من أعالي الجبال

الفصل الاول
" لاأريد أن أوصل دوغ إلى المنزل." " هيا، يا سامنثا ." وكانت نظرة دافيد آردن العاطفية يشوبها السخط ." إني أعرف أنك لاتستلطفين دوغ ..." قالت سامنثا :" لنقل ذلك على الأقل." نظر إليها شقيقها متأملاً." لا أستطيع أن أتصور مافعله دوغ لك حتى تكرهيه على هذا النحو ؟" " إنني لاأكرهه . ولكني لاأشاطرك أنت ووالدتي ذلك الرأي الرفيع حوله . لماذا لا يمكن لوالدتي أن توصله ؟" " تعرفين أن والدتي تُقِل والديّ ليندا.وسيعتبر السيد والسيدة هيلارد أنه شيء غريب إن هي تخلت عنهما لتقل دوغ." " لابأس . وتستطيع ليندا أن تقود سيارتي." " حسناً . أنا سآخذه . لايمكننا أن ندع العريس والعروس يعودان إلى البيت بعد عشاء الزفاف منفصلين." لوت سامنثا فمها ." دع الأمر لدوغ إذن ، ليكون متطفلاً كعادته." نظر إليها دافيد نظرة عتب ." أشك في أن دوغ يدعي الإصابة بداء الشقيقة." " ماكنت لأضع هذا الأمر في طريقي." سامنثا لاتستطيع تذكر الوقت خلال اثنتي عشر سنة عندما لم يفسد ، على الأقل ، واحدة من خططها التي تضعها بعناية . ويبدو أن سنتين من الانفصال لم تجعلا المودة تنمو في قلبها تجاهه . وقد تجنبته خلال الثلاثة أسابيع التي كانت ، أثناءها في المنزل. لقد زاد من تذمرها الوقوف مرتعشة خلف سيارة دوغ المقفلة بعد العشاء كان الليل صافياً. ولكن الجبال الشاهقة ، وأشجار الصنوبر الكبيرة ، غطت معظم السماء .أين كان دوغ ؟ إذا لم تكن الحرارة تحت الصفر ، فإنها لابد قريبة من معدله، كما هو متوقع عادةً في جبال كولوراد وفي هذه الفترة من كانون الثاني (يناير) . سمعت الثلج ينسحق تحت قدميه قبل أن تراه . قالت فيما هو يفتح الباب : " في الوقت المناسب." صعد دوغ من الباب الآخر إلى الشاحنة ذات الأربع عجلات. "شكراً لأنك ستقودين العربة في طريق العودة . إني أقدر لك ذلك إذ أن آلام الصداع تحجب عني الرؤية." ـخذت سامنثا المفاتيح من يده ثم أدخلتها في السيارة. "إنك تعرف جيداً أن دافيد أرغمني على ذلك." "إنك مازلت كما كنت." وربط حزام الأمان ، وأسند رأسه إلى المقعد ، وأغمض عينيه ." سنتان في سويسرا يبدو أنهما لم تغيراك كثيراً." "أعرف أنك تفضل النساء اللواتي يتوددن إليك. النساء اللواتي ينجذبن تحت تأثير عضلاتك ، النساء اللواتي يضعفن إذا أرسلت ابتسامة نحوهن." "بالتأكيد." وابتسم ابتسامة خفيفة ." إنما الآن ، وقد عدت إلى المنزل ، فلن أجزع من محاولات النساء اللواتي يصدعن الرأس . إنك خبيرة في هذه الكلمات . سيكون تماماً كما كان في الأوقات الماضية ." "ليس تماماً . فقد نسيت ليندا." "لا. لم أنس ليندا." وسكت برهة ثم قال:" كنت أتحدث عنك وعن . الطفل المدلل و ..." "الطفل المدلل ! على الأقل إني أنتمي إلى هذا . إني لست شخصاً غير مدعو يأتي دائماً متطفلاً." " لا أستطيع تصديق أنك مازلت تفكرين بهذه الطريقة." لو كان شخصاً آخر ، فربما فكرت سامنثا أنه يؤذيها بلهجته تلك. ولكن كان هو دوغ . العنيد الفظ .وضغطت بقوة على فرامل العربة . فجفل دوغ ." سيدتي ، هل نسيت القيادة عندما كنت في سويسرا؟" "إذا لم تعجبك طريقة قيادتي ، فبإمكانك الذهاب مع من تريد." أدارت وجهها نحوه بغضب . وعندما رأت وجهه الشحب ، خالجتها الشفقة ."إني آسفة . إن رأسك يؤلمك وقيادتي تزيد من آلامه ، أليس كذلك؟" نظر إليها من طرف عينه متجهماً ." لا تعتذري ، فإنك ستخيبين أملي إذا أنا اكتشفت فجأة أنك قد اتبعت الأسلوب الذي يبدل حدتك إلى عذوبة ." توقف لحظة ثم تابع يقول :" لا ، لقد أدركني القلق ، منذ أن بدأت تعاملينني كواحدة من الحشرات المزعجة التي تطير متطفلة حولك ، اعتقد أنك قلتها مرة ." خرجت الشفقة الآن ، من النافذة ." أكنت تسترق السمع ؟ إن دافيد لا ينقل كلامي ولو بعد مئات السنين ." واعادت تركيز ذهنها نحو الطريق في الوقت الذي ظهرت أمامها هرة تقطع الطريق فداست على الفرامل بسرعة جعلت العربة تنزلق بخطورة في اللحظة نفسها . التي توقف فيها المحرك. " أيتها الغبية ..." اعتدل دوغ في جلسته وضع يديه ، اللتين كانتا مثبتتين على السيارة ، على ركبتيه . إني أعرف أنك لا تحبينني ، لكن ليس لدرجة أن تقتليني ؟" " شيء مضحك . هل كان من المفروض أن أقتل القطة ؟ " كنت يداها ما زالتا ترتعشان من الخوف المفاجئ . وحاولت أن تعيد تشغيل السيارة . لكن دون جدوى. رجع دوغ بظهره إلى مقعد السيارة وأغمض عينيه ثانية ." الآن ن لقد عطلتها ." كان شعوره بقربه من الهلاك واضحاً. "شكراً لك ، يا ألبرت اينشتين .أعرف أني عطلتها." وحاولت تشغيلها ثانية ، لكن من دون جدوى. "إنك تعطلينها أكثر . علينا أن نتركها قليلاً حتى تبرد." ونظر دوغ من النافذة ." على الأقل نحن بعيدون عن الطريق العام .بإمكاننا الذهاب إلى ذاك المربع وتناول شراب بينمانحن ننتظر." "سأنادي دافيد ، وعند وصوله تكون السيارة قد دارت ." أغلقت سامنثا باب السيارة ولحقت به " علينا دائماً أن نفعل الأشياء على طريقتك ،أليس كذلك؟" " إنك لاتعترفين بأن طريقتي قد تكون أفضل السبل." وقف دوغ أمام باب المربع. وصلت وراءه وفتحت الباب ." هذا ليس صحيحاً." "اعترفي ،ياسامنثا. إذا طلبت منك أن لاتشربي السم فإنك تشربينه فقط ،لإغاضتي." ودخل وهو يتجاوزها. " فقط إذا لامك الجميع." طلب دوغ شراباً لهما وبدأ يتفحصها وهما على الطاولة . " لم أستطع حتى الآن إدراك كم كانت بركنريدج تبدو هادئة بدونك . لم لا تبقين بعيداً عنها لمدة طويلة ؟" بدأت تحس بنبرة السخرية في صوته ، لكن رؤية اشراقة وجهه أوقفتها . يمكنهما ، بالتأكيد ، التصرف بسلوك حضاري لليلة واحدة ." أتيت مرتين إلى المنزل . , ولكنك لم تكن هنا . ووالدتي ودافيد جاءا إلى سويسرا لزيارتي عدة مرات . لقد افتقدت الوطن والعائلة ، لكني أحببت ، هناك عئلة ميارز . كانو لطفاء معي . لقد أكسبني عملي في الفندق الكبير في برن وفي الفندق الصغير في لوتربرونن خبرة كبيرة .لقد تعاملت مع جميع أنواع البشر ." "والآن؟" " لاأعرف . لكن، مع حصولي على شهادة في إدارة الفنادق ، بالإضافة إلى خبرة ، فإني لا أتوقع أية صعوبة في الحصول على عمل . بإمكاني دائماً العودة إلى أوروبا ، لكنني اعتقد بأن عليّ البقاء ومساعدة والدتي في الفندق لفترة . بإمكانها الإفادة مني بعض الوقت." "إني أفكر بالعودة إلى بريطانيا لبعض الوقت ." فقالت له :" من الأفضل البقاء بعيداً جداً وكل ... أعني ، ليس لدي مشكلة لدافيد . فخطوبته كانت غير متوقعة ." " لماذا كانت غير متوقعة ؟ إن دافيد في الثلاثين ." وطلب دوغ شراباً آخر. قالت سامنثا وهي ترتشف قهوتها :" وماذا عنك؟" "لقد هجرتني." رفع دوغ يده . كان خاطباً . واستغربت هي من تكون المرأة ؟ إنها تعرف ذوق دوغ . لعلها طويلة . ودون تفكير ، غيرت الموضوع وسألته عن الألم في رأسه. " لقد تناولت شيئاً ... علاجاً جديداً أعطاني إياه الطبيب . لابد أنه فعال ، فهذه الشرارات الكهربائية التي كانت تتراقص أمام وجهي يبدو أنها تلاشت ." ونظر إليها عبر كأسه . " أو ربما أنها جميعها مختبئة في خصلات شعرك الأحمر . الأشياء ماتزال غير واضحة بعض الشيء." "شعري ليس أحمر ... إنه الضوء الموجود هنا. إنه ، كما هو معروف ، أشقر." هز دوغ رأسه ." ليندا شقراء . شقراء جميلة ." "بالتأكيد انها جميلة . وتبدو لطيفة .إني أتطلع بشغف لإقامة علاقات أفضل معها . هل تعرفها جيداً؟" "ليس بما فيه الكفاية ." ابتلع ريقه ." ولكنه كان كافياً لأنوي الزواج بها." "أوه" حملقت به سامنثا برعب ." لم أكن أعرف ." "لماذا يجب أن تعرفي ؟ إنك لم تكوني هنا . أنا ودافيد فقط كنا هنا . ولقد انتقلت ليندا إلى بريكنريدج في الخريف الماضي . لقد ذكرتني بالثلوج النحوتة في الرفاست ، الثلوج الباهتة ." ونظر في كأسه ." لقد عقدت العزم على أن أكون النارالتي تذيب هذه الثلوج. وتوجهت إليهما أنظار الجالسين على المائدة المجاورة ، بفضول ، وقد وصل ًوته ، رغم انخفاضه ، إلى مسامعهم. تحركت سامنثا بصعوبة على المقعد الجلدي ." إنني آسفة ، أنا ..." " إنك آسفة . كيف تعتقدين أني أفكر ؟" ووضع يده بلطف على الطاولة . " إن بشرتها ناعمة وباردة . أود لو ألمسها . هذا كل شيء . فقط ألمسها." وامتلأت عيناه بالألم ." غداً مساءً صديقي المفضل ، دافيد سيلمس تلك البشرة . وأنا لا أعرف كيف السبيل إلى لمسها وضم جسدها الأبيض كالثلج." وبدا على الإثنين الجالسين على الطاولة المجاورة أنهما سمعا كلماته ، وانكمشت سامنثا على نفسها. إن دوغ يهذي . لابد أن دواءه الجديد قد فعل فعله . " ألا تعتقد أن علينا العودة إلى البيت الآن ؟" هز دوغ رأسه ." لا أستطيع . عليّ أن أشرب نخب أعز صديق ." وأخذ يتكلم ببطء ، ورمقها بنظرة كئيبة . " إنه سيتزوج غداً ، إنك تعرفين ." "أعرف ." حسنا، ها هو ذا . الساقي ينظر نحوهما . والآن ماذا عليها أن تفعل ؟ وسألها دوغ :" كيف عرفت؟" "إن دافيد شقيقي ." "للأصدقاء." تنهدت سامنثا . دافيد ، سوف أخرجك من هذا ، وعدت بصمت . لماذا لم يخبرها شقيقها أن دوغ كان يحب ليندا؟ أرسلت إشارة سلبية سريعة للخادم الذي تردد أمام طاولتهما . واخترقت رائحته الشبيهة برائحة مبيد الحشرات ، أنف سامنثا . وعلت الأصوات المنبعثة من الخلف عندما حاولت التفكير بكيفية إعادة دوغ إلى المنزل. وسألها معاتباً :" إنك لم تشربي نخب شقيقك . ألا تحبينه؟" "بالطبع أحبه." أجل نخب الأخوة والصداقة ، والآن دعنا نذهب ." واستمر دوغ متابعاً :" اذهبي أنت ." " لاأستطيع . فقد وعدت شقيقي أن أقلك إلى البيت ." وقالت لنفسها ، لأنه سوف يدفع لي الأجرة. وضع دوغ بعض المال على الطاولة ووقف على قدميه . " تباً للاخوات . يبدو أن للأخوة قيمة ." دفعته إلى مقعده في السيارة وسرّت ضمناً لأن المحرك دار على الفور . وبحذر اتجهت نحو شارع بركينريدج الرئيسي . المدينة الصغيرة متلألئة بالأضواء . المئات من الأضواء الصغيرة تزين واجهات المحال والأسطح ، وكان عدد من الأضواء معلقاً داخل أشجار الصنوبر على طول الطريق . بينما المصابيح القديمة ترسل أنواراً وردية على الثلج في الشوارع . جميع المحال مقفلة ليلاً ولكن الواجهات المضاءة تلفت أنظار المارة الذين يتوقفون لرؤية البضائع المعروضة . وقال لها دوغ متمتماً :" سامنثا ، لاتقعي أبداً في حب لا أمل فيه . إنه يؤذي كثيراً." "حسناً." عليها أن تحسن التصرف مع رجل مضطرب فكرت وهي مستغربة بوحه بأسراره . لم يكن دوغ من الأشخاص الذين يثقون بأحد ، كما أنه لم يكن ليتقبل الخسارة بلطف ، حتى ولو كان غريمه هو دافيد. " هل دافيد يعلم بشعورك؟" " دافيد صديقي . قدمت له شقرائي الجميلة . أستطيع القول أنه أحبها على الفور وكنت مسروراً." أطلق ابتسامة مريرة . "كنت غبياً." " يبدو أنهما مناسبان لبعضهما البعض . إنهما جيدان معاً." وانطلقت الضحكة المريرة للمرة الثانية . " جيدان معاً في المخدع . خارج المخدع . في المخدع . خارج المخدع ." كرر الكلمات وكأنه يلحنها حتى أوشكت سامنثا أن تصرخ . ثارت ثائرتها . دافيد يكره إيلام أحد ، بالرغم من أن سعادته تبدو أنه لا يشوبها أي شك .إنها لا تستطيع الإطلاع على شعور دوغ . يبدو ، على الأقل ، أن دوغ استطاع اخفاء مشاعره عن دافيد . نظرت نحوه ، كان رأسه مستنداً إلى المقعد فاغر الفم . على الرغم من هذه الليلة الباردة من كانون الثاني ( يناير) ، فإن سترته ومعطفه كانا مفتوحين . كما أنه حلّ أزرار ياقة قميصه الأبيض وأرخى ربطة عنقه. تفرست سامنثا فيه أثناء القيادة . إنها المرة الأولى التي يكون فيها دوغلاس كلايبورن في مأزق لا يستطيع التخلص منه. تذكرت المرة الأولى التي أحضره فيها دافيد إلى البيت حيث نظر إليها بعجرفة ، كان ذلك عندما كانت تلميذة جامعية في سنتها الأولى وفي الثامنة عشرة من عمرها . وفي الوقت نفسه ، كان يعامل السيدة آردن بلباقة ممتازة . لم يخبر دافيد صديقه الجديد وشريكه في الغرفة بشكل كافٍ . فإبن المدينة الصغيرة كان يعشق الفوضى . والده يعمل في القوات الجوية . بينما سافر دوغ إلى معظم أنحاء العالم. من خلال معرفتها به منذ إثنتي عشر عاماً ، فإن سامنثا كانت تشك في رؤية دوغ ثانية ، حيث أنه عرف الكثيرين في المدرسة ، ولكنها كانت على خطأ . فعطلة بعد عطلة ، وفرصة بعد فرصة . كان دوغ يأتي لزيارة دافيد . وكان ذلك يكلفه مبلغاً كبيراً من المال. وحين كان يخبرهم مسبقاً عن مواعيد إجازاته كانوا يحجزون له مكاناً على متن باخرة يونانية . كان دائماً يختلق الأعذار . لأن دوغ أحب طريقة تعامل السيدة أردن مع الأولاد المدللين عندما يأتون إليها. لا أحد يستطيع معرفة كيف شعرت سامنثا . فشقيقها الذي اعتاد على اصطحابها إلى كل مكان ذهب إليه مع دوغ . وكانت سامنثا مقتنعة بأن دوغ هو الذي أقنع شقيقها بأن السمح لأخته الصغيرة بملاحقتهما هو عائق لأي نوع من الحياة الاجتماعية . إذ أن الحياة الاجتماعية كانت تعني لهما الفتيات. سمعت مناقشة دوغ خلال زيارته الأولى لهم . وابتدأت بينهما حرب مفتوحة استمرت سنوات ، فدوغ أكثر مكراً من سامنثا . كان دائماً يجلب معه هداية لها ويحرص على إعطائها أمام والدتها ، مجبراً إياها على شكره بطريقة لبقة بينما يعرف كلاهما أنها تكره هداياه. ألعاب ورقية كانت هي أكبر سناً من أن تستمتع بها . أدوات لكتابة الرسائل بينما هي تكره كتابتها . ربطات للشعر بينما هي لاتربط شعرها على الاطلاق . وهل تحتاج فتاة تماثل الصبية في ألعابهم ومظهرهم ، إلى ربطات شعر ؟ والهدية التي كرهتها جداً والتي لن تغفرها له ، كانت كتاباً . ولقد نسيت عنوانه أما مضمونه فلم تنسه خاصة الفصل الذي كان تحت عنوان . " كيف يمكن أن تكون محبوباً حتى لو لم تكن جميلاً " . وقد أعطاها دوغ الكتاب مباشرة بعد أن طلب طوني آشلا من سوزي التي كانت تخاف من الديدان ولا تستطيع تسلق شجرة . قادت سامنثا العربة حول البيوت الفخمة الثلاثة التي تكوِّن فندق هامجبيرد وأوقفت العربة في موقف دوغ المعتاد . ثم فتحت بابه " هيا ، النوم جميل." كان دوغ ودافيد يتشاركان الطابق العلوي من المبنى الثالث الذي شيّد حديثاً. وجدت المفاتيح في جيب دوغ ، وضعتها سامنثا في الباب الخلفي . الطابق الأرضي كان مايزال فارغاً ، والطابق الأوسط يوجد فيه استديو دوغ . لم يكن هناك أحد يمكنه رؤية دوغ وهو يصعد السلم ببطء. فدافيد لم يعد بعد لذا كانت سامنثا مجبرة على مساعدة دوغ في الوصول إلى غرفة نومه حيث تمكنت من نزع معطفه قبل أن يأوي إلى السرير. وماذا أيضاً؟ وضعت معطفها على كرسي جانبي . من المستحيل التخلي عنه . افترض ... الأفكار المفاجئة المقلقة جعلتها تجثو على ركبتيها بجانب سريره . وفتحت قميصه ووضعت يدها فوق صدره . كان قلبه ينبض بثبات . وبشرته دافئة وناعمة . أمسك دوغ بيدها وجذبها نحوه وشفتاه تداعبان رسغها ." يالرائحتك الجميلة ممزوجة بالنسيم العليل وشذا أزهار الصيف." تجمدت سامنثا مستغربة تصرف دوغ وكلماته غير المتوقعة وقبل أن تجيب ، كان يعض بأسنانه طرف يدها . من كان يتوقع أن تكون هذه الأسنان مثيرة هكذا ؟ هزت رأسها تبعد عن ذهنها هذه الأفكار. هل هي مجنونة لتسمح لدوغ كاليبورن بمثل هذا الحركات؟ لم يكن هناك وقت للتفكير لأن دوغ كان قد جذبها لتصبح بمستواه. " ماذا تظن أنك فاعل؟" مالت وهي تدفع صدره عنها . ضحك بنعومة ، متجاهلاً ضغطها العنيف للهروب ، وبدأت أصابعه تداعب شعرها ." لاتبدو شفتاك باردتين ." ودفعها إلى فراشه. "دوغلاس كلايبورن ابتعد عني فوراً وإلا ..." ابتلع فمه ماتبقى من تهديدها . وتلاشت مقاومتها تحت تأثير لمساته . لقد تغير دوغ وبدا إنساناً مختلفاً، وقد تبدل الوضع الآن في الغرفة عما كان عليه في الشاحنة . فهما وحدهما لا يسمعان سوى دقات قلبيهما. وابتدأ يهمس وقد جرفته العاطفة :" ليندا، حبيبتي. ليندا، حبيبتي." وتجمدت سامنثا فجأة . الشراب مع الدواء الذي شربه دوغ لم يكنه من معرفة من كان يجالس. "ابتعد عني." صرخت بوجهه وهي تصر على أسنانها وقد منحها الغضب قوة دفعته بها عنها. وصرخ في وجهها :" لاتمثلي أدواراً ، لقد استمتعت بذلك كما استمتعت أنا به ، يا ليندا ." فقالت وهي تسوّي من ثيابها :" إني لست ليندا ." نظر دوغ إليها صارخاً ." أين ليندا؟ ماذا فعلت بها؟" في الغرفة الأخرى ، فتح الباب ، وكان دافيد في البيت باستطاعته الاعتناء بدوغ . لكن دوغ تمتم باسم ليندا ثانية ، وتلاشى شعور الراحة الذي أحست به سامنثا ماذا سيحصل لو سمع دافيد ما كان يقوله دوغ؟ وضعت أصبعها فوق شفتيه ." إني سامنثا . أنا هنا معك." أغلق عينيه وهز رأسه للأمام وللوراء ." لا أريد سامنثا . ليندا . أريد ليندا ." وبدأ صوته يرتفع. كان يتصرف بعنف . وكانت سامنثا تمنعه من الكلام في كل مرة . أحاط خصرها بذراعيه حابساً إياها أمامه لم تجرؤ على المقاومة وشقيقها ما زال يتحرك في الغرفة الأخرى . إذهب إلى السرير يا دافيد! سألته في سرها . مرت لحظة قبل أن تدرك أن دوغ استغل الموقف فأخذت أصابعه تفك أزرار ثوبها الحريري . وقالت له :" ماذا تعتقد انك تفعل ؟" " ابقي معي . لهذه الليلة فقط، يا ليندا." بدا أن الاسم يدوي عالياً في الغرفة . وضعت سامنثا نفسها تحت تصرفه ، فتقبلها و كأنها أذنت له بما يريد. اللمسة الأولى من أصابعه جعلتها تشهق . من المؤكد أن دوغ لا يستطيع جعلها تشعر بمثل هذا الشعور . وسرت الحرارة في جسدها . وضع دوغ رأسه على كتفها. باستطاعتها تحسس أنفاسه الدافئة تداعب بشرتها وهي تحبس أنفاسها ." جميلة جداً . ناعمة جداً . مثل الحرير . رائحتك رائعة." اختفى صوت دوغ ، بينما يداه تداعبان شعرها ثم استراحت على صدره. ومالبث أن صدرت عنه شخرة. كافحت سامنثا للسيطرة على دقات قلبها السريعة . كيف باستطاعة دوغ الإستغراق في النوم الآن؟ لكنها أحست بالراحة . من كان يعرف بم كان يمكن أن يفكر لاحقاً؟ يده كانت ساخنة وثقيلة ، لكنها لم تجرؤ على الحراك حتى تيقنت من أنه لن يستيقظ . ودافيد يتحرك في الغرفة الأخرى. ذهب دافيد أخيراً إلى الفراش . والشقة أصبحت هادئة. لقد سنحت الآن فرصة للهرب . انسلت سامنثا بهدوء من تحت ذراع دوغ ونهضت من الفراش. ومدّت يدها على مقبض الباب ولكن فكرة غير مريحة اجتاحتها . إن المشروب ، مع الدواء ، قد يسبب الموت فكيف تهرب تاركة دوغ وحيداً فاقد الوعي؟ إذا لم يستيقظ في الصباح ... فإنها ستوقظ دافيد وتشرح له الأمر لكنه ليس بحاجة إلى الراحة فقط ، فهناك احتمال أن يبوح دوغ بمشاعره نحو ليندا . وهذا سيكون كارثة .لو أن والدتها ، في مكانها ، كانت ستبقى مع دوغ ، لكنها ستستغرب لم لا تبقى معه سامنثا . خاصة وأن السيدة أردن لابد أنها نامت بينما سامنثا هنا . نظرت بتجهم إلى الشخص النائم فوق السرير . وكالعادة ، كان دوغ نائماً لاوياً عنقه. كانت الغرفة تحتوي على سرير واحد وكرسي خشبي. وهي ترفض أن تجلس طوال الليل. كما أن ردائها الحريري الثمين سيتلف إن هي نامت به . إذاً لابد من النوم من دونه. علقته في الخزانة وبما أنها لم تجد شيئاً تلبسه للنوم ، كان لابد لها أن تنام بثيابها الداخلية . نزعت حذاء دوغ ,اخذت غطاءً وغطت به دوغ ومن ثم اندست إلى جانبه تحت الغطاء . استفاقت سامنثا عند طلوع الفجر بعد قضاء ليلة غير مريحة . فالنوم قرب دوغ الذي يشخر في أذنيها كان متعباً وأكثر ازعاجاً في هذه الخطوة كانت كل حركة تبدو أنها تقربها للاحتكاك بجسم دوغ الصلب . حقاً أن الأغطية تفصلهما لكن ذلك لم يمنع من الارتباك الذي تواجهه عن كل لمسة. إنه ينام بهدوء وسيكون بخير إذا تركته الآن . إنه ليس بحاجة ليعرف أنها أمضت الليل بجانبه . اكتشفت أن وداعته وضعفه سيكونان مساويين لسخريته عندما يكتشف أنها كانت خائفة عليه . وإذا كان يوجد عدالة على الأرض ، فإنه يجب أن يستيقظ معلقاً على مشنقة كبيرة. تركت السرير . كانت الغرفة باردة جداً ، وبطانة معطفها الداخلية أحست بها كالثلج على جلدها . لفت ثيابها بسرعة ، وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب بهدوء . وهي تحبس أنفاسها وما أن أغلقت الباب حتى تنهدت برتياح ثم التفتت لتدخل غرفة شقيقها . " صباح الخير." وبعصبية ظاهرة وضعت سامنثا أصبعها على شفتيها إشارة للصمت ، ونظرت في وجه شقيقها غير تاركة مجالاً للشك بانها لن تترك المكان قبل إعطائه شرحا مناسباً. فسألت :" صباح الخير. هل هناك المزيد من القهوة." أشار دافيد إلى كرسي بجانب الطاولة وناولها كوباً من القهوة. " حسناً . إنه ليس كما تعتقد؟" " ماذا قد أعتقد؟" "تعتقد أن دوغ وأنا ... لم نفعل ولم نكن ." انتهت على عجل. نظرة دافيد الحادة انتقلت من وجهها إلى صرة الثياب التي تضعها في حضنها ." لاتخبريني أن والدتك قد أجّرت غرفتك الليلة الماضية ." " لست بحاجة للتهكم . هناك شرح تام لـ ... لهذا." "ألهذا تخرجين من غرفة دوغ في