أورار

الفصل الأوَّل
ساد هدوء شديد تلك المنطقة، أعلى جبل المقطَّم، حيث يقبع بناء كبير، من طابقين، على مساحة فدانين من الأرض ... وعلى عكس ذلك الهدوء الخارجى، كان المكان من الداخل يذخر بالحركة والنشاط، على الرغم من ان معظم من فيه يجلسون على مقاعد، أمام شاشات كمبيوتر، يتابعون ما يرسله ذلك التليسكوب الفلكى الرقمى الجديد (بحث)، والذى أطلقته (مصر) عام ألفين وثلاثة وثلاثين، والذى بلغت قوته حداً، جعله يغوص فى أعماق من الكون، لم يرها بشرى من قبل ... وبكل همة ونشاط، راح الدكتور (مراد) مدير ذلك المرصد الرقمى يتحرَّك؛ لمراجعة الأرقام، ومتابعة أخر الصور، وإعداد أجهزة البث والاستقبال الكونية الجديدة، المفترض ان ترسل الرسائل عبر الكون؛ للتعريف بوجودنا وحضارتنا، وتحاول أن تستقبل أية رسائل، قد تصلنا، من حضارات أ خرى متقدّمة، فى مكان ما فى الكون الفسيح ... وبينما كان الدكتور (مراد)، مدير المرصد، يراجع أحد أجهزة الاستقبال والبث، سأله أحد العلماء، فى صوت ولهجة، تحملان نبرة قلق: - أصحيح ما نفعله هذا، يا دكتور (مراد) ؟! التفت إليه فى حيرة: - ماذا تعنى ؟! أشار بيديه: - ألم تقرأ مقولة (ستيفن هوكنج) الشهيرة ؟! حمل صوته حيرة أكبر: - أيها ؟!... له مقولات كثيرة شهيرة !! أجابه، فى قلق عجيب: - كان دوماً من معارضى برنامج (كارل ساجان) * ، وكان يقول: لو أنك فى غابة، فهل من الحكمة أن تصرخ، معلناً وجودك. تطَّلع إليه الدكتور (مراد)، ثم هزَّ كتفيه: - الأمر هنا يختلف ... فالغابة يمكن أن تحوى وحوشاً مفترسة، ليس من الذكاء أن تعلمها بوجودك، أما الكون، فلو أن به مخلوقات عاقلة ذكية، فالأفضل أن تعلمها بوجودنا، وبحضارتنا. مال نحوه: - وماذا لو أنها حضارة متقدَّمة، ولكنها وحشية. ابتسم: - لا يتفق هذا وذاك؛ فلو أنها حضارة تستطيع استقبال رسائلنا، وفهمها، واستيعاب مضمونها، فسيعنى هذا أنها قد بلغت حداً من التطوَّر، تجاوزت معه مرحلة الوحشية. قلب الرجل كفيه: - لقد بلغنا هذا الحد من التطوَّر، ومازلنا نتقاتل ونتحارب، ويقتل بعضنا بعضاً. نطَّلع إليه الدكتور (مراد) لحظة فى صمت ... الرجل على حق، فى هذه النقطة الأخيرة .... على حق تماماً ... لقد بلغنا حداً من التطوَّر، يتيح لنا إرسال رسائل، ذات مضمون علمى، إلى حضارات أخرى، وربما استقبال رسائلها أيضاً إن وردت ... لكن أيعنى هذا أننا لم نعد وحشيين ؟!... مازلنا نتقاتل ونتحارب، ويسعى القوى فينا للسيطرة على الضعيف ... فماذا لو كشفنا وجود حضارة أخرى، يمكننا بلوغها ؟!... هل سنسعى لعقد صداقة معها ؟!... أم للسيطرة عليها ؟!... حيرته جعلته يربَّت على كتف الرجل، ويمنحه ابتسامة هادئة بقدر الإمكان : - اهتم بعملك فحسب. هم بالابتعاد لمواصلة جولته، عندما استوقفه الرجل: - هل سبق وأن تلقينا أية رسائل ؟! التفت إليه: - فى عام 1977م، تلقينا إشارة منظمَّة، لها إيقاع متغيَّر، على نحو يوحى بأنها مقصودة، وليست مجرَّد نبضات كونية. سأله فى شغف: - وماذا كانت تقول؟! ابتسم، وهزَّ كتفيه: - لم يمكننا حل رمزوها حتى الآن ... من الواضح انها مرسلة بلغة، لا تشبه أية لغة نعرفها، قديمة أو حديثة. حمل صوت الرجل الكثير من الانفعال: - هذا يعنى أنها مرسلة من حضارة عاقلة. هزَّ رأسه: - حتى هذا لم يثبت أبداً. بدا الإحباط على وجه الرجل، وأطل من صوته: - ماذا نفعل هنا إذن ؟! أجابه فى حزم: - نمارس عملنا. ارتفع صو ت الرجل: - أى عمل ؟!... أنا أراقب هذه الشاشات، منذ ثلاث سنوات، دون أن يتغيَّر شئ، ودون أن ينطلق ذلك الازيز، الذى لم نسمعه، إلا إثناء مرحلة التدريب. حاول تهدئته: - وهل تتوَّقع أن تصلنا رسالة كل أسبوع ؟!... الكون فسيح للغاية يا هذا، وعندما نرسل رسالة، محمَّلة على الليزر، إلى مجموعة شمسية، تبعد عنا ألف سنة ضوئية فحسب، لا يمكن أن نتوَّقع جواباً، قبل ألف عام أخرى، على الأقل. هتف الرجل: - والعكس صحيح أيضاً ... فلو أنه هناك حضارة عاقلة، أمكنها رصد وجودنا، وأرسلت إلينا رسالة تعريف، ستصلنا بعد بضع مئات من السنين، وعندئذ قد لا نكون هنا ... بل وقد لا يكونون هم أيضاً هناك ... ربما فنى كوكبهم، والرسالة فى طريقها إلينا. اقترب منه الدكتور (مراد)، فى حنان أبوى: - ماذا بك اليوم ؟! هتف: - سئمت. وصمت لحظة، بدا خلالها وكأنه يحاول كتمان دموعه، قبل أن يتابع: - عندما يسمعك الناس تتحدَّث عن عملنا، فى واحدة من تلك المقابلات الهولوفيزيونية، يبدو لهم عملنا مثيراً للغاية، فى حين أنه فى الواقع ليس كذلك أبداً ... أولادى يشاهدونك، فيتباهون بعملى، الذى لا طائل منه. هتف (مراد) فى دهشة: - لا طائل منه ؟!... كيف تقول هذا يا رجل ؟! أشاح الرجل برأسه، دون أن يجيب، فأطلق (مراد) زفرة كبيرة، قبل أن يربَّت عليه مرة أخرى: - هل تتصوَّر أن الدولة قد أنفقت المليارات، لإطلاق تليسكوب (بحث) فى مدار الأرض، وإعدادها هذا المركز، من أجل عمل بلا طائل ؟! غمغم: - وما الجدوى ؟! عاد يربَّت عليه: - من الواضح أن العمل قد أرهقك ... لماذا لا تحصل على إجازة للاستجمام، و ... قبل ان يتم عبارته، انطلق ذلك الأزيز بغتة ... الأزيز الذى لم يسمعه أحد، منذ مرحلة التدريب ... ولكن هذا الذى انطلق، لم يكن يشبه ما سمعوه أثناء التدريب ... كان أقوى وأعنف ... وبسرعة، ووفقاً لبرنامج ذلك الكمبيوتر الفلكى العملاق، راحت الشاشات كلها تندمج، فى شاشة واحدة كبيرة،تحتل نصف جدار، لتحديد نوع الإشارة، التى استقبلها المركز، وطبيعتها، ومنشأها ... وعلى الرغم من أن ذلك الكمبيوتر العملاق شديد التطوَّر، ومن أنه تتم مراجعة برنامجه كل أسبوع؛ للتيقن من أن كل شئ على ما يرام، اضطربت الشاشة الكبيرة على نحو واضح، جعل الدكتور (مراد) يغمغم: - ما هذا بالضبط ؟! اجتمع كل علماء المركز وموظفوه، امام الشاشة الكبيرة، التى راحت الأرقام والمعادلات تتراص عليها فى سرعة عجيبة، وتتداخل على نحو لا يتفق مع برنامجها ... ثم فجأة، انقسمت الشاشة الكبيرة، إلى ثلاث شاشات فرعية .... لم يكن هذا ضمن برنامجها، إلا أنه من الواضح أن الذكاء الاصطناعى للكمبيوتر العملاق، قد عدَّل البرنامج؛ ليتفق مع ما لديه من معطيات ... وهنا، انطلقت شهقة كبيرة، من حلوق الجميع ... فعلى كل من الشاشات الثلاث، بدت حزمة من ضوء أبيض مبهر، تنبعث من نقطة ما فى الكون، وتشق طريقها عبره، كما لو كانت حزمة ليزر عملاقة ... ولقد استغرق هذا ثلاث ثوان فحسب، ثم اختفى ... ولكن ما أذهل الجميع بحق هو الإحداثيات ... فكل شاشة، من الشاشات الثلاث الفرعية، نقلت المشهد نفسه ... ولكن الإحداثيات على كل منها كانت تختلف تماماً ... وبفروق شاسعة كونياً ... وكان هذا يعنى أن ذلك الحدث قد تم، فى ثلاث بقاع مختلفة من الكون، تفصلها عدة سنوات ضوئية، ولكنه حدث فى آن واحد تقريباً ... واتسعت العيون كلها، فى صمت ذاهل ... فما يرونه على الشاشات كان بالفعل مستحيلاً ... مستحيل علمياً، وفلكياً، وعملياً ورياضياً ...
وبكل المقاييس ...
* * *
انطلق (زاهر) وزوجته (جومانة) بسيارتهما، فى ذلك الطريق شبه المقفر، والذى بدا للزوجة وكأنه بلا نهاية، مما جعلها تقول فى عصبية: - أكان من الضرورى أن نتخذ هذا الطريق ؟! غمغم: - إنه يوفر ثلاثين كيلو متراً تقريباً. هتفت: - ولكنه مخيف. حاول أن يبتسم: - لو أننا فى فصل الصيف، لوجدته مكتظاً بالسيارات. بدت محنقة: - ولكننا لسنا كذلك. التقط نفساً عميقاً: - على اية حال، بقيت سبعة كيلو مترات، ونصل إلى الطريق الرئيسى. غمغمت فى سخط: - تبدو لى أشبه بسبعمائة كيلو متر. فقد أعصابه، فهتف بها: - أأنتن دوماً هكذا ؟!.... لما لا تصبرين قليل اً... الأمر يحتاج، بهذه السرعة، التى ننطلق بها، إلى دقيقتين فحسب ... ما الذى يمكن أن يحدث فى دقيقتين ؟! لم يكد يتم عبارته، حتى سطع ضوء ساطع مبهر فى أعينهما بغتة، على نحو جعله ينحرف بالسيارة، وهو يضغط فراملها فى قوة، وزوجته تطلق صرخة عالية، ملئوها الرعب والفزع، قبل أن تتوَّقف السيارة، إلى أقصى جانب الطريق ... فى هذ االوقت، كان الضوء الساطع يخفت تدريجياً، حتى بدا أشبه بمصباح كهربى قديم، فهتفت (جومانة) فى رعب: - ما هذا ؟! هزَّ رأسه، وغمغم، فى صوت شديد التوتر: - لست أدرى. ظلا جالسين فى مقعديهما، يتطلعان إلى الضوء، الذى مازال يخفت ... ويخفت ... ويخفت ... انتبها مع خفوته المتسارع، إلى أن مصابيح سيارتهما لم تعد تعمل، وأن تابلوه السيارة كله قد انطفأ، وكأن السيارة كلها قد تعطَّلت عن العمل ... وللتيَّقن من هذا، ضغط (زاهر) زر إشعال المحرَّك ... ولكن المحرَّك لم يعمل ... وأضواء السيارة لم تعد ... وذلك الضوء خفت تماماً، حتى صار أقل من ضوء شمعة، فانهارت (جومانة) باكية: - السيارة تعطَّلت ؟!... هل سنقضى الليل كله، فى هذا الطريق ؟! كانت الظلمة تحيط بهما من كل جانب، فارتجف (زاهر): - البديل الوحيد هو أن نترجّل، ونقطع الكيلو مترات المتبقية، سيراً على الأقدام . هتفت مرتجفة بدورها: - فى هذه الظلمة ؟!... مستحيل! كان ذلك الضوء الباهت يتلاشى، فحدَّقت إليه، مستطردة: - ودون أن نعرف ماهية هذا الشئ. غمغم: - ربما هو نيزك صغير. هتفت: - لم نسمع صوت ارتطام. حدَّق فى نقطة الضوء، التى تبقت: - ماذا يمكن ان يكون إذن ؟! مع آخر كلماته تلاشى ذلك الضوء فجأة، وسادت ظلمة مخيفة، لجزء من الثانية، سطعت بعدها أضواء السيارة بغتة، وارتفع صوت مذياعها، على نحو جعل (جومانة) تصرخ، وجسد (زاهر) كله يرتجف ... وعلى ضوء السيارة، الذى يشق ظلمة الطريق الموحش، لم يبد هناك أى أثر لأى شئ ... وبالتحديد، لمصدر ذلك الضوء الساطع ... استغرق ذهولهما ثانيتين فحسب، قبل أن تقبض هى على ذراع زوجها، هاتفة: - انطلق يا (زاهر) ... اخرج بنا من هذ االطريق ... ارجوك. رأته يحدَّق فى ارتياع، فى النافذة المجاورة لها، فارتجف جسدها، وهى تلتفت إليها، ثم اتسعت عيناها فى رعب، وأطلقت صرخة ... صرخة رعب هائلة، شقت ظلام المنطقة ... أو ربما ظلام الكون ... كله ... * * * شعر الدكتور (مراد) بتوتر شديد، وهو يجلس حول مائدة الاجتماعات، فى قصر الرياسة، مع رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للمخابرات العلمية، وثلاثة من أكبر مستشارى الرئيس العلميين ... كان الجميع فى صمت مهيب، يشاهدون ما سجلته شاشة الكمبيوتر الفلكى العملاق، حتى انتهت المشاهد، فغمغم أحد المستشارين العلميين : - إنها ظاهرة فريدة، لم أقرأ حتى عنها. تنحنح الدكتور (مراد): - طاقمى يؤكَّد أنها ليست ظاهرة كونية، يا سيادة المستشار. سأله الثانى: - ماذا يمكن أن تكون إذن ؟! تردَّد الدكتور (مراد) لحظات: - رسالة من حضارة متقدَّمة للغاية. تبادل جميعهم نظرة دهشة، حملت بعضاً من الاستنكار، فى حين بدا القائد الأعلى شديد الاهتمام: - ولماذا افترضوا هذا ؟! أشار بيده: - السنوات الضوئية، التى تفصل كل إحداثيات عن الأخرى، هى أرقام أوليَّة أيها السادة ... يمكن اعتبار الأمر مصادفة، لو أنه تم بين الإحداثيات الأولى والثانية، ولكن أن يتكرَّر مع الثالثة أيضاً، فهذا أمر يدعو إلى الكثير من التفكير . مرة أخرى، بدا القائد الأعلى أكثرهم اهتماماً: - ألديك الأرقام ؟! ضغط زر جهاز التحكَّم عن بعد، وأشار إلى الشاشة: - كلها هنا. طالعوا جميعاً الأرقام على الشاشة، وتراجع الرئيس فى مقعده: - كلها بالفعل أرقاماً أولية. أخرج أحد المستشارين الثلاثة كمبيوتراً صغيراً، راحت أصابعه تعمل عليه فى سرعة، قبل أن يغمغم: - ليست أرقاماً أوليّة فحسب. التفت الجميع إليه، فتابع فى شئ من الحماس: - يمكن أن تكون إحداثيات أيضاً. تمتم الرئيس، وهو يداعب ذقنه، فى تفكير قلق: - إحداثيات على كوكبنا ؟! أجابه مستشار آخر: - بل على دولتنا، يا فخامة الرئيس. اعتدل الرئيس فى اهتمام، والقائد الأعلى يغمغم فى قلق: - هنا ؟! ضغط المستشار أزارا الكمبيوتر الصغير، فظهرت خارطة (مصر) على الشاشة، أضاف إليها الإحداثيات، فراحت نقطة بعينها تكبر، وهو يقول: - هنا فى الطريق الجديد، إلى منطقة الساحل الشمالى، يا فخامة الرئيس. أشار إليه القائد الأعلى فى اهتمام: - دعنا نرصد صور الأقمار الصناعية، لتلك المنطقة. ضغط المستشار زراً آخر، فظهر المشهد نفسه، كما تلتقطه أقمار الرصد الصناعية، وهتف الدكتور (مراد)، وهو يشير إلى جسم ثابت هناك: - ما هذا ؟! أجابه القائد الأعلى، وهو يعمل على تكبير الصورة: - إنها سيارة كهربية حديثة. غمغم مستشار آخر: - ولماذا هى متوقفة هناك ؟! تراجع القائد ال أعلى فى مقعده، وبدا شديد الاهتمام والتفكير: - هذا هو السؤال. فى نفس اللحظة، التى نطق فيها عبارته، كان هناك رجل طويل القامة، شاحب الوجه، إلى حد ما، يرتدى معطفاً قصيراً، لا يتناسب مع الطقس المعتدل، ويتجه عبر الشارع، إلى القصر الجمهورى مباشرة ... معطفه أثار انتباه رجال الحرس الجمهورى، فتحفزوا، وتحسسَّوا أسلحتهم، وصاح به أحدهم، قبل أن يقترب لمسافة عشرة امتار: - قف عندك يا هذا. أطاع الرجل الأمر مباشرة، ووقف ثابتاً، ويداه إلى جواره، كما لو أنه جندى، فى ساحة معركة، فسأله رجل الحرس الجمهورى، وهو يقترب منه فى حذر: - ماذا تريد ؟! أجابه فى آلية، وبلكنة غير معتادة: - مقابلة رئيسكم. وضع ضابط الحرس يده، على مقبض مسدسه: - هذا لا يتم هكذا ... لابد من حصولك على موعد مسبق. بدا هادئاً: - انا انتظر. هزَّ الضابط رأسه: - ليس هكذا أيضاً ... لابد من تقديم طلب، والانتظار حتى تتم الموافقة عليه، و ... قاطعه فى هدوء، وبنفس اللكنة العجيبة: - لن يمكننى الانتظار. أمسك الضابط مقبض مسدسه بالفعل: - هذا شأنك، ولكن هكذا تسير الامور هنا. ظلَّ الرجل جامداً هادئاً: - لابد من مقابلة رئيسكم فوراً. انتزع الضابط مسدسه بالفعل، وهو يسأله فى صرامة: - أأنت أجنبى؟! تطلَّع الرجل إلى مسدس الضابط مباشرة فى هدوء: - لست من هنا. رفع الضابط مسدسه فى حزم: - اذهب من هنا إذن. لم يفقد الرجل ذرة من هدوئه: - لابد من مقابلته الآن. لوَّح الضابط بمسدسه فى وجهه، هاتفاً بكل صرامة: - اسمع يا هذا، إما أن تذهب أو ... قبل أن يتم عبارته، تحرَّك الرجل ... تحرَّك فى سرعة مذهلة ... فى أقل من ثانية، ارتفعت يده، تقبض على مسدس ضابط الحرس، وتنتزعه، وتلقى به بعيداً ... وفى الثانية نفسها، أمسك عنق الضابط، ورفعه نصف المتر عن الأرض، ثم دفعه بعيداً ... وعلى الفور، وعلى الرغم من ذهولهم مما حدث، استل كل رجال الحرس أسلحتهم وأطلقوا النار ... للوهلة الأولى، تراجع الرجل، وهو يتلقى طلقاتهم ... ثم، ولذهولهم، اعتدل مرة أخرى ... وانقض عليهم ... وهنا راحوا يطلقون طلقاتهم فى غزارة ... ويطلقون ... ويطلقون ... ويطلقون ... وبكل وضوح، رأوا طلقاتهم ترتطم بجسد الرجل ... ولدهشتهم، رأوا أن معطفه لم يتمَّزق ... وهو لم يسقط ... ولهذا، وكما تدربوَّا رفعوا فوهاتهم نحو رأسه ... وأطلقوا وابلاً من الطلقات ... عندئذ فقط توَّقف ذلك الرجل ... وسقط ... واتسعت عيونهم كلها فى ذهول ... فما تفجّر من جسد ذلك الرجل، لم يكن أشبه بالدماء التى نعرفها ... بل كان له لون آخر ... لون أزرق ... جداً

إنتظر قليلا حتى يظهر الرابط



15 sec