الدائرة

الفصل الأول
: القاهرة .. أول يوليو 1945 م*
هز ذلك الموضف الحكومي رأسه في حيرة ، و هو يتطلع إللى الرمال ، الممتدة أمامه ، إلى آفاق البصر ، ثم عاد يهز رأسه ، و هو يلتفت إلى الرجل طويل القامة ، أبيض البشرة ، الذي يقف هادئا ، في حلته الأنيقة السوداء ، و طربوشه الأحمر الزاهي المفرود ، و شاربه الكث ، الذي يجمع بين شعيرات سوداء و حمراء ، و اتجه نحوه خطوتين ، و هو يسأله في صوت و لهجة ، شفتا بكل وضوح ، عما يعتمل في نفسه ، من حيرة و دهشة : ـ و لكن لماذا ؟ ابتسم الرجل ابتسامة هادئة ، و هو يستند إلى سيارته الفاخرة ، من طراز العام نفسه ، مجيبا : ـ لدي أسبابي .. أشار الموظف بيده إلى بحر الرمال مترامي الأطراف ، و هو يقول ، دون أن تفارقه دهشته أو حيرته : ـ و لكنها مجرد صحراء ، و بعيدة كل البعد عن العمران .. ثم مال نحوه ، مستطردا : ـ و لو أردت نصيحتي ، فهي لا و لن تساوي شيئا ، حتى و لو بعد قرون من الآن .. و ربت على كتفه ، مضيفا : ـ وفر نقودك يا بك ، و اختر منطقة أخرى .. في ( مصر الجديدة ) أو العباسية مثلا .. أزاح الرجل يد الموظف عن كتفه ، و هة يقول بكل صرامة : ـ هذه المنطقة تروق لي .. تردد الموظف بضع لحظات ، ثم عاد يهز رأسه في توتر : ـ لست أدري حتى ما إذا كانت متاحة للبيع ، أم .. قاطعه الرجل في صرامة أكثر : ـ عندي تصريخ بشرائها ، من دولة الباشا رئيس وزراء جلالة الملك .. تنهد الموظف ، و هو يهز رأسه للمرة الألف ، مغمغما : ـ فليكن .. سنعود إلى المكتب لاستكمال الإجراءات .. قالها ، و اتجه إلى حيث سيارة الرجل ، ثم توقف قبل أن يدخلها ، ملوحا بسبابته في تحذير : ـ ثمن المساحة التي طلبتها ، لن يقل عن ألف جنيه مصري .. غمغم الرجل ، و هو يحتل مقعد قيادة السيارة : ـ أعلم هذا .. و انطلق بالسيارة فوق الرمال ، التي تطلع إليها الموظف مرة أخرى ، و عاد يهز رأسه ، مغمغما : ـ للناس فيما يعشقون مذاهب .. و مع انطلاق السيارة ن ظل السؤال حائرا في نفسه .. ما الذي يمكن أن تساويه تلك الصحراء ؟ .. ماذا ؟ ..

إنتظر قليلا حتى يظهر الرابط



15 sec