السادسة والنصف صباحاً ترتدين فقط ثيابك الداخلية وفوقها معطف؟" " نعم." ارتشفت بعض القهوة . وهي تحاول استعادة القصة في ذهنها." حسناً؟" كان وجه دافيد متحجراً تحت حاجبيه الأشقرين. وضعت سامنثا فنجانها على الطاولة ." تعطل المحرك معي في طريق العودة للبيت ، لذا ذهبنل لتناول شراب." تركها ترتاح لبضع دقائق . ثم أخذت تشرح تأثير الدواء الجديد ، مع كأسين من الشراب ، على دوغ ." فلم أستطع تركه وحيداً بعدما حصل له." " كانت عربة دوغ هنا عندما عدت إلى البيت . فلا بد أنك كنت في غرفته عندما دخات لِمَ لم تستنجدي بي؟" فقالت كاذبة:" لابد أنني استغرقت في النوم." كان هذا هو الجزء غير المقنع في القصة ." إضافة إلى أن اليوم كان يوم زفافك . ولابد أنك كنت بحاجة للنوم." حاولت أن تبتسم ." باستطاعتي متابعة نومي الليلة . لن أكون في شهر العسل." توردت وجنتا دافيد ، لكنه تجاهل ما قالته ." الآن دعينا نسمع الجزء الذي تركته ." "لا أعرف ماذا تعني ." " لم تكوني قط كاذبة ممتازة." تفحصها دافيد من خلال فنجانه . وفجأة ارتسمت على وجهه ابتسامة ." بالطبع . أنت ودوغ." رجع إلى الوراء . " لقد اشتبهت منذ سنوات في أنك كنت تحبينه . وأخيراً أوقعت به . أليس كذلك؟" " لاأعرف ماذا تقصد." وأعادت سامنثا الفنجان بيد ثابتة. "وتريدين مني أن أشكرك . وتدعين أنك لاتريدين أن تأتي بدوغ إلى البيت." وغرق دافيد بالضحك." متى حدث ذلك ؟ متى أصبحتما متفاهمين ومنسجمين بهذا الشكل ؟" " لاتكن غبياً . دوغ وأنا ... الفكرة بكاملها منافية للواقع." وعادت إليها ذكريات قبلات دوغ فحولت أنظارها عن شقيقها الذي لم يغب عنه أن التورد المفاجئ على وجهها يدينها. " لاتسغفلي شقيقك الأكبر." كان صوته يدل على شعور متساو بين المتعة والنصر. فأصرت هي :" إنه فعلاً فقد الوعي من تأثير الدواء والشراب ." "إني متأكد من أنه فعل . كما إني متأكد تماماً أن سامنثا دفعته ، فوراً ، إلى سريره، متجاهلة شقيقها الأكبر ونامت معه في سريره ، راجية أن يستيقظ دوغ ليجد نفسه مرتبطاً بسامنثا الجديدة التي أعجبت مؤخراً بأوصاف دوغ فأخذته إلى السرير لتنام بجانبه طوال الليل." " هذا ليس صحيحاً ..." لم يستمع دافيد إليها ." انتظري حتى أخبر ليندا ." "لاتفعل ... " " وبعد دقيقة ، أعتقد أن علي أن أمزق صدر صديقي القديم لأنه أغرى شقيقتي الصغرى ، ولكن هذا مختلف." تجمدت يدا سامنثا حول فنجانها . أية ورطة ، وضعت نفسها فيها ؟ إذا أقنعت دافيد أنها ودوغ غير متحابين ، فإنه سيتحرى أكثر عن الموضوع . إنه على حق . إنها لم تعرف ابداً كيف تكذب عليه . أسهل لها أن تجاريه الآن ... وبعد ذلك يمكنها أن تشرح له الأمر . بعد شهر العسل . عندئذ لا يهمها الأمر كثيراً لأن دافيد وليندا يكونان قد تزوجا بأمان . نظرت إلى شقيقها بابتسامة باهتة ." أردنا أن نبقي الأمر سراً." " لماذا؟" رفعت كتفيها مدافعة ." اليوم هو يوم زواج ليندا . وليس من المناسب أن نسرق فرحتها بإعلاننا ..." وقفت الكلمات في حلقها. "هل أنتما مخطوبان؟" وازدادت ابتسامته إشراقاً. " لا! هذا ليس صحيحاً . أرجوك ، دافيد . أحتفظ بسرنا ." حركت الكوب بين يديها ." إنه ليس مألوفاً لدي أو لليندا أن نتقاسم الأضواء . دعها تستمتع بيومها هذا ، وبعد ذلك ..." هز دافيد رأسه راضياً ." إنك لا تحبين أبداً أن يشاطرك أحد محور الانتباه." " ذلك واضح . ثم انك لن تخبر احداً ." "بشرفي الكشفي." وأتبع ذلك قائلاً:" إن سرك بأمان معي." "أي سر؟" استدارت سامنثا بذعر . كان دوغ واقفاً قرب قبضة الباب في غرفته . وبإمكانها رؤية جفنيه المغمضين على الرغم من المسافة بينهما. وقبل أن تكلمه ، وقف دافيد على قدميه واجتاز الغرفة ليصافح دوغ بحماس. إنك كلب ماكر . تهاني." جفل دوغ وغطى عينيه بيده الأخرى ." عن ماذا تتكلم بحق الجحيم؟" أزاح دافيد يده ، اجتاز دوغ الغرفة وسكب لنفسه فنجاناً من القهوة ليشربه بشراهة ثم سكب فنجاناً آخر ، التفت واستقرت أنظاره على سامنثا . رفع حاجبيه لرؤيتها غير مرتدية كامل ثيابها ." التهانب لأجل ماذا؟" " عن الذي أخبرتني به سامنثا الآن ." قال دافيد بسرور غير آبه بنظرات الغضب في عيني سامنثا . وعاد إلى غرفته ، ويده مرفوعة باستسلام ." حسناً . لن أقول كلمة أخرى ؛ ماعدا أني موافق كلياً." جلس دوغ متثاقلاً على كرسي مقابل سامنثا ." إني لست برجل جيد ، ولدي شعور أني سأكون أسوأ عندما اكتشف ما يتكلم عنه شقيقك." الأخذ بالثأر شيء جميل ، فكرت سامنثا بذلك . رمقته بنظرة محتشمة ." أعتقد أن جميع الأخوة يسرون عند إعلامهم بأن شقيقتهم قد خطبت لتوها." " تهانيَّ . من هو هذا التعيس ، الشيطان غير المحظوظ؟" أشارت سامنثا نحوه بفنجانها. صعق دوغ . " انتظري لحظة . تقولين أنك وأنا ... مستحيل!" رمقته بعينيها وتنهدت بقوة ." كنت عاطفياً جداً مما جعلني أنجذب نحوك بقوة ." " عم تتكلمين أنت؟" وضع فنجانه على الطاولة . " ماذا يجري هنا؟" ارتاحت سامنثا لسماعها صوت جريان الماء أثناء أخذ دافيد حمامه ، مما يمنعه من سماع صراخ دوغ . وأطلقت نظرة متجمدة نحو الطاولة . " دعني أخبرك بهذه الطريقة . إن أحمر الشفاه على بشرتك هو ليس من ليندا ." " أعرف ..." وحلت نظرة محملقة مكان الغضب في وجهه. " ماذا حدث الليلة الماضية؟" " لنبدأ بذلك ، إنني لست الشخص الذي يتصنع الغباء." " لا أتذكر كثيراً عما حدث ." " إنني لست مدهوشة ." " لكني متأكد ." ثم تابع :" ستكونين أكثر من سعيدة إذا تكلمت شيئاً ، دون أن تحذفي من التفاصيل." أسرعت سامنثا باخباره عن أحداث الليلة السابقة متجاهلة ذكر كل شيء حدث منذ أن دخلت إلى غرفة نومه . وزاد الاستياء في نظراته عندما وصلت إلى نهاية القصة ." وعندما ضبطني دافيد خارجة من غرفتك هذا الصباح . توصل إلى هذا الإستنتاج." " والذي لم تهتمي بتصحيحه." " حاولت لكن ..." " لكنها فرصة أعجبتك لتضعيني في مهب الريح ." " لم أكن أفكر بك إطلاقاً . أنا ..." فقال :" أستطيع تصديق ذلك . الآن وقد حصلت على متعتك بإمكانك إخبار دافيد الحقيقة." "لا. ليس قبل عودته وليندا من شهر العسل ." "إذا كنت تعتقدين أنني سأتظاهر بحبك فقط لأجل شقيقك ..." "ضبطني خارجة من غرفتك بعد قضاء الليل معك . خائفة عليك!" " لم أطلب منك البقاء ." فواجهته بقسوة ، نعم لقد فعلت لقد رجوتني." " إنك تكذبين ." " هل أنا ؟ إنك تتذكر ذلك جيداً؟" " تعرفين اللغة جيداً . إنني لا أتذكر أي شيء بعد دخولنا المربع ." ووقف مائلاً :" إني ذاهب لاخبار دافيد بالحقيقة ." فوقفت سامنثا بدورها :" حسناً . أخبر دافيد بالحقيقة ." كانت ترتعش من الغضب ."أخبره كم تحب عروسه . أخبره كيف نمت مع شقيقته لأنك تعتقد أنك تمارس الحب مع خطيبته . إذا كنت محظوظاً سيوقف الزفاف . وهذا ما تريده ، أليس كذلك؟ أن يلغى الزفاف . أخبره . ماالذي تنتظره

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا