الساحر

الفصل الأول
قامت "اليزابيث بارون" الملقبة بـ"بيب" والدكتورة في الفلسفة ، بغمس فرشاة في دلو الطلاء، لتبدأ بكل دقة في دهن خط أبيض طويل بطول هيكل القارب القديم. كانت عملية الطلاء بالنسبة لهذه المرأة الشابة شيئا جديدا تماما ولكنها كانت قد استوعبت كل ناقراته عن هذا الموضوع في كثير من الكتب التي اشترتها خصيصا لذلك . وكان يوما حارا جدا على غير عادة أيام شهر إبريل، فلم تستطع قبعتها ولا نظارتها_ التي كانت على شكل قلب- أن تمنع انسياب العرق على وجهها. وكانت قد لصقت على انفها قطعة من شريط لاصق مضاد لضربات الشمس والذي زاد من غرابة مظهرها أيضا. انتهى الأمر بـ"بيب" بالنزول من على السلم بغيه تنشيف عرقها بواسطة قميص رياضي كان مقاسه لا يناسبها ، لذلك كانت تستخدمه في الإعمال المنزلية ، تناولت جرعة من المياه الغازية وحاولت أن تنسق قليلا من شعرها الكثيف لتقرر بعد ذلك العودة إلى عملها من جديد . لقد كان هذا احد مشاريعها التي أعلنت عنها في تقريرها الذي كان عنوانه" من أجل تنمية اجتماعية سريعة " وكانت مصرة على إنهاء عملها قبل عودة أبناء جيرانها - التوءمين"ستراهان" - من المدرسة التي تقع على الجانب الأخر من البحيرة . لقد كانت تتدرب معهم على رياضة "البيس بول" كل يوم جمعه ، وكانت لديها رغبة حقيقية في تحسين أدائها لهذه اللعبة . اندمجت "بيب" تماما في عملها لدرجة أنها لم تعد تحس مايدور من حولها: لم تكن ترى سوى انسياب الفرشاة على هيكل السفينة . كما أن النسمة الدافئة التي كانت تهب بين أشجار السرو زادت من إحساسها بالراحة والعزلة . لم تؤثر زقزقة العصافير على أوراق الأشجار ، ولا قفزات الأسماك من حين لآخر خارج الماء على تركيزها . الشيء الوحيد الذي ادركته عن طرق اللاوعي هو صوت طائرة مروحية كانت تقترب شيئا فشيئا خلف المنزل ، بعد نهاية منطقة الأشجار ، في نفس الوقت الذي كانت تتوقف فيه قليلا لتحرك سلمها، سمعت بوضوح أصوات إقدام تتجه نحوها. "ربما كانت"نان" أتت لتتأكد من أنني أكلت سندوتشاتي". كان هذا تفكيرها وهي تنظر إلى كيس السندوتشات الذي لم تلمسه . ابتسمت "بيب" . من المؤكد أنها ستتعرض للعتاب من طرف هذه السيدة العجوز، التي كانت تتعامل معها كما لو كانت جدتها وليس كمديرة لمنزلها، كانت عباراتها من طراز: - إنك نحيفة لدرجة تجعل الناموسة تزهد في غذائها منك. في نفس الوقت الذي كانت المرأة الشابة تحضر فيه ردا مفحما تسكت به توبيخات "نان" ، حينما رأت رجلين يخرجان من بين الأشجار الكثيفة . قال أصغرهما سنا : - صباح الخير كان يرتدي بنطلون جينز، وسترة واقية من الرياح ، وزوجا من أحذية "ريبوك" ، ويضع على رأسه قبعة "بيس بول " تغطي شعره الكثيف ذا اللون الأسود المحمر . لفتت نظراته المثيرة انتباه الجامعية الشابة. كانت عيناه الخضراوان اللامعتان مبتسمتين ولكنها حافظت على نظراتها دون إن ترمش. لقد أحست "بيب" باضطراب لم يحدث أن شعرت به من قبل. لأول مرة منذ ستة وعشرين عاما من ا لحياة أحست المرأة بغريزتها أنها أمام رجل. وفي حين أنها كانت تمتلك قدرة غير عادية على التعبير ، أصبحت "بيب" فجأة غير قادرة على تعريف الشعور الذي كان ينطلق منها ولكنها أدركت نوعا من السحر، من التأجج الذي سرعان ماسيطر عليها ابتسم لها وقال لها شيئا لكنها لم تسمعه ولم ترد عليه ،كان هناك شيء يمنعها من الكلام . كانت تحس كأنها تمثال مصنوع من الملح تم طحنه، لم تنتبه إلى قطرات الطلاء المتساقطة من الفرشاة لتستقر على حذائها الرياضي القديم. ولكنها مالبثت إن أجابت بعد بذل مجهود غير عادي لتتمالك نفسها: -ماذا؟ وابتسم الرجل الشاب من جديد لتظهر غمازتاه الفاتنتان وفكرت المرأة الشابة : - إذا استمر في النظر إلي بهذه ألطريقه فسوف ينتهي ني الأمر إلى الذوبان. تقدم الرجل الأكبر سنا خطوة ناحية "بيب"وعلى العكس من الذي تكلم معها والذي كان ظريفا وفاتنا ،كان الأخر - بالرغم من بدلته وربطة عنقه- ليشعرها من ناحيته بأي ثقة . كان يعلوها بمقدار الرأس تقريبا. رفعت رأسها نحوه دون إن تنتبه بعد إلى الطلاء الأبيض المتساقط على حذائها الرياضي. استدرك الرجل ذو البذلة الكاملة قائلا: -إننا نبحث عن الدكتورة "لي بارون" ، وليس لدينا وقت لنضيعه . إن مدبرة المنزل قالت:إننا سوف نجدها هنا. استجمعت "بيب" أفكارها ،ووجهت انتباهها نحو الرجل الغريب الفاتن الذي كان لايزال يبتسم بشدة وهو ينظر إليها. كان الشعور بالخجل يتملكها من جرا مفاجأتها في هذه الحالة السيئة إمام رجل مثله، لم تشعر من قبل بكل هذا الإحراج، أدركت ذلك فجأة بكل مرارة، احمر وجهها من الخجل ولكنها استطاعت إن تكون ردا: -أنها ليست هنا لقد ذهبت إلى "الدنمرك ". واستدرك الرجل الشاب مستفهما ومبديا ابتسامة غريبة زادت من اضطراب المرأة الشابة: -إلى "الدنمرك" ؟ وصرخ الجل ذو البذلة قائلا: -إلى "الدنمرك"؟ تفاهة؟ وبحركة تعبر عن انزعاجه قام بإخراج ورقة من فئة الدولار الواحد ومد يده ناحية "بيب" : - كوني فتاة ظريفة واذهبي لإحضار الدكتورة "لي بارون" ، لأننا نريدها في أمر مهم ، سوف ننتظرها في بيتها . وبدون إي كلمة إضافية استدار الرجلان وتركها مذهولة وممسكة بورقة الدولار في يدها. تمتمت بصوت منخفض وهي ناقمة على قصر قامتها ووجهها الطفولي : - لقد أنني مراهقة صغيره. في الواقع أنها اكتشفت أنها لعبة دور المراهقة الخجول لدرجة أقنعتهما، وفي نفس الوقت الذي كانت تدس فيه ورقة الدولار في الجيب الخلفي لبنطلونها الجينز سمعت صوتا غليظا يأتي من خلف ظهرها رأت "بيب" إن الشاب الجذاب عاد إليها وكأنه يستمتع باضطرابها .. مما سبب لها انزعاجا . دققت النظر أكثر في وجهه وتأكدت من انه ليس رهيبا بالصورة التي تعتقدها وبررت انجذابها نحوه على انه من اثر الجوع الذي كانت تشعر به . لكنه استمر مع ذلك في تثبيت نظره عليها . وكان هو أيضا أطول منها قليلا بالرغم من انه ليس مثيرا للانفعال مثل الشخص ذي البذلة الذي كان معه منذ قليل . وسألته "بيب" بانزعاج: - من أنتما على وجه الدقة؟ ورد و قائلا وكانت هي ترمقه بنظرة ذهول: - لقد خرجت من تلك الحشرة الطائرة، المروحية التي هبطت منذ قليل إنا قائدها. نزع طاقيته وقام بحركة احترام قصيرة وغريبة: -"سوبر هايس" ، في خدمتك سيدتي ، وأنتي؟ واستمر في ابتسامته المستهزئة المرسومة على ركن شفتيه. -إنني "بيب" إل.."بيب" فقط. - الدكتورة "لي بارون". أليس كذلك؟ وردت هي بغيظ: -نعم أرجو منك المعذرة، فعندي عمل يجب إن انتهي منه. إنني تعطلت بما فيه الكفاية . وقبل أن تتحرك امسك بذراعها وقال: -لابد لك أن تنظفي أولا هذا الطلاء الذي تساقط على قدميك. نظرت إلى أسفل وظهرت على وجهها علامة التعجب. واستطرد"هاريس" قائلا وهو يحمل قطعة من القماش ويريد أن يمررها على الحذاء الرياضي للمرأة الشابة : -دعيني أعتني بذلك، هكذا، اعتقد أن هذا سوف يفي بالغرض، هل عندك فرشاة ثانية؟ -لماذا؟ -لكي أساعدك طبعا، حتى يكون العمل أسرع وأيضا سيكون أكثر متعه إذا ما قام شخصان معا بهذا العمل. همهمت برضا وأشارت لقائد الطائرة لتدله على مكان دلو طلاء كبير فارغ يحتوي على الكثير من الفرش الخاصة بالدهان. قام باختيار أحداها بانتباه بدء يدهن بهمة . استطاع بعد عشر دقائق أن يدهن جزءا كبيرا من سطح الهيكل المراد طلاؤه. وابتسم قائلا: - عليك ان تسرعي، لأنني سأفوز عليك بهذه الطريقة وردت قائلة وهي تزيد من سرعتها في الطلاء: - لم أكن اعلم إننا نتسابق. رد الرجل وهو يزيد من سرعته أكثر فأكثر دون إن يضيع أي ضربة للفرشاة: -بلى، بلى. حاولت "بيب" مسايرة إيقاع "هايس" ولكنها فشلت في ذلك. فلقد أنهت طلاء الجزء الخاص بها بعده بعشر ثوان. صرخ هو قائلا: -انتصرت! -هذا ليس عدلا، لقد بدأت قبلي. -ولكنني قمت بدهن ضعف المساحة التي قمت بها أنت.وتناول علبة صودا من صندوق المثلجات وأعطاها للمرأة الشابة، التي شربت منها جرعة طويلة لتعيدها إليه مره ثانية. وقام هو بشرب مابقي منها دفعه واحده قبل أن يلقيها بحركة متقنه داخل صندوق المثلجات .ثم اخذ سندوتشين وأعطاها أحدهما، وجلسا على الأرض ليتناولاهما. سألته "بيب" في حيرة: - ماذا يفعل هذا الرجل هنا ؟ رد وهو يلتهم سندوتشه: -"ليونارد هوكر"؟ إنه يعمل بمؤسسة "ميرث" ،إنه يحاول إن يقنعك بقبول وظيفة ، أظن أنها ستعجبك. - لقد أخذت إجازة بدون مرتب لعدة شهور. سألها "هايس" وهو يلتهم بشراهة سندوتشا آخر: -لماذا؟ -إنها قصة طويلة . اعتدل في جلسته وقال: - لدينا كل فترة الظهيرة . - إنني اعمل على وضع برنامج شخصي يحمل عنوان " من أجل تنمية اجتماعيه سريعة" - هل هو جيد؟ أي نوع من البرامج هو؟ ردت وهي تتنهد: - من اجل تنمية اجتماعيه سريعة، إنه برنامج فرضته على نفسي لأنني اكتشفت مؤخرا أنني متخلفة اجتماعيا. - عفوا؟ كررت الشابة كلامها بنفس الصبر الذي تستخدمه لتعليم الأخوين "ستراهان"مادة الحساب: -أنا متخلفة اجتماعيا قال"هايس" وهو يبتسم : -إنني متأكد أنك تستهزئين بي. -لا، أؤكد لك أنها الحقيقة . وبدون إخفاء سخريته منها سألها الرجل: - وماهو السر وراء صحوة الضمير هذه؟ - لقد تم اختياري في إطار دراسة تتعلق بالنمو الاجتماعي للأطفال الموهوبين. وكانت الفرضية أن الكثير منا يصل إلى سن الرشد مصحوبا بضمور في النمو الاجتماعي. تعتبر حالتي مثالا كلاسيكيا لذلك، لأنني متفوقة دراسيا، كان عليا دائما أن التحق بأقسام كان الطلبة فيها يكبرونني في السن، ولكنني كنت اصغر من إن أشاركهم نشاطاتهم الخارجية.أما اقرأني فكنت أجد أنهم مضجرون ومتخلفون. ماذا كنت ستفعل لو انك وجدت نفسك مبكرا كخبير في مادة الجبر وانك تحفظ مؤلفات"شكسبير" عن ظهر قلب في الوقت الذي كان فيه أقراني غير قادرين على إجراء عملية قسمة ؟ لقد كنت منبوذة من الجميع . استدرك قائد الطائرة وهو يتمتم مع ظهور علامات الجدية على وجهه قائلا: - إنني أسف . لم أكن اعلم أن هذا يمكن أن يحدث مع إنني شخصيا كانت لدي صعوبات في طفولتي ، هل كانت طفولتك تعيسة؟ -لا،لانستطيع أن نقول ذلك، لأنني لم أكن أدرك هذه المشكلة قبل إن اقرأ الدراسة التي كانت تعنيني بعض الشيء . وعندما تولد عندي -في الحقيقة- شعور بأنني حاله ميئوس منها. -لكنك بالتأكيد حظيت بوالدين محبين وحانيين؟ - في الواقع لا أتذكر والدي . لقد قتلا في حادث اثناء وجودهما في "شيلي" عندما كنت صغيره جدا .كانا يعملان هناك كمهندسي مناجم . لقد عشت مع عمَي الذين كانا خير عوض عن والدي. ابتسمت وواصلت حديثها : -إن عمَي كانا غير متزوجين وكانا يسكنان في نفس المنزل، لقد كانا بالنسبة لي ولأخي كل أهلنا. عندما وصلت إليهما كنت قد تعلمت المشي منذ وقت قريب. وكانا لايعرفان طبعا أي شيء فيما يخص الأطفال ولكنهما قاما بتعيين "نان" ، التي سبق أن التقيتما بها من قبل ، لكي تعتني بي . وكانا يعملان بالتدريس في جامعة "رايس" التي كانت قريبه جدا من مسكننا ، وكنت دائما سابحة في جو دراسي وراشد ، وعندما انتبها إلى موهبتي الدراسية سمحا لي بالجلوس معهما عندما كانا يتناقشان في مواضيع الفيزياء التطبيقية أو الرياضيات ، وسرعان ماالتحقت بجامعة "رايس". - ما المواد التي كانا يقومان بتدريسها؟ -إنهما مازالا يعملان بالتدريس ، فالعم "والدو"دكتور في الفيزياء،والعم"إيموري" في الرياضيات. وساد صمت بينهما لفترة وجيزة ، كانت أسماعها متجهة إلى صوت الأمواج الرقيق تصطدم بهيكل القارب. وبالرغم من كونها غير كتومة تماما إلا أن "بيب" تعودت إلا تتحدث عن حياتها كثيرا ، لقد كانت تفضل دائما الحديث عن العلم أو عن حبها الأوحد: الحاسب الآلي. وكانت المرأة الشابة تملك معرفة عظيمة في كل مايتعلق بهذه الآلات وكانت قادرة على خلق إي نوع من البرامج . وكانت أيضا خبيرة للبرمجة في شركة المعلومات التي يملكها أخوها. كما إنها صممت بعض البرامج لوكالة "ناسا" ، ولوزارة التعليم، وأيضا بعض الاعلام الفضائية مع استمرارها في عمل الأبحاث وإلقاء المحاضرات في جامعتها. كانت "بيب" تعتقد دائما إن حياتها سعيدة وممتعه إلى أن قامت بقراء رسالة الدكتوراه التي قامت بها"كارول فينهويزن" ...فلقد اكتشفت وقتها المفاجأة المذهلة، وهي إنها كانت تتصرف دائما كطفلة في العاشرة من عمرها. قال"سوير": - لقد افتقدت أشياء كثيرة - هذا بالضبط ماعتقدت إنني فهمته. - ولكن ما علاقة ذلك برفضك للعمل؟ - إن الأمر يبدو بسيطا جدا . بعد أن اكتشفت أن شخصيتي الإجتماعيه هي تقريبا نفسها قبل ستة عشر عاما من الآن ، بمعنى انها كانت غير موجودة، أردت أن أقوم بعمل أبحاث ولكنني لم أكن استطيع تعلم ما ينقصني وانأ اعمل ، لأن النقائص الاجتماعية التي أعاني منها كانت أساسا خارج مجال العمل، ففكرت أن أحسن طريقة استطيع بها إتمام أبحاثي هي ان أضع نفسي في قالب اجتماعي مختلف يسمح لي بالتواجد في وضع أكثر ملاءمه لحل هذه المشكلة . قال "هايس" وهو يرفع عينيه إلى السماء ثم يخفضها ثانية نحو المرأة الشابة: - لم افهم شيئا قط مما تتكلمين عنه ، كما لا افهم أيضا ماالداعي لأخذ إجازة بدون اجر. -لأنني قمت بعمل خطة سوف تشغل كل وقتي ولمدة طويلة، إنني اشعر بأنني متأخرة في نموي الاجتماعي لدرجة تجعلني ابدأ من البداية. - ولكن كيف يمكنك البدء؟ بدء ماذا؟ ومت قال : إنك سوف تنجحين؟ -لا توجد أية أسباب للفشل ، حتى إنني استعنت "بكارول فينهويزن" لتطوير المشروع بالكامل ، ومثال على هذا ، أنني أنضم بانتظام إلى مجموعات من الأطفال والمراهقين من مختلف الأعمار وأحاول ان أعيش مثلهم و معهم . وخلال ثلاثة أشهر وجدت إنني قد انتقلت من الطفولة إلى المراهقة..كان "سوير هايس" يحملق في الفتاة باستغراب . وكانت الجدية التي تتحدث بها معه عن نقائصها لاجتماعية تجعلها لطيفة جدا لدرجة تقترب من الجاذبية.وللحظات تملكه شعور جامح بالرغبة في الإمساك بيدها . قال لها: - لابد انك قطعت مشوارا طويلا إلى ان وصلت إلى هنا ، ولكنني متأكد انك تستمتعين جدا بمحاولة تعويض مافاتك . ساد صمت طويل كانت "بيب" اثناءه تبدو وكأنها تفكر . ثم رفعت رأسها في اتجاه قائد الطائرة: - طبعا . لقد انضممت إلى ألكشافه ، وأحاول تعلم لعبة "البيس بول" وغدا سوف تعلمني "نان" طريقة عمل الحلوى بالفانيليا. أدار "هايس" رأسه محاولا إخفاء ابتسامة عريضة ظهرت على وجهه لم يكن يريد ان تعتقد الفتاة انه يسخر منها. ولكن حدسه كان يخبره انه إمام شخصية جديرة بالاهتمام . عادت الفتاة للحديث مرة أخرى وقالت: - كما ترى الآن. إن وقتي كله مشغول بواسطة إعادة تأهيلي الاجتماعي ، وأظن انك فهمت لماذا لا استطيع منذ ذلك الوقت قبول إي عمل ولمدة ثلاثة شهور قادمة . وأتمنى ان يتفهم رئيسك ذلك أيضا. - "لينارد" ليس ر ....قطعت صرخة قادمة من البحيرة كلام "سوير" . كان قارب صغير لمحرك يتجه نحوهما ، كان بداخلة طفل وطفلة صغيران يرتديان سترة الإنقاذ، كان شعرهما اصفر ، وكانا يلوحان إلى "بيب" . قالت "بيب": - شكرا لمساعدتك إياي في إنهاء عملية الطلاء ، لكن يجب ان أتركك الآن فقد حان وقت درس "البيس بول" مع أبناء "ستراهان". رد هو قائلا بعد ان ارتدى قبعته من جديد : - أظن انه بإمكاني البقاء قليلا ، إنني شخصيا رام جيد -------------------------------------------------------------------------------- - ماذا يقصد بكلمة إقصاء؟ إنني حتى لم اضرب الكرة . اقترب "هايس" من الفتاة وانحنى نحوها حتى كاد أنفاهما يتلامسان ثم أجاب: - بالضبط كان عليك ان تلمسيها ، كانت جيدة وقمت بإضاعتها. - لم تكن جيدة . - بل كانت كذلك. - لا. - ماعليك إلا ان تسالي التؤمين أو "ليونارد". كان رجل الإعمال قد خلع سترته وربطة عنقه ويقف في مكان الواقي ، هز رأسه معبرا عن قرار لا رجعة فيه. خفضت "بيب" رأسها من الإحباط ثم قالت: - أظن إنني غير موهوبة في هذه اللعبة. طوق قائد الطائرة كتفي الفتاة بذراعه وقال لها محاولا تهدئتها وهو ينظر إلى ساعته : - لا عليك، يجب ان تتدربي أكثر فقط ، إما الآن أظن أنني و "ليونارد" يجب علينا ان نرحل إذا أردنا العودة إلى "هليوستن" قبل حلول الظلام. كم يجب ان يعود كل من "مايك" و"ستيسي" في ميعاد العشاء . أليس كذلك؟. تبادل كل الموجودين تحية الوداع وبمجرد وجودها بمفرها قامت "بيب" بجمع أدوات "البيس بول" ورتبتها بعناية. تناولت عشائها بسرعة ثم قررت ان تقوم بجولة بالقرب من البحيرة بدلا من البقاء في المنزل لمشاهدة المسلسلات التلفزيونية المخصصة للأطفال والتي كانت معتادة على متابعتها وذلك تبعا لبرنامجها . سلكت طريقا ضيقا أدى بها إلى أكثر شواطئ البحيرة وحشة . كانت نسمة المساء تجعلا تقشعر لكن ليس من البرد. لم تأبه إلا لسكون الطبيعة الرائع وقت الغروب . ياله من يوم غريب.. حتى هذا اليوم ، كان برنامجها