رجل المواقف

الفصل الاول
مشى آرثر ستيوارت بخطى واسعة نحو مكتب ابنته بينما كانت ترتدي معطفها الصوفي الازرق وقال لها: " اود التحدث معك يا آبي." قالت : " انا خارجة يا ابي، الا تستطيع الانتظار؟" " اردت فقط ان اخبرك ان هنري سمول وود اتصل ليقول انه احب الاقتراح الذي ارلسناه اليه وانه يعطينا العقد." "رائع!" اشرقت عينا آبي الخضراوان بفرح. " الشكر كله لك يا ابنتي، لقد قمت بعدد هائل من الابحاث. والاقتراحات التي عرضتها كانت من الدرجة الاولى." قالت آبي: لقد استمتعت باستكشاف مخازنه وطرح الاسئلة." اضاف آرثر: " واستعمال هاتين العينين الكبيرتين للحصول على الاجوبه! وهنا سجلنا هدفاً ضد منافسينا. لقد قمت بعمل رائع." قالت: " شكراً، متى احصل على منصب آخر؟" وضحك والدها ضحكة خافتة مدركاً ان سؤالها كان منمقاً وقال: " الشيء الوحيد الذي لا يحبذه سمول وود هو فكرة انشاء صورة هم الهيئة التنفيذية العليا. انه رجل محافظ ويطن ان الدعاية ستعطى فقط للمخازن." " نستطيع ان نفعل ذلك ايضاً، ولكن المدراء و..." قاطعها والدها: " ليس عليك ان تقنعيني انا يا عزيزتيبل سمول وود. انه يود ان يعقد اجتماعاً ليناقش هذا الامر." اجابت آبي: " جيد، انا متأكدة انني سأغير رأيه." اجاب والدها: " تذكري انه من الجيل القديم." قالت: "وماذا يعني هذا؟" اجاب: " سوف لتفتين النظر ان ارتديت ثوباً فضفاضاً، ولهذا لا ترتدي وكأنك تتماشين مع الموضه." القت نظرة خاطفة على ساعتها وقالت: " سآخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار. علي الذهاب الآن، انستطيع ان نفكر في هذا العمل المربح في وقت آخر؟" اجاب: "بالطبع، الي اين تذهبين بهذه السرعة؟" اجابت: " الى منزل كارولين." لم يخف والدها دهشته عند ذكر اسم ابنة اخية: " لم اكن اعلم انكما ما تزالان على اتصال." اجابت: " لسنا كذلك، ولكنها اتصلت هذا الصباح وطلبت مني ان امر بها، وقد بدا الامر طارئاً." قال آرثر: " بلغيها محبتي واخبريها ان الوقت قد حان لرؤيتها هي وطفلها مرة اخرى. انه الحفيد الوحيد الذب نملكه انا وامك، ولا افهم لماذا تحتفظ به بعيداً." " اظن انه الكبرياء. لقد خدعت وهي خجلى من هذا." " ما زلت لا افهم زواجها من ذاك الشخص التافه. منذ ان رأيته ادركت انه مشكلة، ولكنها لم تكن لتسمع اية كلمة ضدة." لم تستطع آبي التوقف عن الابتسام وهي تتجه نحو لندن. كانت تفكر بوصف والدها القديم الطراز لجفري نورتون، والذي كان صحيحاً. لقد كان جفري وسيماً وجذاباً وقد استطاع ان يفتن ابنة عمها ذات التسعة عشر عاماً ويجعلها تعصي امر والديّ آبي، اللذين حضناها بعد مقتل والديها في حادثة قطار عندما كانت في العاشرة، وتتزوج منه. لقد ذهبوا للعيش في ادنبرغ، وفي السنه الاولى كانت رسئلها فرحة خصوصاً عندما ابلغت انها تنتظر طفلاً. ولكن الرسائل المنتظمه تحولت بالتدريج الى بطاقات مختصرة متقطعة، وبعد اشهر قليلة توقفت كلياً...ثم وبدون توقع اتصلت لتقول انها وضعت طفلاً، وان جفري تركها واخذ من حسابهما المصرفي المشترك معظم الاموال التي ورثتها عن والديها. وعلى الفور، قدم آل ستيوارت لها مساعدة مالية بينما تطوعت آبي بالسفر اليها والبقاء معها لاسبوعين، ولكن كارولين رفضت كل هذه المساعدات قائلة انها ستعود الى لندن وانها ستخبرهم بموهد عودتها. لم تصلهم بعد هذا كلمة واحدة منها، وعندما حاولوا الاتصال بها علموا انها رحلت ولم تترك عنواناً. ولم تتصل الا بعد مرور اشهر لتقول انها تعيش في جنوب لندن وانها وجدت عملاً جزئياً بأجر جيد وانا صاحبة المنزل كانت تتصرف معها وكأنها مربية اطفال، كما وعدت بأن تحضر الضغير لرؤيتهم. كان وعداً وفت به، ورغم ان هزالها وتعاستها كانا يرعبان عمها وزوجته ولكنها ظلت محتفظه برفضها لأية مساعدة، مصرة على انها تتدبر امرها بشكل جيد. لم تزرهم حتى الآن، اتصالها بآبي اليوم طالبة منها ان تراها لأمر طارئ جاء كالمفاجأة. كان هذا يعني الغائها لموعد مع زبون، ولكن لم تكن هناك طريقة لآبي لتتجاهل التوسل الذي شعرت به في صوت ابنة عمها وكانت خائفة مما ستجده في نهاية رحلتها. تزايد الخوف مع وصولها الى العنوان الذي اعطيت، و وجدته منزلاً متهدماً في ممر ضيق وفي طريق قذر قريباً من مصنع الغاز. قرعت الجرس ودفعت الباب الامامي القديم ثم صعدت ثلاث درجات طويلة الى شقة عليا، حيث كانت كارولين بانتظارها لتحييها. عانقتها آبي بشدة وهي فزعة من منظرها حيث كانت تبدو شاحبة وهزيلة، كما ان شعرها الذي كان مماثلاً لشعر آبي الاحمر الذهبي بدا باهتاً وبلا بريق. بمعزل عن لون شعرهما وطولهما، كان هناك بعض الشبه بينهما، كانت ابنة عمها سمراء اللون بينما كان شكلها غير العادي يجعلها جميلة بطريقة غير مألوفة، كانت تلفت الانظار بأنفها المدبب الصغير ذي النمش، وفمها العريض وشفتها السفلية المنحنية وذقنها الصغير. عظمتا وجنتاها كانتا تزيدان عينيها الخضراوين واهدابها السميكة جمالاً. قالت آبي: " انه لرائع ان اراك، اين الصغير؟" اجابت كارولين وهي تتقدمها الى غرفة جلوس صغيرة متناثرة الاثاث: "نائم. انه يعاني من نزلة برد حادة، وقضيت نصف الليل معه. لن آخذك اليه كي لا يصحو." قالت آبي بحنان: " المسكين، سأراه مرة اخرى. ولكن اخبريني كيف حالك؟" اجابت كارولين: " دعينا نتناول كوباً من الشاي اولاً." خفق قلب آبي وهي تراقب ابنة عمها بينما هي ذاهبة نحو مغسلة صغيرة في الزاوية لتشعل ابريق الشاي الكهربائي. لقد اختفت الابتسامة السعيدة والخطوة الواثقة التي كانت تمتلكها هذه الفتاة الجميلة منذ ثلاث سنوات وحل مكانها طيف شبح مع ظلال عميقة تحت عينيها وابتسامة لا تذهب ابعد من وراء فمها. كانت الغرفة تعكس تعاستها باثاثها الرخيص وسجادتها الممزقة، وقد ادركت آبي ان كارولين يائسةمن اية مساعدة عائلية ولهذا فلم تكن تسمح لأي شخص من افراد عائلتها بزيارتها هنا. كانت مشغولة بالتفكير حين دفع الى يدها كوب من الشاي بينما جلست كارولين بجانبها على الكنبة المتداعية وقالت: " اظن انك تتحرقين شوقاًَ لتعرفي لماذا اردت ان اراك. لا شيء جدي، انه امر اخرق ولكن ليس لدي احد الجأ اليه. السيدة ولسن صاحبة المنزل والتي تعتني عادة بشارلي تشكو من الانفلونزا، واحتاج الى احد ليبقى معه الليلة." لم تستطع آبي تصديق اذنيها: " اتعنين انك تريدين ان تخرجي وتتركي طفلك وهو ليس بخير؟" "بالطبع لا، ولكن ليس لدي خيار. ان بقيت في المنزل سأخسر عملي." صرخت آبي: "عملك؟" امتلأت عينا كارولين البنيتان الكبيرتان بالدموع مما دل بوضوح كم كان صعباً عليها تمالك نفسها وقالت: "ولماذا ظننت اذن انني اردتك ان تساعديني؟" امسكت آبي يدها بعطف: "بالطبع لن يفهم مديرك الوضع." اجابت كارولين: " ليس من النوع الذي يتفهم. سيطردني." سألتها آبي: " لعدم ذهابك لليلة واحدة؟ ماذا تفعلين هناك بالظبط؟" حدقت ابنة عمها بالسجادة ثم رفعت رأسها بجرأة: " انا اعمل نادلة في مطعم كيتي." "انت ماذا؟" اجابتها كارولين: " ليس بالسوء الذي قد يبدو لك." قالت آبي: " لقد ذهبت هناك مرة مع زبون وكان الامر مقرفاً.كل اولئك الرجال الخبثاء و... كيف تستطيعين؟" اجابتها كارولين: " ليس لدي خيار. يدفعون اكثر من اي عمل نهاري استطيع القيام به، وانا احتاج المال." "ولكنك قلت ان جفري يزودك بالمال." اجابت كارولين: " حسناً، لقد كذبت. كنت خجلة من ان اعترف كيف تصرف معي بحماقة ولكني ظننت انني استطيع تدبر الامر بمفردي. وقد تدبرت امري بالفعل حتى اليوم ولكن بما ان السيدة ولسن مرضة..." قال لها آبي: "عليك ان تسمحي لأهلي بمساعدتك." " املك ما يكفينا نحن الاثنين فالبقشيش ممتاز." "اتصور هذا." ردت كارولين: " ولكني لا ادع احداً من الزبائن يمسني، لا افعل هذا...انهم فقط يحادثونني." قالت آبي بسرعة: " لم اتخيل شيئاً آخر. انها فكرة تعليقاتهم وخبثهم التي جعلت دمي يغلي. ما يهمني فقط هو احترامك الذاتي و..." "انا ايضاً، ولكني لست ملمة بالاعمال المكتبية واكسب من عملي في المطعم اكثر مما لو كنت اعمل في محل. ولهذا لا استطيع تحمل خسارة عملي." عضت آبي على شفتها السفلى وقالت: " حسناً، سأعتني بالطفل من اجلك رغم ان علي ان احذرك، فأنا لم اغير حفاضة مطلقا من قبل." قالت كارولين: "ولكني لا اريدك ان تعتني بالطفل. شارلي مشاكس جداً ولن يبقى مع غريب." سألت آبي: " اذا لماذا اتصلت بي؟" " لأطلب منك الذهاب بدلاً مني الى المطعم." شهقت آبي ولكن نظرة سريعة الى ابنة عمها الشاحب الجامد كانت كافية لتدرك انها سمعت جيداً. قالت كارولين: "عليك ان تفعلي هذا من أجلي يا آبي لقد دفع لي مسبقاً لهذه الليلة وان لم اذهب فقد اخسر مالي." " وما الذي يجعلك تظنين انهم سيتقبلونني كبديل لك؟" ضمت كارولين يديها النحيلتين وقالت: " لن يعرفوا، اريدهم ان يضنوا انك انا." صرخت آبي: " انت تمزحين." قاطعتها كارولين: " لماذا؟ نحن بنفس الوزن كما ان لون بشرتنا متشابه و..." " حتى وان كنت اشبهك فلن يخدع هذا بقية الفتيات." اوضحت كارولين: " انهن يشكلن مجموعة جميلة ولن يدعوني خارجا." " وهناك ايضاً مديرك سيدرك حتماً انني لست انت." قالت كارولين: " انه ليس هنا لمدة اسبوع، والمديرالمساعد لن يلاحظ فتاة من اخرى. بالمناسبة انا معروفة هناك باسم كارلا. لا نسمى بأسمائنا الحقيقية." " لا استغرب هذا. لنعد الى موضوعنا." " لا تحاولي جعلي خجلة مما افعل." قالت كارولين هذا وبدأت بالبكاء بينما عانقتها آبي مجدداً وقالت: " عزيزتي، انا آسفة. انا فقط منزعجة لأنك لم تطلبي منا المساعدة، ولكني بالطبع سآخذ مكانك الليلة." بعد حوالي الساعتين وبينما كانت آبي تستعد للقيام بما وعدت بدأت تشعر بالندم. منذ ساعات قليلة لم تكن لتتوقع بأنها مع نهاية هذا اليوم سوف تكون مرتدية ثوب نادلة... وبنظرة سريعة الى وجه اينة عمها اقسمت بان تخرجها بعيداً عن ذالك المكان البغيض وعن هذه الشقة الكريهة. " كيف ابدو؟" سألت آبي وهي تفكر كم تبدو ****ة في هذا الثوب. لقد كانت محظوظة اذ ناسبها الثوب، وبدت نحيلة كأبنة عمها. ارتمت كارولين على الاريكة وهي تكبت ضحكتها: " لا استطيع ان اصدق انني ابدو مضحكة مثلك." اجابت آبي بسرعة: " اراهن انك كذلك. اضن الآن انك ستتخلين عن كبريائك وتسمحين لأهلي بمساعدتك حتى تستطيعين الوقوف على قدميك." اجابت كارولين: " انت على حق بالطبع ولكن..." الحت آبي: " بدون ولكن.سأكون بديلة لك هذه الليلة ولكن سيكون لنا حديث جدي غداً بشأن مستقبلك."
الفصل الثاني
ما ان دخلت آبي مطعم كيتي العابق بالدخان حتى تنبهت لعيون الرجال التي كانت تلاحقها . مشت بخفة الى الداخل وامسكت بصينية الشراب لتقي نفسها من تلك النظرات . انطلق صوت اجش من وراء صوت الموسيقى العالية : " تعالي يا حلوتي , ارنا ما لديكِ على هذه الصينية ". بذلت آبي مجهوداً جباراً لتتجنب وقوع الصينية ومحتوياتها فوق ذلك الوجه المبتسم . " لا تدعي هذا يؤثر فيكِ ". تمتمت احدى الفتيات بينما كانت آبي تعبر احدى الممرات معها . " لا استطيع ". ارتعدت آبي وبنظرة خاطفة نحو الرجال حولها تسائلت كيف استطاعت كارولين ان تقوم بعمل كهذا , بينما لديها عمها وزوجته مستعدين لمساعدتها . لقد كان الكبرياء سبب سقوطها . في الحقيقة لقد كان الامر اسوا من الكبرياء . لقد كان العناد . انطلق صوت بجانبها : " مرحبا يا حلوة ... ارغب في مقابلتكِ بعد العرض ". همت ان تقول له كلاما كريهاً , ولكن نظرة تحذيرية من احدى الفتيات بقربها استوقفتها ,, بالاضافة الى تذكرها ان عليها احضار شيك كارولين الاخير . لم يكن هناك من سبب لعدم ايجاد قريبتها لعمل في شركة والدها للعلاقات العامة , فقد كانت ذكية بما فيه الكفاية بالاضافة الى كونها عنصرا ممتازا . اصر الصوت : " اذن ما رايكِ ؟". اجابت بصوت خفيض رافضة النظر اليه : " اسفة يا سيد ." ثم مشت باتجاه طاولة حولها زبائن يشيرون اليها . " كيف تستطيعين تحمل هذا ؟". تمتمت آبي الى احدى الفتيات محتفظة بابتسامة على شفتيها , وكان الجواب : " بالغاء عقلي والتفكير بالشيك الذي سيدفع لي ." حاولت آبي ان تفعل نفس الشئ . واكن بمرور الليلة كانت تود ترك كل شئ والدفع لقريبتها من مصروفها الخاص , ولكنها ان فعلت هذا فستكتشف احداهن انها لم تكن كارولين و ستهان هذه الاخيرة . كيف استطاعت كارولين تحمل كل تلك التعليقات المهينة و المتملقة من هؤلاء السفلة المقرفين اسبوعا بعد اسبوع و شهرا بعد شهر ؟ لقد كانت كلمة "مقرفين " التعبير الممتاز لهؤلاء لانه لا يمكن لرجل محترم ان يشاهد في مكان قذر كهذا . اذن ماذا يفعل هذان الشابان المحترمان الواقفان قرب بوابة المطعم ؟ شابان يبدوان كالذهب بين المعدن .....يبدوان في منتصف الثلاثينات , كما كانا ايضا اجمل شكلا من الجميع وخصوصا الاكبر سنا . وقفت آبي تراقبه بينما كان يتفحص المطعم وشاغريه بنظرة ازدراء وهو يصغي الى ما يوقل لزميله . اثار وجودهما اهتمامها اكثر حين رات رئيس الخدم يسرع نحوهما ليقودهما الى طاولة تشرف على العرض القادم بوضوح . همس النادل في اذنها بينما هي تمر بجانبه : " لم يدفع لكِ لتقفي هكذا . اذهبي وتابعي عملك ". وهز راسه باتجاه القادمين الجدد . كانت آبي منكبة على مراقبتهما , فلم يكن صعبا ان تدرك انهما كانا جالسين على احدى الطاولات التي كانت تقدم لها الطعامو العصير , اما الابتسامة التي كانت تجاهد نفسها لترسمها على شفتيها تلك الليللة , فقد حل مكانها ابتسامتها الطبيعية الواسعة وهي تخطو برشاقة نحوهما . بينما كانت على وشك سؤالهما عن طلباتهما اذ بالرجل الاصغر سنا يقف ليقول : " كارلا ". ثم يجلس بسرعة و بحيرة يقول : " آسف .. ظننت انكِ هي , لديكِ نفس لون الشعر و .....". " انا كارلا ." تمتمت آبي واحمرت وجنتاها خجلاً ليس فقط بسبب كذبتها بل بسبب الطريقة المزرية التي كان ينظر زميله اليها . ابتسم الرجل ابتسامة عريضة وهو ينظر حوله وقال : " لا, لستِ كارلا , اعرفها تماما بحيث لا يمكن ان اخدع , الا اخبرتها ان كيفن يود رؤيتها ؟". يالت آبي متجاهلة طلبه : " اتود ان اخذ طلبك ؟". اضاف كيفن : " انا ساخذ عصير انانس , وارجوك اوصلي لكارلا رسالتي ". قال صديقه بصبر نافد: " الا ترى انها ليست هنا ؟ اذن من الافضل لو غادرنا الآن .". قال كيفن : " ليس قبل ان اعرف اين هي ". اعترضت آبي بسرعة موجهة حديثها الى الشاب الاشقر خوفاً من ان يسال عن منزل كارلا : " لقد تركت لك رسالة ... ان اتيت معي ....... ". وابتعدت قبل ان تسمع جواباً ... وقفز الشاب بسرعة ولحق بها . همست آبي " انها ليست بخير ". مصممة الا تعطيه السبب الحقيقي في حال لم يكن يعرف بشان الطفل , واضافت : " لقد طلبت مني ان اكون بديلة لها هذه الليلة لخوفها من فقدان عملها , لن تفشي سرها , اليس كذلك ؟". وعدها الشاب قائلاً : " بالطبع لا , ولكن هل استطيع الحصول على عنوانها لارسل لها بعض الزهور ؟". مندهشة لاهتمام كيفن و لطفه الزائد تجاه قريبتها , لم تدر آبي اتعطيه العنوان ام لا . اجابت و هي تراوغ : " ستعود خلال ليلة او اثنتين , والان ارجو ان تعود الى طاولتك وانا ساحضر لك العصير ". وبينما هو يبتعد اذ باحدى الفتيات تمر بقربه ببطء وتقول لآبي : " هذا الشاب متيم بكارلا . انه ياتي الى هنا كل ليلة منذ ان رآها هنا . وما يحيرني هو لماذا لا يعجبها , اتمنى لو كانت لدي مثل هذه الفرصة ". اجابت آبي : " قد لا يكون من النوع الذي تحبه ." صرخت الفتاة : " اتمزحين ؟ انها تبتهج كلما نظر اليها ولكنها لا تعطي موعدا لاحد ." اوقفت آبي الحديث باعطاء الساقي الطلب , وبينما هي بالانتظار , استدارت لتنظر ملياً الى كيفن . كان واضحا انه مصمم على رؤية قريبتها , وكانت فضولية لتعرف , لِمَ ياتي رجل كهذا الى مكان رخيص ؟ نظرت الى الشاب الاخر , منذ فترة طويلة لم تقابل احدا اثر فيها بهذه القوة , مظهره المسيطر يجعله يبدو مختلفا عن بقية الرجال هنا . شعر داكن يتموج فوق جبهة عاليه ومتقدة وانف صارم , بينما كان فمه العريض فوق ذقنه المشاكس يدل كم كان معتادا ان تكون اوامره مطاعه , حاجبان مرسومان بوضوح يلفتان الانتباه الى العينين الضيقتين النختلفتين عن عيون الرجال الاخرين ,,, للاسف لم يبتسم قط . سوف تجعله الابتسامة يبدو اجمل – لو كان هذا ممكناً . جيد , انه لم يكن هو المعجب بكارولين , لم يكن من السهل خداعه مثل كيفن . " أأنت من طلب كوبين من عصير الاناناس ؟ ". سال النادل خلفها فاستدارت لتاخذ الطلب منه . مشت عبر الغرفة بخفة , سمعت كيفن يقول لزميله وهي تقترب منهما : " لن تعرف كارلا جيدا حتى تقابلها ". اجاب الاخر : " استطيع ان احزر ." دافع كيفن عن نفسه : " لقد قلت دوماً انه لا يجب على المرء ان يصدر احكاما مسبقة ". حملق الرجل فيه و قال : " ليس الامر اصدار احكاما مسبقة , ولكن لا تعمل هنا الا من كانت تبحث عن المغامرة ". " روري " . حذر كيفن وهو ينظر بدون ارتياح نحو آبي . نظر اليه زميله نظرة ذات معنى محدثا صوتا خافتا من شفتيه بينما اضطربت آبي . بغض النظر عمن كان يظنها فلم يكن لديه الحق ليتصرف وكأن لا شعور لديها . ارتجفت الصينية في يدها وبصعوبة قاومت الرغبة الملحة في سكب محتوياتها فوق راسه ... وضعت الكوبين على الطاولة و توقعت من ان يدفع كيفن , فبحثت في محفظتها المكسوة بالفراء والموضوعة حول خصرها عن اوراق نقدية لارجاع ما تبقى لهما . امر روري رفيقه : " اشرب هذا العصير ودعنا نخرج من هذا المكان القذر ". مرة اخرى قاومت آبي الرغبه في صفعه , وبوجه متصلب رمت بة النقود على الطاولة ومضت بعيدا . ثم انشغلت لاحقاً بتقديم العصير والسندوتشات لمجموعة من الشباب حين قطع افكارها صوت رئيس الخدم العالي : " هاي , انتِ , كارلا , لديهم بعض النقص في الطابق العلوي , اذهبي وساعديهم ." رغم امتعاضها من نبرة صوته هزت راسها غير راغبة في لفت نظره الى حقيقة جهلها للعمل . اندفعت الى الامام ونظرت حولها لتسال احدا الى اين تذهب وماذا تفعل .. اقتربت من المسؤول , وسالته كيف يمكن ان تساعده . قال لها بلا اهتمام : " ربما كانوا يودون لو تساعديهم في تحضير العصير و السندوتشات ". خطت آبي وراءه وارتطمت بقوة بجسم كبير . استدارت لتعتذر ولكن الكلمات تجمدت على شفتيها عندما وجدت نفسها تحدق بالشخص الذي كانت تتمنى ان تتجنبه , حسنا , على الاقل لم لكن عابسا و لم يبد غاضبا من هذا اللقاء غير المتوقع , قال لها بلطف بينما بدت نبرة صوته متعاطفة : " أتتبعينني ؟". قالت بصوت خفيض وهي تهز راسها وتحدق مباشرة بعينيه : " لديهم بعض النقص هنا و انا اتيت للمساعده , أأحضر لك شيئاً ؟". اصبح صوته ناعما و خفق قلبها وهي ترى فمه الملتوي وعينيه الرماديتين اللتين تحدقان بها , قال : " قهوة من فضلك , سوداء وحادة ان لم يكن هناك من مانع ." مانع ؟؟ ستصنعها بنفسها ان كان هذا ضرورياً . ومشت تحو الباب المؤدي الى المطبخ . عادت خلال دقائق ونقرت نقرة خفيفة على كتفه بينما كان منحنيا يتكلم مع كيفن على الطاولة , وقالت : " ثلاثة باوندات من فضلك , يا سيدي ". كرر روري : " ثلاثة باوندات ؟ لماذا ؟ " هي ايضا تسائلت عن القسوة الصادرة من فمه بينما كان يبتسم لها منذ دقائق خلت . ايكون السعر مرتفعاً ؟ حتى وان كان هذا فقد يكون الفرق مجرد بنسات . واذا كان بخيلا فلِمَ كل هذا الغضب ؟ اجابت آبي : " اجل يا سيد ". قال بسرعة و قد تحول الهدوء في نبرة صوته الى تهديد : " انتِ تتدبرين امركِ جيداً بابتزاز المال هنا , اليس كذلك ؟". فقالت : " انا ..... انا لا افهم ". قال بحدة : " ظننتِ ان الامر سهل للغاية . انتِ تحاولين جمع بعض المال بالاضافة الى ما تتقاضينه ". " انا ....." اضاف : " الا تعلمين اننا هنا لا ندفع الا بعدما ننتهي من طعامنا ؟". كم كانت حمقاء إذ نسيت ! قالت بسرعه : " انا اسفة , اعتذر . ولكنها المرة الاولى التي اعمل فيها هنا ". اجاب : " ان كنتِ ستكذبين فعلى الاقل فكري في شئ قابل للتصديق ." ثم اخذ قطعة نقود من فئة الخمسة باوندات من جيبه ثم قذف بها على الصينية وقال : " احتفظي بالباقي , انتِ بالطبع تحتاجين اليه ". قاومت آبي الرغبة الملحة في رمي قطع النقود في وجهه . كان يبدو بوضوح انه يشعر بالملل و انه قرر المغادرة .. " هلا احضرتِ لي فنجان قهوة ؟ ناداها رجل بالقرب منها . استدارت لتستجيب لطلبه , و اذ بها تشعر بشئ ناعم تحت قدمها . وبنظرة سريعة رات ان هذا الشئ ما كان الا محفظة روري الجلدية التي اخرجها من جيبه حين اعطاها النقود . كان واضحاً انها وقعت من يده وهو يرجعها الى جيبه . ارشدتها غريزتها الى تركها حيث كانت , وكان الامر افضل لو ان احداً اقل استقامة منها وجدها و اخذها . من ناحية اخرى ماذا سيحرجه اكثر من ان تثبت له امانتها ؟ يحسن الحظ كان روري قد توقف للحديث مع احدهم بجانب باب المخرج . اذن ستكون مسرورة لرؤية ارتباكه وهي تعطيه اياها . تناولت المحفظة من الارض ثم ركضت باتجاهه وقالت له : " اعتقد ان هذه المحفظة لك ". توقعت ان يبدو آسفاً ولكنها كانت مخطئة تماما . أكدّ بجدية : " نعم , انها لي . ولكن كيف حصلتِ عليها ؟". اجابت : " ان كنت تلمح لشئ ما , فقد انتزعتها من جيبك ...." لم ينكر هذا الاتهام بينما غرقت هي في غضبها ولكنها حاولت السيطرة على اعصابها . قالت بحدة : " كانت على الارض هناك , بجانب الطاولة ". " حقاً "؟ كانت نبرة صوته لا تصدق , ولكي يستمر في اهانتها , اخذ يقلب الاوراق النقدية ثم اجاب و عيناه تحدق في عينيها : " يبدو ان لا شئ مفقود , انتِ حقاً تستحقين مكافاة ". اخرج ورقة من فئة العشرين باوند واعطاها اياها . اجابت آبي بجدة : " الامانة هي مكافاة بحد ذاتها ". ومضت بعيدة و هي تهز راسها . كانت قد وصلت الى وسط الغرفة حين قطع طريقها رجل قوي اسمر اللون . سال : " من انت ؟" اجابت بحدة في محاولة لعدم افساح المجال لاي حديث : " كارلا " امسكت يده السمينة ذراعها الناعمه بقسوة واجبرها على السير معه ثم جعلها تقف في ركن هادئ و قال لها : " من تحاولين ان تخدعي ؟ اعرف كل فتاة تعمل عندي . وبما ان كارلا قد خضعت لعملية جراحية فانتِ لستِ هي ..." ادركت انه فنسنت , المدير المساعد , لم يكن لدى آبي اي خيار الا الاعتراف بالحقيقة . قالت متلعثمة : " انا .... انا لست كارلا ... انا ابنة عمها . كارلا مريضة وقد طلبت مني ان اكون بديلتها , لم تكن تريد ان تخيب املك .." صحح الرجل لآبي بصوتٍ اجش : " تعنين انها لم تشأ فقدان المال , ولكنها حسناً فعلت بمقايضتك .. بحلولك مكانها , فانتِ لا تبدين سيئة ". نظر اليها بعينيه الزرقاوين وتابع : " ان كنتِ لطيفة معي , فقد احتفظ بكِ بشكل دائم ". شعرت آبي بالغثيان من اقترابه وحاولت الانسحاب لتتحرر منه و لكن بدون فائدة اذ امسك بها بقوة . قالت آبي بلهجة متوترة : " ان لم تدعني اذهب ساصرخ ". قال روري وراءها بينما اصابعه القوية تبعد اصابع فنسنت عن ذراعها : " متأكد انا ان هذا ليس ضرورياً , فالرجل اللطيف لا يحتجز سيدة بدون ارادتها ." كان في صوته تركيز تهكمي على الكلمات " رجل لطيف " و " سيدة " قال فنسنت برقة مصطنعه وهو يغادر : " في هذا المكان الزبون دائماً على حق ". تمتم روري : " كم هم لطفاء هؤلاء الناس الذين تعملين معهم . انتِ محظوظة اذ رايتُ ما كان يحدث ". قالت بشدة وهي لازالت تشعر بالالم من اهانته عند قول كلمة سيدة : " شكرا لك ". هز كتفيه القويتين بلا مبالاة : " اتمنى ان تكوني قد تعلمتِ درساً , وفي المرة القادمة عندما تقتربين للتحدث معه قد لا يكون هناك احد لانقاذك . انت لا تستحقين هذا . تتزينين ثم تتصرفين كبريئة تشعر بالغثيان عندما تنجحين ". اجابت بشدة : " لست احاول ان افتنك انت بالتاكيد , ولكن لا شك بانك رجل نبيل ". اجاب : " دعينا نقول انني لا انجذب لفتاة على المرء ان يدفع لها لتسعده ". " كيف تجرؤ ؟". نسيت آبي كارولين في غمرة غضبها وامتدت يدها لتصفع وجهه بكل قوتها . اضافت : " في المرة المقبلة عندما تنقذ فتاة من محنة فعليك ان تكون اكثر تهذيبا ". اوشكت على البكاء وهي تدخل الى غرفة ايداع الملابس وتنهار فوق احدى الكراسي .... يا لهذا الكابوس !!! لقد اهينت مراراً والليلة لم تنتهي بعد , ولم يكن لديها ادنى فكرة كيف ستنجز الساعات المتبقية , ولكنها ستتحمل ختى النهاية من اجل كارولين والشيك الذي عليها قبضه . تنهدت ثم وقفت ومضت عائدة نحو المطعم

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا