الكلمة الأخيرة

الفصل الأول
" الملازم صبرى محمد المصرى ؟!... رفع (صبرى) يده بالتحية العسكرية، أمام ذلك الضابط العظيم، الذى استقبله فى حجرة مكتب صغيرة، فى معسكر تدريب قوات الصاعقة، وهو يتساءل فى أعماقه، عن سر استدعاء ضابط كبير كهذا، لملازم شاب مثله، ولكنه - كعادته - حافظ على ثباته، وملامحه الجامدة، ووقفته العسكرية الصارمة: - أفندم . تطَّلع إليه الضابط الكبير فى اهتمام، من رأسه حتى بيادته الجلدية الثقيلة، وكأنما يحاول التأكَّد من أنه الشخص نفسه، الذى أتى من أجله، قبل ان يفتح ملفاً امامه، ويطالع أوراقه لحظات: - تبلى بلاءاً حسناً، فى قوات الصاعقة أيها الملازم غمغم (صبرى): - أؤدى واجبى فحسب. لم يرفع الضابط الكبير عينيه عن الأوراق: - تقارير قادتك تؤكَّد، أنك شخص شديد الألتزام، جم النشاط، تؤدى المطلوب منك دوماً، فى سرعة ودقة، وتخطط جيداً، لكل عملية تقوم بها. كرَّر فى خفوت: - أؤدى واجبى فحسب. تابع الضابط الكبير: - وفى الأسبوع قبل الماضى، خضعت لاختبار ذكاء خاص، مع عدد من زملائك الضباط، وفاقت نتائجك كل ما حققوه. انفرجت شفتا (صبرى)، ثم عادتا تلتقيان، وكأنما لا يجد ما يقوله، لم يفت هذا الضابط الكبير، فأغلق الملف، ورفع عينيه كاملتين إليه: - هل يروق لك العمل هنا أيها الملازم ؟! تمتم: - كثيراً يا فندم. عاد الضابط الكبير يفحصه بنظراته: - وماذا لو أنه هناك عمل آخر، يصلح لك أكثر ؟! حاول (صبرى) أن يشد قامته أكثر: - أنا فى خدمة الوطن، فى أى موقع يا سيدَّى. للمرة الثالثة، فحصه الضابط الكبير بنظرات ثاقبة، ثم دفع إليه ورقة صغيرة، وهو ينهض فى حزم: - تواجد فى هذا العنوان، فى السابعة من صباح الغد، واحرص على ألا يعلم بهذا أحد. التقط (صبرى) الورقة، فى حذر لم يفهمه، فى حين اتجه الضابط الكبير نحو باب الحجرة، دون أن يلتفت إليه: - لا تستشر قادتك ... نحن تولينا كل شئ ... نحن ؟!... لم يفهم (صبرى) ما يعنيه هذا الضابط الكبير بكلمة (نحن) هذه !!... أهو يعنى القوات المسلحة ؟!... أم جهة أخرى ؟!... قبل أن تتمادى تساؤلاته، أدار الضابط مقبض الباب: - بالمناسبة أيها الملازم ... احرص على نظافة زيك الميدانى وكيه. ثنم التفت إليه، مستطرداً: - لأنك لن ترتديه مرة أخرى ... أبداً. اتسعت عينا (صبرى)، والعبارة الأخيرة تخترق قلبه، كسيف بارد شديد الألم ... كيف ؟!... كيف يمكن ألا يرتدى ثانية ذلك الزى، الذى يعشقه، ويشعر بالفخر لإنتمائه إليه ؟!... كيف ؟!... ظلت الفكرة تؤرقه، على الرغم من انشغاله بما حدث، حتى أنه لم يغمض له جفن طوال الليل، إلى أن وجد نفسه يقف، فى السابعة إلا الربع صباحاً، أمام ذلك العنوان، الذى تركه له الضابط الكبير ... العنوان الذى زاد من حيرته، منذ لقاء الأمس ... والذى لا يمكن أن يخطئه أحد ... عنوان مبنى المخابرات العامة المصرية ... عند البوابة، التى تم تحديدها فى العنوان، قدَّم بطاقته العسكرية، فاستقبله رجال امن البوابة فى احترام، وسرعان ما أتت سيارة، حملته بزيه المدنى إلى أحد المبانى فى الداخل، حيث أدخلوه إلى حجرة واسعة، لم تحو سوى مكتب بسيط، وثلاثة مقاعد احدها خلف المكتب، وصورة كبيرة لرئيس الجمهورية آنذاك، ومرآة متوسطة، على جدار الجانب المقابل من الحجرة ... مضت نصف الساعة تقريباً، وهو يجلس وحده فى الحجرة، قبل أن يدخل إليه رجل طويل القامة، رياضى القوام، صافحه فى قوة، مع ابتسامة هادئة ودود: - السيد (صبرى محمد المصرى) ؟! رفع (صبرى) يده بالتحية العسكرية، على نحو غريزى: - الملازم (صبرى محم ...) قاطعه الرجل بابتسامة هادئة: - لا توجد أية رتب أو ألقاب هنا. ثم دار ليجلس خلف المكتب: - اللقب الوحيد المستخدم هنا هو (السيد). غمغم: - قرأت شيئاً عن هذا. منحه الرجل ابتسامة ودود أخرى، ثم فتح درج المكتب الوحيد، وأخرج منه ما يشبه كراس كبير، وضعه أمامه، مع مجموعة من الأقلام. - عليك ان تملأ هذا. لاحظ (صبرى) شعار المخابرات العامة على الغلاف، وقلَّب الصفحات فى سرعة: - كل هذا ؟! نهض الرجل فى هدوء: - نعم … كله ... خذ وقتك. وتركه، وغادر الحجرة بنفس الهدوء، الذى يتميَّز به ... فتح (صبرى) الكراس، وكان يحوى عدداً من الأسئلة، عن كل شئ فى حياته تقريباً، وعن اقاربه، حتى الدرجة الثالثة، وزوجات وأزواج أقربائه، وبيانات أخرى، أدهشه أن يطلبها منه أحد ... ولكنه التقط قلماً ... وبدأ الإجابة ... عن كل الأسئلة ... "( صبرى) ... لماذا تبدو شارداً ؟!..."... التفت إلى خطيبته الرقيقة، التى نطقت العبارة فى خفوت قلق، وحاول أن يبتسم، وهو يجيبها: - كنت أفكَّر فى حفل زفافنا المقبل. اقتربت منه فى حنان: - ألا ينبغى أن نفكَّر فى هذا سوياً. مرة أخرى حاول أن يبتسم: - بالتأكيد. كانت تشعر بشئ من القلق فى أعماقها؛ فهى تعرفه منذ طفولتهما، بحكم كون العائلتين متجاورتين، وتدرك جيداً، أنه يخفى شيئاً ما ... ولكنها، وبحكم معرفتهما، لم تحاول أن تسأله ... ربما لأنها واثقة من أنه لن يجيب ... " لا ريب فى أنك ترغب فى إنجاب ذكور "... ابتسم، وهو يلتفت إليها متسائلاً، فتابعت فى خجل: - عائلتك كلها عسكرية، ولا ريب فى أنك ترغب فى أن يسير أولادك على النهج نفسه ! داعب شعرها فى رفق: - عائلتك أيضاً عسكرية. هزَّت رأسها نفياً: - والدى فقط ... وكنا قلما نراه، أو نحظى بوجوده. ثم استدركت فى سرعة: - روبما لهذا لست أرغب فى أن يصبح أولادى عسكريين. تمتم: - سيضعهم الله سبحانه وتعالى حيثما يريد لهما. قالت فى إصرار: - على ألا ينخرطوا فى العسكرية. ضحك: - هناك أمر ضرورى فى البداية. سألته فى قلق: - أى أمر؟! أطلق ضحكة مرحة: - أن ننجبهم أولاً. ضحكت فى حياء، وهى تشيح بوجهها، وضحك هو ايضاً فى مرح حقيقى ... ثم عاد ذهنه يشرد ... وفى هذه المرة، لم تحاول سؤاله ... أبداً ... * * * انهمر الجليد السوفيتى فى كثافة، فى تلك الليلة، وانخفضت درجات الحرارة، على نحو غير مسبوق، مما بررَّ ذلك الدخان الكثيف، المتصاعد من مدفأة منزل الكاتب السوفيتى الشهير (أندروفيتش)، فى نفس الوقت، الذى شهدت فيه تلك الشوارع، شبه الخالية، بعد منتصف الليل، حركة غير طبيعية، لجنود مدججين بالسلاح، ينتشرون فى كل الطرقات، ويحاصرون المبنى فى حذر ... وعبر نافذة المنزل، المطلة على الساحة، ألقت (ساشا)، زوجة (أندروفيتش) نظرة من خلف الستار، وارتجف صوتها، فى رعب حقيقى، وهى تقول: - (أدرو) ... إنهم هنا. غمغم فى توتر، وهو يلتقط كومة أخرى من الأوراق، ويلقيها وسط نيران المدفاة: - كنت أعلم أنهم لن يتأخروا. تمتمت شبه باكية: - لقد حذرتك. التقط رزمة أخرى من الأوراق فى توتر: - هذا آخر شئ ... لن يجدوا دليلاً واحداً. انهارت على مقعد قريب: - وهل تعتقد أن أمثالهم يحتاج إلى دليل ؟! اعتدل، يراقب الأوراق تحترق فى نيران المدفأة، قبل أن يلتفت إليها فى يأس: - كلا. لم يكد ينطقها، حتى اقتحم رجال الامن المكان، فى عنف شديد، أطاح بباب الشقة، واندفعوا يحيطون بالكاتب وزوجته، التى انهارت تماماً، فى حين هتف هو: - فلتحيا الحرية. عبر الجنود شاب أشقر الشعر، ضيق العينين، عريض الفك، وضع على رأسه قبعة من الفراء، ويدَّخن سيجارة سوفيتية نفَّاذة الرائحة، وغمغم فى برود قاس: - الحرية شئ جميل. ثم ألقى السيجارة على سجادة المكان، وسحقها بقدمه فى هدوء: - ولكن مفهومه يختلف، من وطنى إلى خائن. بكت زوجة (أندروفيتش) فى انهيار، فى حين سأل هو فى عصبية: - ومن تعتبر نفسك منهما أيها الضابط ؟! هزَّ الضابط الشاب كتفيه، بنفس البرود: - من موقعى أم من موقعك أ يها الرفيق ؟! أجابه فى حدة: - من وجهة نظر الحرية. أشعل الضابط ال شاب سيجارة جديدة، انتشرت رائحتها، مع التيار البارد المتسلَّل من الباب المكسور: - حرية الشعب، تحتم احياناً قهر حرية الفرد. هتف (أندروفيتش): - أهذا ما علموك إياه ؟!. اما زوجته، فراحت ترتجف: - أرجوك ... أنا لم أفعل شيئاً ... لا أريد ان أموت فى (سيبريا) ... أرجوك. ألقى الضابط الشاب عليها نظرة، خالية من أى تعاطف، قبل أ ن يلتفت إلى زوجها: - الأمر لا يتَّعلق بما علمونى، ولكن بما أؤمن به. قلب (أندروفيتش) شفتيه فى ازدراء: - كل رجال الامن، يؤمنون بمبدأ مقايضة الأمن بالحرية. نفث الضابط دخان سيجارته فى برود: - هذا ما يحافظ على العلم السوفيتى خفاقاً. هتف الرجل: - العلم سيسقط، كما سقطت انظمة كثيرة من قبل ... كل نظام اعتمد على القهر، انتهى به الأمر للسقوط. انعقد حاجبا الضابط الكثين، ومال نحوه، فى صرامة قاسية: - أهذا ما تتصوَّره ؟!... أهو ما دفعك للعمل مع الأمبراليين ؟! شدَّ الرجل قامته فى اعتداد: - أنا اعمل من أجل الحرية فحسب. انهارت زوجته، فى هذه اللحظة، وتشبثت بسروال الضابط الشاب، هاتفة فى رعب: - لا أريد أن أموت فى (سيبريا) ... أرجوك. دفعها بقدمه فى قسوة، وهو يخرج مسدسه: - لن تموتى فى (سيبريا). وأطلق رصاصتين على رأسها، متابعاً فى قسوة وحشية: - ستموتين هنا. صرخ الكاتب مصعوقاً، وهو يرى عينا زوجته تجحظان، والدماء تتفجَّر من رأسها، قبل ان تسقط جثة هامدة: - (ساشا) ... لا .... أيها الحقير. وثب نحوه، ولكن أحد رجال الضابط واجهه بضربة قوية، على مؤخرة رأسه، من كعب مدفعه، فسقط إلى جوار زوجته، وغاص كفاه فى دمائها، وهتف فى تخاذل: - أيها الوحوش. صوَّب الضابط مسدسه، إلى رأس الرجل، وهو يقول للجنود: - شاهدتم كيف قاوم ... أليس كذلك ؟! ثم أطلق رصاصتين على رأس الكاتب، وهو يتراجع خطوتين، حتى لا تلوَّث الدماء المتناثرة ثوبه، وبعدها أعاد المسدس إلى جرابه فى هدوء قاس، والتقط جهازه اللاسلكى: - حدث ما توقعته تماماً، أيها الرفيق الجنرال ... لقد قاوما ... بالطبع ... قمت بتصفيتهما كما أمرت ... المهمة تمت بنجاح ... الملازم (سيرجى كوربوف) فى خدمتك وخدمة الوطن والشيوعية دوماً، أيها الرفيق الجنرال.أدى التحية العسكرية، وكأنه يقف بالفعل أمام الجنرال، فأدى جنوده كلهم التحية بدورهم، ثم عادوا يقفون صارمين، فأشار إليهم: - ضعوا الوثائق التى أحضرتموها معكم هنا، وبعثروها فى المكان، ثم عودوا إلى ثكناتكم. وألقى نظرة أخيرة على جثتى الكاتب وزوجته، قبل أن يستطرد: - لقد تمت المهمة ... بنجاح. ودون أية مشاعر، استدار، مغادراً مسرح الجريمة ... أو مسرح العملية ... حسب الجانب، الذى تقف فيه ... * * * ارتسمت ابتسامة، على وجه رجل المخابرات (حسام)، وهو يدلف إلى حجرة مكتب (صبرى): - أخبرونى أن مولودك الأوَّل قد وصل. أومأ برأسه، فى شبه شرود: - نعم ... فجر اليوم. جذب مقعداً، وجلس امامه: - لماذا تبدو شارداً إذن ؟! حاول (صبرى) أن يبتسم: - ليس شروداً ... إننى مستغرق فى التفكير فحسب. تطَّلع إليه (حسام)، ثم مال نحوه: - ماذا أسميت مولودك الأوَّل ؟! غمغم: - (أحمد). تطَّلع إليه لحظات أخرى: - يلوح لى أنه ليس سبب شرودك. رفع عينيه إليه: - أخبرتك أننى مستغرق فى التفكير. هزَّ كتفيه: - فيم ؟!... لقد انجزنا مهمتنا الأخيرة بنجاح، ولا يوجد جديد حتى الساعة. تطَّلع إليه (صبرى) فى صمت لحظات، ثم حمل صوته كل الاهتمام: - صحيح أنها انتهت بنجاح، ولكن كان يمكن أن تكون أفضل بكثير، لو أن ... بتر عبارته دفعة واحدة، فسأله فى اهتمام: - لو ماذا ؟! تردَّد (صبرى) لحظات، ثم بدا بعدها، وكانه يحدَّث نفسه: - لو أن (مؤمن) كان أكثر مرونة، و(خالد) أكثر اتقاناً للفرنسية، ولو أن (عبد الرحمن) يمكنه أن يعدو أسرع، وإذا كان ... قاطعه بإشارة من يده: - مهلاً يا رجل، نحن نتحدَّث عن رجال مخابرات، وليس عن أبطال أولمبياد. تطَّلع إليه (صبرى) لحظات، ثم تنهَّد: - أعلم. ابتسم (حسام): - يبدو أنك تشاهد الكثير ، من الأفلام الأمريكية والإنجليزية. سأله (صبرى) شبه شارد: - تقصد أفلام الحركة ؟!. أجابه: - بل افلام الجاسوسية ... لقد صنعوا أبطالاً وهميين، يستحيل أن تجد مثلهم فى عالم الواقع. بدا وكأن العبارة قد جذبت انتباهه فى شدة: - ولم لا ؟! هزَّ (حسام) كتفيه، وقلب كفيه: - لأنه على شاشة السينما، يمكن للبطل أن يمتلك كل ما يريده كاتب السيناريو والمخرج من قدرات، دون أية حدود، كما يوجد بدلاء؛ للقيام بالأدوار الخطرة، والمشهد الواحد يمكن إعادته عدة مرات، وإصلاح الأخطاء فى كل مرة، أما فى عالم الواقع، فالأمر يختلف تماماً. بدا (صبرى) شديد الاهتمام، وهو يسأله: - ولماذا ؟! تطَّلع إليه (حسام) لحظات فى دهشة، ثم مال نحوه: - ماذا بك اليوم ؟! أجابه فى سرعة: - لا شئ ... إننى أسألك فى جدية ... لماذا لا يمكن أن يكتسب رجل، فى عالم الواقع، قدرات البطل السينمائى. هتف: - لأنها مستحيلة ! بدا (صبرى) شديد الإصرار: - ولماذا مستحيلة ؟! مال (حسام) نحوه أكثر: - هل تعلم كم يحتاج اللاعب الأوليمبى؛ ليتفوق فى مهارة واحدة ؟! أجابه فى جدية: - هذا يتوَّقف على مهارة مدربه. اعتدل (حسام): - فى كل الأحوال هى سنوات. بدت علامات التفكير على (صبرى)، فى انعقادة حاجبيه، فتابع: - وهذا بالنسبة لمهارة واحدة، فما بالك بعدة مهارات. تراجع (صبرى) فى مقعده، وبدت عليه علامات تفكير جدى، مع صوته الشارد: - هى مسألة عمر إذن ؟! أجابه (حسام) فى إصرار: - وقدرات أيضاً. كرَّر (صبرى)، وكأنه سابح فى عالم آخر: - عمر وقدرات. أطلق (حسام) زفرة طويلة، وهو ينهض: - يبدو أنك تحتاج إلى إجازة. أسبل (صبرى) جفنيه: - هذا صحيح. استند براحتيه على سطح المكتب: - قم بها إذن ... اقض أسبوعاً مع زوجتك ... ستحتاج لوجودك إلى جوارها، فى هذه المرحلة. واتجه نحو الباب، والتفت إليه،وهو يفتحه: - واعط عقلك إجازة أيضاً؛ فهو فى أشد الحاجة إليها. ابتسم (صبرى) ابتسامة باهتة، حتى غادر (حسام) المكتب، وأغلق بابه خلفه، فرفع ذراعيه، واستند إلى ساعديه برأسه، وعاد يردَّد: - العمر والقدرات. وكان من الواضح أنه هناك فكرة تسيطر على عقله ... بل على كيانه كله ...
تماماً...
* * *
حملت ملامح (دافيد جراهام)، رجل (الموساد) الإسرائيلى كل التوتر، وهو يقف أمام رئيسه، فى ذلك المبنى، الذى يتوَّسط مقر (الموساد) فى (إسرائيل) : - كيف خسرت تلك العملية يا (جراهام) ؟!... لقد كلفنا هذا الكثير جداً. غمغم (جراهام) : - لقد باغتونا يا جنرال، و ... قاطعه الجنرال فى حدة: - أهذا عذر أم ذنب ؟!... المفترض أن تضع خطتك، متضمنة كل الاحتمالات، وألا تترك بها ثغرة، تسمح لأحد بمباغتتك. زفر فى توتر: - بالتأكيد يا جنرال. قال الجنرال، فى غضب صارم: - نحن نعد هذه ال خطة، منذ عامين، فكيف أفشلتها، فى أقل من ساعتين. غمغم: - إننا نواجه عقلاً مختلفاً هذه المرة. سأله الجنرال: - ومن هو؟! هزَّ (جراهام) رأسه فى بطء: - لم نتوَّصل إليه بعد. بدا الجنرال شديد الصرامة: - استخدم كل مصادرك ... كل عيونك ... كل من يعملون لحسابنا، على نحو مباشر فى (مصر) ... المهم أن تعرف من صاحب هذه العقلية الجديدة. غمغم: - إنه مخطَّط، من الطراز الأوَّل ... لاعب شطرنج، لا يشق له غبار ... يستخدم تكنيكات جديدة، والتفافات مبتكرة، حتى أنه نجح فى زرع أحد عيونه وسطنا. اعتدل الجنرال على مقعده فى صرامة: - اجلس مع مجموعة الخبراء، وحاولوا دراسة أسلوبه، ونمط تفكيره وتخطيطه ... حاولوا أن تكونوا لاعبى شطرنج، أكثر حنكة ومهارة منه. شدَّ (جراهام) قامته : - سيستغرق هذا بعض الوقت. التقط رئيسه قلماً، ودفن وجهه بين أوراقه، وكأنما يعلن نهاية المقابلة: - اختصروه بقدر الإمكان. تمتم (جراهام)، وهو يغادر المكان: - سنحاول . سألته (راشيل)، زميلة دفعته، وهى تستقبله خارج مكتب رئيسهما: - هل أنبك ؟! أشار بيده : - بل فعل ما هو أكثر . سألته فى تعاطف : - هل يوجد ما يمكن أن نساعدك به ؟! التفت إليها: - تتحدثين بصيغة الجمع !! هزّت كتفيها: - كنت أقصدنى مع (دزرائيلى) . انعقد حاجباه: - (حاييم دزرائيلى) ؟! أومأت برأسها إيجاباً، فتابع: - ألم يتم زواجه على (إيفا) ؟! أجابته فى سرعة: - لقد عاد من إجازة الزواج . توَّقف، والتفت إليها: - (راشيل) ... مهمتنا هذه المرة ليست سهلة ... ستحتاج إلى جهد كبير، وتعامل مع جيش من الجواسيس والعملاء. غمغمت : - لقد اعتدنا هذا . سأل : - وماذا عن (دزرائيلى )؟! أجابت فى حسم: - أثق به تماماً. التقط نفساً عميقاً، وقال: - فلنبدأ إذن . وكان هذا إيذاناً بمعركة جديدة، ليس لها سوى نهاية واحدة ... الموت ... وبلا رحمة

إنتظر قليلا حتى يظهر الرابط



15 sec