يبدو ذا معنى ، فقد نجحت في اكتشاف هذا المكان الذي كانت تقضي فيه ساعات طويلة مع "مايك" و "سيسي ستراهان" وأصدقائهما من نفس السن لكي يتلقوا دروسا خاصة في الرياضيات . كانت واثقة من انها على حق ، وان خطتها تسير كما يجب . لكن زيارة "ليونارد هوكر" و "سوير هايس " أدت إلى صحوت قلق مكبوت بداخلها . خاصة عندما بدأت تفكر في قائد الطائرة. كان لوجه الرجل المبتسم وعينيه الماكرتين مفعول غريب على "بيب" كما ان الطريقة التي كان ينظر بها إليها جعلت الفتاة تشعر بقشعريرة تسري في جسدها ، لتولد لديها أحاسيس لم يسبق لها معرفتها من قبل . لقد أعجبتها طريقة ضحكته التلقائية والصريحة . تردد بداخلها فجأة سؤال جعل وجهها شاحبا وبطنها يتقلص : - هل كان يسخر مني؟ ربما يجدني غير مهذبه؟ مرت لحظة، أحست ان لديها رغبة في البكاء وارتعدت. لم يسبق لها أبدا ان كانت على وشك الانهيار والبكاء مثل هذا اليوم . وجلست على جذع شجرة ميتة . - - لماذا اهتم لهذه الدرجة بما يظن عني هذا الغريب؟ لأول مرة في حياتها يتعرض ذكاؤها لتحد خارجي بالرغم من انها كانت ماهرة في جدولة وترتيب وتنظيم كل شيء إلا انها الآن ولأول مرة أمام مشكلة لا تجد لها تسمح لها بتجاوز ما ظنت انه عائق ، وقررت ان تخوض التجربة حتى النهاية . مادام انه لايوجد شيء جديد تحت الشمس فليس من المستحيل ان تجد حلولا لأي مشكلة تتعرض لها مهما كانت صعبة. انفرجت أسارير الفتاة بابتسامة وعادت إلى المنزل وهي تركل بمرح بعض فروع السرو المتساقطة على الطريق دخل الرجلان في مصعد ناطحة سحاب زجاجية كبيرة في حي الأعمال بمدينة "هيوستن". وأثناء صعود المصعد إلى الطابق الخامس والعشرين من المبني الذي يحتوي على مقر شركة "ميرث" قال "ليونارد هوكر" وهو يحدث رفيقه: - إن تلك الفتاة غريبة الأطوار حقا، من كان يصدق أن عالمة مثلها يمكن أن تتصرف وكأنها طفلة لم تبلغ سن المراهقة بعد ؟ غنه أمر يصعب علي تصديقه. لم يجب "سوير هايس" .كان يبدو في حالة تفكير ، تائها بين أفكاره. وصلا في النهاية إلى المكتب الرئيسي ودخلا إليه ، قام "هوكر" يتناول مشروبا إما"هايس" فالقي بنفسه على الاريكه . وتساءل "هوكر" وهو يوجه خطابة إلى قائد الطائرة: - هل نحتاج إليها فعلا من اجل مشروع هذا البرنامج ذي الحقيقة الوهمية ؟ رد "هايس" وهو يضع يديه على بطنه: - إنها تعتبر الأفضل في مجالها ، وشركة" ميرث" تقوم دائما بتوظيف الأكفاء أليس كذلك ؟ وبالتالي يجيب علينا توظيفها، المشكلة الوحيدة هي رفضها قبول إي عمل لفترة معينة. رد "ليونارد": - دع الأمر لي انها مثل إي شخص يعرف إمكاناته وثمنه . فلتعرض عليها مكافأة إضافية وأنا متأكد من موافقتها . - يا عم "لين" إنني اعرف جيدا سمعتك كمفاوض وهي مستحقة ولكننا هذه المرة في مواجهة شخص مختلف ، وربما وجب علينا ان نكون أكثر ذكاء . إن الأسباب التي تدفعها إلى رفض العمل خاصة جدا، دعني اعتني بالأمر. لم يكن "سوير" يريد ان يعرف عمه مدى إعجابه الشديد بالفتاة . ولو أحس "ليونارد" بما يجول بخاطر الشاب لأَنبه بشدة مدعيا انه لايقوم بعمل أي شيء بجدية . وكان هذا المر يحدث منذ زمن بعيد لدرجة ان "سوير " لم يعد يأبه بعتاب عمه على كل تصرفاته . ثم قام وتوجه إلى المكتب الضخم الذي كان يشغل الغرفة ويأخذ منه ملفا. مد يده بالملف إلى غرفة عمه وقال له: - اعتن أنت بهذا صباح غد، يجب علي الذهاب إلى المكتبة الآن قبل ان تغلق أبوابها . -إلى المكتبة؟ -نعم، لابد ان اطلع على النظريات الخاصة بالتنمية الإجتماعية ، هل تعلم شيئا عنها ؟ صرخ رجل الأعمال وهو ينظر بنظرة محققة: - طبعا لا! ولكن ماهو سبب هذا الاهتمام المفاجئ بهذا الموضوع بالذات؟ ابتسم"سوير" لعمه وقال له: - الدكتورة "بيب" خالجت الشاب فكرة : - لا بد أن يثق بي في النهاية كما يجب عليه أن يقبل الأمر الواقع بأنني أنا المدير. - أرجو ألا تكون هذه إحدى ألاعيبك، وألا تعود ثانية إلى الاختفاء في مكان ما. لاتنس ان جمعية المساهمين منتبهة جيدا لكل تحركاتك وأفعالك. قاطعه الشاب وهو يتجه نحو باب الخروج قائلا: - اهدأ قليلا يا عم "لين" ، حاول فقط ان تثق بي، ولو من اجل التغيير.
*********************
الفصل الثاني
- ألا تجدين يا "بيب" انه جميل؟ ألا ترين انه يشبه" جوني ديب"؟ - من؟ - "سوير" ابتسمن "بيب" وهي تنظر إلى الطبق المليء بالحلوى . وقالت وهي تحمر من الخجل: - إنه جميل جدا. كان على الفتاة أن تعترف أنها لم تكن تحتاج إلى صديقتها لكي تذكرها بوجود هذا الشاب . ففي الواقع لم يحدث ان غاب "هايس" عن فكرها . وكانت كل مرة مصحوبة بنظرة طويلة حالمة وبدون ان تنسى القشعريرة التي كانت تسري في كل جسدها والتي بدأت تزعجها . وفجأة ظهر صوت يأتي من خلف ظهريهما: - صباح الخير يا آنساتي ، أخبرتني "نان" أنني سأجدكما هنا ، هل تريدان مساعده؟ التفتت "بيب" لتكتشف ان الشاب يقف في المدخل وأصابها ذهول من المفاجأة. وتسألت: - لماذا هو دائم الابتسامة هكذا؟ بهرها تعبيره لدرجة جعلت "بيب لي بارون" ترى ان هناك شيئا مختلفا تماما أنار الغرفة فجأة. وكانت تعلم جيدا أنها ليست لديها أي مناعة ضد هذا الحضور الجديد. هل كان السبب هذه الابتسامة الساحرة فقط؟ أم ان هناك شيئا أخر؟ وكانت "سيسي ستراهان" أول من قطع الصمت وقالت الفتاة الصغيرة بحماس: - أهلا "سوير " لقد كنا نتحدث عنك الآن. حاولت "بيب" إخفاء حرجها بأن انعكفت بنشاط على تحضير كريمة الحلوى، وفي لحظه رفعت بصرها في اتجاه الشاب الذي غمز لها بعينه ، مما جعلها ببساطه تحمر لدرجة كبيره. تساءل هو بمرح : - كنتم تتحدثون عني؟ بكل خير أليس كذلك؟ وردت "سيسي" بسرعة: - طبعا هذه المرة انتبه "سوير" بوضوح إلى اضطراب "بيب" . وكان سعيدا بفكرة أن الفتاة تهتم به كما يهتم هو بها . - تفحصها ورأى أنها بالرغم من قامتها القصيرة إلا أن جسمها كان متناسقا . ولكن الذي لفت انتباهه بشدة كان ثغرها المرسوم بطريقة رائعة جعلته مذهولا . ولم ينتبه إلى ذلك بالأمس. وساورته فكرة ملحة: _ إنها خلقت لتقبل. بدون نظارتها الشمسية وواقي الأنف الذي كانت ترتدية أصبحت الدكتورة "لي بارون" فتاة رائعة الجمال . بكل ثقة في نفسه- والتي لم تترك المجال لظهور اهتمامه الكبير بها- تقدم من الطاولة وأدخل إصبعه في العجينة ليتذوقها. وقال: - ليست سيئة، ولكن من الأفضل ان تخفق أكثر من هذا. ردت "بيب" منزعجة: - لأاعتقد تنه يمكنني أن افعل أحسن من هذا ، لقد قمت بخفقها حتى آلمتني يداي ، لايمكن ان تكون كثافتها أكثر مما هي عليه الآن . وبدون ان يتكلم .مرر "سوير" ذراعيه حول"بيب" وتناول المضرب والطبق ، محاصرا الفتاة بصدره ، وهمس في إذنها: _اتركي رجلا محترفا يفعل ذلك. وبدأ يعطي ضربات قوية للخليط.. ولكن المرأة الشابة التي اضطربت من تأثير هذا الاتصال الجسدي سرعان ماقاطعته فجأة قائلة وهي تبتسم ابتسامة سخرية: - ألا تعتقد أن الأمر سوف يصبح أسهل بكثير إذا لم أكن موجودة بينك وبين هذا الطبق؟ لا،لا، على العكس، إن وجودك بالقرب مني يساعدني ويلهمني ،أين البندق؟ وهنا تدخلت"سيسي" بأن مدت إليه وعاء مليئا بالبندق. قال "سوير" وهو يبتعد عن "بيب" بدون ان يتوقف عن خفق المزيج: - ضعيها بداخله. وهمس في نفسه: - لا داعي لفعل المزيد أمام الطفلة الصغيرة. وبعد لحظات قام بإدخال إصبعه في الطبق من جديد وتذوق المزيج وقال بصوت مرتفع: هكذا يجب ان تكون الحلوى ، إنها رائعة، من يريد شيئا منها؟ ولم يتردد في وضع إصبعه داخل الطبق مرة أخرى ليمده في اتجاه الفتاة. ترددت قليلا قبل ان تتذوق إصبعه المغطى بالعجينة والبندق. تمتمت وهي محرجة قليلا : - إنها طيبة المذاق. -الم اقل لك، هيا أكملي. أحس "سوير " انها مضطربة ، وإنها لاتعرف ماذا تفعل .ولكنها في النهاية فتحت فمها من جديد لتلعق إصبعه ثانية . سرت قشعريرة في جسد الشاب كلهن لم يكن أبدا يتخيل ان قليلا من الحلوى يمكن ان يؤدي إلى هذه الاستثارة الجسدية. - "سوير" ، "سوير" هل من الممكن ان تقوم بمساعدتي أنا أيضا؟ كانت "سيسي" تقول ذلك وهي تمد نحوه طبقها. ابتسم للفتاة الصغيرة ثم قام بخفق الكريمة حتى أصبحت بدورها جيدة. تذوقها عدة مرات وقال للطفلة الفخور: - لم أتذوق قط حلوى افضل من هذه. ابتسمت "بيب" بالرغم من اضطرابها، وتفادت نظراته. لم تكن تعلم ماذا تفعل أو ماذا تقول، وكانت "سيسي"من جديد هي التي قطعت الصمت المشوب بالإحراج : - اعتقد انه حان الوقت بالنسبة لي للعودة إلى المنزل ، كنت أود البقاء معكما لفترة أطول. ردت "بيب" : - نحن أيضا، غير إننا وعدنا أبويك بأنك سوف تعودين إلى المنزل في العاشرة والنصف. أعتقد ان عليك ان تسرعي إذا أردت ألا ينشغلوا عليك. قبلت الفتاة الصغيرة الأمر الواقع ونظرت إلى "سوير هايس" نظرة غريبة وقالت: - حسنا. ابتسم لها وغمز لها بعينيهن مما جعل "سيسي" تحمر من الخجل ، ثم قامت "بيب" بلف طبقها وأعطته لها. وخرجت الفتاة الصغيرة مسرعه دون ان تقول كلمة واحده . كانت المرأة الشابة تعرف ماتحس به الطفلة ، كانت تتمنى فقط ان تستطيع قدر الإمكان إخفاء شعورها أكثر من صديقتها الصغيرة. هل كان هذا به المراهقون؟ بالنسبة لها لم يحدث ان شعرت بمثل هذا الشيء أثناء فترة المراهقة الخاصة بها. أدخل "هايس" إصبعه مرة أخرى في الحلوى ثم قال: - ماهي مشاريعك فيما تبقى من هذا اليوم ؟ - بما ان الأطفال سوف يذهبون لزيارة جديهما في نهاية الأسبوع كنت انوي ان أعكف بجد على مشروع عش الطيور. تعجب وهو يعض على شفتيه ليمنع نفسه من الضحك وقال: - عش الطيور؟ نظرت إليه، ورأى انها تضايقت من ردة فعله. - ما العجب في بناء عش للطيور؟ إنه نشاط يتعلق ببرنامج تنميتي الاجتماعية . تدارك نفسه بدبلوماسية:- - لااشك في ذلك أبدا . لكنك سوف تفعلين ذلك في يوم آخر ، لأنني أريد أن اصطحبك إلى مكان معين، سأذهب لإخبار "نان" بأننا خارجان بينما تصلحين مكياجك. - هل استطيع أن اعرف إلى أين سوف نذهب؟ رد بأسلوب يشوبه الغموض: - إنها مفاجأة. عندما عادت إليه ، لاحظت "بيب" بسرعة أن هناك شيئا غير طبيعي في حالة "هايس". - ماذا بك يا "سوير" ؟ تبدو محبطا. رد عليها بهدوء: - كنت اعتقد انك سترتدين سروالك القصير، إنني أحب أن انظر إلى ساقيك. تساءلت باهتمام واضح: - صحيح؟ أكد الشاب ذلك بقوله: - بكل تأكيد، إن لديك ساقين جميلتين جدا. - أتجد ذلك حقا؟ - ألا تنظرين قط إلى نفسك في المرآة؟ - بلى ، ولكنني أجدهما عاديتين جدا. - صدقيني، أنك مخطئة. ولن تقنعيني بأن أحدا لم يمدح ساقيك من قبل، فلن أصدقك. -آسفة أن أخيب ظنك، ولكنني لا أتذكر أن أحدا فعل ذلك من قبل. ولكنني تلقيت ثناء بخصوص ذكائي، وسرعتي في حل المسائل الرياضية وذكائي التحليلي...لكن ساقي، أبدا، عذرا. هل تعتقد انه يجب علي ان أغير ملابسي؟ - كلا،لا داعي لذلك في الواقع ، لأنني كنت سأنشغل بجمالهما أثناء قيادتي للطائرة المروحية، مما قد يجعلني اصطدم بأول ناطحة سحاب تقابلني، هيا بنا يا جميلتي ن فلنغتنم ماتبقى من اليوم. - هل سنستقل طائرتك المروحية؟ أجابها وهو يدير ظهره ليتجه إلى باب الخروج: - نعم. سرعان ما لاحظت المرأة الشابة طريقة سيره الغريبة: - قل لي يا "سوير" . هل يؤلمك ظهرك؟ - كلا ، لماذا ؟ - لقد لاحظت أنك تسير بطريقة غريبة. أجابها بنوع من الحسرة: - إنك تتقنين جيدا طريقة إحراج الرجل. لقد كنت أحاول فقط ان الفت انتباهك بطريقة "جون واين" في السير. - أوه.. - تعرفين " جون واين" ، أليس كذلك؟ ردت الفتاة بمرح: - طبعا ، لقد شاهدت كل افلامة بما فيها " القبعات الحمراء" وهو أسوأ افلامه. وصحح لها: - تقصدين " القبعات الخضراء". - لايهم ، إنه فيلم سخيف يدور حول حرب " فيتنام". - عزيزتي الدكتوره " لي بارون" ، ألاحظ بالرغم من كل شيء أن هناك نقائص كبيرة في ثقافتك، ولست ادري ماذا سوف يصنع تعليمي المتواضع لعلاج هذه النقائص. - افضل ألا تدعوني بلقب "دكتورة " ،فإنني لا استخدم هذا اللقب إلا في علاقاتي العملية ، بلإضافه إلى إنني أحس في طريقة استخدامك له بنوع من السخرية الجارحة والتي لا أستسيغها أبدا. اعترض "سوير هايس" . - لم اقصد مطلقا أن اسخر منك ، بل إنني معجب بكل هذا العلم الذي يتبع لقبك . أنا شخصيا لم اذهب قط إلى المدرسة. -إنك تمزح بالتأكيد. - إطلاقا، ولا حتى إلى الحضانة. نظرت إليه "بيب" بكل ذهول وصرخت: -إن هذا شيء إجرامي! أين نشأت؟ - في "هيوستن". كان لدي بالطبع عدد كبير من المعلمين وكنت اقرأ كثيرا لكنني لم أضع قدمي أبدا في إي مدرسة. وكانا قد وصلا إلى الطائرة ، قام "سوير" بفتح بابها وساعد الفتاة على الركوب. بعد ان أخذت "بيب" مكانها تساءلت في إلحاح: - ولماذا ذلك؟ - سوف أخبرك لاحقا. هل سبق لك ركوب هذا النوع من الطائرات؟ -طبعا.لقد كنت استخدمه في تنقلاتي عندما اعمل كمستشار متنقل لشركة أخي. وقد كانت عندي رغبة في تعلم قيادتها . - ولماذا لم تقومي بذلك؟ -لأنني متأكدة من أنني لن أكون قائدة جيدة. عندما يكون ذهني مشغولا بمسألة ما، يقل انتباهي للأشياء مما يؤدي بي إلى ارتكاب الحماقات. لقد حدث لي هذا مرات عديدة في السيارة، كنت اعمل في"ناسا" على مشروع مهم جدا. وفي أحد الأيام، ذهبت لشراء بعض المواد الغذائية من السوبر ماركت الذي يقع بالقرب من المنزل وكان ذهني مشغولا في برنامجي، لدرجة أنني اكتشفت أنني قمت بقطع مسافة ثلاثمائة كيلومتر بعيدا عن المكان الذي كنت اقصده، ولذلك فضلت أن أعين سائقا. هل حدث لك هذا من قبل ؟ كان هناك شيء يرتسم على وجه الفتاة في هذه اللحظة ، لم يكن غريبا عن "سوير" الذي سرعان ماتعرف عليه: الإحساس بالوحدة. كان هو نفسه يشعر فجأة بالوحدة والضياع، لم يكن يعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف معها. ورد عليها بهدوء وهو يضع قبلة حنونا على انفها ‍: - مرة أو مرتين. فوجئت ، ونظرت إلية طويلا، لم تكن تعرف كيف تتصرف، كانت تقاوم رغبة شديدة تدفعها لتقبيله، أغلق الشاب باب الطائرة واتجه ليأخذ مكانه في غرفة القيادة وبمجرد أن ثبت نفسه على كرسيه أدار رأسه نحو العالمة الشابة وقال بلهجة ذات طابع خاص: - حسنا، نستطيع أن ننطلق الآن يا آنستي ! ابتسمت "بيب" وهي تقول: - اعتقد أنك مازلت تقلد "جون واين" . أليس كذلك؟ هز الشاب رأسه بالسلب ورد عليها وهو يبتسم: - خطأ لقد كنت أقلد" جيمس ستيوارت" هذه المرة. بمجرد ان أبطل "سوير" محرك الطائرة قفز منها واتجه بسرعة ليساعد الفتاة على النزول. تلفتت من حولها ثم سألته: - أين نحن الآن؟ لقد اكتشفت أن قبلة "هايس" على انفها هزتها بشدة أنها لم تنتبه إلى مكان هبوطهما، بل أكثر من هذا ، إنها لم تدر أي اتجاه سلكاه. ولكنها كانت متأكدة من انه عندما قبلها على انفها كان ذلك دليلا على شخصيته المتفتحة وأنه لم يكن هناك ريب في دوافع هذا الرجل . وكانت تحس بالإحباط أكثر مما كانت تظن. رد "هايس" وهو يلوح بيديه في حركة دائرية واسعة: - إننا فوق قمة المبنى الخاص بشركة "ميرث، جرينواي بلازا، هيوستن،تكساس" أشار لها إلى مكان المصاعد وابتعدا عن الطائرة المروحية. - لماذا نحن هنا؟ أجابها بطريقة محيرة: - لقد قلت لك: إنها مفاجأة

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا