اللهب و الفراشة

اللهب والفراشة
للكاتبة أليزبيث هنتر
عبير القديمة رقم 43
الملخص
حين يضيئ الحب قناديله على شرفات القلب هل يفرق بين غني وفقير ؟ وحيت تقسو الاقدار و تمط عذاباتها هل تفرق بين قلب وقلب ؟ مادلين الفتاه المعدمة والمتوسطة الجمال ماكانت تحلم بسعادة تفوق احتمالها وعندما اشار اليها الحب باصبعه تبعته كالفراشة الى اخر الدنيا هذا ماحصل وهى التى لم تعرف ماروك بك الا منذ وقت قصير جدا فما الذي سيجري عندما تعرفه لفترة أطول وتعيش معه في بيت واحد . الفراشة تحلك بالنور يزيح عتمات الحياه وكلما اقتربت من الحقيقة اقترب جناحاها من الحريق فمن منا لا يفضل الاحتراق في النور على البقاء في برودة الظلمات ؟
مادلين مادلين الى اين اخذك الحب
الفصل الاول – انت في العين
تنفست مادلين كارفيل الصعداء وأحست بانها محظوظة فهذه اول مرة منذ مجيئها الى اسطنبول تواجه فيها مثل هذا الموقف الا انها المرة الأولي ايضا التى تستطيع فيها البتعاد لعدة ساعات عن مرافقة السيدة التى تعمل لديها لم يكن السبب في ذلك كراهيتها لاورسولا اديناي فهي تشعر بالاسف نحوها لانها شابة جميلة وترملت في مقتبل العمر وقد ترك لها زوجها دارا للنشر اخذه في الاتساع وتصدر سلسلة من المجلات كانت تنشأ بينهما بعض الاحتكامات تفسرها مادجلين بانها ترجع الى ان السيدة ايناي امريكية مما يجعل هناك سوء فهم يثير الضحك الضحك بينهما في ادراك معاني بعض الكلمات في لغتهما المشتركة فكلمة غوينت على سبيل المثال تعني بالنسبة الى مادلين قطعة من اللحم في حين تفهمها السيدة اديناي على انها تشير الى الفندق الذي ينزلان فيه وعلى هذا فان السيدة اديناي كانت تذم الفندق وتصفه بانه بال وعتيق كانت مادلين تدهش لانت طعامها تم طهيه واعداده بعناية تامة وفي الحقيقة كانت مادلين تعتبر الفندق ممتازا ولكنها لا تملك الكثير من المال في حين كانت السيدة اديناي شابة ثرية جدا ولم تكن مادلين تعرف بالضبط ما الذي تفعلانه في تركيا ودهشت لان مدير مكتب فرع لندن لدار اديناي للنشر وقع اختيارة عليها لمرافقة السيدة اديناي في سفرها وكان من الافضل اختيار شخص اخر اكبر سنا وله قدرة على ضبط النفس امام النزوات المندفعة للسيدة اديناي واعتقد ان مدير المكتب الذي تولي بسرعة حجز تذاكر بالدرجة الاولي على الطائرة المتجهة الى اسطنبول ان السيدة اديناي قد تجد في نفسها الرغبة لكتابة مقالين اثناء زيارتها لتركيا ومن ثم فانا ستحتاج الى سكرتيرة لتعاونها ومع اول لقاء بين مادلين والسيدة اديناي وهى تتخذ منها موقفا عدائيا منذ اللحظة الاولي " أين عثروا عليك ؟ " ذهلت مادلين وانعقد لسانها وساورتها الشكوك فيما اذا كان مظهرها له صلة بهذا السلوب الذي تخاطبها به السيدة اديناي فهي صغيرة وسمراء ولها عينان متسعتان لونهما يشع منهما بريق عندما اضحك وشعرها أسود فاحم ولم يكن شكلها من النوع العادي الذي يروق كل فرد اما السيدى اديناي بجمالها من النوع التقليدي لها ساقان مديدتان وعينان زرقاوان تميلان الى اللون الرمادي ولها تلك النظرة المسقولة التى يتميز بها الامريكيون في كل مكان . وردت عليها مادلين قائلة " انني اعمل هنا في المكتب " " حسنا ما رايك ان تكوني مرافقة لي لبعض الوقت ؟ " فوجئت مادلين لذلك لانها طالما كانت تتوق الى رؤية اسطنبول بمفردها ولكن لم تكن لديها الفرصة لتناقش الامر مع السيدة اديناي التى ستتيح لها هذه الزيارة وأجابتها قائلة " سأبذل قصاري جهدي في هذا السبيل " " أرجو ان يكون جهدك كافيا وسيكون تصرفك وجهدك في الاتجاه السليم فعلا ان انت لزمت الصمت وابتعدت عن طريقي ولم تسيطر على عقلك فكرة انه تم اختيارك لكي تصبحي حارسا لي وأتوقع ان تجدي مهمتك غير مبهجة ولكنها ليست غلطتي لانني لم اطلب مرافقتك لي " وجدت مادلين في مهمتها فعلا شيئا من عدم البهجة فقد ظلت منذ وصولها حبيسة في الفندق الذي نزلتا به في القسم الحديث من المدينة في حين راحت السيدة اديناي تبذل مجهودها في البحث عن مارك شقيق زوجها الذي قالت انه يقيم في مكان ما في اسطنبول مالم يكن خارج المدينة يلهو مع احدي النساء والانطابع الذي اخذته مادلين ان شقيق زوج اورسولا اديناي ذئب بشري واحست نحوه بكراهية شديدة كان يكفي لبثها في نفسها لو صحت حتى نصف القصص التى روتها عنه اورسولا فهو رجل استغل ثروته في التغرير بالنساء الشابات البريئات وراح يباهي بغزواته امام الجميع لقد تمنت مادلين ان يظل هذا الرجل مفقودا في مكان ما في البلاد . ولكن الامر كختلف تماما اليوم فقد ذهبت اورسولا بعد الظهر لتمضية الوقت بصحبة بعض الاصدقاء الامريكيين الذين يقيمون في اسطنبول واصبح امام مادلين بضع ساعات لتستمتع فيها بحريتها بعيدا عن رفقة السيدة اديناي وقررت القيام بجولة في المدينة برغم ان لورسولا تكره هذا النوع من النشاط واستقر رأيها على زيارة قصر توبكاي الذي سمعت عنه وعندما اشترت بطاقة لزيارة القصر قيل لها ان عليها شراء بطاقة اخري اذا ارادت زيارة الجناح الخاص بالحريم في هذا القصر الذي كان يملكه احد السلاطين العثمانيين وبعدها اتيح لها عشر دقائق لمشاهدة المنظر الرائع عبر مضيق البيسفور المؤدي ال الجزء الاسيوي من المدينة . وعادت الى جناح الحريم في الوقت المناسب وأخذت مكانها بين البقية السياح الذين رافقهم دليل وكانوا مجموعة من الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين ولفت نظرها رجل غريب بين تلك المجموعة وجه اسمر ولا يبدو من ملامحة انه بريطاني ولا فرنسي اذا فلابد ان يكون تركيا وتساءلت عمنا يكون جاء به الى هذا المكان ؟ وأخذ سيق طريقه وسط المجموعة بطريقة ملفته للنظر الى ان استقر بجوار مادلين التى تظاهرت بعدم الاكتراث به ولكنها لاحظت انه ابتسم لها ابتسامة خفيفة وفجأة ماداها " "مرحبا يا مليحة " قال كلمة مليحة بالتركية التى لم تفهمها وان ادركت المعني المقوصود منها وادرات راسها نحوه قليلا لتري رد فعله ازاء تجاهلها له ولكنها لاحظت انه يراقب محاولتها هذه مما جعل خديها يكتسيان بحمرة الخجل واحست بارتياح عميق لان الدليل بدأ في تلك اللحظة بجمع السياحح حوله ليشرح لهم باللغتين الانجليزية والفرنسية وتجاهل الرجل الغريب هذا الدليل وقال لمادلين " ان مانشاهدة الا جزءا بسيطا من جناح الحريم اما الجزء الباقي فهو شاسع جدا ففيه ثلاثمئة غرفة على الاقل " ولاحظت مادلين ابتعاد بقية المجموعة عنها فقالت للرجل الغريب انها تفضل الاستماع الى الدليل فرد علهيا بانه من الأفضل الاستماع اليه هو حتى تعرف خقيقة الحريم وشرح لها بان هناك فئة من الرجال السود الاشداء مهمتهم حماية مجتمع النساء ومن هؤلاء أيضا مجموعة من الرجال البيض ولكن السود كانوا يتمتعون بثقة اكبر في هذا المجال وكان لزعيمهم الذي يدعي كيزلار اجازي سلطة كبيرة في عالم الحريم ، واحست مادلين بالأسي نحو هؤلاء الحراس الذين ارغموا على العيش هنا وتراجعت مذعورة وهى تري ثلاث طوابق مستديرة تحيط بفناء صغير وفي كل طابق عشرة غرف كالزنزانات ويقيم فيها ميئات مما يبين لها مدي المتاعب التى كانوا يعانون منها سمعت مادلين مافيه الكفاية فتركت الرجل الغريب واندفعت نحو السياح لتلحق بهم وتدس بنفسها بينهم وأخذ الدليل يطوف بهم داخلالقاعات الدراسية للامراء ومساكن الاماء والجناح الخاص بام السلطان التى اعتبرت اقوى امراة في الحريم وتمتعت بنفوذ خاص على ابنها السلطان ومن خلاله كانت تبسط نفوذها على الامبراطورة كلها واخذ الرجل الغريب يتدخل أثناء شرح الدليل ويفيض في الرد على اسئلة افراد ا لمجموعة التى عجز الدليل عن اعطاء ردود شافية عليها مما جعل السياح ينتبهون اليه باسئلتهم مما جعل الدليل يتوقف عن الشرح ثم تحدث بالتركية الى الرجل الغريب الذي ضحك وابتسم ادليل هو الاخر وقال لافراد مجموعة السياح " ان ماروك بك يستطيع الشرح لكم افضل مني " انه تركي اذا واخذت مادلين تركقه من طرف خفي وقد تجدد اهتمامها به لم يكن مديد القامة ولكن له شخصية قيادية كما كان عريض المنكبين لم تقابل احد مثله في حياتها ولا تشعر باى ود نحوه على الاطلاق فهو يتسم بالخشونة والعدوانية المفرطة والتفت نحوه لتجده يرمقها بدون ان يحاول تحويل بصره عنها مما جعل الدم يندفع الى وجنتيها وأخذ تعض على شفتيها وراح ماروك يقول للسياح " الفتاه الطموحة هى التى كانت تحرص على الجلوس الى الجانب الايمن لوالدة السلطان فيحضر ابنها ويتناول القهوة او الشاي مع امه وفي لحظة سعيدة تلفت الفتاة الجميلة نظر السلطن الابن فان هى نجحت في هذا فان السلطان خاطب امه بشأنها وعندئذ يتاح للفتاه ان ترتدي الأفضل ما يمكن للنساء ان ترتديه وتعرف عندئذ باسم جوزد ومعناه في العين " ونظر بطريقة تهكمية الى مادلين التى تعمدت الا تظر اليه مرة اخري مصممة بينها وبين نفسها على ذلك فهو يغاززلها بطريقة متعمدة وهذا امر سيئ في حد ذاته وبدأ افراد المجموعة يلاحظون تبادل النظرات بينهما في صمت ولكنه في الواقع ليس تبادلا بالمعني المفهوم لنها لم تقدم على شيئ ينطوي على التشجيع له وواصل ماروك بك حديثه وهو مازال يرمق مادلين ويبتسم ابتسامة عريضة وقال " وان ادخلت الفتاة السرور الشديد الى نفس سيدها فانها تصبح احدي محظياته وكان يوجد منهن عدد يختلف من ان لاخر ولكنه يبلغ عادة اثنتي عشر محظية يعرفن باسم اكهال ومعناها النجاح او الحب الطيب والشيئ الوحيد الذي يجعل لاحداهن شأنا هو ان تنجب ولدا ذكرا مما يفتح امامها احتمال ان تصب ام السلطان في المستقبل " وانحني ماروك بك انحناءة خفيفة باتجاه مادلين وهو يطلب من المجموعة ان تتبعه الى جناح السلطان ولاحظت الديكورات الفخمة داخل الجناح والنافورة التى لا تتوقف وقارنت بها حمام السلطان وحمام الملكة فكتوريا وسأل ماروك بك مادلين عما اذا كانت مستمتعة بهذه الجولة فقالت وقلبها يخفق انها كانت تفضل الاستماع الى الدليل الرسمي فوضع ذراعه على ذراعها وقال لها بسخرية بان حياة الحريم قد الهبت خيالها وجعلتها تتخيل نفسها احدي المحظيات او ام السلطان نفسها الا ان من الافضل لها ان تقنع في البداية بالوضع الذي كانت تتمتع به جوزد في الحيم فردت عليه وهى تبعد ذراعه عنها " لم افكر في هذا ولكن يبدو انك تخليت نفسك السلطان " " ولكن مع وجودك في الحريم فاى دور يتبقي لي لتأديته ؟ " فقالت له في تبرم " هل تتفضل فتتركني لشأني ؟ " " هل تريدين مني ان اتركك حقا ؟ اعتقد انك ترغبين في مشاهدة مجموعة الخزف في مطابخ القصر ان لها شهرة عالمية ولا يفوتك رؤيتها لمجرد تظاهرك بالخجحل " واثارتها تلك العبارة الاخيرة فقالت له في حدة وغضب " كيف تجرؤ على هذا القول ؟ ابتعد عني فورا .." ولكنه تجاهل غضبها وعادت الابتسامة الساخرة الى شفتيه ثم قال " ستكونين امنه بصحبتي اليوم على الاقل هل توافقي ؟" وصدقته برغم انها لا تدري ما الذي دفعها الي هذا وبرغم انها احست بالامان والحرية في ان تتركه حين تشاءولكنها شعرت بان مجموعة الخزف وكل شيئ اخر يكتسب طابعا اكثر اثارة في صحبته ربما يرجع هذا الى انه تركي ويختلف عن اى رجل اخر قابلته في حياتها وقالت له وهىة تبتسم " حسنا اوافق " ولكن شعورا بالخوف تملكها فهو قد لا يلمس فيها تلك الانوثة التى يلمسها في بنات بلده وقد يصدم لجهلها بعاداته وطريقته في الحيا وازاء ترددها ضحك ضحكة خافته جعلتها تضيق به وأوشكت ان تثور في وجهه لتوقفه عند حده ولكنه فجأها بقولة " قلت لك ستكونين امنه معي فلماذا لا تتخلين عن هذا التصرف الحذر ظ فلن ادعك تذهبين ؟ " ولكن يجب على العودة الى الفندق السيدة التى اعمل ليدها سوف تقلقل ان لم ارجع في الموعد المحدد " " ومتى هذا الموعد " " بعد وقت تناول الشاي " " اذا سيكون امامنا وقت طويل لمشاهدة مجموعة الخزف وتناول الشاي ولنؤجل مشاهدة الكنوز ليوم اخر " وصحبها الى الحديقة الرئيسية ومد يده فاسلمت يدها اليه مما جعله يبتسم ثم قال لها " انظري الى تلك الحدائق فمنها نقلت زهرة الزئبق الى هولندا " " كانت لاسطنبول اهمية كبيرة اليس كذلك ؟" " نعم كانت ملتقي الطرق بالنسبة للعالم اجمع وللموقع الجغرافي تاثيره كبير في صنع التاريخ فقد كان محتما ان تصبح اسطنبول مدينة عظيمة بتجارتها وغزواتها وكان اتساع امبراطورتها يحمل معه بذور انهيارها مثلما حدث الى القسطنطينية البيزنطية " وبعد ان انتنهيا من مشاهدة المجموعة الخزفية بمطابخ السلطتان اقترح عليها التوجه لشرب الشاي في برج جالاتا الذي سينال اعجابها واخذ يحدثها عن اسطنبول وجوها الشاعري فاطرقت براسها متمنية الا يكون ان ادرك بعضا من الشاعرية التى تحس بها انما يرجع لكونه يجلس الى جوارها وأبلغته بانها تعمل في مكتب فرع لندن لدار اديناي للنشر وقالت " هذه هى المرة الاولي التى يتاح لي فيها التجول في المدينة فالسيدة التى اعمل لديها لا تميل الى التجوال وجاءت الى هنا للبحث عن شقيق زوجها " " ولماذا هل فقد "ك " انه رجل سيئ زير نساء وهو الان برفقة احداهمم في مكان ما في البلاد ومن المفورض ان يحاضر في جامعهة البوسفور ولمنه لايبدي اهتماما لهذه الناحية " " هل تعرفينه جيدا ؟" " فترددت مادلين ثم قالت " كلا ولكنه لابد وان يكون رجلا بغيضا لانه يتباهي بمغامراته النسائية امام اسرته وانا اكره الرجال الذين يتحدثون عن علاقاتهم " فوافقها على ذلك قائلا انها جريمة شنعاء ولكنه ابدي تشككه في صحة ماذكرته السيدة التى تعمل لديها وقال ربما انها اخترعت تلك القصص عنه فردت عليه مادلين " ولماذا تفعل ذلك انها تحبه كثيرا وجاءت الى هنا من اجله فهي تريده ان يعود لكي يساعد في تسير شؤةن دار النشر التى تملكها قتل زوجها في فيتنام وهي بحاجة لمن يساعدها وهذا الرجل لن يعبأ حتى بمقابلتها " فابتسم ابتسامة جافة وغامضة مما ثار المخاوف في نفسها وتمنت لو انها لم تذكر امامه اسم اورسولا اديناي وسألها عن السبب الذي يجعلها تعتقد انه لن يقابلها فقالت انه لم يترك اى عنوان له ولا بد انه يتهرب منها عندما يعلم بقدومها ولا تعرف السيدة اديناي السبب في احجامه عن مساعدتها فهو على درجة من الخبرة والمهارة مثلها مثلما قالت عنه ولكنه لا يرغب في ذلك وربما كان له العذر في ذلك " وأبدي ماروك بك رغبته في الانصراف وقال لها انه سيستدعي لها سيارة اجرة لتوصيلها الى الفندق استاءت مادلين لاقدامه على انهاء هذا اللقاء ولم تشأ ان تكشف له عن شعورها وقال لها مارك بك انها ستخوض مغامرات اخري فينا سيأتي من ايام ولكنها ردت عليه في حدة قائلة " انن يلا اتطلع الى المغامرات وفي استطاعتي العثور على سيارة اجرة بنفسي " " حسنا كما تشائين " وودعته شاكرة له صحبتها والشرح الذي قدمه لها عن حياة الحريم فقال لها " اتمني لك كل خير يا مليحة وربما نلتقي في لندن يوما ما " " وعندئذ سأرافقك لكي تشاهد كل شيئ في المدينة .." ولكنه ابتعد عنها قبل ان تكمل كلامنها وسار فثي الاتجاه المضاد لطريقها وأخذت احلامها تتلاشي مع كل خطوة من خطواته وبدأت عيد نفسها الى التعقل اذ كيف يئثر فيها رجل قابلته لاول مرة بعد ظهر اليوم ؟ واستلقت سيارة اجرة وقدمت لسائقها عنوان الفندق . شعرت مادلين بود نحو ماروك بك بل تكن له شيئا اكبر من مجرد الود ولاحظت انه ينظر اليها بطريقة محببة ومثيرة برغم ان هذا يسبب لها حرجا وكانت تتمني ان تراه مرة اخري لكي تتاكد من ان شخصا ما قد ابدي نحوها شيئا من العطف الذي حرمت منه منذ الصغر وسالت دموعها على خديها من شدة الانفعال ولكنها عندما وصلت الى الفندق اسرعت بتجفيف دموعها ونزلت من السيارة لتدخل الفندق وهة مرفوعة الرأس
2ـ - جميلة جدا جدا
توجهت مادلين مباشرة الى قسم الاستقبال بالفندق لاخذ مفتاح غرفتها لكنها فوجئت بموظف الاستعالامات يخبرها ان اقامتها في الفندق قد انتهت وانها والسيدة ايناى سيطيران الى انقرة وسألها عن السبب في عدم مرافقتها للسيدة ايناي ولما ابلغته مادلين وهى في حيرة بانه لابد وان يكون قد اخطأ لان السيدة ايناي أمضت اليوم بصحبة بعض الاصدقاء اكد لها ان السيدة ايناى قد عادت الى الفندق في فترة بعد الغذاء وهى في غاية الاضطراب ودفعت حساب الفندق وأخذت كل حاجاتها بما في ذلك حقيبة مادلين ايضا وجواز سفرها وانه تم تاجير غرفة مادلين لنزيل اخر فقالت مادلين وهى خائفة " ولكن لايمكن ان تفعل ذلك " وأحست مادلين بجفاف في حلقها من شدة الاضطراب ولكنها قالت لنفسها انه لا يجب ان يستبد بها الخوف فلابد ان يكون ه ناك تفسير منطقي ومعقول لهذا الموقف وطلبت مادلين مقابلة مدير الفندق فربما تكون السيدة اديناي تركت معه عنوانا تلحق به عليها تاخر مدير الفندق فترة طويلة قبل ان يحضر مما جعل مادلين مع مجيئ المساء تشعر بالحرج الشديد وهى تري نزلاء الفندق ارتدوا ملابس المساء في حين انها مازالت بالملابس التى خرجت بها في جولتها الصباحية واعتقدت ان الجميع يرقبونها وعندما جاء مدير الفندق ابلغ مادلين انه لم يصادف مثل هذا الموقف في فندقه من قبل واستفسرت منه عن العنوان الذي تركته معه السيدة اديناي فاجابها بانها لم تترك أي عنوان واعرب عن دهشته الشديدية لتصرف السيدة اديناي التى اختفت ولم تترك حتى جواز سفر مادلين . وأحست مادلين بان ساقيها لا تقويان على حملها فجلست وهى تقول " انه لامر يدعو الى السخرية " قال مدير الفندق " لابد من الاتصال بالشرطة التى سوف تتولي امرك ولكن الشيئ المؤكد هو انه لايمكنك البقاء هنا بلا مال او جواز سفر " قالت مادلين في حسرة " وبلا ملابس ايضا " " لا شك ان السيدة اديناي مجنونة فماذا ظنت انك فاعلة ؟ انني اسف جدا لحالك يا انسة ؟ ولكنك تعلمين انه يستحيل بقاؤك في الفندق ؟ " " ان كان هذا رأيك فهل هناك ضروروة للاتصال بالشرطة ؟ " " وهل هناك حل اخر ؟ انهم يستطيعون التحقق من المكان الذي توجهت اليه في انقرةان كانت فعلا ذهبت الى هناك انني لست مسؤولا عن هذه الكارثة ولابد من حماية الفندق " ولما سألها المدير عما اذا كانت تعرف شخصا اخر في اسطنبول اجابته بان شقيق زوج السيدة اديناي موجود ف ياسطنبول ولكنها لا تعرف عنوانه الا انه علمت انه يحاضر في جامعة البوسفور ورجته ان يستفسر من الجامعة عن محل اقامته فتهلل اسارير المدير ووعدها ان يبذل قصاري جهده بالرغم ان اليوم عطلة وطلب منها ان لا تقلق . وعندما تاخر المدير في لرجوع اليها اخذ اليأس يددب في نفسها وراحت تفكر بزنزانات شرطة اسطنبول وفي تلك اللحظة حضر المدير واسارير وجهه منبسطة وأبلغها بانه حصل على العنوان المطلوب وانهم في الجامعة كانوا مترددين واعطائه العنوان ولكنهم عندما علموا بورطتها رغبوا في تقديم المساعدة وابلغوه انه في استطاعتها الاقامة في منزل السيد اديناي الى ان يتم العثور على السيدة اديناي في انقرة وسارع في توديع مادلين حتى الطريق الذي كان يسوده الظلام والرياح الباردة تلفح ذراعيها العاريتين مما جعلها ترتعد ودهشت مادلين عندما اكتشفت ان السيد اديناي يعيش في الجزء الاسيوي ممن المدينة وقد أبلغها مدير الفندق وهو يسعي للتخلص منها واخراجها من الفندق ان عليها ان تستقل العبارة البحرية الى اسكودار عند جسر جالاتا مقابل بعض بنسات وسيكون الامر سهلا جدا بالنسبة اليها . كانت المسافة الى الجسر اطول مما تصورت وهو احد الجسرين يمتدان عبر القرن الذهبي ويوصلان بين القسمين الاوروربي القديم والجديد بالمدينة وقد اخذت العبارات تنشط على جانبي الجسر . وشعرت برذاذ المطر يبلل وجهها فسارعت العدو لمسافة قصيرة حتى وصلت الجسر وهناك استلقت العبارة بعد ان انتظمت في طابور طويل ولم تجد لنفسها مكانا في داخل العبارة تلتمس الدفء فيه فاضطرت للصعود الى السطح وأخذت تتطلع الى بحر مرمرة الذي يلفه الظلام وهو يضيق حتى عنق مضيق البوسفور الذي يصل بين بحر مرمرة والبحر الاسود مبتعدا بضعة اميال الى الشمال وكان البرد قارسا مما جعل مادلين تدلك ذراعيها لكي تدفع الدم الى عروقها ولاحظت ان عيون بعض النساء ترمقها من تحت أغطية الرأس التى لا تغطي الوجه وان كانت تكسب من ترتديها احساسا بالاحتشام وعندما وصلت العبارة وقفت مادلين في الطريق والمطر يبللها وأحست بأنها لم تكن في حياتها أتعس مما هى عليه كانت نظرتها الى البلدان الخارجية انها تنعم بالشمس الدافئة الا ان الوضع يختلف بالنسبة لاسطنبول شأنها في ذلك شأن نصف الكرة الشمالي حيث يقترب فصل الشتاء بسرعة . سمعت صوت صبي يٍسألها عما ذا كانت تريد دليلا وقد ظنها امريكية فأوضحت له انها انجليزية وأطلعته على العنوان الذي معها وتبعته مادلين وبدت على بعد اضواء من الجانب الاوروربي لاسطنبول في حين راحت السفن تذرع المضيق الذي يفصل بين القارتبين جيئة وذهابا وتوقف الصبي وهو يشير الى احد المنازل قائلا " هذا المنزل الذي تقصدينه " ولكن الصبي تملكه الاستياء عندما وجد المنزل مهجورا وانتقلت مشاعر الاستياء منه بسرعة الى مادلين خاصة عندما اخذ يطرق الباب بدون ان يجيبه احد وأخذت دموعها تنهمر وهى تصيح قائلة " لابد ان ادخل هذا البيت " وحاول الصبي ان يهدء من روعها وربت على كتفها واشار اليها ان تنتظر عودته ولم يكن امامها وي الانتظار وبعد فترة عاد الصبي وبرفقته سيدة تركية اعتذرت لها وفتحت باب المنزل وهمس الصبي لمادلين بان تلك السيدة تدعي محريماه فاعطته مادلين بعض النقود وانصرف وعندما دخلت سألت السيدة عما اذا كان هذا منزل السيد اديناه فأومأت اليها بالايجاب وقدمت اليها نفسها " محريماه " " فقدمت مادلين نفسها وهى تحاول الابتسام " مادلين كارفيل " فهزت المراة رأسها بارتياح قائلة " مادلين خانم " وابتسمت المراة واخذت تضيئ الانوار في طريقها وتبعتها مادلين الى غرفة الاستقابل ولم تبد تلك السيدة اى دهشة لقدوم امراة غريبة لزيارة مخدومها ولكن ان كان ماقالته لها اورسولا صحيحا فانه ان هذه السيدة اعتادت على تلك الزيارات وتمنت مادلين ان يظل السيد اديناي غائبا ولو لبعض الوقت ريثما تعود الى حالتها الطبيعية . واقتربت السيدة من مادلين وربتت على كتفها برفق فتبعتها مادلين الى اعلي وازداد احساس مادلين بالحرج عندما اخذت السيدة ترشدها الى مكان الحمام وغرفة النوم المخصصة لها والتى توقعت ان تبيت فيها مادلين . ولاحظت مادلين ان سل المنزل من الرخام مما يشير الى البذخ والثراء كما ان الاثاث برغم انه رخيص وقديم الا ان معظمه من التحف القديمة التى تتماشي مع الخطوط الهندسية للبيت وهذا هو مبعث القلقل والتسائل فكيف يتسني للسيد اديناي وهو محاضر جامعي ان يحيا هذه الحياة المرفهة ؟ ومن اين له المال الذي ينفقه على تلك الحياة ؟ ظل هذا القلق المتزايد يلازمها لفترة طويلة بعد ان غادرت محريماه البيت وتركتها وحدها وأحست مادلين بالوحدة بعد انصرافها وراحت تتجول في غرف الطابق السفلي محاولة الايحاء لنفسها بأنها ليست غريبة ولكنها لم تفلح في جلب هذا الشعور لنفسها وتوجهت الى المطبخ واعدت لنفسها طعاما وكانت تلك هى اول وجبة تتناولها من ذلك الوقت التعس الذي تناولت فيه الشاي مع ماروك بك في اعلي برج جالاتا وادركت عند ئذ ان ماكانت تحس به من الام المعدة لم يكن سببه توترها العصبي وانما الجوع الشديد وبمضي الوقت اخذت تسترد ثقتها بنفسها وبدأت تشعر بالارتياح فمن الواضح ان السيد اديناي مازال بعيدا عن هذا المكمان وانها تستطيع المبيت الليلة بطولها وحدها في البيت ولكنها أحست بالرغم من ذلك ان السيد اديناي ربما يستاء لانها بالغت بتصرفاتها وكأنها في بيتها وبرغم هذا فانهخا اتجحهت الى غرفة الاستقبال وجذبت كرسيا الى جوار النافذة وجلست في الظلام تحاول ان تتخيل المنظر الذي تطل عليه النافذة في النهار وعندما ملت اضاءت النور واخذت تتجول محاولة اكتشاف مفاتيح شخصية اديناي . نظرة واحدة الى الرفوف الكتب أوضحت لها انه لا يشسارك زوجة اخيه الميول الا فيما قل وحكرت مادلين بصرها عن الكتب الى السجادة الجميلة التى تعد قطعة فنية من الفن التركي وراحت تفكر كم يكون عمرها وعما اذا كانت مشغولة يدويا . ونظرت الى ساعتها فوجدتها تقترب من الحادية عشر مساءا فاحست بحاجتها الشديدة الى النوم فصعدت الى اعلي ودخلت غرفة النوم وفتحت خزانه الملابس لتبحث عن رداء او بيجاما من بيجامات السيد اديناي لترتديها فاستقر رأيها على رداء معين وقبل ان تغلق خزانه الملابس متوجهة الى الحمام فوجئت برداء نسائي خليع لا يصلح الا للراقصات ولم تكن بحاجة الى خيال لتدرك السبب في وجود هذا الرداء في خزانة الملابس الخاصة بالسيد اديناي وسارعت مادلين بأخذ حمامها وقد استبد به الغضب الذي أشعلته روح الفضيلة في نفسها وتمددت مادلين في حوض الاستحمام وأخذ الماء الدافئ يهدئ من حدة غضبها وأقرت بأنها بدأت تشارك مضيفها ميله للحياة المترفة بغض النظر عن رأيها في أخلاقياته وكان الحوض متسعا ومصنوعا من الرخام والمناشف جافة ونظيفة ولم تستريح مادلين في البداية لتلك المرايا التى تغطي معظم الجدران ولكنها بدأت تتقبلها كان السرير يتسع لشخصين وفاخر بطريقة لم تألفها وهى التى اعتادت النوم على سرير في بيت ابويها عرضه قدمان وطوله ستت اقدام وغاص جسمها في السري وهى تتمني ان لا تستيقظ من فرط الراححة التى شعرت بها . واستيقظت اخيرا وبدأت تتنبه وتتذكر المكان الذي هى فيه وسمعت ضجة وصوتا نسائيا مرحا ثم قهقه عاد اذن السيد اديناي الى بيته مثلما توقعت ولكن الضحكات النسائية توقفت وتحولت الى استعطاف ثم ساد الصمت من جديد وأصيبت مادلين بالذعر وحدثتها نفسها بان تنزول لنجدة الفتاة التعسة التى وقعت في براثين السيد اديناي وتمنت مادلين لو انها لم تستيقظ فما الذي ستفعله الان ؟ فهي لا تستطيع ان تنزل الى الطابق الارضي لتقطع عليهما ما هما فيه كما انها لا تستطيع ان تظل جالسة فوق هذا السرير نظرا لان الدلائل كلها تشير الىانه قد يحتاج الى هذا السرير في اية لحظة وتخيلت مدي الغضب عندما يكتشف وجودها في بيته بدون ان يدعوها احد وبدون ابلاغه بذلك واصابها الذعر والخوف وهى تظن انها انه سيجعلها تحمل امتعتها وترحل . وسمعته يتحدث بالتركية بطلاقة بدون ان تفهم منه كلمة واحدة ثم استطاعت ان تميز صوت محريماه وهى تتحدث اليه ثم قال لها بالانجليزية بضع كلمات فهمت نها ان محريماه قد أبلغته بوجودها غير المرغوب فيه ولكنها دهشت عندما لاحظت انه لم يغضب وسمعته يضحك وأعقب ذلك صوت الفتاة وهى تئن بشدة وتوبخه وتستعطفه لشيئ لا تعرفه مادلين . وتحدثت محريماه بعد ذلك بصوت مرح ولم يعترض الرجل ثم سمع باب المنزل يفتح ويغلق بشدة وساد عندئذ صمت مخيف واطبقت مادلين يديها وتحركت لتنزل من فوق السرير ولكن الوقت جاء متاخرا جدا فقد سمعت خطواته وهو يصعد السلم في خفة وسرعة وكاد الدم يتجمد في عروقها وهى تري خيالة اثناء سيره في الممر انه ليس طويلا مثلما تخيلته من قبل بل انه قصير وهو يشبه في طوله والحجم ماروك بك التركي الذي التقت به ظهر اليوم السابق وأخذ قلبها يسرع في الخفقان عندما تذكرت ماروك بك وقررت ان توقد المصباح ولكنها غيرت رأيها وضمت ركبتيها الى صدرها ز وظهر الرجل امامها في ضوء المصباح العلوي مبتسما وأخذ كل منهما يحملق في الاخر وفغرت مادلين فمها وراحت تبتلع لعابها انها لابد دخلت بيتا اخر غير الذي تقصده وهذا الذي يقف امامها ليس شقيق زوج اورسلا ولايمكن ان يكون ؟. قالت هامسة " ماروك بك " فاحني رأسه تحية لها وعيناه تنظران باهتمااما الى الروب الخاص به الذي ترتديه مادلين فجذبت اروب حتى عنقها وشدت الحزام حول وسطها بقوة حتى كاد ان يشطرها الى نصفين وقالت في تردد " امل الا يضايقك هذا " وارتسمت على ثغره ابتسامه عريضة وهو يقول لها " حسنا حسنا مليحة هانم " تراجعت في جلستها وقالت له " وجدته في خزانة ملابسك " " فهز رأسه قليلا وقال " هذا أمر يؤسف له ولكنك تبدين بالرغم من ذلك في صورة تبعث علي الفرح وانت ترتدينه اليست لديك اى ملابس بدلا من استلائك على ردائي ؟" " ملابسي كانت مبتله " فقال لها وعيناه الرماديتان يزداد بريقهما وهو يحملق فيها " لست مستاء يا مليحة " " سوف اغادر هذا البيت " " وتجاهل كلامها وسألها قائلا " " كيف عثرت علي اليالي الخاصة بي ؟ " " فاختلست نظرة اليه وقالت له " لا اعلم مامعني يالي " " يالي هى الفيلا المقامة على الشاطئ " " والتقت عيناها بعينيه فاحمرت وجنتاها وقالت له " اوه انا لا أعرف ايضا معني كليمة مليحة " "معناها بالتركية الجميلة وانا اعتبرك جميلة جدا " وأحست مادلين بحلقها يجف فجأة وجذبت الرداء نحوها بحركة دفاعية مما أصار ضحكه فقال لها "انك سمراء وغامضة وجميلة جدا جدا "
3- الخوف من الهوي
لم يسبق لاحد ان قال لمادلين وجها لوجه انها جميلة وراحت تفكر في تلك المجاملة في حين ساد الصمت بينهما جميلة هل يمكن لشخص مثل ماروكبك ان يتصورها جميلة اكان هذا من المبالغات الكلامية ؟ والأسوأ انه ربما قال للفتاة التى كان يحدثها في الطابق السفلي انها جميلة هى ايضا والله يعلم كم عدد الاخريات اللواتي قال لهن ذلك ؟ وكرر سؤاله قائلا " كيف تمكنت من العثور على منزلي " " وبرغم حركة جسمه المتراخية فان هذا لم يخفف مدي ما يتمتع به من قوة ورجولة وكان من المستحيل ان لا تنتبه الى نظراته البراقة كما كان من المستحيل ان يكون رد فعلها متمثلا في حالة من الاضطراب العاطفي اخذت تنتابها بشدة واجابته قائلة " أخطأت البيت الذي أقصده " " فرفع حاجبيه بدهشة وقال لها " بل على العكس هذا هو البيت المقصود تماما " وابتسم ابتسامه خفيفة واتجه نحوها ليسألها " هل تعقبتني بعد ظهر امس ؟ " " فهزت رأسها وهى ترقبه في قلق وجلس قربها على السرير فابتعدت عنه بسرعة فقال لها " انت خائفة يا مليحة ؟ ليس ثمة مايدو الى ذلك " واعتقدت انها يجب ان تخافه وراحت تبحث عن الكلمات المناسبة لمنعه من الاقتراب منها واحست وهى قريبة منه بان له تاثيرا طاغيا عليها ولك تعد تدري كيف يمكنها التصرف لمواجهة هذا الموقف ولمس خدها باصبعه في خفه بينما راحت هى تقول له هامسة " اعتقدت انه منزل السيد اديناي " وتوقفت يده عن الحركة قبل ان يحرك اصابعه نحو فكها ثم استقرت عند ياقة ردائها ثم جذبها بقوة نحوع بدون بدون ان تبدو منها اى مقاومة واندفعت الدماء الى عينيه تصبغهما بلون احمر ناري فهمست قائلة " ارجوك " فسألها وهو يرفع قبضته عن ياقة الرداء ويمرر أصابعه على رقبتها " الم يلقنك احد من قبل درسا في العناق ؟ " " فردت عليه مادلين قائلة " كلا ولن تلقني انت هذا الدرس اجابها بضحكة واقترب منها مرة اخري مما جعلها تستلقي على الوسادة واثارت حركته الخاطفة استجابة في داخلهيا وكان مسلكه معها يتسم بروح السيطرة وأحست بالخجل وهى تكتشف ميلها الى هذا النوع من التصرف ولكنها لم تسمح له بالاستمرار فهو لم يعبأ بمعرفة رأيها أو يهمه ماذا كانت تشاركه عواطفه ام لا ولكن هذه المسألة ذات اهمية بالنسبة اليها لانها اعتادت على مبادء وقيم سلوكية معينة وخلصت نفسها من ذراعيه وابتعدت الى الجانب الاخر جاثية فوق ركبتيها اللتين كادتا تتداعيان تحتها وقالت له انها لا تقبل هذا فنظر اليها بسخرية وقال لها " "لماذا جئت الى هنا اذن " " لم ات من اجل هذا جئت بحثا عن السيد اديناى مارك اديناي ابلغت ان هذا بيته فكيف اعرف انك تقيم هنا ؟ ماكان يجب ان تصرف صديقتك ؟" القي نظرة مباشرة الى الروب التى ترتديه وقال لها بلهجة فيها معني التسامح ولكنها محببة " طبعا صرفتها عندما علمت انك هنا في انتظاري " " لم اكن في انتظارك بل لم اكن اعرف انك .." " يمكن معالجة هذا الامر " وادارت ظهرها نحوه لانها لم تعد تحتمل مواصلة النظر اليه وهو مستلق فوق السرير في حالة استرخاء تام في حين كانت مشاعرها تغلي ليس من حقه ان يثق في نفسه الى هذا الحد " كوني تناولت معك الشاي لا يعني اني ارغب في قيام اية صلة بيننا " قالت ذلك وهى معتقدة انها احدثت التأثير المطلوب لديه ونظرت اليه في عصبية واستخفاف الا انه نظر اليها بعدم تصديق مما جعلها تشيح بوجهها عنه وتقول له " ان اخبرتني بالمكان الذي يقيم فيه السيد اديناي فسوف اترك بيتك فورا " " ما الذي تريدينه من مارك اديناي " " ردت وقد سرت رعدة في بدنها " لا اعتقد ان لك شأنا بهذا ؟" " سوف تبلغيني بكل شيئ " وتذكرت من لهجته التى تفتقر الى الليونة ان رأيه في النساء يختلف عن الرأى الذي تعرفه منذ نشأتها وعبر عن رايه هذا بطريقته التى عاملها بها ومن يدري ماذا كان يمكن ان يفعل معها أيضا ؟ من غير الانصاف ان تكون له مثل هذه الجاذبية الشديدة في نفس الوقت وردت عليه في صوت خفيض " انه شقيق زوج السيدة التى اعمل معها " " هل ارسلتك للبحث عنه ؟" " فهزت مادلين رأسها قائلة ان احدا لم يعطها عنوانه " وابتعد عن السرير وذهب ليقف الى جابها ووضع يده على احد كتفيها وجذبها نحوه ممسكا ذقنها باصبعين مما جعل رأسها يرتفع الى اعلي ولم تكن نظراته تنم عندئذ عن اى تعبيرات ساخرة وقد أحست مادلين بالخوف الشديد منه وسألها قائلا " ولكنهم اعطوك انت العنوان اليس كذلك ؟ " ابتلعت ريقها بدون ان تتمكن من الافلات من قبضته وقالت له ان مدير الفندق اتصل بالجامعة فلما سألها عن السبب اجابته بقولها " عندما عدت الى الفندق وجدت السيدة اديناي قد رحلت واخذت كل متاعي معها " وسالت دموعها فوق خدها اسي على نفسها وحاولت جاهدة ان تفلت من قبضة اصبعيه علي ذقنها ولكن بدون جدوي وتوقعت ان يشفق عليها ولكنها لم تلمس منه اى شفقة بل اخذ اصبعاه يغوصان في لحمها وهويرغمها علي ان تلتقي نظراتها بعينيه ثم قال " رحيلها ليس بالخسارة الكبيرة " " أنا الت خسرت لقد تسببت في مجيئي الى هنا ورحلت دون ان تترك لي اية رسالة واخذت معها كل شيئ ملابسي وحتى جواز سفري قال مدير الفندق انها لابد ذهبت الى انقرة ولكن يبدو انها سافرت الى القمر " وبكت ثم صاح قائلا " اكره الذين يبكون طوال الوقت " " تماما مثل الذين يقيمون علاقات ويحكون للناس عنها " وراحت تبحث عن منديل تجفف دموعها فلما لم تجد جففتها بظهر يدها فسألها " هل انتهيت من هذا " فابتسمت بعد جهد وأومأت برأسها قائلة " عادة لا ابكي ابدا انني لا افهم ما الذي جري لي لا بد ان اكون متعبة او بي سيش ما انني اسفة " " اليس من الأفضل ان تبحثي عن السيدة اديناي بدلا من البحث عن مارك اديناي " " وكيف استطيع ذلك لا يمكنن يالبقاء في الفندق أبلغت بهذا بوضوح وليس لدي المال الكثير وقد أخذت معها جواز سفري " وعادت نظرات السخرية الى عينيه مما جعلها تعتقد بان الروب الذي ترتديه ليس بالرداء المناسب لها لانه صمم لشخص أكبر حجما منها وأضافت قائلة " لم اكن اعلم ان هذا منزلك " فرد عليها بجفاف " خاب املك انا مارك اديناي " " مستحيل ان تكون مارك اديناي " وبدأت تستوعب الموقف وتستجمع افكارها المشتته بعد تلك المفاجأة وقالت له بلهجة فيها معني الاتهام " ولكن المرشد السياحي كان يناديم باسم ماروكبك فاين اذن اروسولا ان كنت انت مارك اديناي ؟ " " يالهلي لا اعرف اين هى وبالتأكيد ان هذا لا يعنيني " " ولكن لا بد ان تعرف اين هى اذ لا يمكنها ان تتركني ضائعة هكذا في اسطنبول بلا مال او وسيلة تمكنني من العودة الى الوطن لابد ان تبحث عنها " فضحك مما جعلها تشعر بالغيظ وقال لها " ولم ابحث عنها أمضيت الاسيسبوع الماضي في عدم استقرار وانا احاول التهرب منها " " طبعا بتظاهرك بانك شخص اخر " فهز كتفيه استخفاف " ليس هناك اى شيئ مشترك يربطني بارويولا تزوجها اخي واشتري حصتي في الشركة التى تملكها الاسرة حتى يرضيها وعندما مات ورثت هى كل شيئ وقد أدارت الشركة بشكل جيد بقدر ما اتيح لها من ضوء وأصبحت دار اديناي للنشر تدر ارباحا كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية وان كانت هى الان لا تجد ان المال هو كل شيئ وأخذت تبحث عن السلطة والنفوذ ايضا فان هذا ليس بالامر الذي يعنيني " وشعرت بالاسف نحو زوجة اخيه وراحت تتلفت حولها بحثا عن حقيبة يده لاخراج منديلها منه فاشار مارك الى مكانها وقال لها ان كيس نقودها هناك وانه يبدو غير كاف مثل ملابسها ففسرت ذلك بسخرية قائلة ان هذا هو السبب الذي جعل ارسولا تأخذ جواز سفرها " فرد عليها " هذا امر واضح جدا فانا اذا كمن يأمن لحية رقطاء بأن تتعهد طفلا رضيعا " " كلفني مكتب دار النشر في لندن بالسهر على راحتها وكل اعضاء المكتب يحبونها " انهم متملقون اذلاء " " الا تميل ايها بالمرة ؟" " لا اقول هذا ولكني افضل ان اتركها لشأنها فانا لا أميل الى النساء الطموحات " " ولكني لا اجدهن أسوأ من الرجال الطموحين " " لان طموحك يتجه اتجاها مختلفا فانت تتطلعين الى ان يصبح لك حبيب ولن يخطر ببال اروسلا ان مهمتها في الحياه هى ان تسعد انسانا ما وتسير خلفه في الحياه لا اميل الى النساء اللواتي يدفعن أزواجهن الى التكالب على ماديات الحياه للحصول على المزيد من متاع الدنيا الى ان يلقوا المنية وهم في مقتبل العمر " وقال لها ان زوجة اخيه جاءت الى تركيا لكي تحمله على العودة معها الى الولايات المتحدة ليعمل لحسابها ولكن لن يقبل هذا لانه ليس للبيع فقالت له مادلين عندئذ انها تحتاج الى أشياء كثيرة وهذاالموقف لن يحل مشكلتها فرد عليها بقوله " انت مسكينة يا مليحة " " لا تدعني بهذا الاسم " " يجب ان يتملكك الزهو بذلك بماذا تردينني ان اناديك " " مادلين ..مادلين كارفيل " " حسنا انسة كارفيل يبدو انك وقعت في براثن الذئب الكبير لهذه اليلة على الأقل "وابتسم فجأة وقال " من الذي أسماك مادلين ؟ اعتقد ان مليحة تناسبك أكثر " " ذلك لانك مغرور و..و....."واحتبس صوتها وهى ترمقه بنظرة ادانه " نعم وماذا أيضا " " وبغيض تماما واعتقد ان دار اديناي للنشر يمكنها ان تعمل بصورة أفضل كثيرا بدونك " " مهلا مهلا ليس هذا ماكنت تريدين قوله اليس كذلك ؟ انك على حق فيما قلته فقد استمتعت بعناقك وربما اعانقك مرة اخري " وأحست مادلين بان ركبتها عاجزتان عن حملها لاطول من هذا فجلست على السرير وه تقول " حقا ليس هذا ما كنت اريد ان أقوله ما المواد التى تحاضر عنها في الجامعة ؟" " الفن المعماري والفنون الجميلة وهذا هو السبب الذي جئت من أجله الى تركيا فانا اعد رسالة جامعية عن الفنان المعماري سينان الذي ينتمي الى الامبراطورية العثمانية ان كان هذا ما يهمك " فهزت رأسها وتحكمت في انفعلاتها وقالت له في حدة " نعم يهمني حدثتني عنه اثناء زيارة جناح الحريم هل هو فنان مشهور جدا ؟ " " جدا ولحسن الحظ الحرب لم تدمر كل اعماله مثلما فعلت القنابل التى تساقطت فوق لندن بأعمال كريستوفر رين " " وقالت له مادلين ان السيدة اديناي أبلغتها بانه سيكون في عطلة في الريف فقال لها انه عاد من العطلة اليوم فقط ولكن السيدة اديناي اخطأت في شيء واحد لانه ليس من النوع الذي يحكي عن علاقاته ا\فاحمرت وجنتي مادلين وتألمت لقوله هذا وسألته " اتقصد انك لن تبلغها انك عانقتني " فجلس الى جوارها على السرير وراح يزيح خصلة من شعرها عن وجهها وقال لها متعمدا ان يغيضها " الامر يستحق التحدث عنه " " فتنهدت مادلين قائلة " قد لا تجد الفرصة لتحدثها عن اى شيء فربما تكون قد اختفت الى الابد ما الذي سأفعله الان " " فقال لها ان في استطاعتهما ان يعودا معا الى وطنه وراح يهدء من روعها فاحست بالاطمئنان لكلامه ولم تدر السبب الذي جعلها تصدقه وعندما اشارت اليه برغبتها في النوم قال ان هذا السرير له ويمكنها ان تشاركع فيه او تبحث لنفسها عن غرفة نوم اخري في المنزل فسارعت بمغادة الغرفة .
تابع الفصل الثالث
صعدت الى الطابق العلوى وتمكنت بصعوبة شديدة من فتح باب الغرفة ولكنها وجدت السرير بدون اغطية والجو في هذا الطابق أشد برودة من الطابق السفلي فنزلت الى الطابق السفلي وأحضرت ملاءات وبطانيات وصعدت بها وقامت باعداد السرير القديم الذي يكاد ينوء تحت ثقل جسمها من شدة القدم ولاحظت النقوش على جدران المنزل الذي كان يملكه احد الباشوات الاتراك وقالت لنفسها ان هذا المنزل وخاصة هذاالطابق منه يلائم فعلا ماروك بك الذي ادهشها انه امريكي وليس تركيا كما كانت تظن من قبل . وكاد قلبها ينخلع عندما تذكرت كيف كان ينظر اليها وحاولت بدون جدوي التفكير في شيئ اخر وساعدها على ذلك منظر السفينة كانت تشق طريقها للخروج من بحيرة مرمرة عن طريق مضيق البوسفور متجهة من المواني الروسية المطلة على البحر الاسود ووسط الجلبة التى احدثتها السفينة استغرقت مادلين في النوم ، وفي الصباح لم يكن الجو ممطرا ارتدت مادلين ملابسها الصباحية وهى تتساءل عما اذا كان ماروك اديناي سيعجبه ارتداء النساء للبنطالونات واتجهت الى غرفة الطعام منجذبة برائحة القهوة والخبز الطازج الذي حضره لتوه من الفرن وحيت ماروك فسألها عما اذا كانت نامت نوما مريحا فقالت له بتردد " نعم نمت جيدا شكرا لك وهل نمت انت جيدا ؟" " كان يمكنني ان أنعم بنوم اكثر راحة لولا وجودك الذي قض مضجعي واقتحم علي احلامي وان كنت ستمكثين هنا طويلا فلا بد ان نجد لك ملابس اخري للنوم بدلا من استخدام ردائي " " لا يمكنن يالبقاء هنا " " والى اين ستذهبين ؟" " بامكاني قتل السيدة اديناي لابد ان يكون هناك مكان استطيع الذهاب اليه " ونظر اليها ماروك باشفاق وقال " اورسولا تجعلنا نحس بهذا الشعور من وقت لاخر فلا تنزعجي يصبح كل شيء على مايرام عندما تعود نجحت على اى حال في العثور علي " " كنت اتمني انلا اعثر عليك " فنظر اليها باسي في حين اهخذت مادلين تصحح ملامها قائلة " كنت اعني فقط انه موقف لا يبعث على الارتياح " فقال لها بجفاف " لقد وجدت ما يعوضك " " لا أظن هذا " كانت مدلين تفضل ان يكون تركيا غير معروف وله بعض العذر في ان ينظر الى المرأة باعتبارها كائنا وجد لمجرد امتاعه ولكن بوصفه امريكيا فكان يجب عليه احترام تطلعها للمساواة معه انها لم تبدأ بعد في معرفة الوسيلة التى تمكنها من التعامل معه .وراح يغيظها ولكن برفق مما يشير الى انه تفهم موقفها وقال لها " مغامرة رائعة تلك التى مررت بها يمكنك ان تستمتعي بها ان انت ارحت اعصابك قليلا ولن يطول هذا الامر فلقد اتصلت تليفونيا بالسفارة الامريكية في أنقرة وعلمت ان اروسولا هناك وانها توجهت لزيارة صديق وهى في شدة القلق لدرجة انها نسيت كل شيء اخر " " بما في ذلك انا " " اعتقد انها يجب ان تعتذر لك عنن هذا وهى اما تعود في خلال يومين او اكثرر او ان تعيد لك ملابسك وجواز سفرك وترسل لك مبلغا كافيا من المالي يمكنك من العودة الى انكلترا واتوقع ان تحضر بنفسها فبعد ان عرفت مكاني لابد وان تغتنم هذه الفرصة الثمينة " فرمقته مادلين بنظرة ثاقبة وقالت له " لا اريد اعتذار من احد ومنالقسوة الا تمد لها يد المساعدة اذا طلبت منك ذلك فمهما كان موقفك فانها ارملة اخيك اما كان يرغب اخوك في مساعدتك لها ؟" " لا اعتقد انه كان يرغب في ذلك ؟" " ولكنها كانت زوجته " " وهذا لم يمنعه من التوجه في مهمة الى فيتنام حيث لقي حتفه واورسولا تريد الانتقال الى واشنطن الان وتريدني ان اساعدها في هذا فهي تعلم ان لي اتصالات وأصدقاء لهم وزن ولكنها اخطأت في اختيارها لي فانني عازف عن اى شيئ يمكنها ان تعرضه علي جاء وقت كنت اميل فيه لراى مغاير لرأي ولكن هذا قبل يوم امس " قال هذه العبارة الاخيرة وهو يبتسم فسألته مادلين " وما الذي جعل ليوم الامس تلك الميزة " " لقد دخل شيئ في عيني " وأخذ يقهقه وهو يلاحظ انها مبهوتة لا تدرك معني ما يقول فأضاف قوله " لاعليك يا مادلين فسوف اشرح لك هذا فيما بعد " " نعم ولكن ماقصة صديقها في انقرة " " هذا تطور جديد وطريف وفي اى حال سيتيح لاورسولا شيئا اخر تشغل به عنا وتتركنا وحدنا فلدي الان ما يكفيني ولست في حاجة الى اورسولا لكي تدفع بي للموت " " ولكن هذا لن يحل مشكلتي فما الذي سأفعله " فاقترح عليها بمساعدته بعمله في الرسالة الجامعية التى يقوم بتحضيرها فأبدت ترحيبها وأبلغته بانها تجيد الكتابة على الالة الكاتبة بسرعة ودقة وانها على المام بالاختزال فقال لها انها اذا بذلت جهدا كبيرا في العمل معه فلن تجد وقتا لتفكر في حظها العاثر وطلب منها ان تتولي تنسيق مذكراته واشار الى انها ستجد متعة لمساعدته في بحثه الذي يعده عن الفنان المعماري سينان . واقترح عليها ان يقوما سويا في اطار البحث الذي سوف تساعده في اعداده بزيارة لبعض الاماكن الأثرية وخاصة مسجد ايا صوفيا الذي كانت تقوم مكانه كاتدرائية جستنيان التى ادخل عليها الفنان سيان تعديلات لتحويلها الى مسجد واعتقدت مادلين انه لا يرمي من وراء زيارة تلك الاماكن الاثرية خدمة البحث الذي يقوم به لانه ربما يكون قد زارها مئات المرات من قبل فقالت له " ليس هناك ما يدعو لان تصحبني الى اى مكان ويمكنني اعداد مذكرات البحث بدون مشاهدة تلك الاماكن بنفسي وفي امكاني زيارتها فيما بعد الان افضل ان أكسب نفقات معيشتي .." فأمسك يدها في رقة قائلا لها " أبعدي أشواكك يا مليحة فلا يمكنها ان تصيبني اريد ان اصطحبك معي وسوف نذهب سويا هل اتفقنا ؟" بلعت ريقها واجابته قائلة " اتفقنا "
الفصل الرابع
شباك الحب يفتح
" اتعتقدين انك ربما تشعرين بالبرد " وجه اليها مارك هذا السؤال وهما ينزلان درجات السلم فهزت مادلين رأسها بالنفي كان يوما جميلا وهى ذلهبة للقيام بجولة في اسطنبول مارك يريد ان يسميها جولة عمل ولكنها بالنسبة لها بمثابة حلم يتحقق وفضلت عدم المجالدة لان وجوده معها سيجعل الامور اكثر متعة كانت تتمني زيارة معالم اسطنبول قبل فترة طويلة من التقائها به في قصر توبكابي وسألته " كيف حصلت على هذا البيت يا مارك ؟ ومن الذي كان يعيش فيه في الماضي ؟ وهل كانوا من المشاهير ؟ " هز كتفيه باستخفاف قائلا " كان يقيم هنا احد البشوات المتقاعدين على ما أظن وهنا في الطابق السفلي السلاملك حيث يستقبل الرجال اصدقائهم الذين يزورونهم في حين تلتزم النساء بالبقاء في الحرملك بالطابق العلوى الذي تقيمين انت فيه هل وفرت لنفسك وسائل الدفء في هذاالمكان ؟ " " نعم أخذت معي الى اعلي عددا من البطانيات أحب هذا الطابق لانه لايتسم بالطابع الحديث مثل بقية الطوابق كما احب النوافذ الشبكية فهي تجعل المرء يحس بانه يخلو الى نفسه بدون ان تتطفل عليه الاعين كما انها تتيح له في نفس الوقت ان يري كل مايحدث في الخارج " قال انه سيتسدعي محريماه لايقاد المدفأة حتى لا تتجمد من البرد ودعاها للخروج فلبت طلبه بدون تردد لان اخر شيء تريده هو ان تتكره ينتظر وسارا سويا بمحاذاة الشاطئ وشاهدا المساكن التى كان يقطنها من قبل وجهاء المدينة وأثريائها وأصبحت اليوم في حالة يرثي لها كما مرا على مساكن الفقراء الخشبية وقال لها مارك ان محريماه تقي في احد تلك المساكن وانه لم يعد مسموحا لاحد ان يقيم مساكن خشبية في اسطنبول بسبب كثرة الحرائق التى اندلعت فيها . وسألته مادلين عما دعاه لطلاء مسكنه فقال لها انه يستأجره ويسدد الايجار سنويا وحصل على موافقة المالك لطلاء المسكن بالطلاء واق من النار وسألها ان كان يعجبها فأومأت برأسها قائلة " اعتقدت ليلة أمس ان احدي السفن المارة بالمضيق تقتحم النافذة " " انهم يروون قصص عديدة عن السفن التى فعلت هذا بنوافذ المساكن " " واتجها الىالمرفأ واستقلا قاربا عبرا به مضيق البوسفور الى الجانب الاوروربي من اسطنبول وعند وصولهما استقلا الباص ودهشت مادلين لان مارك عرف بحاسة قوية مثل بقية اهل المدينة المكان الذي يتجه اليه الباص . وبدت للانظار أسوار مدينة بيزنطة القديمة التى تداعت من القدم ولكنها مازالت تكتسب روعة بحجمها وشكلها وكانت تقوم هناك كنيسة سانت سافيور التى تحولت الى مسجد وأصبحت اليوم متحفا وقالت في دهشة وهما يدخلان المسجد " ولكن سينان ليس هو الذي قام بالبناء " " طبعا لا فالمسلمون لا يسمحون بادخال صور لاأشخاص او الحيوانات الى اماكن العبادة " " وأثناء خروجهما ليستقلا سيارة اجرة سألته عما جاء به الى اسطنبول فأجابها وهو يمسك بذراعها ليحميها من زحام الطريق انه مل العالم الجديد واعتقد بضرورة التوجه لقضاء بعض الوقت في العالم القديم ثم استطرد " جئت الى هنا بناء على دعوة من جامعة البوسفور لاحاضر فيها لمدة سنة ولكنن ياعتقد انني سأمضي هنا فترة من الزمن ان استطعت " " فعضت مادلين شفتها وقالت له " ان اتاحت لك اروسولا ذلك وهذا هو السبب الذي يجعلك تتهرب منها اليس كذلك ؟ وعليك الان ان تقابلها لكي تتخلص مني " " اورسولا هى مشكلتي وانا أستطيع ان اعني بشؤون حياتي ولم اتطلع للقاء زوجة اخري او للصدام معها مرت فترة طويلة منذ كان لاية امراة دخل في تيسير شؤوني واعتقد ان باستطاعتي التصدي لاورسولا او لاي شخص اخر " " تخلصت مني بسرعة عندما علمت أنني اعمل لديها " وتمنت مادلين وهى تقول هذا الا يفضح صوتها مدي الالم و المرارة اللتين شعرت بهما عندما افترقا في المرة السابقة . فنظر اليه وقد تهللت اساريره وجهه وقال " لم اعتقد انك تستحقين الخوض في شجار بِشأن اورسولا لكن اصرارك على تعقبي حتى منزلي جعل هذا الامر لا يمكن تجنبه " فصاحت قائلة انها لم تتعقبه ولم تكن تعلم انه هو مارك ايناي ولو انها علمت لفضلت ان تدخل السجن اولا فابتسم لها وقال لها " احيانا اتمني لو لم اكن مارك اديناي " " انا اسفة " " اعرف انك تأسفين فمارك بك كان شخصية اكثر شاعرية " اعتدلت في اباء وقالت " انني لست طالبة مدرسة " وسكتت لحظة لتري ما اذا كان سمع ماقالته ثم اندفعت قائلة " وبالاضافة الى هذا فانك يجب ان تكون تركيا لان رايك في النساء هو رأي شرقي جحدا " " وشجعها على مواصلة كلامها فسألها وقال " وماهو هذا الرأي ؟" فتمنت لو انها لم تقل شيئا بالمرة ولكنها أضافت قائلة " أجد الجرأة في نفسي لاقول لك ان اروسولا تعرف امور النشر اكثر مما تعرف انت " " انها لا تعرف وحتى لو كان الأمر كذلك مثلما تقولين فانن يلن أتلقي منها اية أوامر هل هذا يرضيك " " ولماذا يرضيني انن يلا أعبأ بما تعمله " " اورسولا تستخدم نفوذها في امور لا أوافق عليها ولم يكن بوب قادرا على التعامل معها عندما كان على قيد الحياة وليس لي ميل لاخوض معها هذه التجربة " " طبعا لا فانت لا ترضي عن ايه امراة لا تلقي بنفسها مستسلمة عند قدميك " فرفع احد حاجبيه وسألها بتهكم " وما وجه اعتراضك على هذا ؟ " " هناك نساء ....." فقاطعها موافقا وقال بسرعة " هناك فعلا نساء وهناك بعض منهن بين صديقاتي وانن يأفضل نوعا مختلفا من العلاقة " " على ان تكون انت السيد " " انني رجل اعتقد انه يجب ان تصدر المبادرة من الرجل في مجال العلاقة بين الجنسين ولدت يا مليحة لتكوني فريسة وليس صيادا فهذا هو احد الجوانب المحببة فيك " وادركت انه يتعمد اغاظتها وقد اثارتها كلماته فعلا وقالت له في جسارة " ليست لي مثل تجربتك طبعا ولهذا فانني لا ارغب في اطلاق احكام عامة في هذا المجال " فوافقها قائلا " هذا صواب فمن الأفضل ان لا تخوضي في جدال لا تستطيعين الفوز فيه وهناك وسائل اخري للوصول الى ماتريدين معرفته ولكن لنرجئ الحديث في هذاالموضوع الان ولا فانك ستجدين نفسك تخوضين في مياه اعمق من ان تبلغ قدماك قرارها هل اتفقنا " " ومرت لحظة مؤلمة تملكتها فيها الحيرة والتردد والخوف وتعتقد انها منذ التقت بمارك وهى تخوض فعلا في مياه اعمق من ان تبلغ قدماها قرارها ولكن وجحدت نفسها بصورة من الصور تستمتع بهذا الاحساس المثير وردت عليه قائلة " انن يلا احاول مجادلتك " " فقال لها بجفاف " انني سعيد بسماعي ذلك " وقاما سويا بزيارة مسجد ايا صوفيا الذي كان من قبل كتدرائية سانت صوفيا التى انشئت عام 532 ميلادية وأخذت تتجول في انحاء المسجد محاولة ان تركز ذهنها على شرح مارك لتاريخ النقوش والكتابات والأعمدة والاماكن التى جمعت في انحاء الامبراطورية الشرقية . وحدثها مارك عن حياة النساء في ذلك المجتمع القديم فقال لها وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة " لم تكن الحياة العامة هن مجالهن الطبيعي وكن في وقت من الاوقات يحكمن الامبراطورية كلها ولكنهن كان يلزمن منازلهن ليعملن على اسعاد ازواجهن وتخفيف عناء الحياة عنهم وكن يتمتعن بحب اشد من جانب ازواجهن في مثل تلك الظروف " " وهل من الطبيعي ان يكون كل شيء بالنسبة للمرأة هو ان تكون محبوبة ؟ " هذا بالنسبة لبعض النساء " " ولكن الامر ليس كذلك بالنسبة لاروسول " " احقا هذا ؟ اعتقدت دائما ان تكالب اورسولا علىالسلطة والمال هو لتعويضها عن الحب الذي لم تجده في حياتها اطلاقا " فاتسعت عينا مادلين في دهشة وسألته " الم يكن اخوك يحب اورسولا " " كان يفعل هذا بطريقته ولم يكن بوب كفأ لها ولهذا فانها كانت تحر من شأن النساء يفعلن هكذا عادة كما تعلمين " " انني لا اعرف هذا فانا اومن بالمسواة كاملة " وتعجبت وهى تتسائل عما أضحكه وقالت له في حدة " اتظن انك تعرف كل شيئ " " نعم كما قلت بالضبط فلدي خبرة كبيرة " وأخذ يلاطفها وتأبط ذراعها في رقة ثم تركها لتقوم بجولة حرة داخل المسجد لانه اراد ان يتفحص شيئا بنفسه من جديد وتوقفت مادلين في اعجاب امام اثنين من قدور الماء الفخارية التىترشح الماء وفجأة سمعت صوت مارك من خلفها يقول لها " اليس من الاجدر ان تبحثي لك عن زوج مثلا ؟ " " ولماذا ؟" " لان العصر العثماني كانت النساء تأتلي الى هنا وتصلين حتى تتزوجن بسرعة ومازالت بعض النساء يفعلن ذلك لليوم ولكن ليس بنفس الدرجة مكن الاقبال مثلما كان في الماضي " " احقا هذا ؟" وخشيت ان تكون وجنتاها احمرتا ولكنها اغتبطت عندما اتجه نحو البا بلانها اخذت في تلك اللحظة تفكر فيما يمكن ان يكون عليه شكل ابن مارك وهذا التفكير جعلها تشعر بانوثتها لاول مرة في حياتها احست بالغيرة كسكين حاد يخترق احشائها وهى تفكر في المرأة المجهولة التى ستصبح اما لهذا الابن . ودعاها في المساء لتنماول الطعام في احد المطاعم نظرا لان محريماه كانت في عطلة تلك الليلة ولكنها ترددت لانها كانت لا ترتدي الزي الملائم الذي يصلح للمساء والقميص والبنطلون اللذان كانت ترتديهما لا يصلحان لدخول مطعم بعد حلول الظلام ولكنه طمأنها الى ان هذاالمطعم ليس من الاماكن التى ينصرف اليها تفكيرها . وفي داخل المطعم اخذت تتلفت حولها وتأكدت من صحة كلام مارك اذ لم يكن هناك الكثير من النساء وكان بعضهن يرتدين البنطلونات بدون تقيد بزي رسمي وقالت له مادلين " انه لامر محرج ان لا يجد المرء زيا مناسبا يرتديه " فراح ينظر اليها باعجاب قائلا " انك تبدين في نظري حلوة كالتفاحة " ان الشعور الذي تملكها منذ قابلت مارك لاول مرة جعلها تحس بانها بأنها تحلق في الخيال ولم تشعر بتلك الاسر من الغجر التى جاءت للترفيه عن نزلاء المطعم الا ان افاقت على صوت الموسيقي التى اخذت تصدح فجأة . واحست ان مارم يعرف احد الفتاتين في تلك الفرقة من الغجر وهن اجملهما وقد اقتربت من مارك وانحنت نحوه وقد بدا عليها الاغتباط لوجوده وأخذت تحدثة بالتركية فمازحها وضحك لكل كلمة قالتها بدون ان يكترث بامتعاض مادلين من ذلك وجاء دو رالرقص فوجدت الراقصة في مارك رفيقا جاهزا ثم تركته الراقصة لتبحث عن رفيق اخر ثم عادت لتتجه نحو مادلين وتعرض عليها تعليمها الرقص الشرقي فوافقت مادلين وراحت ترقص معها ولما انتهت من الرقص قدم لها مارك ورقة مالية لمادلين بالطريقة التقليدية المعتادة بان دسها في صدرها وهى تبدي احتجاجا لها فقال لها " الم اقل لك ان هذه هى طريقة تقديم النقود للراقصات " ولم تعترض مادلين عندما عادت الراقصة تطلب مراقصته من جديد بل انها لم تشعر به عندما ترك المائدة ولم تكد تحس بالجلبة التى احدثتها الراقصات وهن يقفن فوق الموائد وينتقلن من مائدة لاخري لملاحقة زبائن المطعم طلبا للنقود لانها لم ترفع عينيها عن المائدة بل لم تكن تعرف ما الذي تناولته من طعام وعندما خرجا سويا من المطعم كان البرد يلفح ذراعيها العاريتين ولم يكن معها معطف يقيها الصقيع ووجدت في نفها الشجاعة لاخراج الورقة المالية من مكانها وهى تحتمي بالظلام حتى لا يلاحظ شعورها بالحرج ثم وضعتها في جيبها . واقترح عليها ان يسيرا على الشاطئ لكي يستقلا احدي العبارات عند قصر دولماباهس فسارت صامته بجانبه غير قادرة على التفكير في اى شيء تقوم بهوقد أحبت النظر الى الأضواء وهى تتراقص على سطح الماء وان تري الاحجام الضخمة للسفن الزائرة الراسية عند رصيف الميناء ولكن الجو كان شديد البرودة وأخذت اسنانها تصطك عندما وصلا الى مرفأ العبارات بعد ان سارا مسافة بدت لها وكأنها أميال وسط الظلام الذي يلف المكان وساعدها على النزول الى احد القوارب الصغيرة ولما لاحظ انها ترتعد من البرد فتح معطفه ومد ليغطيهما معا وقال لها في سخرية " لقد نسيت انك لا ترتدين شيئا يحفظك من البرد لماذا لا تقولين شيئا ؟" " لا استطيع " " مسكين يلا مليحة انك تاخذين الحياة بجدية اليس كذلك " " انن ياحاول ذلك " ودست يدها في جيبها وأخرجت الورقة المالية التى اعطاها لها فوجدت انها ورقة من فئة مائة ليرة اى توازي قيمتها كما اعتقدت اكثر من جنيهين استرليين وقالت له " ماكان لك اعطائي هذا خذها " " فضم يده فوق يدها وقال لها " لا تكوني حمقاء يا مادلين اريدك ان تاخذيها فقد اثبت مقدرتك كراقصة " " " وهذا هو السبب الذي يجعلني ارفض ان اخذها فانت يمكنك شراء خدمات اولئك الراقصات ولكنك لا تستطيع شراء خدماتي " فضمها اليه بذراعه وسألها وقد تحركت عواطفه " هل انت واثقة من هذا ؟ اعيدي النقود الى جيبك " فصاحت قائلة " كلا ان افعل " " وانحني برأسه لتتقابل عيناه عينيها ثم أمسك مؤخرة رأسها بيده ليجذبها نحوه بقوة وهو يقول " : أرأيت ان خدماتك ليست بعيدة المنال " وقالت لنفسها فيما بعد انها لو مكان لها قدر من الكبرياء لفعلت شيئا عندئذ للافلات من بين يديه ولكن الحقيقة المهينة تؤكد انها لم تفعل شيئا من هذا القبيل بل لقد التفت ذراعها حول رقبته وراحت تضمه اليها اكثر وهى مغتبطة بان يضمها كيفما يشاء ووقتما يريد وفتحت عينيها وقد أحست بصدمة وهو يقول لها وضوء القمر يضيئ وجهها " لقد وصلنا تقريبا " " احقا ؟" وبدأت تفيق وهى تشعر بالخجل وعندما قاما للنزول من القارب أحست بالحرمان من دفئ معطفه وأخذ الورقة المالية ودسها في جيب قميصها وهو يقول لها " اذا نظرت الى هكذا فسوف اعانقك مرة اخري امام الناس " وأمسك بيدها وهو يساعدها للنزول من القارب وجذبها اليه ومس خدها بيده ولكنها ابتعدت عنه وقد عادت اليها كبريائها وانحلت عقدة لسانها وقالت بحرارة " لا حق لك في هذا لا حق لك بالمرة ليست غلطتي انن يمضطرة لان اكون معك فانت شقيق زوج السيدة التى اعغمل معها وسأكون شاكرة لو تذكرت ذلك قد لا يعجبك هذا ولكن هذا هو الوضع القائم سوف اتركك واذهب الان ان كان هذا في استطاعتي ولكن ليس ذنبي انني لا استطيع ذلك " فقال لها موافقا " كلا انها ليست غلطتك يا انسة مادلين كارفي ونأمل من اجل صالحنا معا ان نتذكر اورسولا عاجلا وليس اجلا لا تنظري هكذا يا عزيزتي فانني لا اريد ان اعانقك مرة اخري وانت في رعايتي انن ياريد ان اعترف لك بأنن يأفضل اسم مليحة على مادلين . انها هى ايضا تفضل هذا الاسم علي ذاك وكانت مادلين عندما تخلاو الى نفسها في غرفتها تبكي بسبب كل الذي فقدته ما الذي حدث لها ؟ جلست فوق السرير وهى دهشة من امرها انها بكل تاكيد لا تريد الانضمام الى سلسلة النساء اللواتي اقمن علاقات معه في الماضي ومن المؤكد انها بأفكارها الغربية القوية عن حق المراة في المساواة لا تتطلع الى هذا .
الخامس
اتبعيني واحبيني
ادركت مادلين قبل ان تفتح عينيها ان السماء تمطر فقد سمعت صوت تساقط المطر على النوافذ التى راحت تهتز وتضطرب وهو ماجاء تعبيرا ايضا على الحالة المزاجية التى لازمتها طوال الليل وكلفتها الكثير سواء من حيث حرمانها من النوم او فقدانها لاحترام الذات وأغمضت عينيها وهى تحاول الاستسلام للنعاس ولكن بدون جدوي فقد ظلت صورة مارك عالقة بمخيلتها وهو يضمها ويلاطفها وأخذ قلبها يخفق بقوة مثلما حدث لها من قبل كلما تذكرت هذاالموقف انها لا تستطيع ان تواجهه مرة اخري فماذا يحدث اذا عرف بحقيقة مشاعرها لا عذر له في الا يدرك المشاعر التى تعتمل في صدرها لانها كما تتذكر الان تعلقت به وهو يعانقها وذلك على الرغم من انها عنفته فيما بعد في اباء وبطريقة لا يمكنها ان تخدع طفلا صغيرا لقد عرفت رجالا من قبل ولكنها لم تسمح لهم بضمها ولكنها ايضا لم تسمح لمارك بان يعانقها فقد استحوذ عليها بدون ان يسألها معتبرا قبولها شيئا مفروغا منه تماما –كما لو كان ذلك الرجل التركي المتعجرف الذي تخيلته من قبل ولكن هذا ليس السبب في انزعاجها وانما السبب يكمن في تجاوبها مع تصرفه هذا لقد وضعها بقوة في المكان الذي حدده لها بغض النظر عن رأيها الذي راحت تردده مرارا عن ضرورة الاستقلا لوهى راضية عن الوضع الذي اختاره لها لا بد قد اهتزت شخصيتها الى الحد الذي تهبط فيه الى مجرد محظية من الحريم لا تطمع في اكثر من أسعاد احد الرجال ولكنها لا يمكنها ان تنحدر الى هذا المستوي ورأت ضرورة ان تتجنب وجودها معه وحدهما بعد الان لتثبت له انه يتعامل مع انثي يجب ان يحسب حسابها انثي يمكنها ان تبقي معه او تتركه وحده بنفس العجرفة التى ابداها نحوها . كان الجو باردا وجافا بخلاف الطقس المشمس الذي ساد في اليوم السابق ومما زاد من قسوة الصقسع تلك الرياح الباردة القادمة من رو\سيا وابتعدت مادلين عن النافذةة وراحت تنظر الى نفسها في المراة ولم ترضي عن الظلال السوداء تحت عينيها وراودته فكرة ارتداء ملابسها والنزول الى الطابق السفلي وقالت لنفسها انها ان تراجعت عن تنفيذ تلك الفكرة فانها ستجعل نفسها نهبا للمزيد من المخاوف . كانت كانت محريماه وحدها عندما نزلت وقد بدت الدهشة عليها عندما رات مادلين وقامت باعداد قدح من القوة دون ان تطلب مادلين وقدمت لها معطفا قديما لمارك كي ترتديه في البيت وأفهمتها بالحركات التعبيرية ان مارك خرج بعد تنالول الطعام ومن المتوقع عودته وقت الغذاء ثم صعدت الى الاعلي للانصراف الى مهامها المنزلية تاركه مادلين في غرفة الجلوس تحاول ان تطرد من راسها فكرة انها وحدية وانها كانت مستعدة للتخلي عن اى شيء مقابل الخروج مع مارك معما كانت العواقب . وبرغم ذلك فكر فيها قبل ان يخرج اذ ترك لها الالة الكاتبة على طاولة صغيرة وبجوارها مجموعة من مذكراته غير المرتبة وكان باستطاعتها قراءة معظم المذكرات ولكن الكثير من مصطلحاتها كان غريبا عليها فلجأت الى الاستعانة بقاموس وباحد كتبه السهلة الخاصة بالفن المعماري . وعندما انتصف النهار كانت قد اتيحت لها الفرصة وهى بعيدة عن تاثير مارك عليها لكي تتعرف على الفن المعماري العثماني الذي هو موضوع ابحاث مارك وتوجد للفنان سينان الذي عاصر الملكة اليزابيث الاولي مائة وعشرون على الاقل من الاعمال الفنية الضخمة منها المستاجد والمستشفيات والحمامات التركية الشهيرة والمدارس . ونزلت محريماه وهى تقهقه فذهبت مادلين اليها الى المطبخ لتري ماذا في الامر فرأتها تقوم بكي احدي بيجامات مارك وأفهمتها بالاشارات انها لم تتوقع ان تنام مادلين في جناح الحريم القديم بدون اية مساعدة وكان ذلك بمثابة دليل جديد على الطريقة التى يعامل بها مارك عادة النساء اللواتي ينزلن في بيته وغلي الدم في عروق مادلين وانصرفت لعملها في اعداد مذكرات مارك انه اسوأ من دون جوان ولا يحمل اى عاطفة لضحاياه انه بحاجة لمن يتصدي له وستكون هى ذلك الشخص الذي يفعل هذا وعليها ان تتاكد من عدم تواجدها معه وحدهما كتى لو كان معني هذا الا يبتاح لها مشاهدة المزيد من معالم اسطنبول . ولكن قوة ارادتها انهارت فجأة عندما سمعته يدخل من الباب وتظاهرت بالانشغال في الكتابة على الالة الكاتبة واقترب من ورائها وأخذ يمعن النظر اليها فالتفتت اليه وقالت له انها كانت تشعر بالبرد وان محريماه اعارتها هذاالمعطف وعندئذ قال لها "قررت اقتسام ملابسي معك وطلبت من محريماه ان تقوم بكي البيجامة النظيفة التى لدي لتقدمها لك ولعل في هذا بعض العزاء لك لاحتلالك الطوابق العليا من البيت حسب رغبتك " فقالت له مادلين بحدة " اعتقد ان هذا غير مألوف هنا " " يل لم يسمع به احد من قبل وهل كنت تتوقعين ان يحدث العكس ؟" " فقالت وهى ترتجف رغم المعطف الذي ترتديه " كلا " ونظر الى المذكرات التى كتبتها في دقة ونظام وقال لها لا باد انها انجزت قدرا كبيرا من العمل في اعداد المذكرات فرمقته في شك وهى تتسائل عما اذا كان ادرك انها بدونه كالتائهة وتشعر بالوحدة والقلق وذلك برغم كل القرارارت التى اتخذتها من شأنه ولكنها صاحت فيه قائلة " لا شأن لي بما تفعله " " اليس لك شأن بالمرة ؟ انن يلا احب ان اتعرض للتعنيف من فتاة وقحة لشيئ لا شأن لها به ولهذا فاننا سوف ننهي اتفاقنا اليس كذلك ؟" فحاولت ان تتراجع عما قالته وهى تتلعثم فابتسم وقال لها اته يتمني لو لم يكن قد وعدها بالا يعانقها مرة اخري في الوقت الحاضر وانها تغريه جدا ليتاكد مما اذا كانت لا ترغب في هذا ايضا " لا ارغب في هذا ولا احب هذه الطريقة انن يأفضل ان يستأذنني من يطلب مني شيئا " ابتعدت عنه داخل الغرفة الى اقصي ما تستطيع وأضافت قائلة " ثم اننى لست وقحة ولماذا اعنفك ان كنت اشعر برغبتي في هذا ؟ ان لي أشياء احبها واخري لا احبها ولي مشاعر ايضا وهذا مايجب ان تعرفه " فقال لها في تراخ " اذا من الافضل ان تسيطري على تلك المشاعر " " فردت عليه قائلة " لا تتورع عن توبيخي وانت دائما تملي علي ما يجب ان افعله " واكتشفت انه من الأفضل لها ان تغضب بدلا من ان تظل مشلولة امام جاذبيته . فهو رأسه وبدا من نظراته انه لم يعد يغتبط من كلامها ورمقها بنظرة ادخلت الخوف الى قلبها وقال لها " اتعودين الى مسأله المساوزاة مرة اخري ؟ انصتي الى يا مادلين لانن يلن اعيد هذا الكلام مرة ثانية ليس هناك سبئ بيننا اسمه المساواة ولا علاقة لهذا باختلاف الجنس ولا يجب ان تلقي بقفازك في وجهي تحديا كلما اقتربت منك قد تدفعيني بهذا ان انسي انك تعملين من زوجة اخي وستكونين انت الخاسرة فهذه المعركة بأكملها معركة الجنس وانت مكتوب عليك الا تفقديها لانك امراة وانا رجل واثناء ذ1لك عليك ان تفعلي ما اطلبه منك وان تنحي جانبا اساليبك الأنثوية المخادعة الى ان تقرر ارسولا البحث عن مكانك " وأطلق بعض الضحكات وتابع " ماسوف يحدث بعد ذلك هو في علم الغيب ولكني اتكهن بأنك ستجدين عندما نصل الى اتفقا في النهاية ان من الأفضل لك ان تكوني تابعا على ان تكوني قائدا " " وهزتها جرأتها بعنف وانفجرت قائلة " اكرهك واعتقد انك مجرد من الشفقة " ومد يده اليها
الفصل السادس
رياح الماضي
حاولت مادلين ان تصلح من هندامها وتركت معطف مارك سيقط حتى قدميها نادرا ما شعرت بالكراهية نحو احد ودهشت حين وجدت نفسها غير سعيدة بالمرة من رؤية اورسولا واختلط الامر عليها وهى تري تعبيرات وجه مارك عندما لمح زوجة اخيه لاول مرة كانت اورسولا تتمتع بوجه جذاب واى رجل يحب ان يكرر النظر اليها ويكن ثمة مايدعو لكراهيتها بسبب تلك الصفات التى تتمتع بها وقالت لها مادلين في اباء " كان سجب ان تتركي جواز سفري هل تعرفين ماالذي اعتقده المسؤولون في الفندق ؟" " فردت عليها اورسولا " وهل لهذا اهمية ؟ فارتفع صوت مادلين وهى تقول في دهشة " اليست لهذه اهمية اعتقد انه امر هام فما الذي كان مفروضا ان افعله بعد ان رحلت انت الى انقرة ؟" جالات اورسولا ببصرها في ارجاء الغرفة التى استقرت عيناها على وجه مادلين الغاضب وردت عليها " يبدو انك وجدت راحتك هنا ؟ ما كنت اظن ان مارك بهذه الدرجة من الكرم ربما لانه حصل على شيئ غير عادي " " فردت عليها مادلين في صدود قائلة " انك لم تفكري في بالمرة اليس كذلك ؟ حين اخذتي كل حاجياتي معك ؟ انت لا تكترثين لاحد ؟" " نسيتك لبعض الوقت لان شاغلا جعلني انسي ويجب ان اعتذر لك ولكن بما انك نجحت في العثور على مارك فانن ياعرب لك فعلا عن اسفي " " حسنا اريد جواز سفري الان ؟" " كما تشائين " واخرجت اورسولا جواز سفر مادلين من حقيبة يدها وهى تضيف " اعتقد ان لا داعي الى تلك الجلبة التى تثيرينها يا عزيزتي فانت تعليمن بانه لم يكن ليحدث لك شيء يذكر كان بامكانهم العثور علي بسرعة ان انت تعرضت لاية متاعب " " فانفجرت مادلين قائلة " اوه هذا كثير جدا " وأخذت جواز سفرها باصابع ترتعد وحاولت ان تضعه داخل حقيبة يدها ولكن الحقيبة لم تستوعبه فوضعته فوق المذرات التى كتبتها لمارك واضافت قائلة " اظنك ستقولين لي ايضا ان هذا كان من اجل صالحي " وفي هدوء اشعلت اورسولا سيكارة وسألت مادلين قائلة " كيف وجدت صحبة مارك ؟" " على مايرام " " اعتقد انه قال لك كلاما معسولا فهو يفعل ذلك كما تعلين مع كل فتاة جميلة يقابلها وكلامه عادة لا يعني اى شيئ " فردت عليها مادلين التى احمرت وجنتاها " كان شقيق زوجك كريما جدا " فضحكت اورسولا قائلة " الم يعانقك ايضا ؟ اعتقد انه يفضل نساءه اكثر نضجا وهذا مخيب لامالك اتذكر ان مارك يعانق بعذوبة ششديدة وليس لديه ما يردعه بالمقارنة مع بوب المسكين الذي كان يعامنلي وكأنه يخشي ان اتهشم بين ذراعيه " ولاذت مادلين بالصمت ثم نهضت متجه نحو النافذة تراقب المطر يتساقط فوق البوسفور ولم تعد الأشياء ولاالمناظر بمثل ما كانت عليه من جمال بل اصبح كل شيء رماديا الابنية والارض والسماء وحتى المياه التى تفصل بين شطري المدينة وسألتها اورسولا في نعومة " الا توافقين على حب مارك لي ؟ " فهزت مادلين كتفيها استخفافا وقالت لها " لا شأن لي بما تفعلينه الا اذا كان يؤثر على لماذا ذهبت الى انقرة ؟" " عرفت ان صديق لي موجود هناك وكانت لي رغبة شديدة في مقابلته اضطررت الى دفع مبلغ كبير لشحن امتعتك وكانت هى تلك اول مرة اعرف فيها بان امتعتك معي " " لا بد ان احد ما حزم تلك الامتعة " " فعلت ذلك عاملة التنظيف غرف الفندق اثناء قيامي بتسديد حساب الفندق وحجز تذكرة الطائرة هل متازلت غاضبة مني ؟" نظرت اليها مادلين قائلة " نعم " " فضحكت اورسولا وردت " ولكن لما ؟ شرحت لك ما حدث " " انك لم تبدأى بعد بالشرح انا اسفة يا سيدةاديناي لا اشعر بأني أستطيع الاستمرار في العمل معك بعد الان وأرغب في العودة الى لندن " " هل فكرت بان المسؤولون في مكتب لندن قد يستغنون عن خدماتك اذا عرفوا انك تخليت عني عندما بدأت أواجه المصاعب ؟" " ولكني لم اتخل عنك انت التى تركتني " " ربما يصدقونك ربما " فابيض وجه مادلين وقالت " ولم لا ؟" " لانني لن اشرح الامر بهذه الطريقة في الرسالة التى سأرسلها اليهم " " فصاحت مادلين في وجهها " لم يسبق لي مقابلة انسان في مثل انانيتك وعدم امانتك وافتقارك للاستقامة " ضحكت اورسولا وكان الانفعال الوحيد الذي لاحظته مادلين في وجهها هو بعض الجمود حول عينيها وحتى هذا الانفعال اختفي عندما فتح الباب ودخل مارك الغرفة وهو يجفف يديه بمنديله وجيته اورسولا بابتسامة دافئة وسألته " هل تعتقد انني غير امينة وافتقر الىة الاستقامة " فرد عليها بجفاف " يحتمل هذا " " كم انت قاس اعتقد انك ادخلت هذه الفكرة في رأس مادلين التى لم تكن لتخاطبني بهذه اللجهة " فردت مادلين " لم يكن لدي سبب يدعوني لهذا .."ثم اندفعت قائلة وقد نفذ صبرها " ولا يمهني اذا فقدت عقلي " فتدخل مارك وطلب منها ان لا تندفع وان تؤجل التفكير في هذا الامر بعد ان تهدأ مشاعرها وان تترك له الموضوع فتركتهما مادجلين وهى تمسح دموع الغضب والانفعلا التى سالت على خديها وسمعت ازرسزلا تقول لمارك ان الطريقة التى عامل بها مادلين هى التى حملتها علىان تتطلع الى العودة الى لندن واضافت قائلة ان مادلين طفلة ولكنها لا تحب ان تعامل كطفلة فرد علهيا مارك بقولة " هذا الامر لا شأن لمادين به انه مسألة بيني وبينك " اسرعت مادلين بالصعود الى غرفتها وارتمت فوق سريرها والانفعالات الشديدة تمزقها فكيف يقول مارك ان هذا الشأن لا علاقة لمادلين به ؟ وهل هو يتفق مع اورسولا على انها طفلة ويجب معاملتها هكذا ؟ وعادت بها الذكري الى اللحظات التى عانقها فيه والعواطف التى حركها في داخلها فهل فسر تجاوبها معه صادر عن طلفة ؟ لا يمكنها تصديق ذلك كانت تحسي به يرتجف عندما يطوقها بذراعية لقد عانقها كامراة وليس كطفلة وقالت لنفسها انها هى وليست اورسولا التى ناداها مارك مليحة وهى لن تسمح لاحد بان يسلبها هذا . وغادرت فراشها متجهة الى خزانة الملابس لكي ترتدي احسن ما عندها وتثبت لاورسولا انها ليست طفلة ووضعت احمر شفاه ارجوانيا ينسجم مع لون بشرتها السمراء وعندما عادت الى الطابق السفلي ابدي مارك اعجابه بهندامها وحاولت اورسولا ان تستفزها فسألتها عما اذا كانت هى التى قامت باعداد الفراش لها فردت عليها مادلين بان البيت به مشرفة وهى التى تقوم بذلك فقال مارك انها تدعي محريماه وأنها تقدمت في السن وهى تعاني من الروماتيزم في ركبتيها فراحت اورسولا تسخر منها وتتسائل عما اذا كان هذا هو السبب في ارتدائها غطاء فوق رأسها فرد عليها مارك بجدية " كلا انها لا تحب ان تكشف عن شعرها في وجود الرجال " فانفجرت لورسولا ضاحكة عندئذ اخذت مادلين تدافع عن محريماه وتقول انه لا يوجد شيئا يبعث الضحك في امراة تحافظ على تاجها لزوجها بل انها تجد نساء يخفين افواههم عندما يمر امامهم احد الرجال وهن يعطين انفسهن لازوواجهن ويخلصن لهن اكثر مما تفعل النساء الغربيات ، ولاحظت مادلين انها عندما دخلت غرفة الاستقبال كانت كمن اقتحم شيئا ما وعندما رأت اورسولا تخرج اصبع احمر الشفاه من حقيبتها وتعيد طلاء شفتيها تأكدت ان مارك لا بد وان يكون عانق اورسولا وانه يرغب في تكرار ذلك مرة اخري وقد أحست بهذا من تعبيرات وجهه ومن تصرفات اورسولا وتحدثت اورسولا فقالت ان النساء لم يخلقن لخوض المناقشات في عالم المال والاستثمارات فردت عليها مادلين بانها لا تعتقد ذلك ولكن اورسولا اصرت موجه كلامها الى مارك ومؤكدةو له مدي حاجتها اليه ليعمل معها في دار اديناي للنشر واعتذرت له عما قالت من قبل لانها كانت تشعر بالضياع والتعاسة بعد مقتل بوب وقالت انها اعتقدت ان انشغالها بشيئ تفعله سوف يجعلها تقبل علىالحياة ولكنها أخفقت في هذا وأكدت له من جديد انها في حاجة لعودته للعمل في دار النر وغلبهاالانفعال فسالت دموعها . ولو لم تكن مادلين موجودة لما صدقت ان اورسولا بمثل هذه الرقة ولكنها ربما كانت تستخدم اسلحتها ضد مارك وليست صادقة فيما تقول ، وتوسلت اورسولا الى مارك ليكتب نيابة عنها مقالا عن الابسطة التركية وان تتولي مادلين كتابته على الالة الكاتبة في الصباح فقالت له اورسولا " شكرا يا عزيزي هذا اكثر مما توقعته وانها لبداية رائعة .." قاطعها بقوله " انها ليست بداية لاي شيئ يمكنك ان تسميها تصفية حساب ماضي ان دار اديناي للنشر هى ملك لك كلها يا عزيزتي ولا اريد شيئا منها هل هذا واضح لك ؟" " لا يمكنك ان تجعلني افقد الامل في انك ستغير رأيك وسوف تجدني هناك في انتظار عودتك .." " لن تكون لي عودة وسوف اكتب لك هذا المقال وكفي ..ومن الأفضل ان تصدقي ما أقوله لك " ولكن اورسولا ابتسمت قائلة " لن أصدقك الا اذا قلت لي بصراحة انك لم تعد تغار من شقيقك الاكبر ولا اعتقد انك تستطيع لم تستطع ف يالماضي ولن تقوله الان " ولزم مارك الصمت للحظات طويلة ثم قال " مات بوب وماتت معه اشياء كثيرة ان لي حياتي الخاصة التى احياها واقول لك بصدق انها تبدو لي حياه ممتعة ولا شأن لك مطلقا بها " فقالت له اورسولا بقلق وهى تضغط على شفتيها " سنري يا عزيزي مارك ماسوف يحدث " وبعد ان انصرفت اورسولا طلب مارك من مادلين ان تطلعه على مدي اتقانها للاختزال فقالت له انها سبق ان أبلغته بان مستواها في الاختزال جيد وانها لم تتعود على ان يمليها احد ولكنها ستبذل أقصي ما تستطيع فسألها مارك " وهل انت مستعدة الان لاقول بالاملاء عليك " " انه عملي ولكن من الافضل ان لا تدع اورسولا تسمعك تقول هذاالكلام فهي لن تظن الامر مجرد مزاح " " اين اورسولا الان ؟" وتدلت خصلات شعر ماديلن الطويلة على خدها وكانت تواقع جدا لاخفاء مشاعرها عنه وردت بقولها " صعدت الىالاعلي ولا اعتقد انها نامت جيدا ليلة امس ضايقها وجود مدفأة الفحم في غرفتها فقمت باخراجها مما جعل جو الغرفة باردا انها غير معتادة على الضوضاء فالعبارات تبدأ عملها مبكمرا والاضواء المنبعثة من زوارق الصيد تزعجها واعتقد انها ظنتها زوارق مهربي المخدارت " حالتك المزاجية رائعة الا تضايقك مثل هذه الأشياء " فهزت رأسها بالنفي قائلة له " احب الغرف العليا فهي امنة وتبعث على الاطمئنان الى حد ما فمن داخلها تستطيع ان تري ما بالخارج بدون ان يستطيع احد ان يراك ولو كان هذا هو بيتي لما أقدمت علي تغير هذه الغرف " " قد لا تكون امنة كما تظنين ؟" فنظرت اليه وقد اتسعت عيناها وسألته " هل تم اغراق احد من سكان هذاالمنزل ؟" انها لم تستطيع ان تبعد عن ذهنها صورة النساء من الحريم اللواتي تم اغراقهن ورد عليها مارك قائلا " كلا ولكنن ياعتقد ان نظام الحريم قد طبق هنا بشدة مثلما كان مطبقا في اى مكان اخر وربما كانت بعض النساء غير دقيقات في اختيار الاسلحة التى استخدمنها لتحقيق مايردن " وقالت لنفسها انهن لم يكن دقيقات وان هذا لا ينسحب على الماضي فقط فارسولا مثلا لم تكن دقيقة في ذلك تري هل يدرك هو ذلك وتنهدت مادلين وراحت تقلب صفحات كراسة المذكرات وقالت له " انني مستعدة " التقيت عيناها بعينيه وهو يقول ها " انا لست سليمان يا مادلين لقد سمح اخي لامراة ان تتحكم فيه لبعض الوقت ولكننا لم نكن متماثلين على الاطلاق مهما كان هذا الذي قالته لك اورسولا وعندما يحين الوقت لهذا فانني سوف ارضي نفسي وليس اى شخص اخر فقالت له وهىة تعض شفتها " " اعلم هذا ولكن هل تدركه اورسلا " " انت لست بلا وسائل دفاع مثلما يبدو عليك ولاان هل نحيت مخالبك جانبا حتى انتهي من هذاالمقال ؟ ان اورسولا هى عملي ولا علاقة لهذا بك وبوصفك موظفة طيبة فان مهمتك هى ارضاؤنا " فردت عليه وهى مستعدة للكتابة وقالت " استعدت جواز سفري على الاقل حتى استطيع مواجهة الموقف اذا ما ازداد سواءا " " هذا ما تظنين ؟ تركت جواز سفرك فوق مذكراتي وقد اخذته ووضعته مع جواز سفري واذا احتجت اليه فاطلبيه مني وانت الملومة بسبب اهمالك " " ولم ترد عليه وبدأ يمليها المقال ودهشت مادلين لغزارة معلوماته واستغرقت مادلين معظم وقت المتبقي من النهار في كتابة المقال على الالة الكاتبة وجلست اورسولا بجانبها وهى تتعجلها لانهاء المقال واخذت تراجع كل صفحة تنتهي مادلين من كتابتها وتمنت مادلين ان تبتعد اورسولا ولكنها عندما لاحظت استمتاع مارك باهتمام اورسولا بالمقال فضلت ان تتحمل بقائها ، وابتهجت اوروسال بالمقال مما جعلها تبدو اكثر اشراقا وقالت لمارك " انه مقال ممتازز يا مارك لا بد ان تعود الى نيويورك لتتولي امر العمل وأعدك بالا يرتبط هذا العرض باية شروط كما سأمون في غاية الطيبة وأفعل كل ما تريد لقد افتقدتك وذلك بغض النظر عن دار اديناي للنشر لقد افتقدتك بشدة وان انت تصرفت بمهارة ففي امكانك ان تستحوذ على وعلي درا النشر ايضا كنت تريد هذا من قبل وهو الان طوع امرك " فوقف مارك ونظر الى زوجة اخيه متسائلا " اتعتقدين هذا ؟" " انن يواثقة مما اقول يا عزيزي " وتظاهرت مادلين بانها لا تستمع اليهما ووضعت الغطاء فوق الالة الكاتبة وحملتها من فوق الطاولة لتضعها على الارض فتقدم مارك وحملها عنها فشكرته وهى تلاحظ نظرة الشوق في عينيه ثم قال لارسولا في هدوء وبدون انفعال او مرارة " اذكر انك كنت تعزفين نغمة اخري من قبل " " لن تلومني على خداعي لك كنت شابة وحمقاء يا مارك واعتقدت في ذلك الوقت ان هذا ما أريده " " كان هذا فعلا ما اردته اردت بوب ودار اديناي للنشر وحصلت عليهما معا اجبرني بوب على التخلي عما املك فقمت ببيع حصتي له وفقدت بذلك اى اهتماما نحو دار اديناي للنشر وانا اعني هذا تماما انك تمتطين صهوة جواد ميت اورسولا ولا اعتزم الانطلاق مهرولا لمجرد انك تطلبين منة ذلك وحصلت على ما ارته وعليك ان تعيشي مع ثمار رغابتك ان هذا الامر لا يعنين يعلى الاطلاق ولن اسمح لنفسي بان اهتم بذلك مرة اخري " وابتسم وانحني لهما ثم اتجه بسرعة نحو الباب ليختفي قبل ان تتنبه اى منهما الى ذلك وبعد عدة ثوان دوي في ارجاء البيت صوت اغلاق الباب الخارجي . وهمست اورسولا قائلة وهى لا تكاد تفتح شفتيها " هل يجرؤ على هذا ؟ وما الذي يظن اننا سنفعله طوال فترة المساء ؟ ان نقوم بتسلية أنفسنا ؟" ونظرت مادلين بكأبة الى الباب المغلق وقالت لاورسولا " يبدو اننا سنظطر الى هذا سأبلغ محريماه ان تعد طعام العشاء لاثنين فقط " " قولي لها ماتشائين هذا ان استطعت فهي لا تفهم كلمة واحدة مما أقوله لها هذاالمنزل صغير كالجحر وامامنا ليلة اخري شديدية البرودة هناك أوقات اششعر فيها بالكراهية نحو مارك اديناي ولا بأس ان أقول لك هذا انن ياحس بهذا الشعور الان "
الفصل السابع
ابواب الذاكرة
ذهبت اورسولا الى فراشها في العاشرة مساء ولم يكن هناك ماء في الطابق العلوي فطلبت من مادلين ان تحضر لها كوبا من الماء المثلج وقالت لها " لن امضي ليلة اخري هنا لاجل خاطر احد انه لامر سيئ ان يذهب المرء الى فراشه في الوقت الذي تأوي فيه الطيور الى اعشاشها بدون ان يتعرض للموت من شدة البرد والالم سوف ابذل جهدي لالنال قسطا من النوم " ثم تنهدت بقوة واضافت " ما الامر يا حبيبتي ؟ ظللت عابسة طوال المساء اما زلت غير مقتنعة بانني كنت مضطرة للذهاب الى انقرة ؟ " " كلا " " هل تعلمين انك مثل حماتي تماما ماتت من قلة النوم وظلت تزعم انها لا تشعر بالتعب لقد تطلب الامر بعض الوقت لكي يتعود بوب على طريقة تفكيرير " فقالت لها مادلين بهدوء " ولكنك حققت هدفك " " حققت هدفي طبعا ولن يحقق مارك لنفسه اية فائدة من وراء استخفافه بي لقد ولدت ونشأت في برونكس وصدقيني ان التعامل مع اسرة اديناي هو كسب كبير في حد ذاته لقد اكتسبت خبرة كبيرة من مجرد هذاالتعامل " واستقرت عيناها الزرقاوان على وجه مادلين وأضافت قائلة " لا تتدخلي في هذا يا عزيزتي فليس لك مكان في مجتمعي وليس لمارك العزيز هو الاخر مكان ولكنه سوف يعود الى نيويورك في النهاية عندما يصبح الطعم اكثر اغراء بالنسبة اليه " واخذت مادلين منها الكوب الفارغ وقد ارتسم على وجهها تعبير تعمدت ان يكون غامضا وقالت لها اورسولا " اغلقي الباب خلفك يا حبيبتي فانني اسمع صرير سريرك عندما تتركين الابواب مفتوحة " حيتها مادلين وتركتها وهى لا تحس باى اسف لذلك فهذا الافضل لانه يتفق مع الحالة المزاجية لمادلين ويرضي احساسها بقيمتها الحقيقية وتمنت لو ان كل الابوابي اغلقت علي اورسولا اديناي وعندما دخلت مادلين غرفتا وجدتها باردة لان المدفأة لم يتم تشغيلها فيها منذ الصباح الباكر وكانت رياح البوسفور الباردة الرطبة تقتحم الغرفة من النافذة المفتوحة ان اسطنبول في الشتاء لها جاذبيتها واعطت مادلين لنفسها صدمة عقلية مثلما فعلت عندما عانقها مارك وهما في العبارة وتذكرت بطريقة عقلية باردة ان اورسولا كانت تعيد طلاء شفتيها باحمر الشفاه في الليلة الماضية هل يجب عليها ان تشرح لاورسولا كيف تذوب وعظامها داخل جسمها عندما يمسها مارك ؟ نامت مادلين نوما متقطعا وتلك الافكار تجول في رأسها وبدت لها xxxxب الساعة المضيئة لا تتحرك وجاء منتصل الليل وولي النوم العميق مازال يهجر جفنيها وفكرت ان تقطع الوقت في القراءة ولكنها لا تستطيع النزول الى الطابق السفلي للبحث عن كتاب وفي هذا الوقت المتاخر من اليلي وفضلت الانشغال بشئ اخر ولو اقتضي الامر ان تعد اغناما وهمية . وسمعت صوت الباب الخارجي يفتح لقد عاد مارك الى البيت وسارعت بارتداء روب فوق ملابس النوم ونزلت الى الطابق السفلي ونادت عليه " مارك هل حضرت ؟" "وهل تظنين ان لصا اقتحم البيت ؟" ووقفت امام باب المطبخ وقد انعقد لسانها عندما راته وراحت تتسائل بينها وبين نفسها عما اذا كان هناك شيء من الطاعام ليتناوله كما تسائلت عما كان يفعله خارج البيت وتمنت لو انها كانت معه تشاركه ما يفعل وسألته وهى تقترب خطوة او خطوتين داخل المطبخ " هل اعد لك شيئا من الطعام ؟" " وأشا رالى ملابس النوم التى تردتيها وقال " ابهذه الملابس تعدين الطعام ؟ هل تناولت طعامك انت ؟" " منذ ساعات هناك بعض البيض ان شئت " " فجلس متداعيا على الكرسي وقال لها " افضل قهوة " وأعدت القهوة بسرعة على الطريقة الامريكية ووضعت قدحين على المائدة فصب القهوة وقدم لها قدحا وهو يبتسم قائلا " ماكان يجب ان تنتظريني انا لم اعتد على ان تلبي كل حاجياتي بهذه الطريقة " فردت عليه بقولها " هل اعد لك شيئا من الطعام اقصد ان كنت تحتاج الى شيئ ..ان كنت جائعا ؟" فوضع قدحه على المائدة ونهض ليقف خلفها ثم قال لها " هذه طريقة غير موفقة في التعبير ولكن مادمت قد سألتني فانني مازلت احتاج الى شيئ وان كنت لا ترغبين في هذا فما كان يجب عليك يا جميلتي الصغيرة النزول من الطابق العلوي لكي تدفعي بالافكار الى رأسي " وأمسك بذراعها وجذبها نحو ه ووجدت نفسها تطوقه وهى تهمس " اوه مارك الوقت متاخر جدا ...؟ " لم اطلب منك النزول الى هنا وماكان يجب عليك ان تستقبليني بهذه الحرارة وفي هذه الساعة من الليل " فنظرت اليه نظرة اتهام وهى تقول له " لا عجب انك متعب لابد انك كنت ترقص " " ولم لا ؟ ان الراقصات اكثر كرما من اللواتي عرفتهن ف يالعالم فما رأيك يا مليحة هل ترقصين لي وتحصلين على مكافاة طبقا للتقليد المتبع ؟ " لا ادري " وابتعدت عنه بسرعة وهى تخشي ماقد يحدث وأحست بالخوف من نظراته وهو يتفحصها بصورة فهمت المقصود منها ولكن قوته تغلبت عليها ثم تركها فجأة لكي تجلس امام قدح القهوة الذي برد وقالت "انن ياسفة " " ولم ؟ الاني اريدك واعرف انك تردينني " " كلا لانك لسك ماروك بك ولا يمكنك ان تحصل مثله على كل ما تريد " فنظر اليها وهو يضحك ضحكة قاسية ممزوجة بالغضب وقال لها " انت دائما شاعرية اذهبي الى فراشك يا مادلين قبل ان اخذك الى فراشي فانني في حالة مزاجية تجعلني انسي اى شيئ فيما عدا انك جميلة وان اورسولا اختارت وصيفة لا تستطيع ان تحمي حتى نفسها " " مارك كلا ارجوك " فنظر اليها متسائلا " هل اخيفك ؟" " قليلا ولكني لا اعبأ بهذا فأنا أملك العقل مثلما املك الجسد " " عزيزتي مكادلين ؟ اذهبي الى فراشك " فقالت له مرة اخري وهى مضطربة " انا اسفة " " فصب لنفسه قدحا من القهوة وقال لها " لا تاسفي فانت على صواب انكن عندما تحببن الرجال فانكن تردن مشاركة احباءكن العقل والجسد معا وينتهي الامر بزواجكن منهم " ونظر اليها من طرف عينيه وهو يقول لها " الا ترين انن يالان لا أعبأ بعقلك ولا يهمني ما اذا كان لك عقل ام لا ؟"فرمقته في رعب وقد ابيض وجهها وسألته محاولة تغير الموضوع "هل انت جائع ؟" " فهز كتفيه قائلا " اعدي لي الطعام اذا ولكن لا تتوقعي اى شكر فالطريق الى قلبي لا يمر من خلا لمعدتي " وضعت المقلاه فوق الموقد وكسرت بيضتين فيها وبعد ان نضجت البيضتان وضعتهما في طبق امامه وسألته عما اذا كان يريد بعض شرائح اللحم والخبز فجذبها من يدها وقربها منه ثم قال " مادلين اذا عانقتك مرة اخري هل تذهبين الى فراشك ؟" ولم تجد الكلمات لترد عليه واتسعت عيناها وأخذ قلبها يدق بقوة وهو يمسك يدها ولم تحاول التحرك وانما اذا ظلت مستسلمة له وهى تنتظر ان يتركها او ان ينفذ تهديده وعندما عانقها كانت لمساتته بنعومة الثلج المتساقط على وجهها وقال لها " مليحة يا حبيبتي لا اريد ايذائك برغم ان هذا باستطاعتي اليس كذلك ؟" فاقتربت منه اكثر وقالت " لست بخائفة " " فضمها اليه بقوة قائلا " يجب ان تخافي فانت تعيشين في احلام شاعرية عن الحب " ولامس وجهها بأصابعه قائلا " قد تجدين الواقع مخالفا لاحلامك " وسألته وعيناها مغروقتان بالدموع " مارك اتعتقد ان بانماني ان احبك ؟" هز رأسه ببطء قائلا " ابقي مع احلامك الشاعرية تصبحين على خير يا حبيبتي وشكرا لوجبة مابعد منتصف الليل " ونظرت اليه في توسل ولكن تعبيرات وجهه الصخرية لم تتبدل انه لن يتراجع عن موقفه فخرجت من المطبخ وبدأت تصعد درجات السلم في تباطؤ ولاحظت انه يتجه نحو السلم ويتوقف ثم قال لا وهو يبتسم انه يعتقد ان لها عقلا جميلا واسادارت نحوه قائلة " انت لا تعبأ بما افكر فيه وأشعر به او حتى مايمكن ان أفعله فانت تفكر ف يالنساء تماما كما لو كنت ماروك بك كممتلكات غير ثمينة " " أ حسنت " وانحني لها بالطريقة التركية واضعا يده اولا على قلبه ثم على جبهته وقال لها " اهربي يا مادلين فمازالت الفرصة امامك " فرمقته بنظرة تنم عن الشعور بالصدمة والغضب الشديد وأسرعت بالصعود فاصطدمت باورسولا التى كادت تسقط على الارض وسألتها اوروسلا قائلة " ما الذي تفعلانه ؟ اعتقد انها أمسية غير موفقة هل لنا ان نذهب جميعا الى الفراش كل الى فراشه ؟ " وأسرعت مادلين بصعود ما تبقي من الدرج ودخلت الى غرفتها وقامت لاول مرة منذ مجيئها الى هذا البيت باغلاق مزلاج الباب الغرفة النوم باحكام خلفها وراحت تسائل نفسها عما دفعها الى النزول الى الطابق السفلي ؟ كان يجب علهيا ان توضح له كرهها للطريقة التى ينظر بها اليها ولكنها في نفس الوقت هى ابعد ماتكون عن ان تكرهه بسبب هذا لقد شجعته على الاعتقاد بانها تطلب اهتمامه بها لقد عانق اورسولا في اليوم السابق فهي متاكدة من هذا ومن يدري كم عدد الراقصات اللواتي عانقهن في تلك الامسية وبرغم هذا فانها ارتمت بين ذراعية وقد تملكتها السعادة بان تاخذ دورها في الصف لابد انها جنت بل اصابها شيء اكبر من الجنون هل فقدت كبرياءها ؟ وجلست على حافة سريرها الذي اخذ يأن كما لو كان يحتج علىتصرفاتها ووضعت كفيها على خديها المحترقتين وراحت تواجه الحقيقة التى لا مفر منها فهي ليست مجنونة الا اذا كان الحب هو نوع من الجنون انها تحبه حبا عميقا لا رجعة فيه وما عليه الا ان يشير باصبعه لكي تتبعه الى اخر الدنيا مهما فعل بها لقد حدث لها هذا وهي التى لم تعرفه الا منذ وقت قصير جدا فما الذي سيجري عندما تعرفه لفترة اطول ؟ لن يكون لها اى عذر في عدم العودة الى لندن تري ما الذي هى مقدمة عليه ؟ وفي الصباح لم تكن مادلين قادرة على تركيز ذهنها عندما سألتها اورسولا عن مكان مارك فطلبت منها اعادة السؤوال مرة اخري فقالت لها " انني اسالك هل رايت مارك هذا الصباح ؟ انه لا يقوم بدوره كمضيف كما يجب فانا لم اكد اراه الا لماما منذ مجيئي " " انه مشغول بكتابه بحث عن الفنان المعماري العثماني سينان " " اوه هل يفيدنا هذا البحث ؟" " لا اعتقد هذا ولا اعتقد ان مارك راغب في اعطاء بحثه لاية مجلة فهو يردي نشره ف يكتابه " ونظرت اليها اورسولا بتمعن وقالت " يبدو انك تعرفين الكثير عنه هل سيدر عليه مالا ؟" فهزت لها مادلين كتفيها استخفافا وقالت لها " لا اعتقد انه يهتم بالناحية المالية " " ربما تكونين على صواب في هذا فمارك وهو امر غير طبيعي لا يكترث بجمع المال وهذا هو السبب الذي جعلني اختار بوب الا ان مارك له مميزات اخري فهو ان وجد الشخص المناسب الذي يسانده يستطيع ان يجني مليون دولار بدون ادني جهد فله عقلية ممتازة كما انه يعرف كل ذوي الشأن وهو يحضي باحترام شديد في الولايات الممتحدة اليس هذا غريبا ؟ انني لا اعرف السبب في هذا فمارك لم يقم باى عمل ذي اهمية كما انه لم يشغل اى منصب مرموق " ورأت مادلين من الافضل الا تدافع عن مارك بطريقة مكشوفة وسألت اورسولا عما كان يفعله مارك قبل مجيئة لاسطنبول وتململت اورسولا كما لو كانت تعبر عن استيائها وهى ترجع بالذاكرة الى الافعال التى اقدم عليها شقيق زوجها وقالت " كان يلقي محاضرات في احدي الجامعات ولم نشاهده انا وبوب منذ زواجنا الا نادرا كان امرا محرجا " " اوه ولماذا ؟" " كان هناك نوع من التنافس بين الشقيقين وقد نشأ على العتقاد بان العمل الشاق والظروف الرغدة هى كل شيء ف يالحياه وكان مارك يشق طريقه بصورة افضل من بوب فقد كانت حياته الجامعية أفضل كما كان يلعب كرة القدم لصالح كليته وهذا مالم يفعله بوبو كان ابوهما قد توفي منذ قليل وهما يديران العمل سويا وكان واضحا انهما لن يستمرا في هذا " " قالت مادلين " وكان بوب هو الاكبر ولذلك فانه هو الذي كانت له السيادة اليس كذلك ؟" " بوب هو الاكبر ولكنه كان سيستمر بمشاركه اخوه في العمل لو لم ادخل حياتهما وأضع النهاية " " انني دهشة كيف سمح لك مارك بذلك ؟" فنظرت اليها اورسولا بتعجب وقالت " كان يحبني كان الاثنان يحبانين وكان امرا مثيرا ان يكون لي حبيبان من اسرة واحدة ولم استطيع ان اقرر اى واحد منهما ولم اشأت الاختيار في الواقع فقد كان كل منهما يقدم لي العطور والهدايا التى غرقت فيها حتى اذني وكان يمكن لي الاستمرار في هذا الى الأبد لولا ان تدخل ابي طالبا مني ان اقرر ايهما اختار خلال اسبوعين والا فانه سيرسلني فر رحلة طويلة لاوروبا حتى انساهما معا كنت ادرك ان ابي على حق كنت اريدهما معا كان مارك اكثر ميلا للمرح وفيه شيء من تحجر القلب ولكن بوب كان اكثر اخلاصا ولا يصر على رأيه دائما اذا اخترته في النهاية ادركت ان بامكاني ان أجعل منه شيئا وقد نجحت في هذا " ولم تكن مادلين تعطيها اذن صاغية وسألتها " هل عرض عليك مارك الزواج منه ؟" وقالت مادلين لنفسها انه لو كان مارك فعل هذا فانه لا بد ان يكون على درجة شديدة من الحب لزوجة اخيه ودارت اورسولا برأسها لتنظر الى مادلين قائلة " لماذا تسألني هذا السؤال ؟ هل تناقشتما بشأني " فهزت مادلين رأسها قائلة بجفاف " كلا فمارك لا يناقش اشياء كهذه "وبدا على اورسولا الارتياح التىاجابت " انه فعلا لا يتحدث في الامور التى تخصه وأضافت اورسولا قائلة بلهجة من يحاول ان يخفي عواطفه " لقد اعتقدت دائما انه اذا قررت فتاة ما الا تقبل خطبة شخص معين فمن الافضل ان توضح ذلك منذ البداية ولهذا قلت لمارك انن يسوف اتزوج اخوه وهذا ما حدث " " مسكين مارك " " لم يكن هذا نهاية الامر كان علينا انا وبوب ان نتغلب مع مارك على بعض المشكلات في دار اديناي للنشر وقد عارض كل اجراء اتخذناه ولم يصدق ان بوب اخذ منه شيئا وبدأ اسمه يظهر ف ياعمدة القيل والقال في الصحف مقترنا بأسماء نساء متعددات وقال لي بوب ان هذا يبين لي انه لم يكترث برفضي اياه وبدأ الاثنان يتشاجران ايضا حول سياسة ادارة دار النشر وقد اقتنع بوب برأي بضرورة التوسع او الموت " وقالت لها مادلين بهدوء " انن يلا اتصور مارك يفضل النشاط الضيق المحدود " " وأقرت اورسولا بهذا قائلة " ليس هذا بالضبط ولكنه لم يتفق معنا عندما اردنا ان نتناول السياسة القومية فيما ننشره وكان يعتقد ان فكرة اشتغال بوب بالسياسة في النهاية فهي فكرة مضحكة " " هل قال هذا "
________________________________________
الكلام في كل اجتماع نعقده وكان امرا غير محتمل مما جعل بوبو يغضب غضبا شديدا ويقول انه يجب علىاحدهما ان يبيع نصيبه في دار النشر وذهبت الى مارك وطلبت منه ان يبيع نصيبه لي وهكذا كان " ولاذت اورسولا بالصمت فترة طولة ثم عادت فجأة لمواصلة الحديث " ولم اره كثيرا منذ ذلك الحين واعتقد ان هذا ليس من الانصاف في شيئ لانن يكنت اعلم انه مازال على حبه لي وقد قابله بوبو مرة وقال لي ان مارك يلومني لانني اخرجته من دار النشر وانه لو كان بوب حكيما لاتخذ قراراته بنفسه ولما سمح لي بابعاده عن دار النشر ..." وسألتها مادلين عما كان يفعله مارك انذاك فأجابتها " حصل على وظيفة مدرس فهو فنان معماري متمرس كما انه فوق كل شيئ على درجة كبيرة من الخبرة في مجال الفنون الجميلة و كان في الامكان الافادة بخبرته هذه في دار ايناي للنشر لو كانت لديه الرغبة في ذلك وهذه المرة سأبذل أقصي جهدي لحمله على هذا " وأمسكت مادلين ببعض المجلات التى احتفظ بها مارك على رف مكتبته وأخذت تقلب صفحاتها بأصابعها بدون النظر الى ما في داخلها ثم قالت " انه يقرأ المجلات ولا بد ان يكون ميلا الان يفعل هذا " فردت عليها اورسولا قائلة لها ان مارك ظل يرسل اليهما الرسائل قائلا انهما يسيران وراء فكرة غامضة خاطئة وان بوب تملكه الجنون عندما قرأ احد هذه الرسائل وقال انه لا يستطيع الاستمرار في العمل بنفس الطريقة التى يعملان بها وانه يحتاج الى وقت يخلو الى نفسه كي يتدجبر امره ويقرر بنفسه مايراه وقا للي انه يفتقر الي بعد النظر وكنت اجادله فقد كنا نصعد مباشرة نحو القمة وكانت تلك هى اخر مرة يبدي فيها شكوكه في كل شيئ ننجزه سويا ولكن بوب لم تكن لديه ثقة كبيرة في نفسه وخرج يوما من البيت وهو في شدة الغضب قائلا انه سيطلب تصريحا للسفر الى فيتنام لتغطية التطورات الدائرة هناك وان باستطاعتي ان ادير العمل بدونه بنفس الكفاء الى ان يعود ولقد لقي حتفه بعد شهرين من ذهابه الى هناك " وصاحت مادلين قائلة " كم هو فظيع بالنسبة اليك " وهزت اورسولا كتفيها استخفاف وقالت " لم يكن هناك أسوأ من هذا وأشكر الأقدار التى مكنتني من ان اواصل حتى الان القيام بتحمل معظم اعباء المسؤولية في مجموعة المجلات التى لم تمت معه ولكن الامر لم يكن سهلا بالنسبة لي فالامر يختلف عندما سياندني رجل حتى لو كنت انا التى تتخذ معظم القرارات الهامة امنا بعد ان اصبحت المسؤولة الوحيدة فان الكثيرين لم يقبلوا هذا وهناك دائما تلك القلة التى لا ترحب العمل تحت امرة امرأة وهذا هو السبب الذي يجعلني محتاجة الى مارك وهو ما يجعلني اضا مصممة على ان أستحوذ عليه " ولاحظ مادلين انها كانت تتململ وهى تتحدث عن الاستحواذ على مارك وشعرت باشفاق نحوها وساورتها الشكوك في ان اورسولا لها صلة \بالقرار الذي اتخذه زوجها بالذهاب الى فيتنام وانها تخفي شيئا ما عنها وهذا وحده يكفي لالقاء الظلال على كل ما انجزته وتركت مادلين المجلة التى كانت في يدها وخاطبت اورسولا بقولها " ماكان يجب ان نكون في بيته انني لا اري اى سبب يمنعه من ان يحيا معنا بالطريقة التى يريدها انني اكره وقوفنا في طريقه " " ليس من شأنك ان تقولي هذا فانا زوجة اخيه ومن المؤكد انه لا يرغب في نزولي باحد الفنادق في حين ان ليده مكانا متسعا لاقامتنا ولكنه لم يطلب من الاقامة معه " " كلا وأظن انه كان يخشي ان يطلب مني الحضور الى هنا بدأت اعتقد اني ضيقت الخناق عليه وحاصرته ف يالركن وسوف يعود الى نيويورك بأسرع وقت ممكن " وتمنت مادلين ان لا يفعل ولكن لم تجد مفرا من الاعتقاد بان اورسولا ربما تكون فعلا على حق فقد كانت دار اديناي للنشر تعني الكثير بالنسبة اليه وهذا يمكن ان يتكرر من جديد ورأت ان من الحماقة دفعه للوقوف في وجه اورسولا ان كان هذا هو مايريده فعلا . عاد مارك بعد الظهر وزكانت اورسولا في غرفتها في حين كانت مادلين جالسة تقرأ كتابا في غرفة الملابس ورفعت رأسها عن الكتاب رأته واقفا بالباب يرقبها ويدرس ملامحها في هدوء فصاحت قائلة "وه " " تبدين في حالة تكاسل لذيذ اليس لديك شيء تفعلينه ؟" " كلا " " يمكنك اذا ان تكتبي شيئا لي على الالة الكاتبة فلا يمكنك بناء حياتك كلها على الاحلام حاولي كتابة هذه المذكرات واعادة تنظيمها وبعد الانتهاء منها يمكنك ان تطلبي المزيد من المذكرات " " هذا ان كنت ستبقي كي اطلب منك ؟" وتحركت بعصبية نحو الالة الكاتبة ورفعتها على الطاولة وفتحتها وقا للها مارك برقة " سوف استرد ما تنتهين من كتابته من وقت لاخر " وردت مادلين باسلوب مهذب " السيدة اديناي موجودة في غرفتها بالطابق العلوى " " سأراها غدا وارجوك ابلاغها هى ومحريماه بأنن يساتناول طعام العشاء اليلية خارج المنزل وذلك بناءا على ارتباط سابق لا استطيع الافلات منه " وأطرقت مادلين شعرة بخيبة امل ومرارا ة لانه سيخرج مرة اخري وأصضاف مارك قائل " ولا اريدك ان اراك تجلسين مرة اخري بدون عمل وان اردت ان انوه بك للقيامك بكتابة رسالتي الجامعية على الالة الكاتبة فيجب ان تبذلي الجهد في هذا السبيل " وابتسم فجأة وهو يربت على كتفها " بالاضافة الى ذلك فان هذا هو الشيئ الوحيد الذي سيبعد عنك اوزرسولا انها سوف تنفجر من الغيظ عندما تعلم انها ستمضي اليلة ايضا وحيدة بدون ان تجد من يجالسها "
الفصل الثامن
كيمياء العلاقة
أخذت مادلين تعمل في اعدادات مذكرات مارك كأن حياتها تتوقف على هذا العمل بينما راحا اورسولا تبسط نفوذها وامنتعتها وادواتها الخاصة في شتي انحاء البيت مما سبب الضيق الشديد لمادلين اما مارك فلم يبد انه لاحظ ذلك الغزو وكان يغدو ويروح متجنبا الخوض في المجدالات ببراعى كانت تحسده عليها مادلين بل كان نادرا ما يتكلم . وساورت مادلين الشكوك في انه واروسولا كانا احيانا ينتظران ذهابها الى فراشها لكي يتحدثا سويا وتشعر بنتيجة تلك المناقشات منعكسة على الحالة المزاجية لاورسولا وجاءت ايام شعرت فيها مادلين بنيران الغيرة الشديدة من اورسولا التى كان مارك كما ظنت هي يبدي اعجابه بصفاتها الجمالية مما ملأ قلبها بالمخاوف الا ان اورسولا كانت تحضر عادة لتناول طعام الافطار وقد تملكهاالغضب الشديد مما يوحي بان مارك لم يقبل بعد العودة معها الى الولايات المتحدة وفي احد الايام لاحظت مادلين وهم على مائدة الافطار ان اورسولا تحاول اخفاء دموعها التى انهمرت على خديها منذ قليل ولما سألتها عما حدث قالت اورسولا " لا يريد ان يفهم مدي احتياجي له وانا مستعدة لفعل اى شيء لكي احمله على العودة الى حياتي ولا استطيع الاستمرار في الحياة وحدي في حين انه لا يعبأ بهذا على الاطلاق " " ولاذت مادلين بالصمت محاولة بدون جدوي البحث عن الكلمات اللطيفة لكن يبدو ان اورسولا لم تلاحظ صمتها واضافت قائلة " ما السبب الذي يعتقد انن يجئت من اجله الى تركيا ؟ كان يجب ان اراه مرة اخري ولو انه عاد فان الامور تختلف عندئذ ولكنه لا يصدقني " الا ان مادلين قالت لها " ولكنك ل تذ1هبي الى انقرة بحثا عنه " " فطرفت ارسولا رموشها وقالت " وما علاقة هذا بموضوعنا ؟ ذهبت الى هناك لانني كنت اتوق لمقابلة صديق قديم يعمل ضابطا ويرغب في الزواج مني ولكنه اشترط مني الا ترتبط الزوجة بعمل نظرا لانه كثير الاسفار الى الخارج واقترح ان ابيع دار اديناي للنشر ولكنن يلم اقبل بهذا لان الدار بدأت اخيرا تحقق الأ{باحخ الفعلية انه يطلب مني اكثر من اللازم ولهذا قلت له لن ابيع دار اديناي للنشر فهي ملكي وستظل وحتى مارك لا يستطيع تجريدي من ملكيتي برغم انني سأعرض عليه منصبا مرموقا لارضائه ولكن السلطة الفعلية ستبقي دائما في يدي " وتلاشي الشعور بالتعاطف الذي بدأت مادلين تحس به نحوها وتساءلت بينها وبين نفسها هل هذا كل ماتعرضه على مارك ؟ منصبا كبيرا في حين تبقي كل شيء بين يديها النهمتين ؟ الا تدري ان ملرك لا يمكنه ان يرضي بهذا ؟ ان اورسولا ليس لديهخا اى حب تمنحه اياه وكل ما يعنيها هو كيف تستغله وتطوعه لارضاء نزواتها انه استعراض عقيم للانانية قالت لها مالدلين بصوت مرتفع " مارك لن يوافق ابدا على المركز الاني " " لن يشعر ابدا بهذا فانا اعرف كيف ارضي غروره فهو لا يختلف كثيرا عن اخيه " حاولت مادلين اقناع نفسها بان مارك لن يستسلم امطامع اورسولا ولكنها تعلم ان اورسولا تتحدث بطريقة ممتعة مقنعة كما ان مارك يعتقد انه يدين بهذا لاخيه عندما يأخذ مكانه في دار النشر التى تحمل اسم العائلة وعند ئذ تكون اورسولا قد فازت ويكون مارك قد خسر استقلاله الذي ناله بصعوبة ولم ينجح انشغالها بالعمل في تخفيف حدة الغضب الذي ولدته في نفسها تلك المناقشة بينها وبين اورسولا وقد أبلغتها محريماه مستعينة ببعض الكلمات والاشارات بان اورسولا ترغب في تناول طعام الغذاء في غرفتها وهذا جعل مادلين لا تستطيع كتمان فرحها الذي انعكشس في ملامحها وصوتها وابلغت مادلين اورسولا بانها ستخرج ف يجولة فوافقت مما جعل مادلين تسرع بالخروج قبل ان تغير رأيها وأخذت معها وعطفها وحقيبة يدها وكانت الشمس ساطعة وتملكمتها السعادة لانها سوف تستمتع بالشمس واستقلت مادلين العبارة وراحت تفكر فيما ستفعله خلال الساعات القليلة التى ستمضيها وهى مستمتعة بحريتها وقد جعلها عملها في كتابة مذكرات مارك تتوق لان تري بنفسها اهم اعمال الفنان سينان وهى السليانية وهى عبارة عن موقع تذكاري تخليدا لذكري سليمان وتشمل اضرحة السلطان وسينان وروكسلان كذلك اكبر مسجد ف يالمدينة والابنية الاخري التى يتالف منها المجمع ووقفت تنظر الى احد المطاعم تنظر حائرة الى اسعار الاطعمة وهى لا تعي حرف واحد منها ولاحظ صاحب المطعم حيرتها فدعاها للدخول بابتسامة ادخلت الارتياح الى نفسها وطلبت لحما مشويا وأحست بالبهجة وكأن عبأ ثقيلا انزاح عن كاهلها وهى تستمتع ببعض ساعات بعيدة ان اورسولا وفجأة واثناء تناولها الطعام جلس الى شخص الى جوارها فالتفتت نحوه بسرعة وقد أنبأها بمن هو قبل ان تراه عينيها انه مارك الذي قال " ما الذي تفعلينه هنا لوحدك " " ولماذا لا اخرج وحدي بقيت داخل البيت طوال اسبوع كله " وكرر سؤاله " اسأل ما الذي تفعلينه وحدك ؟" " اصيبت اورسولا بانهيار ولزمت غرفتها " " الا تخافين ان يختطفك رجل ممن يبحثون عن الوجهه الحسن ؟" " اوه مارك وهل ستفل انت ذلك ؟ خرجت للبحث عن مسجد سليمان " " وهل هناك سبب محدد لهذا االختيار ؟" اجابت وهى ترد ببعض المعلومات التى ذكرها في مذكراته " طبعا فهناك مراكز قليلة يمكن مقارنتها بالسليمانية في اتساعها وفخامتها وروعة نقوشها والانسجام الذي يجمع بين مختلف اجزائها ارغب في مشاهدة هذاالمكان الرائع بنفسي وبالاضافة الى ذلك أصبحت مغرمة بأعمال سينان " " اذا سوف تشاهدينه وسوف اصحبك الى المتحف الاسلامي الذي يشغل مكان المطابخ القديمة للمسجد " شكرته مادلين ثم سألته " ما السبب في الحاق المطابخ بالمساجد القديمة هل كانت تستخدم كاديرة ايضا ؟" " بعضها ينقطع فيه الناس للعبادة والاسلام يوصي بالتحلي بأعلي مستويات الجود والكرم وكان اى فرد يستطيع ان يتناول وجبة ساخنة مجانية من المطبخ الملحق باى مسجد وذلك قبل ان تتوالي الدولة تلك المهمة ومازال هذاالتقليد متبعا في عدد قليل من المسااتجد وخاصة في مسجد ايوب " وانتهت مادلين من تناول طعامها وجلست تستمتع بمشاهدة مارك وهو يتناول طعامه وهى في غاية السعادة وسألته " كم من الوقت ستمضي السيدة ايدناي الوقت معك " " وقتا طويلا " مارأيك في تناول قطعة من البقلاوة انها مصنوعة من رقاق العجين ومحشوة بالبندق ومشبعة بمحلول سكري " " هل تكلف هذه الوجبة كثيرا " " ولماذا تسألين ؟ اليس معك مايكفي من النقود ؟" " ليس معي سوي القليل برغم انه لم تتح لي فرصة انفاق الكثير من المال " ورمقها بنظرة ملأت نفسها بالضيق وقال لها " بذلك يا جميلتي تتحين الفرصة للرجال الغرباء لالتقاطك اذا لا ينتظر في مثل هذه الظروف ان تستطيعي تسدسد ثمن وجبتك " فتحركت في قلق في كرسيها وقالت " كلا سأسدد الثمن فمن غير الانصاف ان تسدده انت " " فعلا " انتفض قلبها في صدرها عندما سمعت منه هذاالرد البارد وقالت له وهى تحول مجري الحديث " اعتقد انك لا ترغب في بقائنا في منزلك " " لا تقلقي لهذا يا مليحة كيف تسير عملية كتابة المذكرات ؟" " أوشكت على الانتهاء " سدد مارك ثمن الوجبتين وصحبها الى الخارج فاخبرته ان شرطي المرور ساعدها في عبور الطريق وهى قادمة فقال لها " لن تكوني امنه بخروجك بمفردك فانت الان في مرحلة اكبر من مجرد ان يضعك المرء في عينيه " " تقصد انني جوزد وان اعود الى وضعي المتدني كأمراة انن ياستطيع ان اعتني بنفسي " " كونك جوزد فهذا امر حسن ولكن حان وقت تخرجك وانتقالك الى المرحلة التالية لتصبحي اكحال اى الناجحة الا تعتقدين ذلك " حاولت ان تتجنب النظر اليه وهى تشعر بالارتياح لانه لن يتمكن من ادراك استعدادها لان تصبح بسهولة اى شيء يريده . وسألته " ولماذا الان بالذات " " اتظنين ان الوقت مازال مبكرا جدا ؟ ان المرء يقول كلاما فارغا في اى وقت يا مليحة ولا يقصد به اى معني وعندما يتوقف الكلام الفارغ فانني لن ادعك في ريبة من امرك ايكفي هذا الان ؟" فاطرقت برأسها بدون ان تتكلم وهى تتذكر انه سيأخذ بزمام المبادرة في اى علاقة يقرر اقاماتها مع امراة ولن يكون لها اى دور سوي ان تسير خلف قيادته ان اورسولا هى وحدها التى تستطيع الوقوف في وجهه وأحست مادلين بالغيرة من اورسولا بسبب ثقتها بنفسها . وقالت له في مزاح " كنت انا ايضا اقول كلاما فارغا " وخلصت يدها من قبضته واسرعت الخطا لتسبقه وهى تعبر الفناء المواجه للمسجد وقال لها " هذا امر طبيعي مادمت تعتقدين ان النساء متساويات مع الرجال في كل شيء عندما تصبح المرأة محظية للرجل تفقد الكثير من مكانتها " رفعت رأسها ومدت ذقنها الى الامام وقالت بعد ان جرح مشاعرها " لكي تحكم حكما سليما يجب ان تنال قبول اولئك الذين تحكمهم وهذا هو الجانب الصعب ؟" رد عليها بدون ان يبدو عليه اى تاثير " الديمقراطية هى ابعد ماتكون عن الحريم اضع هذا في اعتباري في المرة القادمة عندما اقرر معانقتك "وأخذ جفناها يرفرفان في عصبية هذا ليس انصافا فاي جدال يدور بينهما ينتهي دائما بانتصاره يستطيع التغلب عليها في اى وقت يريد وسوف تخضع له وهى مغتبطة بضعفها وهذا يمكن تسمسته بكمياء العلاقة بين الجنسين . وادار مارك ظهره لها وقد اولي اهتمامه تماما نحو الفناء الذي كانا يقفان فيه وقال لها " يقولون ان الماذن الاربعة ترمز الى سليمان كان رابع سلطان يتولي الحكم ف ياسطنبول والشرفات العشر ترمز الى انه كان عاشر سلطان في الدولةالعثمانية " واخذت مادلين تنظر الى المأذن العالية وهى تشعر بانه يستحيل على اى انسان ان يصعد درجاتها الحلزوني لكي يؤذن للصلاة وقال لها مارك ان هذا ماكان يحدث في الماضي اما في هذه الايام فان مكبرات الصوت تثبت فوق الماذن لكي يؤدي الاذان من خلاالها ودخل مارك المسجد بعد ان خلع حذاءه وأحست مادلاين بالهيبة والجلال وهى تدخل خلفه بعد ان خلعت حذاتئها ورأت الجدران التى كتبت عليها ايات من القران الكريم وأخذت تتجول في انحاء المسجد واخذ مارك يشرح لها عن هندسة المسجد وشرح لها مارك كيفية اداء الصلاة من ركوع وسجود بعد ان يقف المصلي موليا وجهه للقبلة في اتجاه مكة المكرمة وعندما استفسرت عما اذا كانت النساء تؤدين الصلاة قال لها " نعم ولكن ليس علنا وانما في بيوتهن " والقت نظرة اخيرة داخل المسجد وهى تتمتم قائلة " ان المرء ليشعر بضالته وهو في حضرة الله انني استمتع بهذا الشعور " وأيدها قائلا " هذا صحيح " وأطلعها على المكان الذي يتوضأ فيه المصلون وقا لها انه لا يحضر الكثيرون للوضوء هنا لانه يمكن الوضوء في اى مكان وشاهدا صبيا يتوظأ استعدادا للصلاة فحياه مارك وتنمني له التوفقيق وسألت مادلين مارك بقولها " كيف تعلمت التحدث بالتركية ؟" " انني لا اتحدثها بسهولة فانا لدي المام قليل باللغة المجرية ولا ادري ان كان هذا يعنيني ام لا ولكن ما اردته هو ان اتحدث الى الاتراك بلغتهم وقد أسعدهم ان يقوموا بتعليمي " القت نظرة اخيرة على الفناء ورمقته بنظرة ذات معني وهى تسأله عن قصده " هل قلت لكل واحدة منهم يا مليحة " " كلا يا عزيزتي الغيورة لم افعل ذلك "و مال نحوها واقترب وجهه كثيرا من وجهها وأضاف قائلا " لست انت التى تسعي وراء المديح في ترغبين في زيارة المتحف الاسلامي الان ؟" فأومأت برسها علامة الموافقة وداعب خدها باصبعه ثم شق طريقه حول جدران المسجد حيث تقع المطابخ القديمة ورأت لافتة صغيرة بالانجليزية والتركية تعلن عن مجموعة من اثمن المؤلفات وكتب التراث الاسلامية في العالم واشتري مارك تذكرتين للدخول وقادها الى اولي الغرف وفيها رأت مجموعات المصاحف النادرة وخاصة المصاحف التى صنعت في قرطبه بأسبانيا وتلك التى تنتمي ال عصر السلاجقة كما شاهدت المصاحف الفاخرة التى ترجع الى العصر العثماني ورأت لوحة معلقة على احد الجدران وهى تحمل توقيعات واختام مختلف السلاطين . سألته مادلين قائلة " انك تبدو شغوفا بهذه المعروضات اليس كذلك " " فأومأ برأسه موافقا اياها وقا لها " لك ان تتخيلي مستوي الحضارة التى انتجت هذه الأشياء الجميلة انها في رأس واحدة من أعظم الحضارات في العالم " فنظرت اليه وهى لا تدري ان كانت توافقه او تعارضه وقالت له " كان الامر على مايرام بالنسبة للرجال " فرد عليها بقوله " لقد كان للنساء دورا محددا في المجتمع وهذا جعلهن يكسبن الاحترام فالحياة العامة متروكة للرجال اما المراة فانها هى التى لها السيادة في البيت والرجل يوفر لها حاجياتها وهو رأس الاسرة المسؤول عنها " وعارضته قائلة " ولكن لنفترض انها ارادت ان تفعل شيئا في نطاق الحق المباح لها فهل كانت تستطيع ؟" " نعم كانت تستطيع ولكن قثليلات هن اللواتي كن يرغبن في هذا فلماذا تنافس في محيط الرجل في حين ان لها مجالها الخاص بها ؟ فان هى انتزعت من مجالها المخصص لها مثلما حدث في بعض المجتمعات والثقافات فانه يجب عليها عنئذ ان تلجأ الى مثل هذا التصرف ولكن في الحالى التى نحن بصددها مازال دورها كما هو بدون ان يمسه احد وهى في قمة السعادة والقناعة بهذا الدور " " ربما كان هذا هو رأيك ؟" " فعلا فهي واثقة من نفسها ولا تحاول ان تجعل من نفسها بديلا مصطنعا للرجل وان تنازله في ميدانه " " ولكنها تظل ملكا له بغض النظر عما تقوله " وضحك مارك وقال لها بفي تهكم " الا تفضلين ان تكوني ملكا للرجل على ان تكوني مساوية للفأر ؟" وحولت مادلين بصرها عنه وهى تدرك انها تخوض مناقسة غي مأمونة وقالت له " يجب ان اعود الى البيت " رمقها لحظة وهى تغالي رغبتها في البقاء معه وفي عمل كل مايريده هو وقا ل لها " ان اردت فهمم الاسلام على نحو افضل فسوف اصحبك لمشاهدة مسجد ايوب " ووضع يده على كتفها ثم اردف " ويمكنك بعد ذلك العودة الى البيت " وقالت وهى لا تخفي ابتهاجها " يقع المسجد عند الطرف الاخر من القرن الذهبي اليس كذلك ؟ نعم يا مارك ارجو ان تصحبني الى عناك ! هل سنذهب حقا الى هناك 9 – هللّي يا مليحة لم يجد مارك صعوبة في شق طريقه عائداً الى جسر جالاتا . وسارت مادلي خلفه سعيدة بما تراه ، وارادت ان تعطي بعض النقود لمتسولٍ صادفته في الطريق ولكن مارك منعها فتنهدت قائلة : " إنك بلا قلب " " تقصدين اني لست شاعرياً مثلكِ ، سيأتي اليوم الذي تدهمكِ فيه الواقعية الصارمة وتنزل بكِ الجزاء الذي تستحقين وانتِ تلاحقين فراشاتكِ الجميلة لإصطيادها ، وعندئذ سوف تتمزق حياتكِ وتتبعثر " . وابتسم في سخرية واضاف قائلاً : " لنأمل ان يكون ما الى جواركِ حينئذ لكي يجمع الاجزاء المبعثرة .. " وعبّرت الظلال وجه مادلين ، فهي تعلم متى ستجيء اللحظة التي تتمزق فيها حياتها ، وهي تدرك ايضاً انه لن يكون هناك احد الى جانبها لكي يجمع الشتات المبعثرة ، ستأتي تلك اللحظة عندما ترحل عن اسطنبول و تختفي من حياة مارك الى الابد ،.. وأخرجها وصولها الى جسر جالاتا من حالة القطنوط التي تملكّتها . كانت الشمس قد اختفت وراء السحب الممطرة لكي يأتي الظلام مسرعاً كما هي الحال في الشتاء ، ولكن الممر المؤدي الى الجسر كان شديد الازدحام كالمعتاد ، وجلس على جانبيه باعة السمك والاطعمة ، وراحت النسوة بملاءاتهن السوداء يسرعن الخطى وهنّ يحملن الحقائب المليئة بالسلع التي اشترينها من السوق ، في حين راح الرجال يذرعون الطريق بهدوء وسط السيارات المتلاصقة التي عجّت بها الطريق . وتخلّفت مادلين قليلاً عن مارك الذي كان يشق طريقه بصعوبة وسط الزحام الى ان غاب عن بصرها ، فراحت تبحث عنه في قلقٍ بالغ إلى ان وجدته واقفاً امام حلقة لبيع السمك وهو يراقب ما هي فيه من فزع ، وقال لها في فتور بدون ان يبدي ان تعاطفٍ نحوها : " من الافضل لكِ ان تمسكي بيدي ! " وامسكت بيده وهي تواقّة الى هذا وسألته " :هل سبق ان شاهدت الجسر وهو مفتوحٌ في الصباح الباكر ؟ " " شاهدته مرة ، والطريف أن هذا الجسر هو الذي سميت باسمه لعبة الورق المعروفة بلعبة البريدج ! فقد ظلّ لفترة طويلة هو الجسر الوحيد عبر القرن الذهبي ، ولهذا اشتهر باسم الجسر بدون ان يطلق عليه أيّ اسم آخر ، وتصادف أن كانت اسرة انكليزية يعيش جزء منها عند احد طرفي الجزء في حين يقطن منها الجزء الآخر الطرف الثاني ، وكان افراد العائلة يجتمعون عادةً كلّ مساء لكي يلعبوا بعض طرق لعب الورق التي ابتكروها ، ولم يكن البعض يميل الى عبور الجسر الى الطرف الآخر بسبب ماكان يتعرض له الافراد من ابتلال ملابسم بمياه الامطار ، فأتفقوا فيما بينهم على ان يتبادل الجانبان العبور الى الطرف الآخر من الجسر كلّ ليلة ، وكان البعض يقول للآخر : عليكَ الدور للعبور غداً ، ولهذا اصبحت اللعبة التي يلعبونها تعرف باسم بريدج اي الجسر ! " اغتبطت بتلك القصة ، ولكن انتبهاهها سراعان ما اتجه ناحية مجموعة من الزوارق اسف الجسر اخذ احد تلك الزوارق يستعد لشق طريقه عبر القرن الذهبي متجها الى مياه اوروبا العذبة ، وهو الاسم الذي يطلق على مجرى المائي الذي يصب في القرن الذهبي ، واخذت تراقب انعكاس ضوء الشمس الغاربة على سطح الماء ، وتتخيل هذا المكان في غير هذا الوقت الذي توشك الامطار أن تهطل فيه . ولم يكن لدى مارك وقت يضيعه في التخيل فأسرع بإصطحابها الى محطة السيارات العامة ، حيث استقلا الباص ، ولم تجد مادلين شيئاً تتعلق به فأمسكت بيد مارك الذي اخذ يحميها من اية مضايقات قد تتعرض لها . وابتسمت مادلين لمارك وهي تراه يطوّقها بذراعه ليمنعها من السقوط ، ويمسك بأحدى يديه مقبض النافذة ، واخذت نبضات قلبها تدق مسرعةً وهي لاتجد القدرة على ان يلتقي بصرها بعينيه ، واكتفت بالنظر الى ياقة قميصه الملوّن ، ورباط عنقه المنقوش المتلاءم مع شخصيته التي تتسم بالرجولة المتعجرفة . كان الباص يتحرك ببطء شديد ، وبدى لها انه حتى لو كان خاليا من الركاب فإنه ماكان ليستطيع ان يسير بأسرع من ذلك ، واخذ الباص يتمايل ويترنح في سيرهِ ، وبدّل مارك يده الاخرى باليد الممسكة بمقبض النافذة في حين أخذ يطوقها بذراعه الاخرى ، وفي لحظة احست مادلين بأن شفتيه لامستا اسفل اذنها مما جعل قلبها يسرع في خفقاتهِ ، وقد تملّكها الحياء الذي منعها من النظر اليه ، وراحت تقاوم حتى لا يتلّون خداها بالاحمر ، ولكنها احست بأنها اخفقت في محاولتها هذه ، وهذا ما تأكدت منه عندما شعرت بذراعه تشتد في تطويقها لها ، وراح يبتسم ابتسامة الظافر بطريقة تتسم بالرجولة والتفوّق ، وهو ماعبر عنه ايضاً البريق الذي انبعث من عينيه ، وسألها قائلاً :" ألا ترين يا مليحتي أن كلا منا في حاجة الى وصيفة لترافقه لحمايته ؟ او اننا في حاجة الى عدد من الوصيفات ؟ " وحاولت الاحتفاظ بتوازنها وهي تشغل نفسها بالنظر من النافذة الى الشوارع التي اخذ الظلام يزحف اليها ، وتوقف الباص فجأة واسرع مارك يشق طريقاً لها نحو الباب ، واستطاعت هي ان تخلص نفسها من الزحام بصعوبة وتهبط فوق رصيف الشارع ، ووقف مارك ينتظر ريثما انتهت من اصلاح هندامها ، وقال لها :" لو اسرعنا لأمكننا ان نرى المسجد من الخارج في ضوء النهار " ومضى مارك يقول .. " في هذه القرية جلس بيير لوتي في احد المقاهي يستوحي من الجو المحيط به مايعنيه في كتابة رواياته عن اضمحلال الامبراطورية العثمانية ، يجب عليكِ قراءة تلك الروايات ان اردتِ معرفة الحالة التي كان عليها اسطنبول قبل ان يستولي على السلطة فيها الاتراك الشبّان " ولم تزعم مادلين انها قرأت كتبه ، ولكن بما انها تتمسك بالصدق وهي تعلم انه لابد ان يدرك انها لم تقرأ ايّة رواية فرنسية في حياتها فإنها تحلّت بضبط النفس ، وسارت خلفه حتى بلغا ميدانا فسيحاً وشعرت بجو من السلام والامان يشيع من حولهما وهما يقتربان من مسجد ايّوب ، وسمعا صوت المؤذن يدوّي : الله أكبر ، لا إلا الله ، ولاحظت مادلين أن المؤذن يؤذن بنفسه من فوق مئذنة المسجد بدون الاستعانة بمكبر للصوت . وقال لها مارك انه مسجد ايوب بن زيد الانصاري احد صحابة الرسول ( صل الله عليه وسلم ) وقد اصبح مضرب الامثال في القدرة على الصبر والتحمّل ، واستشهد اثناء حصار المسلمين العرب لهذه المدينة عام 669 ميلادية ، ودفن في ميدان القتال ، وظل هكذا بدون ان يستدل على المكان الذي دُفن فيه ، الى ان رأى السلطان محمد الفاتح في منامه المكان الي وورى فيه جثمانه التراب اثناء استمرار الحصار ، وبالتنقيب تبيّن صحة ذلك ، وتم بناء قبرٍ له ومسجد في ذلك الموقع ، وعندما اصبح المسجد مهدداً بفعل الزلازل اقيم مسجد آخر ، وهو المسجد الحالي عام 1800 ميلادية ،و يتوافد الحجاج على هذا المسجد وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة . ****************** كان المسجد يبدو ناصع البياض و نظيفا من الخارج ، برغم حلول الظلام و عند مدخليه بدا اسراب من الحمام في الفناء حيث يقع المكان الذي يتوضا فيه المصلون ، و امام القبر ايوب وقف صفٌ من الناس و كلٌ منهم ينتظرُ دوره ليأخذ مكانه امام نافذة القبر لكي يتلو دعاءهُ . و خلعت مادلين حذاءها و دخلت خلف مارك الي المسجد الذي اضيء اضاءة جيدة بالثريّا الضخمة المتدلية من وسط قبةً المسجد ، في الحين غطت ارضه سجادة فاخرة زرقاء اللون تمتد من الحائط للحائط و لاحظ مارك ان مادلين اخذت تعبث بالاصابع قدمها بصوف سجادة الكثيف فاشار اليها لكي تلحق بلنساء المصليات في الجناح المخصص لهن في مؤخرة المسجد ، فاطاعته بسرعه بعد ما لاحظت انها المرأة الوحيدة وسط الرجال و تاخر مارك كيثرا في حضور اليها . فاخذت تبحث عنه بدون ان تعثره له على الاثر .و عاودتها للحظة حالة الذعر التي انتابتها عندما اختفى مارك عن بصرها عند جسر جالاتا و اتجهت نحو الباب لترى ما اذا كان قد خرج و رات فناء المسجد و قد اصبح خالياً من المصلين و خيم عليه الظلام . و لم تجد مارك هناك . و الزمت نفسها بالهدوء قائلة انه لا بد ان يكون في المكان ما و انه سياتي بسرعه للبحث عنها .و ارتدد حذائها و راحت تتجول في فناء المسجد غير عابئة بالمطر الذي بدأ يتساقط و يبلل شعرها . و اتجهت الي نافذه قبر ايوب و امسكت بقضبان النافدة و اغمضت عينيها و راحت تتبتهل قائلة :" ساعدني يا أيوب ! " و لم تسعفها الكلمات لتكمل ابتهالها .ان مارك لن يتغير حاله و لكن الي اي مدى قدر لها ان تصبح هي المرأة الوحيده في حياته ؟ و واصلت ابتهالها قائلة ان كان هذا ممكناً .. ان كان هذا ممكنا فاجعله حقيقة ؟ و شعرت فجاة بيد مارك تمسك بذراعها ، فالتفت نحوه بسرعه وقد احست بالحرج خشية ان يكون قد قرأ ما دار فيه خاطرها و شعر بحراره ابتهالها و سألها في دهشه قائلا :"هل تتمنين دائما امنية اذا اتحيت لكي الفرصه لذلك ؟ و هل تقبلين قطعة من النقود عندما ترين القمر الوليد ؟ " نظرت الى السماء ولكنها لم تجدا القمر ، لابد ان يكون كبرا حجمه و لم يعود هلالا مثلما سبقا ان راته . و قالت له مادلين معاتبة :" اين كنت ؟ بحثت عنك في كل مكان " " لايمكني ان تفقديني بسهوله . مارايك في تناول الشاي ؟ " فهزت رسها موافقة اياه في صمت . ولكن لم يتحرك بل اتجه نحو نافذه القبر و احنى رسه و اخذ يبتهل . و اعتقدت في اسى ان الاشياء التي يريدها ليست هي نفس الاشياء التي تريدها هي . فهو يرغب في التخلص منها هي و اورسولا باسرع وقت ممكن و لديه من الاسباب ما يدفعه الى هذا . فهما مصدر ازعاج له منذ تركتها اورسولا وحيدة تائهة .. كان الظلام تامّا عندما عبرا الميدان و هما يتجهان الى احد المقاهي في الجانب الاخر . و طلب مارك كوبين من الشاي . و جلس في تراخٍ يراقبها و هي تحاول بصعوبة امساك الكوب الساخن و قال لها :" هلّلي يا مليحه. فايوب معرف بكراماته و معجزاته . و لكنه لايميل الي الاندفاع و التعجل . و على كل منا ان يعرف كيف يتحلى بالصبر " لم تكن متاكدة مما اذا كانت تعرف حقا المعنى الذي يتحدثه عنه ولكن صوته كان دافئا كما انه نادها بـ ( مليحه ) . و بالطريقه التي تحبها . و احست بالارتياح و زال عنها التوتر و عادت لتضحك من جديد و كان كافيا بالنسبة اليها في تلك الحظله ان تكون معه و ان يبدو عليه انه يرحب باجتماعهما معا . كان المطر يهطل عندما خرجا الى الطريق ، وهزّ مارك رأسه عندما رآها تتجه محطة الباص وقال لها بجفاء :" ستجدين سيارات الاجرة اكثر راحة من ركوب باص آخر مزدحم " وقالت له في تأكيد :" انني لا اعبأ بالازدحام " " ولكنني اعبأ ، فرحلة اخرى بالباص ستجعل شعري يشيب ، إننا سوف نعود بسيارة الاجرة واستعدي لهذا " فرمقته بنظرة احتجاج فقال لها :" لا تنظري اليّ هكذا وإلا فلن أكون مسؤولاً عن عودتكِ سالمة الى البيت ! لقد حذرتكِ ! " فرحت مادلين وهي تسمع منه هذا الكلام وقالت :" أيجب ان نعود الى البيت ؟ " فداعب خدها بيده وقال لها :" هل تعودين مرة أخرى الى حب المغامرة والتهوّر ؟ " كانت أورسولا جالسة في الصالون عندما عادا الى المنزل وقد بدا عليها الغضب الشديد وبادرت مادلين بقولها :" كيف تجرؤين على هذا ؟ كنتِ تعرفين انني لست في حالية طيبة ، أين كنتِ ؟ اذهبي لتغير ملابسكِ ثم احضري وفسرّي لي تصرفكِ هذا !" "ولكنكِ سمحتِ لي بالخروج يا سيدة أديناي ! " فنظرت اورسولا الى ساعتها قائلة :" كان هذا منذُ ست ساعات ، وكنت اقصد ان تخرجي لجولة قصيرة او لشراء شيء ما من المحلات ، لا أن تختفي نصف يوم ! " فعضت مادلين شفتها قائلة :" إني آسفة " واتجهت اورسولا ببصرها نحو مارك وقالت له في سخرية :" هل اشكركَ لأنكَ عدت بها الى البيت ؟ لا اعتقد انك انت الذي طلبت صحبتها ولهذا فإنني افترض انها استدرجتك الى هذا بطريقة ما " ولم تجرؤ مادلين على النظر الى مارك . وردّ مارك قائلاً :"ماكان يجب ان تخرج مادلين بمفردها ، فهي تستمتع بالمذكرات التي تكتبها لي ، وقد اسعدني ان اكافئها في مقابل ذلك بأن اتيح لها مشاهدة اهم الابنية التاريخية في اسطنبول " وقالت أورسولا لمادلين :" اذهبي يامادلين وغيّري ملابسكِ ، فلدّي كلام اريد قوله لشقيق زوجي ، وافضل الا تستمعي الى كل كلمة اقولها ! " واسرعت مادلين بالصعود الى غرفتها وهي تهزّ شعرها المبتل وارتدت رداءً فاتح اللون . وأثناء هبوطها السلم عائدة الى الطابق الارضي سمعت صوت أورسولا يدوي في القاعة وهي تقول :" سوف اعيدها الى لندن يا مارك! الا تدرك انني لا يمكن ان اسمح بأن يقف ايّ شيء بيننا ؟ يا عزيزي ، انني اشعر بالتعاسة منذُ مقتل بوب ، ولا استطيع الاستمرار هكذا بمفردي ! " فنصحها مارك قائلاً لها في برود :" عليكِ اذا ببيعها ، ولن يقف احد في طريقكِ ! " " الا تكنّ أيّ شعور نحو دار أديناي للنشر ؟ " " نعم فإن حياة المدير الاداري لا تناسبني ، ولكنني كنت سأتولى المهمة بصورة افضل مما فعل بوب ، وكان يجب ان ادرك الى ايّ نهاية كنتِ تدفعين بوب وأن افعل شيئاً من اجل هذا ، هل هذا واضح لكِ بصورة كافية ؟! " وطرقت مادلين باب الغرفة بعنف وعصبية ، وهي لا ترغب في سماع المزيد من الكلام الذي لا تريدها اورسولا ان تسمعه ، وصاحت فيها اورسولا قائلةً :" أتوقع ان تحضري وانتِ تتلهفين لسماع حديثنا ، أدخلي ، ليس هناك مانع من هذا ، فأنا واثقة من ان مارك يريد شاهداً وهو يتهمني بما يقرب من تهمة القتل " ورد مارك قائلاً :" ليس القتل ، وإنما الطموح والشراهة ، ورغبتكِ الصارمة في تحقيق غرضكِ ، إن بوب لم يكن ندّاً لكِ وانتِ تعرفين هذا ! ، هل كان هذا هو السبب الذي دفعكِ الى الزواج منه ؟ " " نعم! " " وهل كان بوب يعلم بهذا ؟!" وامتقع وجه اورسولا واشتد غضبها ، وبدت اكبر بكثير من عمرها الحقيقي ، وقالت :" هذا هو السبب الذي دفعه للذهاب الى فييتنام ، قال انه سيخلي لكَ الساحة .. " " فكري فيما تقولين ! كان يعلم انني اريد ان انفض يدي من هذا الامر قبل فترة طويلة من ظهوركِ على مسرح الاحداث ، كوني أمينة مع نفسكِ يا اورسولا ، إن ما تقصدينه هو أن بوب افلت من بين اصابعكِ وانني البديل الوحيد المتاح امامكِ ، ولم يخطر ببالكِ انني لو قررت العمل معكِ لكنتُ انا الفائز !! " " اريد منك فقط العمل معي ! هل ظننت انني اريد اكثر من هذا ؟ انني لا اتطلع لأن اصبح تلك الزوجة الوديعة القانعة التي سوف تقترن بها ! " " ولكن احداً لم يطلب منكِ هذا ! " ولا حظت مادلين غضب اورسولاً الشديد وقد تحوّل الى ضحكة متراخية وهي تقول له :" انت متوحش ، وانا اكرهك ، ولهذا السبب بأمكانك ان تصحبني هذا المساء الى مكانٍ محترم ، مادمت قد خصصت فترة بعض الظهر كلها من اجل الترفيه عن مادلين ، فلماذا لا تقدم تضحية مماثلة لي ؟ " " ليست في الامر أية تضحية ، ايّ مكان تفضلين الذهاب اليه ؟ " " إلى أي مكان ، الى نادٍ ليلي إن كنت تعرف نادياً محترماً لاينتابني الشعور بالخجل من الظهور فيه ؟ " " وهو كذلك سنذهب الى نادٍ ليلي " وابتسم وهو يلتفت ناحية مادلين قائلاً لها :" يبدو انكِ ستغيرين ملابسكِ مرة أخرى " فقالت اورسولا بلهفة :" كلا ، انها لن تأتي معنا ! " فقالت مادلين بعدما شعرت بالحرج :" لا بد ان انتهي من كتابة مذكراتك الليلة " فقال لها مارك وقد بدا المكر في عينيه :" إن لم تأتي معنا فلن نذهب ! " عندئذ طلبت أورسولا من مادلين على مضض أن تصعد لتغير ملابسها على أن ترتدي ملابس هادئة غير صارخة حتى لا تلفت الانظار اليها ، فنظر مارك الى مادلين وهو يضحك ، فبادلته الضحك وهي تقول :" سوف اصعد لتغير ملابسي !" لم تكن لمادلين ايّة خبرة تذكر بالنوادي الليلية ، وحين ارشدهم عامل الخدمة الى طاولة تتسع لثلاثتهم ، قالت اورسولا بإرتياح :"وصلنا في الوقت المناسب ، اوشك العرض الاول أن يبدأ ، ومل الّا يكون الامر قاصراً على تعاقب الراقصات واحدة تلو الاخرى ، إنهنّ يدخلن السرور في نفوس الرجال ولكنهنّ يسببن الضجر لي " وخاب رجاؤها ، اذ مالبثت احدى الراقصات أن ظهرت فوق منصة العرض واخذت تحيّي الرجال ثم نظرت اليها وهي تبتسم . ووقع اختيار الراقصة على مارك لكي يصاحبها في الرقص ، فأستجاب لها وصعد معها فوق المنصة ، وراحت الراقصة تنثني وتتلوى في رقصها في محاولة لأرضائه ، أما هو فجعل كل همّه توجيه الانتقاد الى طريقة رقصها ، وقالت اورسولا لمادلين :" إن كنتِ تظنين أن لديه وقتاً لأية أمرأة فأنظري اليه الآن ،! إن العطاء من جانبها وحدها ، في حين أخذ هو ينتقدها ، إن هذا هو مارك اديناي الذي اقدمه لكِ ! " " مهما يكن فقد حفزها على ان ترقص بصورة افضل بكثير عن ذي قبل " ولاحظت مادلين اغتباط الراقصة عندما قدم لها مارك ورقة نقدية ، وتمتمت اورسولا قائلة :" انها واحدة من صديقاتهِ ! انني اتساءل عما يجعله يأتي بنا الى هذا المكان ، ربما اراد ان يحذرنا ، ان كنا في حاجة الى تحذير ، بأنه غير مستعد للتخلي عما يستمتع به من اجلنا " ولم ترد عليها مادلين فصاحت اورسولا فجأة :"مارك ، انظر من هناك " ونظرت مادلين في الاتجاه الذي اشارت اليه لتجد رجلاً مديد القامة يرتدي الزي العكسري لجيش الولايات المتحدة ، وهو ينهض واقفاً ويشق طريقه خلال الموائد المزدحمة متجها نحوهم ، وتجاهل يد اورسولا الممدودة اليه وتحدث مباشرة الى مادلين قائلاً :" هل في استطاعتي الانظمام اليكم ؟ يبدو انكم تجدون متعة بالعرض ، في حين اجلس هناك وحيداً ، الديكم مانع بهذا ؟ " فنظرت اليه مادلين قائلة :" كلا على الاطلاق " اتراه كان هو الشخص الذي ذهبت اورسولا من اجله الى انقرة ؟ أهذا ممكن ؟ انه رجل عادي ! وخاصة عند مقارنته بمارك الذي لا يمكن ابداً اعتباره رجلاً عادياً وجلس على المقعد الذي احضره له مارك موليّاً ظهره لأورسولا وقال وهو يبتسم في سخرية :" يبدو اننا لم نتعارف ، انني اوليفر ويلاند "
10- احلاماً سعيدة
قال الضابط لمادلين ، وهو يعرفها بنفسه وبرتبتهِ :" كولونيل اوليفر ويلاند " وتمتمت مادلين قائلة :" أهلاً " ورمقت مادلين أورسولا بنظرة قلقة ، الا ان تلك السيدة كانت مشغولة بالانصات لمارك ، ورفعت كتفيها قليلاً مبدية الاستعلاء على مادلين التي سألت كولونيل ويلاند قائلة :" مالذي تفعله في اسطنبول ؟ " " جئت ابحث عن شخصٍ ما ، وقد اتيحت لي فرصة راحة لمدة يومين من المناقشات التي نجربها في انقرة ، فقررت الحضور الى هنا لهذا الغرض " واشاح ببصره عن اورسولا ، التي لم تبد اي تجاوب نحوه وقال :" كنت اتوقع استقبالاً افضل من هذا ، كان يجب عليّ ان افهم الامور بصورة احسن " ورسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه ثم قال :" لم يذهب كل شيء سدى منذ لقائي بكِ ، هل انتِ مستعدة للرفق بجندي وحيد واطلاعه على المدينة ؟ " وقال مارك في دهاء :" إن مادلين معتادة على التجوال في المدينة " فقالت مادلين في شدةٍ وحزم :" ولكن الغد ليس لديّ ، فلدي عمل اؤديه " فهزّ ويلاند رأسه قائلاً لها :" ليس أمامي سوى يوم غد فقط ، وسيكون كرماً منكِ إن انتِ تعطفتِ عليّ " وحرصت مادلين على الا يلتقي بصرها بعينيه وهو يستعطفها ، وقالت له :" اشكرك ، إني راغبة في هذا " واطلق مارك ضحكة جعلت الدم يتدفق إلى وجنتيها وسألهما قائلاً :" وإلى أين ستذهبان ؟ " فهزّ كولونيل ويلاند كتفيه قائلاً :" أرجو أن اشاهد السوق المغطي ، كما اريد شراء هدية او هديتين تذكاريتين أثناء وجودي هنا ، وسوف اترك أمر اختيارهما للآنسة ، فأنا شخص مرن " فقالت له اورسولا بشدة وفي جفاء :" إنك مغرور بنفسك ، وهي غلطتك ان كنت ثقيل الظل وصارماً وغير محتمل " " اتظنين ذلك ؟ اعتقد انكِ تتحملين ايضاً بعض المسؤولية في هذا يا اورسولا ، يا حبيبتي " وتنفست مادلين الصعداء عندما استؤنف العرض ليجذب انتبهاههم ، وظهرت فوق المنصة الراقصات اللواتي أخذن يفرقعن بالصاجات النحاسية المثبتة في اصابعهن السبابة والابهام ، ويرقصن بحركات تشبه حركة الكلب الذي ينفض الماء عن جسدهِ بعد خروجه من الماء ، ثم ظهرت بعد ذلك مغنية اسبانية قدمت بعض الاغاني الفلامينكو المشهورة وحازت اعجاب الحاضرين . ونهضت أورسولا لكي تنصرف وتبعها مارك الذي ساعدها في ارتداء معطفها ، في حين ارتدت مادلين معطفها بنفسها ، ولاحظت ان الكولونيل ويلاند يسعى لجعلها هي البديل للشخص الحقيقي الذي يبدي الاهتمام نحوه ، وسألها وهي تسرع نحو الباب قائلاً :" هل استطيع الحضور الى البيت غداً لكي اصحبكِ ؟ " " إن لم يكن المكان بعيداً عنك " " اعتقد ان في استطاعتي ذلك كيف يمكنني شق طريقي الى الجانب الآسيوي من المدينة ؟ " اخذت مادلين تتابع اورسولا ببصرها وهي تبتعد لتصعد السلم ثم قالت له :" لابد ان انصرف لأنهما قد لاينتظراني !" فنظر اليها الكولونيل ويلاند في دهشة متسائلاً :" ولماذا لا ينتظرانكِ ؟ " فقالت له وهي تمسك بحقيبة يدها بقوة :" يحتمل انها لم تغتبط بدعوتك لي " " أورسولا ؟ إنها تمثل حالة صعبة يا عزيزتي ، وهي لا تعبأ بما أفعل ! " فصاحت مادلين قائلة :" ولكنني اعمل لديها ! " " حظٌ عاثر ، يجب ألّا تعطيها الفرصة لكي تستمتع بفرض نفوذها عليكِ ، فأورسولا تكافح من اجل فرض سيطرتها على الآخرين ، وليست تلك هي افضل صفاتها ! " وقالت مادلين مرة اخرى :" لابد ان اذهب " وقالت لنفسها إنه كان يجب على مارك أن ينتظرها ، واعتقدت انه ربما لم يشعر بأنها تخلفت عنهما ، وهذا وحده سبب لها ايلاماً اشد من ايّ شيء آخر قد تفعله معها اورسولا . وقالت له :" الى اللقاء يا كولونيل ويلاند " " من الافضل أن تناديني بأوليفر " فقالت له في تردّد :" أوه ، شكراً ، اسمي مادلين " فأبتسم بابتهاج قائلاً :" نعم انني اعرف " وسار خلفها وهي تصعد درجات السلّم وربت بيده على كتفها قائلاً :" سنجعل من يوم الغد يوماً نذكره دائماً ، اليس كذلك ؟ " فلم تفعل اكثر م اومأت برأسها واسرعت بصعود درجات السلم القليلة المتبقية وقد اوشكت أن تصطدم بمارك وقالت له وهي تلهث :" اعتقدت انك ذهبت ، انني لا اريد ان اُترك وحدي ! " " لن اترككِ بهذه السهولة " " ارجو ان تأتي معنا الى السوق غداً " " أوليفر سوف يتيح لكِ قضاء وقت ممتع " " ولكن ... " ولاحظت نظرة الضيق والتبرم التي رمقتها بها اورسولا ، وجعلتها تتوقف عن اكمال كلامها ، في حين لمست من عيني مارك علامات التقدير والاطراء لها ، واضاف مارك قائلاً لها :" والى جانب هذا فإن لديّ اعمالاً اخرى سأنجزها غداً " وهنا لم تستطع اورسولا ان تضبط مشاعرها وانفجرت قائلة لمادلين :" لقد خرجتِ هذه المرة عن حدودكِ ! سبق ان حذرتكِ بأنكِ لم تأتي الى هنا لأمتاع نفسكِ وإنما لخدمتي ، وأقل ماكان يجب عليكِ عمله هو أن تسأليني عما اذا كان لدي اعتراض على قيامكِ بالتسكع في اسطنبول مع احد اصدقائي ! " وردت عليها مادلين في حدة قائلة :" ومادمتِ تعترضين فلماذا لم تفصحي عن هذا ، كنتُ ارجو أن تفعلي هذا " " كان هذا واضحاً ، فأوليفر رجل جذاب جداً " فقالت لها مادلين في غضب :" ولماذا لم تذهبي انتِ معه ؟ " " ليس هذا من شأنكِ ، انني لا ادري ما الذي جرى لكِ ايتها المجنونة ، كنا على وفاق من قبل ، فلماذا تفعلين الان كل ما تستطيعن من اجل مضايقتي ؟ إنني لم اتي بكِ من اجل ان تتسلي مع اصدقائي ، وإنما لمساعدتي ، وان كنتِ غير مجدة في عملكِ يا عزيزتي ، فإنني سأرسل تقريراً عنكِ الى لندن ، وهو ماسوف يكلفكِ عملكِ ، ولهذا فأنه يجدر بكِ ، قبل ان تصاحبي أوليفر ، ان تعيدي التفكير في الامر ! " وقال مارك في هدوء :" كفى ! اجلي الكلام في هذا الموضوع لحين العودة الى البيت حتى لا نلفت الانظار من حولنا ، لم يكن امام مادلين من خيار سوى قبول دعوة اوليفر وانتِ تعرفين هذا ! " " إن ما اعرفه هو انك لا ترغب في سماع كلمة ضد هذه الفتاة التي تعمل عندي ، ولكن هذا لن يغير من رأيي فيها " فأنفجرت مادلين قائلة لها في تحدٍ :" كما لن يغير هذا من رأيي فيكِ انتِ ايضاً " " مجنونة ! " " لا تصفيني بهذه الصفة التي امقتها ! " وفوجئت الاثنتان بمارك ينفجر ضاحكاً ، ثم امسك بذراعيهما وسار بينهما قائلاً :" هيّا ايتها الحسناوان .. لنعد الى البيت ! " وعندما رجعوا الى البيت طلب مارك من مادلين الصعود الى غرفتها قائلاً لها :" لا تستهلكي كل الماء الساخن " ومسح بأصبعه على رأسها وهو يبتسم وينظر الى عينيها قائلاً :" إهنأي بنومكِ ، اتمنى لكِ احلاماً سعيدة عن أيوب ، وأرجو ان تتحق الاماني التي ابتهلتِ من أجلها ! " فهزّت مادلين رأسها وهي تعلم أن هذا لن يتحقق وقالت :" تصبح على خير " واسرعت بصعود الدرج مبتعدة عنه . لم يغتبط اوليفر ويلاند عندما حضر الى بيت مارك ، وتساءل عما جعله يقطن في تلك المنطقة ولا يقيم في حيّ آخر افضل ، وكانت اورسولا مازالت في فراشها عند حضوره ، ولم تبد منها اية بادرة تشير الى رغبتها في رؤيته الآن ولفترة طويلة قادمة ، ونادت اورسولا مادلين وابلغتها بأنها لا تمانع في خروجها لقضاء وقت طيب ، ولكنها قلا ان اوليفر ، وإن كان يبدو شابّاً ، الا انه في سن ابيها ، وطلبت منها ان تعتني بنفسها فوعدتها بأن تفعل . وسار اوليفر بجوار مادلين التي قالت له ان السوق المغطي يعد اكبر سوق من نوعه في العالم ، وعن الاشياء التي يريد شراءها من السوق ، فتردد قليلاً ثم قال لها :" بعض الذهب لأورسولا ، افضل الاشياء التي تلائم اورسولا ، وليس هناك افضل من الذهب ! " فتنفست مادلين ببطء وسألته :" هل ابدت اورسولا رغبتها في اقتناء هدية ثمينة ؟ اقصد انني متأكدة من انها شديدة الاعجاب بك الان الا ان الذهب يكلف مالاً كثيراً " فقاطعها بجفاء قائلاً :" لم ترفض اورسولا اية هدية قُدمت اليها ، اعتقد انكِ لا تعرفينها جيداً يا مادلين ، كم من الوقت مضيت معها في السفر ؟ هل احضرتكِ معها الى انقرة ؟ لا اعتقد ذلك . واظنها جاءت الى تركيا عندما علمت بوجودي هنا ، ولكنني اعتقد ان دار اديناي للنشر تستبد بحياتها وروحها ، وليس لي أيّ مكان في خططها و مشروعاتها " وسألته مادلين وهي تقوده نحو العبّارة قائلة :" " هل تعرفها منذ فترة طويلة ؟ " " عرفتها منذُ كانت لاتزال ترتدي الجوارب القصيرة ، بل حضرت حفل زواجها ، وكم تمنيت الّا احضره ، فقد كان مقدراً له منذُ البداية أن يفشل " وصمت بضع لحظات وهو ينظر الى مياه البوسفور واضاف قائلاً .. :" إن بوب لم يعرف كيف يسوسها ، ولو عاش لقلت له كلاماً معيناً بعد عودته من فييتنام ، فالرجل المتزوج ليس من حقه ان يذهب ليضحي بحياته في الجانب الآخر من العالم ، إن كان غير مضطر الى هذا ، فماذا كان يتوقع ؟ ان تشكره اورسولا على ذهابه ؟ " " اعتقد انه كان يريد الذهاب " " انه يا حبيبتي لم يستطع الهرب بالسرعة الكافية ! ، كانت تعمد الى تمزيق حياته كلما اجتمعا سوياً ، كان انساناً قانعاً وراضياً بمهنته التي كان يحبها و التي لا تتطلب منه عملاً كثيراً ، ولكن هذا لم يصادف هوى منها ! فقد تزوجته وهي تدرك الامكانيات الحقيقية لدار اديناي للنشر وتعرف الطريق الذي ستسلكه ، وتحمل بوب على قدر استطاعتهِ وهي تدفعه وتستحثه للاسراع في خطاه ، الى ان وجد لنفسه مهرباً وليس غريباً ان يعرض نفسه للقتل ، وكان يمكنني الزواج من اورسولا عندئذ ، ولكنني لم اشأ ان تصبح دار اديناي معلقة فوق رؤسنا مثل طائر القطرس البحري الضخم الذي يحوم حول زواجنا ، وطلبت منها ان تختار بيننا فقالت لي : ومن الذي يريدك ؟ وهي لم تكن تريدني ، ان واشنطن كلها كانت تنشغل بها عندما تقوم بإحدى حملاتها الصحفية في مجلتها ، وتسلط عليها هي الاضواء وتأخذ كل المجد والشهرة ، وهي تقف واثقة من نفسها ومن الطريق الذي تسلكه ، ولكن في نهاية الامر ليس هذا هو كل ماتريده ! " وتطلعت اليه مادلين بدهشة لتعرف منه ما الذي تريده بالضبط تلك الامرأة الامريكية فأضاف قائلا :" اورسولا فتاة نشأت في بلدة صغيرة ، ولها طموحات اهل البلدة الصغيرة ، تريد زوجاً يبني حياته بدون عون منها ، ويقيم بيتاً بجواره جيران طيبون ، وينجب اطفالاً يقلق عليهم آباؤهم ويحبونهم ، هذا ماكانت ستحصل عليه لو انها تزوجتني " وقالت مادلين لنفسها انه لا شك يبالغ جداً بإعتقاده ان اورسولا يمكنها ان تقتنع وأن تتأقلم في بيتٍ يقع في حيّ جميل مثل الذي تخيله ، انها لن تلبث ان تختنق وتضيق به ذرعاً خلال اسبوعين ، بل خلال يوم واحد ! فهي لم تقم بإنشاء مشروع ضخم مثل دار اديناي للنشر لكي تقيم في مكان مغمور بأمريكا ، فلقد لتكون وسط التطورات الضخمة ولكي تحرك العالم وفق ارداتها ، الم يدرك هو هذا ؟ وابتسم اوليفر قائلاً لها :" انكِ لا تصدقينني ، فأورسولا لاتفهم نفسها جيداً ، فلو انها كانت تريد شيئاً بخلاف هذا لتزوجت مارك وليس شقيقه ، ولو كان بوب تمسك برأيه وقال لها لا من آن لآخر لأمكنهما ان يعيشا سوياً في وفاق ، ولكن بوب لم يكن بالشخص الذي يقول لا لأي انسان ، لقد حصلت الآن على كل شيء ولكنكِ لا تستطعين القول انها سعيدة ! فهي تقف مرتعدة فوق المكان المرتفع الذي تسلقته ، هل تعرفين انها تعاني من الدوار ولهذا السبب لا تميل للتجوال وسوف اعمل على انقاذها من وحدتها فوق قمة التل ، في امكانها الهبوط بنفسها والتنازل قليلاً عن كبرياءها التي تعتز و تتمسك بها ! وستجد المكان اكثر دفئاً وهي معي في الوادي ، وسأرحب بها بذراعين مفتوحتين ، ولكنني لن ارغمها على ذلك .. فأنا لست بوب اديناي لكي القي بنفسي في القبر قبل الآوان ، ولكنني اعتقد انها سترجع عما هي عليه اذا ما اتخذ مارك موقفاً حازماً نحوها " وسرت البرودة في جسد مادلين وهي تقول له :" اتعتقد انه لن يكون حازماً ؟ " وراقب اوليفر العبّارة وهي تدخل المرسى بجانب جسر جالاتا ، وقال بلا داعٍ :" لقد وصلنا ! الى اين نتوجه من هنا ؟ " " السوق ليس بعيداً عن هنا " واخرجت خريطة من جيبها وراحت تتفحصها ، واشارت بيدها الى المكان الذي يتجهان اليه ، وعندما نزلا من العبّارة اسرعت مادلين بشق طريقها وسط الزحام ، وهي مترددة بين الرغبة في الافلات من اوليفر والرغبة في مصاحبته ، إن اوليفر يعرف بلا شك حقيقة مابين مارك و اورسولا ، وهو يعرف ايضاً ما اذا كان مارك يرغب في العودة الى الولايات المتحدة مع اورسولا ، وهو ماتريد مادلين معرفته ، فيجب ان تعرف ، ويجب ان يتاح لها الوقت لكي تعتاد على فكرة انها لن تراه مرة اخرى ، لتتعايش بشكل ما مع شبح اليأس المقيت الذي يمسك بخناقها ، كلما فكرت في شكل الحياة بدون مارك . لا بد ان تعد نفسها لمثل هذا وسألته فجأة :" هل يرغب مارك في الزواج من اورسولا ؟ " فنظر اليها اوليفر بدهشة قائلاً :" لماذ تسألين هذا السؤال ؟ " " حقّاً ماكان يجب ان اسأل ، ولكن لا بد ان اعرف ، فأورسولا تعتقد ان مارك يحبّها ، واظن انها على صواب ! " وتوقف اوليفر عن السير قليلاً وراح يرقب في صمت مأذن وقباب المساجد من حوله وقال :" جاء وقتٌ اعتقدت فيه ان مارك سوف يمزق اخاه ، ولكن برغم حبه لأورسولا استطاع ان يتكيف بسرعة مع وضعه الجديد بعد فقدانه لها ، فمارك لم يكن يفتقر الى الصديقات " ونظر الى مادلين التي احمّرت وجنتاها وسألها قائلاً :" ألديكِ اهتمام شخصي بهذا ؟ " " ليس بالضبط " " مارك ليس مثل اخيه ، واشك انه سيبيع نفسه وروحه من اجل دار اديناي للنشر ، حتى لو كانت اورسولا هي الطعم " " وهو طعم شهّي جداً! " " هذا رأيي كشاهد واقر بأنني مبهور بأورسولا ، اما مارك فأنه لا يريد فقط ان تعطي له الاولوية ولكنه يريد ان يكون هو السيّد " فردت عليه مادلين بإحتجاج وفي حدة قائلة :" انه ليس مغروراً ، فهو عطوفٌ جداً ، ولماذا لا يحصل على مايريد ؟ انه لا يؤذي احداً " "لم اقل انه مغرور ، برغم أن من حقه ان يكون كذلك مادام ضحاياه انفسهم يدافعون عنه ، انني احسده مثلما يفعل كثيرون غيري من الرجال! ولكن ليس معنى هذا انني ارغب في أن تكون لأورسولا علاقة به ، إنه سوف يحطمها ويصيبها في اشد المواضع ايلاماً ، وهي المواضع التي تتمثل في فكرتها الطيبة عن نفسها ، وجاذبيتها بالنسبة الى الجنس الآخر ! " واكتفت مادلين بأن هزّت رأسها فهي تعرف افضل منه ! إن يدي مارك فيهما حزم وقوة ولكنهما غاية في الرقة ، وهو ايضاً يحب العلو ولكنه ليس العلوّ الشره للسلطة ، وانما علوّ الحب الذي يتطلب ان يعطي المرء نفسه ، ومارك سيطلب كل شيء ، ولكنه سوف يعطي بلا تحفظ في مقابل هذا ، ومن الصعب عليها ان تدرك انه يحتمل الّا يحبها مارك ، ولكنها لن تأسف ابداً لأنها عرفته ، فقد علمها معنى ان تكون إمرأة ... وقال اوليفر :" ان هذا المكان بعيد ، اعتقد اننا ضللنا الطريق " " كلا لم نضلّ الطريق " وابتهجت مادلين عندما بدت امامها بعض معالم السوق المغطي ، ولم يعبأ اوليفر بأيّ من المعروضات فيما عدا الحليّ الذهبية التي راح يقلبها وينتقي افضلها كي يقدمها الى اورسولا تعبيراً عن حبه . وقال لها اوليفر :" أورسولا تتحلى بالكثير من الاساور ولكنني لم الاحظ انها تتحلىّ بأي خواتم ، إنني لم ارها تتحلىّ بخاتم الزواج ! " وتعرف مادلين أن اورسولا لا تتحلىّ بأي خواتم في اصابع يديها لأن اصابعها قبيحة ومظهرها خشن كأصابع الرجال ، وهي لا تريد ان تلفت الانظار اليها بالتحلىّ بأيّ خواتم ، وسألها اوليفر :" هل اشتري لها خاتماً ؟ " " نعم ، ولِم لا ؟ " وشعرت مادلين بأن من القسوة أن يقدم لها خاتماً في حين انها تكره ذلك ، فأستدركت قائلة له :" ولكن يمكنك ان تشتري بدلاً من ذلك واحدة من تلك الاساور " " سأشتري لها خاتماً " واستغرقت عملية الشراء وقتاً مماثلاً لعملية البحث والانتقاء ، وقدّم لهما صاحب محل المجوهرات الشاي في أكواب لها شكل الزنبقة ، وتمنى لهما اقامة طيبة في اسطنبول ، واقترحت مادلين على اوليفر ان يقوما بزيارة المسجد الازرق لأنها لم تره من قبل ، فأضطر الى أن يوافقها على مضض .. وفي داخل المسجد حلقت مادلين الى آفاق رحبة من الفن المعماري والالوان والاضواء المنعبثة من النواف البالغ عددها مائتين وستين نافذة ، ونسيت مادلين ان اوليفر بجوارها وقد شحذ خيالها سحر المكان وروعة البناء والتصميم الذي لم تشهد ، بل لم تأمل أن تشهد ، اجمل منه .. وطلب منها اوليفر ان يعودا الى البيت حتى يقدم لأورسولا خاتمها فوافقته مقرّرة الرجوع الى هذا المسجد مرة اخرى لكي تتمتع بمشاهدته من جديد . ارتاحت مادلين لأنها تخلصت من اوليفر ، وجلست تنسق مذكرات مارك استعداداً لكتابتها على الآلة الكتابة ، وبينما هي جالسة حضر مارك ووقف خلفها وراح يداعب شعرها ، وسألها بدهاء عما اذا كانت امضت وقتاً سعيداً مع اوليفر ، فأبلغته بأنهما ذهبا الى السوق حيث اشترى اوليفر خاتماً لأورسولا ، وانه موجودٌ معها الآن ، قالت له انهما زارا ايضاً المسجد الازرق ، وهو جميل ، الا انه لم يصادف هوى في نفس اوليفر ، فأبدى مارك دهشته الشديدة لموقف اوليفر وقال لها انها كان يجب ان تؤجل زيارة هذا المسجد حتى يصحبها اليه بنفسهِ . وامسكت مادلين بأحدى الاوراق وراحت تقرءها بصعوبة فضحك مارك وتركها متجها للخروج من الغرفة ، ولم تحتمل ان يتركها فدارت مقعدها ونادته قائلة :" ماروك بك ! " فأستدار في الحال عائداً اليها وفي عينيه بريقٌ وقال :" ماذا في الامر ؟ " واشتعل وجهها بهليب الدم المتدفق الى وجنتيها ولم يرتسم على وجه مارك ايّ تعبير يدخل السكينة الى نفسها ، ولم ينطق بكلمة واحدة ، وأخذ الورقة من يدها وراح يقرأها لها .. ثم وضعها فوق الطاولة المجاورة لها ، وكانت التعبيرات الساخرة التي ظهرت في قسمات وجهه مثل وخز الابر مما جعلها تتسمر في مكانها ولاتبدي اي استعداد للتحرك حتى لو شبّ حريق في البيت .. وعندما تمالكت شعورها اخيراً و استدارت كي تواجهه تبيّن لها انه خرج
الفصل الحادى عشر انتهت مادلين من كتابة المذكرات ، واصبحت تعانى من الفراغ لان اوسولا اصبحت تعترض على خروجها بمفردها ،برغم انها لا تفارق اوليفر تقريبا ،لقد قبلت الخاتم منه .... ترى هل من عادة الامريكيين تبادل الهدايا من الخواتم بدون ان يرمز ذلك الى اى معنى معين ؟ انها لا تعتقد ذلك برغم انه ليس لديها ما يؤكد هذا . ربما كانت تلك احدى الصفات المزاجية الخاصة التى تتميز بها اورسولا ولم تعد ترى مارك الا قليلا ،وأخذت تشغل نفسها بقراءة كتبه مع التركيز فى قراءاتها على موضوع الدراسة التى يجريها مارك ،كذلك قراءة مايتعلق بالمبانى والشعوب التى تقطن شرق البحر المتوسط وحرصت مادلين على ألا تصحب الى غرفتها سوى كتاب واحد فى كل مرة ،لأنه لم تتح لها الفرص لتسأل مارك عما اذا كان فى إمكانها أن تستعير من مكتبته ،ولم تشأ ان تلفت انتباه اورسولا التى اخذت تميل فى هذه الايام لاعطاء تفسيرات لأى شئ وفى منتصف النهار نزلت مادلين درجات السلم بعد ان ساعدت محريماه فى ترتيب الاسرة .. لقد انتهت من قراءة كتاب عن الحياة اليومية فى تركيا خلال العصر العثمانى وتذكرت انها رأت فى المكتبة كتابآ عن الحياة فى العصر البيزنطى فأرادت ان تحضره معها الى غرفتها .... لتتسلى به اثناء الساعات الطوال فى فترة مابعد الظهيرة ....وفجأة سمعت صوت اورسولا وهى تصيح فى غضب ،وكاد الدم يتجمد فى عروقها عندما بدأت تدرك ماقالته اورسولا وهى تخاطب مارك ، الذى ألمح فى سخرية الى الخاتم الذى اهداه لها اوليفر .. قالت له اورسولا _ أمازلت تغار؟ _ لم أكن أغار إطلاقاً من بوب _ كيف تقول ذلك يامارك ؟لقد أمضيت الساعات تحاول إثناءه عن الزواج منى ! أخبرنى هو بذلك! وعليك ان تعترف بأنك أنت نفسك متيماً بى ! فأقرها ماك بدون تردد قائلاً _ لا أنكر هذا .. ولكننى لم أكن اتطلع الى الزواج ...بعكس بوب ولو كنت امرأة اخرى لكنت سعدت له ..ولكنك كنت تسعين للوصول الى واشنطن حيث السلطان والنفوذ. أليس كذلك؟ ولم يكن بوب سوى الحجر الذى عبرت فوقه للوصول الى هناك ! _ كان راضيا جدا بأن يقوم بدور هذا الحجر! _ إلى اين ستذهبين بعد مغادرتك تركيا؟ واسترقت مادلين السمع لتتبين جيدا كلام اورسولا التى قالت _ هذا يتوقف عليك ياعزيزى ! _ هل ستعودين الى الولايات المتحدة ؟ _ طبعا إن عدت معى ...ألن تعود معى ؟؟ أنا اعرض عليك كل شئ يامارك ! ولن اتدخل فى طريقة إدارتك لدار أديناى للنشر ، أعدك بهذا وعندما ما قالت له اورسولا إنه اراد دائما الزواج منها ،قال لها مارك فى سخرية انها ان اعتقدت ذلك ففى امكانها ان تعتقد اى شئ اخر فردت عليه قائلة _ ولكنك كنت تريدنى _ هذه ليس صحيحا وابتلعت مادلين لعابها ..... مسكينة اورسولا ! ولكنها كان يجب ان تدرك هذا ،فلقد اردكت مادلين نفسها برغم انها فتاة بسيطة وغير معقدة ،ان مارك يريدها هى ايضا، ولكنه لن يتزوج منها ..وما الذى يحمله على هذا ؟ انه يستمتع بحريته . ومالذى يمكنها ان تمنحه اياه مقابل هذا وسمعت اورسولا تقول له _ اننى اعرض عليك ميراثك ،اعرض عليك دار اديناى للنشر ،الا يعنى هذا شيئا بالنسبة لك؟ _ لا اعتقد ذلك ، فعندما كانت دارا صغيرة تهتم بالشئون المحلية وتعطيها اهتماما كبيرا كنت احب العمل فيها ، اما الان فلا ..اسف ياورسولا ..فلقد قبلت فى الحقيقة ان اشغل منصبا فى جامعة البوسفور خلال السنوات الثلاث القادمة _ ومتى حدث ذلك ؟؟ ورد عليها مارك فى ثقة _ بالامس وقالت اورسولا وقد بدت فى صوتها نبرة الشعور بالاحباط _ اننى لا اصدق هذا _ هذا لا يهمك فى المدى البعيد .. لقد ادرت دار اديناى للنشر بنجاح تام حتى الان ، فلماذا بدأ اهتمامك بها يفتر ؟؟ _ انها ليست ممتعة الى الدرجة التى كنت اتصورها ، ولا اريد ان تصبح تلك مهنتى فى الحياة ،واظل بلا زواج .. وكنت اتطلع دائما الى وجود رجل الى جانبى ...وان كنت لا تريد دار اديناى للنشر فاننى ابيعها واتزوج من اوليفر انه يرغب فى الزواج منى _ ارى انها فكرة طيبة _ الا تشعر باى شئ نحوى ؟؟ _ اشعر نحوك بمسئولية محددة ،فانا لا احب انا اراك تعيسة وضائعة ،واعتقد ان اوليفر يستطيع ان يحقق نجاحا فى حياته ..خاصة اذا ما ابتعد عن عالم النشر وتفرغ لعمله فى الجيش _ اننى احب اوليفر ! _ فعلا ، اننى اعتقد ذلك ،واقول لك ياحبيبتى اورسولا ،بدون ان اقصد مهاجمتك ، انك لم تحبى بوب كما انك بالتأكيد لا تحبيننى فانفجرت اورسولا قائلة له _ اننى اعنى ما اقول ! سوف ابيع دار اديناى للنشر بكل ما فيها ! فرد عليها مارك فى رقة _ افعلى ذلك ! وازيحى هذا العبء عن ظهورنا وتزوجى من حبيبك اوليفر باسرع وقت ممكن ياعزيزتى وسوف يشعر بوب فى مماته بالسعادة لك كما سأشعر انا بذلك ايضا _ اشك فى هذا ، ولكن ياحبيبى كم ستكون الحياة مملة ..فاوليفر رجل محترم جدا الى حد مزعج ، وسوف نعيش فى بيت مريح فى مكان ما ، وننجب اطفال فضحك مارك قائلا _ انك فى عجلة من امرك _ نعم ، وسوف اذهب اليه الان فعلا واخبره بذلك !سأعود معه الى انقرة ، ولتذهب دار اديناى الى الجحيم ! فى استطاعتهم ان يجدوا مديرا اخر لها ، فلماذا اذا اقلق ؟ _ حقا ، لماذا تقلقين؟ ولكن هناك مسألة يجب تسويتها قبل ذهابك للارتماء فى احضان اوليفر ، ما الذى سيتم بشأن مادلين؟ فردت عليه فى حدة قائلة: _ ماذا بشانها؟ _ لقد احضرتها انت الى تركيا ياعزيزتى _ فعلت ذلك امام اصرار مكتب لندن على هذا! لم اكن فى حاجة اليها حينئذ ..ولست فى حاجة اليها الان ..ارسلها الى لندن اذا كنت ترغب فى التخلص منها ... فسألها مارك فى اصرار قائلا : _ مادمت لست فى حاجة اليها فلماذا قبلت احضارها معك ؟ فردت عليه اورسولا بلا اكتراث قائلة: _ لم اشأ ان ادعهم يعرفون اننى ذاهبة الى تركيا بسبب وجود اوليفر فيها ، وكل مافهموه هو اننى متوجهة الى تركيا لمقابلة شقيق زوجى الموجود فى اسطنبول فقال لها مارك _ وبرغم ذلك فانك سوف تفعلين شيئا من اجل مادلين ، فهى لم تحصل على اية نقود منذ مجيئها، كما انك مدينة لها بشئ ما بسبب الذعر الذى حل بها نتيجة لتصرفك عندما تركتها وسافرت الى انقرة _ افعل انت شيئا لها ياعزيزى ،فانا واثقة انها تفضل ان ياتى ذلك منك انت ، قل لها اننى ممتنة لخدماتها ، ثم ضعها فى اول طائرة متجهة الى لندن ، سابعث بمذكرة الى مكتب لندن لكى يمنحوها علاوة مالية ويصرفوا لها مستحقاتها المالية المتأخرة ،ولكننى لن افعل لها اكثر من هذا ! ولم تنتظر مادلين سماع رد مارك ،واحست ببرودة تسرى فى جسدها ،وادركت انها هى المخطئة لقيامها بالاستماع لما يدور من حوار ين الاخرين ،وظلت تلوم نفسها طوال عدة ايام ،وقد تملكها الاحساس بالذنب برغم انها غاضبة مما سمعته ..فكيف يمكن لاورسولا ان تتزوج من اوليفر وهى تحب رجلا اخر ؟ كيف يمكنها ان تقدم له بضاعة زائفة بهذه الطريقة الوقحة ؟ ان مادلين يمكنها ان تغفر لها بسهولة عدم الاكتراث الذى ابدته نحوها هى ،ولكنها لا يمكنها ان تنسى او تغفر لها ما حاولت ان تفعله مع مارك وجاء اوليفر فى موعده لتناول طعام الغداء ، سمعت مادلين صوته ولكنها لم تحاول النزول ، سمعت اوليفر يقول : _ افضل الذهاب حتى لا اتيح لاورسولا اى فرصة لكى تغير رأيها فقالت له اورسولا : _ لن افعل هذا ، ولكننى فى غاية القلق ولن استطيع تناول اى طعام ، لا يجب ان ننتظر طعام الغداء ونزلت مادلين درجات السلم فى تثاقل ،وسمعت جدلا يدور بين اوليفر ومارك عندما ابدى اوليفر امتعاضه لانه مضطر لعبور البوسفور من جديد ، ولو كان ذلك للمرة الاخيرة ، وسأل مارك عما جعله يقطن الجانب الاسيوى من اسطنبول ،فاجابه بانه يفضل هذا ،كما ان لديه زورقا اسفل البيت، وابلغه ايضا بانه سوف يأسف عندما يتم مد الجسر بين شطرى المدينة ،وتصبح الاقامة فى هذا الجانب امرا شائعا وطلبت اورسولا من مارك ان يصحبهما فى عبور البوسفور حيث يتناولون طعام الغداء سويا قبل ان يودعهما،فوافقها مارك والتقت عيناه بعينى مادلين ،وهو لا يستطيع ان يكشف لها عما يدور فى رأسه من افكار ،وطلب من مادلين ان تبلغ محريماه بان احدا لن يتناول الطعام الذى اعدته،وذكرته مادلين بانها ستبقى فى البيت فرد عليها بقوله: _ اذا سيكون هناك ماأرجع من اجله! _ ارجو ان تعرف مواعيد الطائرات المتجهة الى لندن اثناء وجودك فى المطار _ هل تريدين منى انا افعل هذا فعلا ؟ فهزت رأسها بالايجاب وقالت: _ لا يمكننى البقاء هنا ،لابد ان ارجع الى انكلترا ! فداعب خدها بيده وطلب منها ان تقف معهم حتى ينصرفوا ..ودهشت مادلين عندما وجدت ان حقائب اورسولا تم تجهيزها ، وابتهجت جدا لان اورسولا سترحل ،سوف تحتفل بهذا وتتنازل الطعام الذى اعدته محريماه ،وتنتظر عودة مارك اليها ،وهى الان تشعر بانها ستعيش حياة طبيعية ، ستسير الامور عليها طوال حياتها ،ولم تحاول اورسولا او اوليفر الالتفات اليها وهما يتجهان الى القارب لكى تلوح وتودعهما وعندما انطلق القارب لوحت مادلين بيدها، وكان مارك هو الوحيد الذى رد عليها بأن لوح بيده لها ، بل انه ابتسم لها ايضا ،كما اعتقدت هى ذلك وكانت محريماه فى انتظارها داخل المطبخ وهى تمسك بعقد صغير من الخرز الازرق ، وقد بدا على وجهها الشعور بالرضى والارتياح ،وانطلقت تتحدث بالتركية وهى مبتهجة ،وادركت مادلين ان الغرض من تلك الخرزات الزرقاوات هو الوقاية من العين الحاسدة ،وسعدت لذلك وراحت تقهقه وكأن رأسها مازال يدور فى اعقاب ذلك الحدث المثير ،وهو رحيل اورسولا ،وقالت مادلين لمحريماه بالتركية ، وهى تنطق الكلمات بطريقة ببغائية ، انها تريد تناول طعام الغداء فهزت محريماه رأسها ،وانطلقت تضحك من جديد ،وقد اغتبطت لان مادلين بدأت تتعلم بضع كلمات من لغة بلادها ،وربتت على كتفها وهى تنظر اليها نظرة مليئة بالمشاعر الدافئة التى يتميز بها سكان البحر الابيض المتوسط ولم تخطئ مادلين فى فهم ماتقصده بنظرتها فقالت لها بصيغة مؤكدة انها ستعود الى انكلترا ،فقالت لها محريماه : _ كلا ! وماروك بك ولم تكن مادلين تعيرها السمع ،فقد انشغل ذهنها بالتفكير ،كيف يمكنها ان تحيا بدون مارك فى حين ان مجرد تفكيرها فى العيش بدونه يصيبها باليأس والقنوط وجلست تتناول الطعام وفكرت فى الخروج بعد الانتهاء منه ،وتذكرت ان مارك لم يحدد لها موعد عودته ،وهى لا تريده ان يرجع ولا يجدها فى البيت ، خاصة وانه قال لها انه يريدها ان تكون فى انتظاره عنذ رجوعه واستمتعت مادلين بالكباب وباللبن الذى تناولته بعده ،وقالت لنفسها انها لو تناولت طعامها ببطء فان مارك ربما يعود قبل انتهائها منه ،ولكن مرت ساعة ثم اخرى بدون ان يظهر له اى اثر ،وانصرفت محريماه هى الاخرى عائدة الى مسكنها لتصبح مادلين وحيدة فى البيت ،وليس لها من رفيق سوى ظلال المساء التى بدأت تخيم على المكان الليل قد ارخى سدوله عندما فتح الباب ودخل مارك ،كانت مادلين جالسة على الاريكة تقرأ كتابا ،وقد اخذتها اغفاءة وسط الضوء الخافت المنبعث من المصباح الوحيد المتدلى من سقف الغرفة ،وهبت واقفة عندما سمعت صوت خطوات مارك ،وقد امسكت بالكتاب بيديها خلف ظهرها وسألته: _ هل سألت عن مواعيد الطائرات المتجهة الى لندن؟وهل هناك طائرة ستقلع قريبا ؟ فجلس مارك على كرسى وهو يرقب حركاتها وسألها : _ لماذا تتعجلين العودة الى انكلترا ؟ _ السبب واضح ! _ ربما يكون واضحا بالنسبة اليك،ولكنه ليس واضح لى ورمقته مادلين بنفاذ صبر وسألته: _ هل رحلت اورسولا واوليفر بسلام ؟ _ لقد وضعتهما فى الطائرة التى اقلعت وقت الغداء ،كانت السماء فى عونه ،لقد نظر الىّ الرجل كما لو كنت قد اسديت له صنيعا فقاطعته مادلين قائلة : _ انه يحب اورسولا منذ وقت بعيد، وهو يعتقد انها فى قرارة نفسها فتاة ريفية فانفجر مارك ضاحكا وقال : _ ربما كان على حق فى هذا! وكانت مادلين على وشك ان تعترف بانها سمعته وهو يتحدث الى اورسولا فى الصباح ،ولكنها لم تجد فى نفسها الشجاعة لتذكر ماسمعته ،وتعتقد انها لا تستحق اكثر من وضعها فى طائرة ترجع بها الى لندن ونهض مارك وجلس على الاريكة ،وامسك بالكتاب ليرى ماذا كانت تقرأ، ثم رمقها بنظرة ساخرة جعلتها تبتعد عنه الى الجانب الاخر من الغرفة ،وقال لها : _ سوف يفيدك هذا كثيرا فى لندن ! _ انك لم تفهم! _ أحقا! _ فعلا ،فاننى قد اعود الى تركيا فى وقت الازمات ،وقد ازور ازمير او إفيسوس و...... ولم تستطع تذكر اسماء مدن اخرى لتزورها فى تركيا ،ثم قالت فى حماسة : _ وربما اعود الى اسطنبول ! _ وهل تحتاجين لدراسة تاريخ الامبراطورية العثمانية من اجل هذا ! فحملقت فيه وقد نسيت للحظات مادة الكتاب الذى كانت تقرأه _ اننى احب ان اقرأ عن الاماكن التى ازروها _ وما رأيك فى المسجد الازرق؟ ففوجئت بسؤاله،وهى فى الواقع لم تستمتع بزيارة هذا المسجد لان الزيارة لم تصادف هوى من اوليفر ،ولكن لكى تكون امينة مع نفسها فانها يجب ان تعترف بان مرافقة مارك لها هى التى زادت كثيرا من متعتها اثناء زيارتها ، وقالت له: _ مارك ،اننى اريد ان اذهب الان الى احد الفنادق _ أليس الوقت متأخر لهذا ؟ فهزت رأسها وهى ترجو الا ينطلق صوتها بالصياح وقالت : _ كان يجب علينا ان نذهب الى فندق من قبل ،فانت لم تكن ترغب فى بقائنا فى بيتك، ولا الومك لهذا ! فليس من العدل ان نهبط عليك فى وقت تريد فيه الاحتفاء باشخاص اخرين وسألها مارك باهتمام ودهشة قائلا : _ اى اشخاص تقصدين ؟ فلعقت شفتيها وقالت له: _ هم اشخاص ! فابتسم بدهاء وجذبها لتجلس الى جانبه على الاريكة وهو يهمس فى اذنها قائلا لها: _ اعتقد اننى سابدأ بالاحتفاء بك انت فافلتت منه وابتعدت الى الطرف الاخر من الاريكة وهى تقول : _ سوف اذهب الى فندق _ اوه؟ وكيف يمكنك تسديد اجر المبيت بالفندق ؟ فنظرت اليه مستسلمة وقالت له: _ ولكنك لا ترغب فى بقائى هنا !وانا لا ارغب ما تفعله ،ويجب الا تظل خارج البيت فترة طويلة بسببى !ففى امكانى الذهاب الى غرفتى او اذهب لزيارة محريماه او افعل اى شئ اخر ! فقال لها باسلوب لطيف جعلها تلتفت وتنظر اليه ،قال: _ يامليحة ،لا تكونى حمقاء ! _ لست بحمقاء ،وانما انا فقط... _ انت فقط لك نظرة شاعرية ومستحيلة للحياة !والان مالذى يجعلك تشعرين بالذنب ؟ يبدو انك مترددة فى الادلاء باعترافاتك كاملة ،مالذى حدث ؟هل قبّلك اوليفر؟ فاحمرت وجنتاها ونفت ذلك بشدة قائلة: _ طبعا لا! _ حسنا _ انه لم يتحدث عن اى شئ اخر سوى اورسولا ،وبالاضافة الى هذا فاننى لا اطوف بالناس لاقبلهم ! _ اوه ،يامليحة ياحبيبتى ! لزمت الصمت فى إباء وهى تبحث عن الكلمات التى تفحمه بها ،ولكن الذى شغل تفكيرها اكثر من هذا هو انه ناداها بحبيبتى وبنبرة تدل على انه يقصد معناها ،وكم تمنت لو انه نداها بهذه الكلمة مرة اخرى فقال لها وهو يستحثها على الرد : _ حسنا ، ما قولك ؟ فقالت له باندفاع : _ لقد سمعتك وانت تتحدث الى اورسولا هذا الصباح ،هل كنت تحبها قبل زواجها من اخيك؟ ولم يكن يبدو عليه انه صدم من هذا السؤال،بل بدا وكأنه كان يتوقعه وقال لها: _ اعتقد اننى كنت احبها فعلا لبعض الوقت ،ولقد كنت اميل قليلا الى الشاعرية فى تلك السن،وظننت نفسى المحب الذى وضع العراقيل فى طريقه قهقهت مادلين وقالت : _ لا اصدق هذا ! _ اؤكد لك ذلك ،كنت شديد التحمس لهذا _ ولكنك لم تتعرض للعراقيل _ كلا ليس دائما، وقد بدأت حماستى تفتر ، مما جعل الامر اكثر متعة ، ولكن لم يكن لهذا علاقة بالحب فقالت له وهى تحجب عينيه برمشيها: _ ولكنك عانقتها مرة _ مرة واحدة فقط ؟ قالها بلهجة ماكرة مما جعل خديها يتوردان ،وسألها : _ هل تناولت شيئا من الطعام ؟ _ لم اتناول شيئا من طعام الغداء ، هل تناولت انت شيئا؟ فتنهد وقال: _ أية حياة مثيرة تلك التى تظنين اننى احياها، لن ينتابك ادنى قدر من الدهشة ان قلت لكى باننى تناولت طعامى فى اطباق من ذهب قدمتها لى ست من الفتيات شبه العاريات ،اكنت تدهشين لو قلت هذا؟ _ كلا _ فى الحقيقة اننى لم اتناول طعام الغداء حتى الان ،وكنت مضطرا للذهاب الى الجامعة بعد ظهر اليوم لاحضار بعض الاوراق والشخص الوحيد الذى ارغب فى الاحتفاء به هذا المساء هو انت نفسك ! فنظرت اليه وقد اتسعت عيناها وهى تقول : _ اوه مارك ، ارجوك ان تفعل ! فلمس خدها برقة قائلا لها : _ اذا ، لنفعل كل شئ بالطريقة الملائمة لها يا حبيبتى ،ويحسن ان تذهبى لتغيير ملابسك ان كنت تريدين ان تكونى فى مستوى الجميلات اللواتى تناولت العشاء معهن ،وسأذهب لاحضار محريماه لكى تعد لنا طعاما شهيا ودفع بها نحو الباب قائلا : _ ولا تتأخرى ، فانا اريد ان اتحدث اليك فلم تحاول اخفاء سعادتها وسألته قائلة: _ أحقا تريد؟ وابتلعت ريقها وهى غير قادرة على على السيطرة على انفعالاتها ،فقد ناداها اولا بـ ياحبيبتى وهو الان يمنحها حبه ! وسألته مرة اخرى قائلة : _ عن اى شئ تريد ان تحدثنى ؟ فمال الى الامام حتى كاد وجهه يلامس وجهها وقال لها بلهجة آمرة : _ اسرعى ! فردت بسرعة قائلة: _ وهو كذلك ، وهو كذلك ، سأفعل ...مارك ، ماذا فى الامر ؟ فقال لها من جديد : _ اسرعى ! اننى لا استطيع الانتظار لاكثر من هذا ، فبالنسبة لاورسولا كان فى امكانى الانتظار، اما معك فانا لا اطيق الانتظار ، وان لم تستعدى خلال عشر دقائق ساصعد لاحضارك بنفسى! فقالت محتجة: _ مارك! فرد عليها : _ بل سانتظر تسع دقائق فقط وصعدت الى غرفتها وهى تشعر بسعادة غامرة لم تعرفها فى حياتها ،وقالت لنفسها .... ربما لا يريد اكثر من تناول العشاء معها ،ولا يريدها ان تبقى معه الى الابد ،ولكنه لن تعبأ بهذا ،ولن تعبأ باى شئ ، فالليلة قد لا تتكرر ، وقد لا تصبح قريبة منه الى هذا الحد مرة اخرى ، انها يجب ان تستمتع بهذه الليلة وقررت ان ترتدى رداء طويلا يتدلى حتى القدمين ،واعتقدت انه يتمشى مع هذه المناسبة ،ولديها رداء واحد من هذا النوع فامسكت به بيدين ترتعشان ،انه مصنوع من الصوف الناعم ولونه قرمزى يتلائم مع لون شعرها البنى الداكن ،وارتدته فاخذ شكل قوامها وتدلى حتى قدميها ،ونظرت الى نفسها فى المرآة وقالت :مليحة ! وتمنت ان يجدها مارك كذلك ثم مشطت شعرها حتى اكتسب بريقا ،وابتسمت قليلا ، ان اى شخص ينظر اليها سوف يدرك انها وقعت فى الحب ! كان مارك ينتظرها فى غرفة الجلوس عندما هبطت فنهض واقفا ليستقبلها قائلا لها : _ مليحتى ! ولم تدر ماذا كان هذا تقريرا او سؤالا ،ولكنها لم تجسر على النظر اليه لتستوضح الامر ،وهمست قائلة: _ نعم وظل واقفا للحظات طوال بدون ان يبدى حراكا او ينبس ببنت شفة، وامسك بيديها كى يجلسها على الاريكة على طريقة المجاملة التقليدية القديمة ،وذهب الى القاعة ونادى محريماه ليخبرها بانهما جاهزان لتناول الطعام ،وعندما رجع وجدها قد نهضت ووقفت الى جانب النافذة تطل منها على اضواء الجانب الاوربى من اسطنبول عبر مياه البوسفور ،وقالت له انها لم تغب سوى اقل من عشر دقائق ،فقال لها: _ انها فترة طويلة ! لقد فكرت فى ان نتناول الطعام على ضوء الشموع ثم نتحدث _ اتقول نتحدث ؟ ونظرت اليه لاول مرة فوجدته انيقا فى ملابس المساء ،الليلة اصبح بنفس الصورة التى تخيلته بها اول مرة ،ماروك بك ! واخذ اسمه التركى يلح على رأسها وقال لها فى جدية: _ نعم نتحدث، اننى يا مليحتى اريد ان تكونى على ثقة تامة من انه بعد الليلة لن تكون هناك عودة ،هل فهمت؟ فاطرقت مادلين رأسها وهى لا تفهم شيئا بالمرة ،وابتسمت وهى تقول له: _ اظنك قلت انك جائع !
الفصل الثانى عشر
جلست مادلين فى مواجهة مارك واخذ ضوء الشموع ينعكس فى عينيها ،وراحت محريماه تحوم حولهما وهى تطلق ضحكات الابتهاج ،وتعلق بالتركية تعليقات لها معنى على مايبدو ،كلما نظرت اليهما وهى تراقب احجام مادلين عن تناول الطعام المتبل بالثوم وغيره من التوابل ،وتكتفى بالطعام الذى اضيف اليه الليمون على الاكثر وانتظر مارك حتى ذهبت محريماه الى المطبخ ثم قال : _ هل تستمتعين بالاحتفاء بك فى بيتى ! _ نعم ،وانت على حق فيما قلته عن تركيا ،انها بلاد الرجال ! فظهر الابتهاج فى بريق عينيه وقال لها : _ يبدو انك لا تكترثين بهذا كثيرا وقالت لنفسها ... يجب ان تكترث بهذا لو كان عندها اى قدر من الكبرياء ،ولكن كبريائها دفنت منذ فترة من الوقت تحت ركام من العواطف الجياشة التى احست بها منذ عرفت مارك ،وقالت له وهى تنظر الى طبق طعامها : _ كلا ،لقد كانت مأدبة رائعة ،لا استطيع تناول المزيد ! _ اذا ،فهذا هو بالضبط الوقت الذى يبدأ فيه الاحتفاء به ،الا تعتقدين ذلك؟ فاطرقت برأسها، وهى غير قادرة على ان تقول شيئا ، فوقف وهو يبتسم لها فى حنو وحب ولكنها لم تستطع النظر اليه ونهضت وسبقته الى غرفة الاستقبال ،وقدم لها سيكارة فاعتذرت عن قبولها ،ونظر اليها وفى وجهه ملامح تنم عن النوايا الشريرة وسألها قائلا: _ وكيف تريدننى ان احتفى بكِ؟ واحست بجفاف فى حلقها ،ولكنها لم تشأ ان تجعله يدرك كم هو سهل بالنسبة اليه ان يستحثها للقيام باى تصرف ،ومالت فى جلستها الى الخلف فى حالة استرخاء وسألته: _ مالذى تفعله عادة فى تلك المناسبة ؟ وضحك بطريقة اربكتها وقال : _ اعتقد انك استطعت تخيل هذا وابتسم وانحنى نحوها ،ووضع يديه على جانبيها ،ثم تركها فجأة وجلس على كرسى بعيد فى الغرفة وقال : _ حدثينى عن بيتك فى انكلترا ،ما رأى والديك فى قيام اورسولا باصطحابك معها فى سفرها الى تركيا ؟ لقد اثار موضوعا لا يصادف هوى فى نفسها ،فان اخر شئ ترغب فى التحدث عنه هو اسرتها وحياتها فى انكلترا ، ارادت الليلة ان تكون شخصية اخرى ..... شخصية فتاة فاتنة تشكل اغراء بالنسبة الى مارك، وليست مادلين التى تختلف تماما عن تلك الشخصية ،وهو الان يسألها عن والديها وكأن الامر يعنيه فعلا قالت له ان والديها فرحا لسفرها مع السيدة اديناى ،وان اسرتها تعيش قرب لندن حياة عادية جدا، ولا يميل والداها للسفر الى الخارج ولكنهما لا يعترضان على سفرها هى ،مادمت ارجع الى وطنى ثانية ،ورمقته بنظرة مليئة بالشك قائلة : _ انهما لن يفهما ابدا! _ مالذى يفهمانه ؟ _ تركيا .... انها تختلف عن اى شئ عرفاه فى حياتهما ،وانا نفسى صرت مختلفة ! وطرفت برموشها بسرعة واضافت قائلة بجسارة : _ لا اريد العودة الى وطنى ...... اريد البقاء هنا ! ولم تكد تلحظ نظرة الانتظار التى رمقها بها وهو يقول : _ ومالذى يمنعك من البقاء؟ اننى لن اخرجك من هنا _ لا استطيع فليس فى مقدورى الحصول على عمل فى اسطنبول ولا يمكننى ان اعيش بلا دخل ،ولهذا لا استطيع البقاء هنا فضحك قائلا: _ ومالذى يمنع من هذا، لم يكن هذا يعنيك من قبل ،أليس كذلك؟ _ بل كان يعنينى !كان يعنينى بشدة! لم تكن تريد اى منا بالمرة فاعترف قائلا لها: _ اورسولا هى التى لم اكن ارغب فيها _ ولك تكن ترغب فى انا ايضا ! فقال بجفاء : _ هذا على قدر علمك انت، لقد رأيت ان اترك البيت ليوم او يومين ريثما استقر فى عملى بالجامعة ،ولكن عندما وجدتك تقحمين منزلى ، رأيت انا ابقيك هنا بأى شكل حتى ولو اضطررت الى تحمل سخافات اورسولا فحملقت فيه مادلين قائلة : _ اننى لم اقتحم بيتك! _ لا تهمنى الطريقة التى جئت بها فانت على الرحب والسعة ، وانا لم استطع ان اخرجك من قلبى وعقلى منذ ذلك الحين! واخذ قلب مادلين يخفق وقد استثارتها تلك الكلمات ،وقالت له وهى تذكره بابتسامة: _ سبق ان قلت لى اننى جميلة ،واعتقد انك ايضا جميل ومازلت عند رأيي هذا! وارى انك تبدو وسيما جدا الليلة _ مادلين ، ليس هذا حلما شاعريا بالنسبة الى....... _ وما الذى يضايقك من الشاعرية؟ _ لا شئ ،فانا اوافق عليها تماما عندما تكون فى موضعها الصحيح ،ولكننى لست ماروك بك ياعزيزتى ، ولن اصبح كذلك بالتمنى _ اننى اعلم هذا ! ولكن ماروك بك فيه مسحة من الواقع بالنسبة الى ،وانا احب بان ينادينى بمليحة و....و..... واكمل لها كلامها قائلا : _ وان اجعلك تعرفين انك جوزد بالنسبة الى _ نعم ، فعلا ونظرت اليه وقد هرب الدم من وجهها وقالت له: _ ان المرء يمكنه ان يستحوذ على الشخصيتين ،وانت تجمع بين الاتنين معا فى نظرى ،مارك اديناى وماروك بك ، وانا ..... انا احبكما فقال لها بنبرة صوتية لم تسمعها منه من قبل : _ اوه ياحبيبتى الصغيرة، اننى شخص متسلط ولن ادعك تذهبين جذبها لتجلس فوق ركبتيه وقال لها: _ هل تتحملين البقاء فى اسطنبول ثلاث سنوات معى ؟ _ اتقول معك؟ فعانقها وقال: _ لابد ان تكون هناك وسيلة للزواج هنا فتخلصت منه مبتعدة وهى تقول : _ وكيف اتزوجك؟ انك لا تريد الزواج من احد ! ان مكثت هنا بعض الوقت ساحاول ان اقتنع بهذا ،وانا اعلم انك ترغب فى نساء اخريات وسأحاول الا اعبأ بهذا،اقصد....اننى سوف اعبأ بهذا ولكننى سأتفهمه ،واننى ارغب فى البقاء معك فجذبها اليه وضمها بقوة قائلا: _ هذا هو السبب الذى سنتزوج من اجله ، واى شئ اخر لن يكفينى ،اننى لا ادعى انه لا يوجد جوانب المتعة واللهو فى حياتى ،ولكن المرء لا يتزوج من اجل الترفيه واللهو ياحبيبتى ، لقد اردركت عندما رأيتك لاول مرة انك تمثلين شيئا له مزاج خاص جدا بالنسبة الى ، ولكن الامر يختلف كثيرا عما اشعر به الان ،فنحن الان جسد واحد وزوجان ،سواء اجرى الاحتفال بهذا ام لا ،واننى اريد ان اعلن هذا للملآ وان اضع خاتمى فى اصبعك فقالت له بلهجة اتهام : _ تريد اذا ان يعرف كل فرد انك تمتلكنى ! فرد عليها بحدة: _ ولما لا ؟ _ اعتقد انه يجب ان تضع خاتم الزواج فى اصبعك انت ايضا! فوافقها وهو يبتسم وقال: _ سأفعل اذا شئت هذا فتنهدت وقالت: _ الامر يختلف عندئذ ،فانت عندما عانقتنى اول مرة لم يكن يعنيك ما اذا كنت ارغب فى هذا ام لا _ طبعا كنت اعرف! _ لا ادرى كيف عرفت ، كنت انا منهمكة فى الكلام عن رغبتى فى تحقيق المساواه _ ولكن شفتيك قالت لى شيئا مختلفا وأضاف يقول لها فى رقة : _ والى جانب هذا ،لاحظت تعبيرات وجهك عندما ودعتك عند جسر جالاتا،انك لا تحسنين اخفاء مشاعرك ،أليس كذلك؟ فاعترفت له قائلة: _ لاننى لم اقابل مثلك فى حياتى _ لقد امسكت نفسى بقدر مااستطيع عن الاقتراب منك خلال الايام القليلة الماضية ،والان ياحبيبتى سأعانقك ، هل لديك اعتراض؟ فهزت رأسها قائلة وهى تبتسم: _ وهل هناك اهمية لذلك لو اننى اعترضت ؟ فقال لها مبتهجا: _ ليست هناك ادنى اهمية فاتسعت عيناها وهى تلحظ الطريقة التى يحدثها بها ،ثم بدأ عناقه الطويل ،واصبحت كالمسحورة وقد غاب فكرها ،وغاب عنها كل شئ سوى ان تتجاوب معه فى شوق ، وبعد فترة طويلة اخلى سبيلها وهو يهمس لها ببيت من الشعر يقول: _ اننى اتساءل،صادقا، عما فعلته انا وانت حتى تحابينا واضاف: _ سوف اخذك كى تقيمى فى احد الفنادق ،وتمكثين هناك الى ان اتزوجك ،هل هذا واضح؟ وان كان قد خالجها شك من قبل فى ان يحبها فقد تأكدت عندئذ من حبه لها ،وقال له: _ اوه مارك، اشكرك ولكننى سأمكث هنا ان شئت هذا _ كلا اننى استطيع الانتظار ،وكل منا يمكنه الانتظار الى ان تصبحى ملك يمينى بصورة شرعية ، فاذهبى لحزم حقيبتك ولم تقل شيئا،ولكنها امسكت بيده وقبلتها ، ثم اسرعت الى غرفتها قبل ان يغير اى منهما رأيه لم تكن مادلين تعتقد ان الزواج يمر بإجراءات مرهقة الى هذا الحد وسألته وهما فى زحمة اتمام اجراءات الزواج عن المكان الذى سيعيشان فيه، فقال لها انهما سيعيشان فى تركيا طبعا ، فاشارت الى انها كانت تقصد اين سيقيمان بعد مغادرة تركيا فقال لها: _ اين تريدين ان نعيش ؟ هل تريدين العودة الى انكلترا ؟ _ اريد فقط ان اكون معك _ فى امريكا؟ _ ان كان هذا هو ماتريد _ لن اطلب منك ان تنزعى نفسك من وطنك ونسيت مادلين ان هناك آخرين يقفون الى جوارهما وهى تقول لمارك : _ سبق ان قلت لى اننى اذا اصبحت ملكا لك فاننى يجب ان اخذ ما يعطى لى وانا اكون ممتنة لذلك ، الا تدرى اننى مستعدة الان لان اتبعك الى اخر الدنيا ،بل ساحمل الامتعة ايضا ! فهز رأسه وهو يضحك وقال: _ اننى اعرف سببا وراء رغبتى فى الزواج منك وهو اننى فى حاجة الى من يحمل الحقائب ، يامليحتى ، من الافضل ان تسرعى بملئ هذه الاوراق قبل ان انسى ماعندى من نوايا طيبة، واحملك وآخذك قبل ان تتم تلك الاجراءات وبعد انتهائهما من الاجراءات كانت فى انتظارهما برقيتان من ابوى مادلين يهنئان فيهما ابنتهما ويشكران مارك لانه سيجعلها سعيدة وفى اليوم السابق للزواج تلقت مادلين حوالة مصرفية من مكتب دار اديناى للنشر فى لندن، وفى البداية تصورت مادلين انها حوالة بمبلغ كبير ولكنها عندما فكرت فيما سوف تشتريه بهذا المبلغ ادركت انه يكفى بالكاد ولم يكن بالامر الصعب على مادلين ان تغادر الفندق وتتجه الى جسر جالاتا وتعبر الى الجانب الاخر ، ثم تذهب الى السوق المغطى ثم اتجهت الى احد المحلات وقدمت لصاحب المحل كل الليرات التركية التى قامت بتحويلها بعد انا صرفت قيمة الحوالة ،وطلبت منه مصحفا شريفا قديما قيما لكى تقدمه الى شخص عزيز عليها ،وابدى صاحب المحل اهتماما باختيار مصحف شريف ذى قيمة اثرية خاصة عندما علم انه سيهدى الى ماروك بك ، وقدم لها الشاى اثناء قيام عامل لديه باعداد المصحف الشريف فى لفافة ملائمة ، وروى لها قصة توضح السبب فى اطلاق اسم الشاى على هذا المشروب ، وهى تتلخص فى انه كان هناك تاجران للشاى قسما العالم فيما بينهما ، فاولئك الذين كانوا يشترون الشاى من التاجر الذى يدعى السيد شاى كانوا يطلقون على المشروب اسم شاى ،واولئك الذين كانوا يشترون من السيد تى يطلقون على الشاى اسم تى ، وقد كانت اسطنبول مركز التجارة العالمية ، ولها معاملات كثيرة مع الشرق والغرب ، ولكن الاتراك اخذوا يطلقون على هذا المشروب اسم شاى وعادت مادلين الى الفندق ومعها المصحف الشريف الذى خبأته داخل معطفها لكى تحميه من المطر المتساقط وكان الصباح التالى جميلا مثلما تمنت ،ومارك فى انتظارها واصبحت وحدها مع زوجها الذى اصبحت الذى احست نحوه بالحياء وقال لها مارك انه ابلغ محريماه انهما لن يعودا الى البيت قبل المساء ، حتى يتاح لها هى ورفاقها تنظيف البيت تماما ، والقيام ببعض الرقيات لطرد الارواح الشريرة من فراش زواجهما ! واحمر وجه مادلين حياء وقدمت له الهدية ،وما ان نزع اللفافة حتى ظهرت عليه السعادة الشديدة ، وقالت له مادلين انها ارادت انا تقدم له شيئا ذا قيمة خاصة ،فقال لها انه فعلا كذلك ، وانه ماكان يتمنى ان يحصل على شئ له نصف جمال هذه الهدية الثمينة ، ونظر اليها بامتنان وطلبت منه زيارة مسجد ايوب ، فسألها عما اذا كانت تريد ان تبتهل مرة اخرى ، فقالت له وهى تشدد قبضتها على يده : _ كلا ، اريد ان اشكره لان امنيتى تحققت _ هل تحققت فعلا ؟ قالها بطريقة لطيفة جعلتها لا تعبأ بان يعرف ماتمنته برغم انها كانت واثقة من انه يعرف فعلا واضاف مارك يقول لها: _ لقد ابتهلت فى ذلك اليوم وتمنيت ان تصبحى لى ! فصاحت فيه قائلة : _ كنت تعرف بما تمنيت _ نعم كنت اعرف _ فلماذا ابتهالك اذا؟ _ كنت اخشى ان تكونى على حب مع ماروك بك وليس معى انا _ ولكن الا تعرف الحقيقة الان؟ _ اننى لا اعبأ فى هذه اللحظة باى شئ ياحبيبتى ! واستسلمت لذراعيه وهى تتجاوب معه فى شوق ثم قال لها: _ اننى احبك يامليحة وبعدها اصبحت حواسها غارقة فى السعادة وقالت له: _ وانا ايضا احبك ووصلا الى مسجد ايوب واخذا دورهما فى الصف امام نافذة القبر ،وما ان اصبحت مادلين امام النافذة حتى امسكت بقضبانها وهى تعبر عن شكرها الجزيل ، ولاحظ مارك وهما يسيران سويا انها لم تذكر الشئ الذى شكرته من اجله فقالت له: _ لقد منحنى اكثر مما طلبت ، فلم اطلب الا ان تحبنى اكثر من اى شخص اخر ، ولم يدرى بخلدى ابدا انك سوف تتزوجنى فقال لها بجفاف: _ انك تحطين بهذا من قدرك _ كلا ، ليس الامر كذلك ،ولكننى لم اكن اتوقع هذا .... وسأظل دائما شاكرة ، فانا لم افعل شيئا لكى استحقك ،وربما لا افعل ، ولكننى سأفعل ما بوسعى طوال حياتى لكى اكون مثلما تتمنى _ انك انت كل ماتمنى ، وكل ماسوف اتمناه فى حياتى ..... فقالت له: _ اننى اشعر بالعطش ، هيا بنا نتناول الشاى فى المقهى المطل على القرن الذهبى ونحن نرقب غروب الشمس ، اننى اريدك ان تعانقنى مرة اخرى فى ضوء القمر ثم اذهب معك بعد ذلك الى بيتنا ! وفى طريق العودة وجدت نفسها تردد كلمات الشاعر جون دون بصوت عالى ، وقد احست بالسعادة وهى ترى وجه زوجها مضاء : _ الليلة يتحقق الهناء التام، ويدوّن اسم امرأة
تمت بحمد الله

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا