لفتاة في الثالثة والعشرين ، تموت جوعا وراء مقود السيارة ، سجينة داخل قفص خائفة من الخروج الى العالم الواسع الردئ . علاوة على ذلك فهناك الإثارة في السير عبر عشرة أميال من المحمية المليئة بالأسود . وسوف تروي قصتها دون إكتراث بالطبع وهي ترى عيني رئيس الحرس تتسعان بذهول وإعجاب وهي تخبره ببرود أن محميته الثمينة ليست خطرة كما يعتقد .
ولكن بعد أن أوصلها الطريق التراب الصغير الى وراء التلة واختفت الفور عن ناظريها ، ووجدت نفسها وحيدة تماما فى أراض افريقية غير مأهولة ، بدأ قلبها يخفق وبدت الرحلة التى أمامها طويلة جدا ، وربما غير سارة . عشرة أميال ! مع كل هذه الاسود من حولها ! لقد شاهدتها تتمدد تحت الشمس قرب شواطئ بحيرة كبيرة . وبدت لها وكأنها قطط منزلية كبيرة . وتوقفت لتنظر إلى خلفها ، مستعدة للركض بكل قواها عائدة الى القفص الحديدي المتحرك الصغير ، بأبوابه القابلة للإقفال ، وسقفه المانع للمطر ومقاعده المريحة ، ودوي صوت الرعد من جديد . وابعدت الفكرة الجبانة عن ذهنها ، وتابعت سيرها بشجاعة .
وتطلعت بذهول إلى التلال المنبسطة والاشجار الشوكية ، وهي ضائعة عن العالم من حولها . وخق قلبها لشعورها بحرارة هذه الاجمات . واحست بشئ يقطع الطريق خلفها ، انها واثقة بأنها سمعت صوتا . ووقفت متوترة ، ترهف سمعها لتسمع تكرار الصوت . هل هي مخالب أم حوافر ؟ ربما يكون غزالا صغيرا . ولمعت السماء مجددا ، ثم انفجرت ودوي الرعد اصبح اقرب . وتابعت نورما طريقها بقلق ، وهي تشعر بضعفها أمام الغابة الواسعة . كانت قد اختارت أن ترتدي حذاء رعاة بقر وهو حذاء جميل طويل الساق اشترته من "مومباسا" ولكن الكعب العالي اخذ يلتوي داخل الرمال الحمراء ، ومسحت العرق عن شفتها العليا ثانية ، وهي تفكر ما إذا كانت الريح تحمل رائحتها ، وما إذا كان هناك أنف حيوان أسود يشم بفضول هذه الرائحة الغريبة ، المؤلفة من حرارة البشر وقماش والجلد والعرق وعطر "ديوريسيمو"؟
واتسعت الارض أمامها ، وعادت تفكر برالف ، كانا قد اتفقا على الانفصال لمدة ثلاثة أسابيع . وكانت ستمضى هذه المدة في أفريقيا ، وسيتابع هو عمله في الوطن . فماذا سينتظرها ياترى عندما تعود ؟ مواساة رقيقة ؟ انا آسف يا حبيبتي ، ولكنني لا استطيع ان اتابع معك ؟ أو ليس هناك شئ من الافكار الساخرة تتسلل إلى ذهنها عندما تفكر برالف ؟
ماهذا الصوت ؟ بالطبع لا يمكن لمخلوق ان يسمع وقع اقدامها فوق الرمال الناعمة ؟ فكل شئ لابد ان يكون محتميا تحت شجرة الآن . منتظرا قدوم العاصفة . كم يا تري سارت حتى الآن ؟ ربما ميل ، وربما أقل . ونظرت إلى الوراء من فوق كتفها باضطراب . سيكون رائعا العودة الى شاطئ البحر .
في البداية كانت ستسافر إلى كينيا بالطائرة ، ولكن عندما اكتشف رالف أن صديقه بيتر آشتون كان ينوي السفر بقاربه من انكلترا إلى افريقيا أصر على أن هذه هي الفرصة المثالية لها . وماذا تطلب أكثر ، بيتر ورفاقه الأربعة يخططون لزيارة "سيرنيجيتي" .. وتستطيع الذهاب معهم ، أليس كذلك ؟ ولم تكن نورما متحمسة في البداية ، فهي لا تثق ببيتر ولا بالزمرة الفاسدة التى يسافر معها . إضافة إلى أن الرحلة البحرية سوف تضيع جزءا من وقتها الذى ستقضيه في "سيرنيجيتي " . ولكن رالف أصر وكعادتها فعلت ما طلبه منها .
الرحلة من بريطانيا كانت مريحة . واكتشف الخمسة شبان وشابات ، ان نورما ليست من طبقتهم ، وهذا ما جعلها تشعر بالسعادة ، لأنهم تركوها تفعل ما يحلو لها . فتمددت تحت الشمس ، قرأت القصص الرومانسية ، وراقبت الآخرين يمتعون أنفسهم بطريقتهم الخاصة . ولكنها كانت تتساءل ماذا سيقول والدها عن رفاقها الخمسة فى رحلتها . الخمسة المشهورين ... كما سمتهم فى نفسها .
على الرغم من السماء التى بدأت تظلم ، كانت الطريق أمامها تلتمع من الحرارة . وأحست بالحرارة الزائدة . ونظرت ثانية من فوق كتفها . وكان صعبا أن تبعد الشعور المخيف عنها بأن شيئا ما يراقبها . ربما كان من الأفضل أن تبقى فى السيارة .... هل سيكون لدى المشهورين الخمسة عقلا كافيا لبدء حملة تفتيش عنها ؟ ونظرت فى ساعتها . حتى الآنه ، لابد أنهم يد بدأوا خامس جولة من لعبة القمار فيما بينهم ، ويضحكون بهستيريا على نكاتهم السخيفة الخاصة . وابتسمت لنفسها : كان يلزمها هذه العطلة لتعرف تماما ما هى نوعية أصدقاء رالف . وعادت إلى النظر خلفها . قميصها "التى شيرت" كان مبللا ، ويلتصق بجسدها بشكل غير مريح ، عندما تعود إلى المخيم سوف تأخذ حماما ساخنا وتتناول شرابا باردا ، ثم ستطلب ، عصيرا غنيا من ....
صوت خفيف جعلها تلتفت بذعر . لابد أن شيئا هنا . شئ كان يتبعها بين الأعشاب المرتفعة ، ووقفت مسمرة فى مكانها ، وأذناها ملأتها رعبا . الضباع ! وفكرت برؤوسها الكبيرة البشعة ، وفكها القوى الكبير القادر على طحن العظام وكأنها البسكويت الهش ، وأسنانها القاطعة . لقد عرفت ان الضباع ليست كما هو الرأى السائد حيوانت تقتات ببقايا الجثث فقط ، بل أنها الحيوانات المفرتسة الأكثر قساوة ، ووحشية فى أفريقيا .
- أوه يا ربى ...
وتنفست بصعوبة ، ووجهها البيضاوى أصبح شاحبا من التوتر . عادت تصغى ...
البرق كان مثل شعلة من نار بيضاء ، والرعد يدوى فوق رأسها ، بصوت وكأن يد عملاق قد شقت السماء إلى نصفين . وحدقت نورما بقلق ، وبدأت أولى قطرات المطر الكثيف تنهمر ، تنتشر فوق الرمال الحمراء وكأنها بقع الدم . والطريق إلى المخيم يمتد دون نهاية فوق الأراضى الخالية المشؤومة . ما الذى دفعها للاعتقاد بأن أفريقيا كلها غابات من أشجار الموز المتمايلة ؟ هذه السماء الرمادية الممتدة الأطراف تبدو دون شفقة مثلها مثل الصحراء التى تحتها تماما ، والعشب فوقها جاف لا أثر للحياة فيه . حتى الأرض بدت ظمأى ، تشرب كل قطرات المطر الكثيفة التى تهطل ، وسارت إلى الأمام خائفة جدا ، تحت المطر المتزايد . وفى وقت قصير أصبحت مبللة تماما . وشعرها الأشقر الطويل ملتصق بوجهها ، يرشح بالماء على مؤخرة عنقها .
وهزت السماء رعدة أخرى . هذا الرعد لا يشبه الذى يحدث فى بريطانيا ، فهذا رعد متوحش ، بدائى ، عنيف جدا حتى وكأنه قادر على سحق العالم . وتقلبت العاصفة فوق الأفق من زاوية إلى أخرى ، فوق رأسها . ثم سمعت ذلك الصوت وراءها ثانية ، وهذه المرة كان أقوى من صوت المطر ، كان صوت تهشيم العشب ، ونظرت حولها ، هل كان هذا صوت المطر ، أو .... وبرز صوت شخير من بين العشب ، وبدأت تركض .
كان قلبها ينبض من حنجرتها ، ونفسها يخرج منها بألم ، ووقعت فوق الرمال الحمراء ونهضت ، ثم انزلقت من جديد ، المطر الشديد كان يجعل من الطريق مستنقعا ، وأخذ حذاؤها الأنيق ينزلق من تحتها . ونظرت إلى الخلف وتجمد الدم فى عروقها ... شكلين أسودين كانا يقفزان وراءها على الطريق ... الضباع ! .... وأسرعت إلى الارتماء بين الأعشاب المرتفعة ، لو أنها بقيت ساكنة هناك ، هل سيضيعان أثرها ؟ لا ... سوف يلتقطان رائحتها ، الرائحة البشرية المميزة التى ستقول لهما ان طعامهما اصبح قريبا منهما . وملأت الفكرة قلبها بالرعب . ووقفت على قدميها ، وركضت كالعمياء فى الوحل . مفتشة بياس عن شجرة أو أى شئ تختبئ فيه . ودون أن تشعر أخذت تصرخ باسم رالف .... " رالف ... أرجوك انجدنى .... "
ونظرت خلفها نظرة مجنونة ، كانا يتبعانها ! الشكلين الأسودين المخيفين ! رأساهما منخفضان إلى الأرض ، ويقتربان منها بثبات . وأحست باليأس ، لقد أصبحت مرهقة جدا ، ولم تعد تستطيع الاستمرار ، وسقطت على ركبتيها . وقلبها يخفق وكأنه سينفجر وفمها قد جفا من الخوف .
فجأة لمع ضوئين أمامها عبر المطر المنهمر ، وبدأ شكل أبيض كبير يظهر أمامها . وكاد قلبها يتوقف ، ثم عاد يخفق لكن من الفرح . انها سيارة ، رانج روفر ، تشق طريقها فى الوحل باتجاهها . وبآخر شعلة من الطاقة بداخلها ، وقفت على قدميها وأخذت تلوح . وانفجر الرعد ثانية ليصم أذنيها ، وتوقفت السيارة أمامها . وقفز منها رجل طويل يرتدى حذاء مرتفع الساقين ، وسترة جلدية .
وتعثرت فى مشيتها مندفعة إلى ما بين ذراعيه ، وأخذت تضغط وجهها على صدره الواسع ، وتمتمت بالشكر ، بعد أن لفتها ذراعاه القويتان . ثم أنهارت ساقاها وتمسكت به حتى أنه اضطر إلى حملها وجرها إلى السيارة ليضعها فى المقعد الأمامى ، وأغمضت عينيها فأحست أنها على وشك الاغماء ففتحتهما ،
وقال لها الرجل الأسمر الملتحى :
- أهلا بك فى السيارة .
- أحمد الله أنك أتيت !
وشهقت وأخذت تحدق بعينيه الرماديتين ، وقالت :
- لقد أنقذت حياتى ! كانت الضباع تطاردنى .... اثنان منها ...
- الضباع ؟
الصوت العميق كان غير مصدق لكلامها . وتبعت نورما نظراته ... وعلى بعد عشرات الأقدام تحت المطر ، كان يقف اثنان من الخنازير البرية الصغيرة ، ووجهاهما بديا سخيفان من الوحل والمطر . واستدارا راكضين ، نحو الأجمة ، فصاحت :
- أوه ...
- لا تبدى هكذا وكأن املك قد خاب . فقد كان يمكن بسهولة أن يكونا من الضباع .
وسارا مبتعدين ليلتف حول السيارة ويجلس وراء المقود ، مضيفا :
- ماذا كنت تفعلين هنا على كل الأحوال ؟
ونظرت إلى الوجه الملتحى بابتسامة ودودة :
- لقد تعطلت سيارتى ، فقررت أن أعود إلى المخيم سيرا .
- فى هذه العاصفة ؟ لوحدك ودون سلاح ؟
- حسنا ... لم أكن أعرف ما إذا كان سيأتى أحد لنجدتى هناك . وشكر لله أنك أتيت . المسافة ليست أكثر من عشرة أميال ، ولم أكن أعتقد أن العاصفة ستنفجر باكرا ...
- ليس عليك أن تدافعى عن نفسك ، إذا كنت تنوين قتل نفسك فهذا من شأنك .
وأجال النظر فيها بهدوء وأضاف :
- لقد أوقعت نفسك فى ورطة أيتها الشابة .
وأدركت فجأة أن سترتها الجلدية مفقودة فقالت بحزن :
- أوه ... سترتى ! لقد أوقعتها فى مكان ما على الطريق !
- عندما طاردتك الضباع ؟
واحمر وجهها لهذه السخرية الرقيقة :
- فيها كل مالى ... ومفاتيح السيارة .....
ورفع يده السمراء القوية :
- أوكي .. لقد وصلتني الرسالة ، سوف نلقي نظرة.
وادار السيارة بلمسة ، وسارت بهما فوق الطريق الرملي الأحمر كالدم . ونورما تحدق خارج النافذة . وهي تشعر ببعض الاضطراء لوجود هذا الغريب الهادئ قربها . وقالت :
- شكرا لأنك أنقذتني .. لست أدري ماذا كنت سأفعل لو لم تصل .
- لا شكر على واجب ، لايمكن أن يجد الانسان غريبة جميلة تعانقه كل يوم .
ونظرت إليه بسرعة ولكن وجهه أو ما استطاعت ان تراه منه ، كان هادئا ، وسألته :
- هل أمضيت وقتا طويلا في التفتيش ؟
- لم أكن افتش ابدا . فى الواقع كنت في طريقي لمقابلة صديق لي .
أخلاقه كانت على ما يبدو لطيفة ، واللحية الكثة أعطته منظرا متوحشا تقريبا ، وبحذائه الطري وملابسه العسكرية المموهة ، يمكن أن يكون جنديا أو حطابا . ولكن صوته كان هادئا ومتسلطا ويداه فوق المقود قويتان ومن الواضح تعودهما على العمل القاسي ، ولكنهما لم تكونا خشنتنان ، والتقت عيناه الرماديتان بعينيها ثانية ، وفيهما لمحة ساخرة :
- أرجو أن تكوني مبقية نظرك على سترتك الثمينة .
وابعدت نظرها عنه ونظرت إلى الخارج وقد احمر وجهها .
- ها هي هناك !
وأسرعت بالنزول من السيارة مسرعة لالتقاطها ، وانزلق حذاء رعاة البقر الذى ترتديه ، فوجدت نفسها وهي تشهق جالسة على مؤخرتها بألم وسط بحيرة كبيرة من الوحل واكتست باللون الأحمر ، وكافحت لتقف ونظرت الى خلفها نحو السيارة ، والتقطت سترتها وتفحصت وجود المفاتيح ، ثم سارت عائدة الى السيارة ، وهي تمسك بذراعها الذى اصيب بالخدوش .
وما إن فتحت الباب حتى تفحصتها عيناه بقلق وقال لها بهدوء :
- هل لديك فكرة عن الحالة التى أنت فيها ؟
ونظرت إلى بنطلون الجينز الذى ترتديه وإلى الوحل العالق بكل شئ فيها ، والسترة المتسخة على ذراعها ، ومسحت شعرها الاشقر تبعده عن عينيها ، ونظرت إليه .
- أنا آسفة !
- إنها ليست سيارتي .
ولكنها أحست بأنه يضحك عليها ، وتابع :
- ولا أريدك ان تفسدي المقاعد فيها يا آنسة ..
- ليستر ... نورما ليستر .
- آنسة ليستر ، أنا واثق بأنك ستجدين مكانا تجلسين فيه في المؤخرة ، ربما فوق الإطار الاضافي ؟
وتسلقت المؤخرة بائسة . وحشرت نفسها بين علبة العدة والإطار الاضافي ، وهي تشعر تماما كأنها كلب موحل أبعده أصحابه ، وسألته :
- ماذا عن سيارتي ؟
- اعتقد انها مؤجرة ؟ الافضل ان تتركيها حيث هي .. واتصلي بالشركة من المخيم .
- أوه .. لقد أنقذت حياتي فعلا . لو لم تجدني الضباع لضربتني صاعقة .