أنقذني الغرق

الفصل الأول
رحلة العودة
وصلت ليزا امام باب شقتها وهي تحملل بيد باقة من الاقحوان وباليد الاخرى كيساً من المؤن. وضعتها ارضاً وبحركة عصبيه اخذت مفتاحها من جيبها ودخلت شقتها بغتة كأنها تقتحم دارها، فدوى الباب خلفها. ولدى سماعها الحركة علا صوت صديقتها ماندي من الداخل : -ليزا هذا انت بالطبع! لا احد سواك يحدث جلبة كالتي تحدثينها وانت تدخلين. خلعت ليزا معطفها المخملي وقبعتها ذات اللوم المنسجم مع معطفها ورمت بها على المقعد باهمال. توقفت ماندي عن عملها لحظة وانتبهت لباقة الاقحوان : -لمن هذه الازهار الرائعه؟ حملت ليزا باقة الاقحوان ورمت بها في حركة فوضوية مع كيس المؤن على الطاولة في المدخل واتجهت نحو صديقتها التي عادت الى عملها في الرسم الدقيق على الاواني الفخاريه. قالت ليزا بشيء من التعب : -هذه الباقة لك. كيف ترين لونها الزاهي؟ تركت ماندي ريشة الرسم جانباً ونظرت الى صديقتها التي وقفت امامها كفرس برّيه فبدت لها ليزا انيقة في ثوبها الاخضر الناعم الذي يزيدها جمالاً ويعطي سحراً خاصاً لعينيها اللوزيتين ولشعرها الاحمر . ثم تأملت باقة الاقحوان ذات اللون البهيّ. -اجدها رائعة! اجابت ماندي موافقة : -انها تشبهك ،طبيعيه ، متينه وفي الوقت نفسه فيها شيء من الغرابه. ضحكت ليزا لدى سماعها تعليق صديقتها ماندي وأجابت عاقدة الجبين : -لا أجد نفسي غريبة الاطوار الى هذا الحد الذي تتكلمين عنه كما اتمنى ان لا ابدو صلبة كما تزعمين! قامت ماندي عن طاولة عملها وبدأت ترتب الاقحوان في اناء : - لا اقصد شيئاً معيناً ، كنت فقط المح للون الاقحوان فهو من الالوان التي تحبينها عادة. اجد ان الذهبي والاسمر والاخضر والاحمر ، اي الالوان الخريفيه عامة هي الوانك المفضلة! بدأت ليزا تهدأ قليلاً وبدا ذلك على وجهها : -صحيح! انت على حق! هذا لطف منك لاشارتك الى الالوان التي احب ! وقفت ليزا وبدأت تتمشى في الغرفة حول الطاولة حيث بسطت ماندي اوانيها الفخاريه : -اراك قمت بعمل جدي؟! -لست راضيه على ما فعلت اليوم ، هذا لا يكفي ، مازلت متعبة من رشحي! ترتاح ماندي في جلستها قليلاً كأنها تبعد عنها التعب وتكمل : -ابكرت اليوم في عودتك ، هل من جديد على صعيد عملك؟ اجابتها ليزا بشيء من السخرية والتردد : -تشاجرت مع مدير عملي هانون وتركت المشغل على الفور. يدير هاتون مشغل الالبسة النسائية ، الذي تعمل فيه ليزا ، كمصممة ازياء، منذ عامين. ذاع صيت المشغل ، بفضل جودة اقمشته وابتكاره لموديلات حديثه ، ولطرافته في تصنيع الثياب ، ولكن وللأسف ، بقدر ما كانت ليزا محبوبه ، وحائزة على تقدير واعجاب مدير المشغل ، السيد هانتون ، بقدر ما كانت المشاكل تقوم بينهما نظراً لطبعها المشاكس الذي كان يسبب لهما مشاحنات كثيرة. تعرف ماندي ان ليزا ليست مرتاحة كلياً في مركز عملها ، لذا عادت تسألها من جديد بشيء من القلق والفضول : - هل تبغين العودة الى المشغل؟ - لن اعود ، حتى لو اتى مدير المشغل السيد هاتون بنفسه ، وركع امامي متوسلاً عودتي. لم تكن لهجة ليزا امراً غريبا على ماندي ، لأنها اعتادت حدة طبع صديقتها ، وليست هذه المرة الاولى التي تنفعل فيها ليزا لهذه الطريقة. لكن مجرد تفكيرها بالسيد هاتون راكعاُ امام ليزا ، متوسلاً عودتها الى مشغله ، اثار انتباهها ، ولم تتمالك نفسها ، فانفجرت ضاحكه : - ريشارد هاتون ، الرجال المتعالي ، الساخر ، المتكبر ، جاثياً امام ليزا روي! راجياً اياها العودة الى عملها...ليس بوسعي تصوره على هذا النحو... اجابت ليزا بمرارة وبعنف : - في الواقع ، انه يتمنى رؤيتي راكعه امامه ، اتوسل اليه هذه اللحظه من اسعد لحظات عمره ، لأنه يعتقد انني استحق هذا ، وانه دائما على صواب فيما يقول ويفعل . لديه لذة في اذلالي واهانتي ، ارضاء لنزواته. مهما فعلت ، فهو ينتقدني باستمرار. اليوم مثلاً ، انتقد موديلا امضيت وقتا طويلا في تصميمه. حاولت اقناعه ان هذا الموديل سيباع باعداد كثيره في السوق وسيلاقي رواجا ً، دون جدوى طبعاً ، فكلام الملوك لا يعاد ، هو المصيب وانا المخطئه. مثله كمثل سائر الرجال. لا يأخذون بعين الاعتبار ما تقوله وما تفعله المرأة. حجتهم الوحيدة ان النساء لا دور لهن في الحياة العملية ، ودورهن الاساسي هو العمل في المنزل وتربية الاطفال. وكل ما يتعلق بالاشياء الاخرى ، لا علاقة للمرأة به ، فلا يمكن ان تكون المرأة بمساواة الرجل فالذكاء ، والقدرة ، والنجاح ، هي صفت تخص الذكور فقط ! سمعت ماندي بهدوء بالغ ، ليزا ولم يسعها الا ان تقول بجرأة : - لكن هذا صحيح ! كانت رؤية ليزا ، على هذه الحال تقيم الدنيا وتقعدها كأنها في ساحة قتال تسلي ماندي وتلهبها لذا تجرأت وقالت لها : هذا صحيح، ولم تكد تنه عبارتها هذه، حتى بادرتها ليزا على الفور بحنق اكبر ، وبلهجة مصعوقة : - انت تعرفين جيداً يا ماندي ما اقصده من كلامي ، كما تعرفين ايضاً ان للنساء مواهب كثيرة على الرجال الاعتراف بها بدلاً من طمسها وانكارها. ريتشارد هاتون من فئة الرجال الذين لا يقدرون مواهب النساء ، لهذا السبب يعتبرني عاجزة عن التفكير بصورة موضوعيه. اعتباره هذا ليس منطقياً ولا ينطبق علي لأنه ينطلق فقط من كوني امرأة ولا يحكم علي بحسب قدراتي ، وهذا شيء ارفضه ! - فكرت في بداية عملك في المشغل عند ريتشارد هاتون ، انك تميلين الى هذا النوع من الرجال ، وربما تقعين في حب رجل كريتشارد مثلاً ! - لا ، ابدا. كنت اقدّر في ريتشارد هاتون مهارته وحذقه فقط ! - هذا لا يكفي لأشعال نار الحب. اجابت ماندي بذكاء ودها ء، فعبست ليزا فجأة وقالت: - لا اعرف ماهو الحب بالضبط. لكنني متأكده من شيء ، انه لا يمكنني الوقوع في حب رجل لا يقدر النساء ولا يحترمهن كريتشارد هاتون. اقتربت ليزا نحو النافذه وتركت نفسها تسرح لحظة في المنظر الخارجي. الطقس شتاء والناس تركض تحت قطرات المطر او تلجأ الى ضلال الاشجار. قالت ليزا محدثة نفسها بصوت خافت وهي تمعن في التأمل. -كم اكره شهر تشرين الثاني(نوفمبر)...عندما تشتاق الى العصافير، والفاكهة والازهار انني اردد قولاً لشاعر ما... شعرت ماندي ان ليزا حزينة، فارادت ان تكيف الجو، فقفزت واقفة وقالت بفرح: -سأقوم بتحضير ابريق من الشاي. قبل ان انسى، لك رسالة على المدفأة من اسكتلندا. لم تتحرك ليزا من مكانها بل بقيت واقفه امام النافذه، سارحة في افكارها، شجارها مع مدير عملها ريتشارد هاتون، هذا الصباح، اعتبها، وافقدها عزيمتها، فبدا لها من الصعب جدا معاكسته، هي التي كانت تعتقد انه بمثل لها، كل ما تقدره في الرجال عامة. لكنها لم تخطئ في تعلقها بموقفها، كان عليها التمسك بشدة برأيها، كما فعلت، ليس هناك اي مبرر لخضوعها لمتطلبات مديرها، ولعدولها عن قناعاتها، لأرضائه، هو الذي يتقيد بنزواته، دون النظر موضوعيا الى سير العمل. انها الان تتمتع بحريتها الكاملة، المطلقه، تماما، كخالتها مود روي... مانت ليزا تردد هذه الافكار لنفسها، وهي لا تزال واقفه امام النافذه، تراقب المنظر الحزين، وبدأت تخف عصبيتها، وتهدأ ملامح وجهها، وعند ذكرها خالتها مود، تذكرت الرسالة التي تنتظرها من اسكتلندا. اتجهت نحو المدفأة، وابتسمت لدى رؤيتها الخطوط الناعمة على المغلف، خالتها مود، هذه المرأة العجوز، تعرفها ليزا من كتابتها الرقيقه وهي تعيش وحيدة من فسخها خطوبتها من شاب، خسر مكانته في حياتها ، وقد اعتبرها له ، ومنذ ذلك الحين ، ابتعدت عنها فكرة الزواج، ولا تزال حتى اليوم ، بالرغم من السنين ، تحافظ على حيويتها ونشاطها. تمر هذه الافكار ببال ليزا ، وهي تفتح رسالة خالتها بتأثر: - (عزيزتي ليزا. مضت فترة طويلة ، ولست اليوم على احسن حال. صحتي المتدهورة تناسب احد الاشخاص في القرية الذي يتمنى لي الموت عاجلاً طمعا منه في امتلاك بيتي، والاراضي التي حوله. زارني هذا الشخص مرارا، ليعرض علي شراء مسكني وكان جوابي بالنفي طبعا. حاولت اقناعه بالعدول عن مشروعه، متذرعه، بان احد افراد اسرتي سيرث ملكيتي الخاصه بعد موتي، ولا افكر اطلاقا بالتنازل عنها لشخص غريب، حتى لو كان، هذا الشخص اسكتلندي الاصل مثلي. لكن يبدو انه لم يقتنع بحجتي هذه. رأيته هذا الصباح بالذات، يدور حول نافذتي، ويقيس الارض التي تحيط بالشاطئ. ليزا انا قلقه وخائفه من نوايا هذا الرجل. ربما يسعى الى البناء في البقعة المواجهة لمنزلي، فيحجب عني المنظر المشرف على البحر. ما يزيدني قلقا وتوترا انه ينتمى الى احدى العائلات العريقه والاصيله في اسكتلندا. فلو كان غريبا عن منطقتنا، لكانت حجتي اعطت نتيجه. لكن اريده ان يفهم نهائيا، ان عائلة روي، هي ايضا من احدى العائلات العريقه والاصيلة، ولن نتنازل عن املاكنا، لعائلة اخرى، ومتى اخذنا قرارا لن نتراجع عنه. لذا اطلب منك يا عزيزتي المجيء في فرصة عيد الميلاد ورأس السنة، لأبرهن له ان لي قريبه من عائلة روي، تتمسك هي ايضا بأملاكها، وهي التي سترثني بعد موتي. لا تظني انني ابغي مجيئك لهذا السبب فقط، فأنا افتقد وجهك الطفل، الذي غاب عني وقتا طويلا). في هذه الاثناء دخلت ماندي بابريق الشاي، ولم يغب عن وجه ليزا المكتئب فبادرتها بلطف : -اخبار سيئة؟ -------------------------------------------------------------------------------- - لا ، ليس بالتأكيد. كانت خالتي مود مريضة. تريدني ان ازورها في فرصة الميلاد ورأس السنة. مسكينة ، تطلب مني المساعدة لحل مشاكلها. - كم مضى من الوقت لغيابك عنها؟ - سبع سنوات تقريبا ، زرتها اخر مرة مع والدتي ، قبل سفر والدي الى جامايكا اذكر ان والدتي الحت علي كي ارافقها. كأنها تعرف مسبقا انها لن ترى اختها فيما بعد ، وكان حدسها صادقا ، اذ ماتت والدتي باكرا ، وبعد وفاتها فكرت مرارا بزيارة خالتي ، وكان الوقت يغدرني ، كنت امضي عطلتي في السفر او عند ابي. -اذا لا شيء يمنعك من السفر في الوقت الحاضر ، حتى لو اتصل بك ريتشارد هاتون وطلب منك العودة الى العمل. انت بحاجة يا عزيزتي ليزا الى القليل من الراحة والهدوء. العطله ستفيدك حتما لأتخاذ قرار على صعيد عملك. بدات ليزا تتمشى في الغرفة بخطى واسعة سارحه في افكارها ، تعيد في رأسها رسالة خالتها وما قالته ماندي ، لا شك ان صديقتها ماندي على حق فيما تقول ، فهي في امس الحاجة الى عطله. وبدأت ترودها صورة المركب الذي يقلها الى الجزيرة وصورة البحر الذي يلمع تحت الاضواء ، وصورة القرية القديمة خلف البحر قرية اردمونت التي تعتبر مركزا مهما لرياضة اليخوت والشمهورة ايضا بمصانعها العتيقه لغزل اجود انواع الاقمشه ، خاصه التويد. لاقت اردمونت لسنوات مضت ازدهارا يصعب على اهاليها تناسيه بسهوله...تمر كل هذه الصور امام ليزا ، وهي تتمشى في غرفتها ويعود الى ذاكرتها بيت خالتها مود روي المصنوع من الحجر الاسمر العتيق والصلب ، والذي يطل على البحر من خلف التلال المكسوة بالاشجار ذات الازهار البنفسجيه ، ويشرف على المرفأ حيث ترسو اليخوت بهدوء. تعود هذه الصوره الى ليزا دفعة واحدة ، ويزداد فيها الشوق الى السفر ، ورؤية خالتها مود روي بعد غياب دام سبعة اعوام. فجأة رن الهاتف في شقة ليزا وماندي فأعاد ليزا الى الوافع فنادت صديقتها بنشاط وحيويه : - ماندي! ارجوك ، ايمكنك الاجابه على الهاتف! اظنه ريتشارد هاتون ، قولي له انني سافرت ولا اود العودة الى العمل ، اطلاقا! هكذا قررت ليزا ، وهكذا تركت عملها عند مديرها ريتشارد هاتون ، لتنطلق نحو الجزيرة خلف البحر ، نحو قريت اردمونت حيث تنتظرها خالتها. كان تنفيذها سريعا ، فلم تمضي على قرارها فترة قصيرة ، حتى كانت على ضهر المركب الذي ينقلها الى اردمونت بعدما ابرقت لخالتها تخبرها عن مجيئها ووجدت من يحل محلها بالقرب من صديقتها ماندي. ليزا ، الان على ضهر المركب والهواء البارد يلفح وجهها تقف منتصبة ، تتأمل الجزر التي تلوح امامها خلف السحاب وتحمي كتفيها ورأسها داخل ياقة معطفها التي رفعتها لتجابه هبات الهواء القارسه وبينما هي سابحه في تأملاتها اطل عليها صبي اشقر في السابعه من عمره يرتدي معطفا مناسبا للرحله وبيده قطعة حلوى يتذوقها باهتمام. اقترب منها الصبي وهو يحدق في وجهها وقال بفضول : - ترتدين معطفا واسعا كالساحرات ، الا تخافين الهواء؟! اجابت ليزا بابتسامه : - معطفي يدفئني بما فيه الكفاية...فلا اخاف الهواء. - يحب ابي مثلك الهواء الطلق ، لكن سارة لا توافقه الرأي فهي تكره الهواء. تعجبت ليزا من مبادرت هذا الصبي تجاهها ومحادثته نعها بعفويه بالغه وتساءلت كيف انه يتجول بمفرده على ظهر المركب بدون مراقبة احد من ذويه فسألته مستفسرة : - اين والدتك؟ - في تازمانيا. واضاف بلا مبالاة : - يتناول ابي طعام العشاء مع سارة في الداخل. وصل المركب الى المرفأ واختفى الصبي فجأة كما اطل على ليزا. وبدأ المسافرون بالهبوط واتجهت ليزا اليهم تاركة تأملاتها تغيب في الوان البحر. وفجأة سمعت صوت رجل خلفها يناديها : - صباح الخير...الآنسة ليزا روي سميث اليس كذلك؟ استدارت ليزا ، ناحية الصوت ، فاذا الرجل الذي ناداها ، اشقر، وسيم بهي الطلعة مد يده للتحيه فبادلته السلام. - نعم انا ليزا. - اعرفك بنفسي. ساندي لويس. تقابلنا منذ سبع سنوات، اتذكرينني؟ - انت المدير المسؤل عن مصنع اقمشة التويد...تذكرت، نعم. لو تفضلت وقلت لي، من هو الصبي الذي كان يكلمني على ظهر المركب؟ -انه جوني لامون ابن صديقي فرايزر يعامله والده بكثير من الاستقلاليه ، كأنه راشد...هه...هذا ابي يتجه نحونا ، سنرافقك حتى منزلك... استقبل والد ساندي ، تشارلي لويس ليزا بحرارة وبلهجته الاسكتلنديه الاصيله الصافيه: - هيا بنا ، مود في انتظارنا ، وعدتنا بقالب من الحلوى وبكثير من الشاي. انطلقت السيارة ، بليزا روي سميث ، وبساندي لويس ، وتولى والد ساندي السيد تشارلس لويس القيادة. وبينما كانت سيارتهم تسير على مهل في الطرقات الجبليه الضيقه ، تنبه ساندي لسيارة كبيرة سوداء تقترب منهم ، فقطع حديثه مع ليزا ليقول لوالده : - ابي ، خذ اقصى الشمال هنالك سيارة تقترب منا بسرعة. لا تتسع الطرقات الضيقه في اردمونت لسيارتين ، لذلك كان السيد تشارلس لويس يسير على مهل. لكن عندما اقتربت السيارة السوداء وبدأ سائقها يعطي اشارة للمرور مطلقا العنان لزموره طالبا التجاوز ، اضطر السيد تشارلس الى الاسراع متمتما بغضب : - من يعتبر نفسه هذا الوقح المتغطرس! لن افسح له مجالا للمرور ليست الطرقات له ايظن انه يملك كل شيء؟ التفتت ليزا الى الوراء ولمحت سيارة سوداء كبيرة تزاحم سيارتهم فما كان من ساندي الذي حافظ على هدوئه الا ان انفجر ضاحكا وقال معلقا : - ان كان لا يملك كل شيء ، فهر يملك القسم الاكبر من القرية. اسمعني يا والدي وكن عاقلا خذ اقصى الشمال وانحرف قليلا ودعه يمر. ولم ينه ساندي كلامه لوالده حتى دوى زمور آخر اقوى من السابق مما زاد السيد تشارلس عصبيه. فالتفت ساندي متفقدا السيارة التي خلفهم وجدد دعوته لوالده بشيء من القلق : - دعه يمر ، سارة ترافقه مع ابينه جوني. - حسنا ، سادعه يمر. ثم اضاف باستغراب : - ماذا تفعل سارة هنا؟ اجاب ساندي والده بتجرد وبوجه قاتم : - اتت لتمضي العطله عند ذويها ، بعد حصولها على الطلاق. لاحظت ليزا ان ساندي ، بدا حزينا فجأة وهو يتكلم عن سارة ، بالغرم من اللامبالاة التي حاول اضهارها. في هذه اللحظه ، تجاوزتهم السيارة السوداء محدثة ازيزا مزعجا فلمحت ليزا بداخلها على المقعد الخلفي الصبي الذي حدثها على ظهر المركب. لم يستطع السيد تشارلس كتم شعوره ، فتذمر قائلا : - انظر الى هذا المجنون ، كيف يقود سيارته بسرعه ، مسكين ابنه. فانزعج ساندي هذه المرة من تعليق والده وأجابه : - لا تنسى ان فرايزر يتولى امر تربية ابنه جوني بمفرده ، وانه يبذل ما بوسعه من اجل ارضائه. - كل امرأة تحلم بالاهتمام بهذا الصبي ، وستكون سعيدة ان شاءت لها الظروف لكن الامر العسير ، في هذا الموضوع ، يعود الى اطباع الاب التي لا تطاق. ساندي قل لي ماذا طرأ فجأة على فرايزر حتى قرر شراء "فيللا الشروق". - لم يطرأ عليه شيء ، كل مافي الامر ان عائلة موريسون تود بيع املاكها ، وهو الشاري الوحيد في المنطقة ، وسيحول "فيللا الشروق" الى فندق فخم ، وهذا ما ينقصنا هنا بالفعل في اردمونت. لم تكن يوما دوافع فرايزر في التوسع والامتلاك سيئة ، كل ما يفعله يعود بالفائدة على قريتنا ، كانت دائما مشاريعه مدروسه وواضحه ، لذا ، علينا ان نشكره ونحفظ له الجميل. الم يكن الوحيد الذي اعاد حركة المراكب الى الشاطئ؟ يكفي انه بفضل مبادرته هذه، عاد الكثيرون من شبابنا الذين تركوا في السابق قريتهم بحثا عن عمل في الخارج ! فضحك السيد تشارلس لويس هازئا : - انت تدافع عنه بضراوة. - اضنك نسيت ان فرايزر لامون انقذني من الغرق عندما كنت صغيرا. والتفت ساندي الى ليزا ، التي كانت تسمع بهدء وبانتباه هذا الحوار العنيف بين ساندي ووالده ، فقال لها ساندي مجاملا : - معطفك انيق جدا ، وعلى درجة كبيرة من الذوق! - انه من تصميمي. - ارجوك ، لاتعيري انتباهك لشجارنا انا ووالدي ، ويهمني جدا ان يكون هذا المعطف من تصميمك. اظن ان هذا النموذج من المعاطف ، يليق بقماش فخم، كالتويد الذي ننتجه. - تثيرني زيارة مصانعكم للاطلاع على اقمشتكم ، هل هذا ممكن؟ - بكل تأكيد! عندما تشائين يهمني جدا ان تزوري مصانعنا وتشاهدي كيف ينسج القماش ويلون ، انت مدعوه من هذه اللحظه بالذات. - عملت مصممة ازياء لمدة سنتين ، لذا يهمني الاطلاع عن كثب على عملية نسج القماش. هذا الامر يستهويني للغاية! - انت الشخص الذي نحن بحاجه ماسه اليه. ها قد وصلنا عند خالتك مود. اوقف السيد تشارلس السيارة امام الباب الخارجي لمنزل مود روي ، وهرعت ليزا الى المدخل تتفقد عن قرب المكان الذي غابت عنه. لأول وهلة بدا لها كل شيء كما كان في السابق، ولم تلحظ الفرق الا عندما اصبحت على بعد مترين من منزل خالتها مود ، فلفت انتباهها عنبر جديد للجهة الشرقيه ، يغطي منظر التلال المجاورة للمنزل. ادركت في الحين اهمية الرسالة التي بعثت بها خالتها اليها واهمية مجيئها الى اردمونت. وبدأت تدور بأفكارها حول هذا الشخص الذي تكلمت عنه خالتها والذي يرغب في شراء منزلها ، انه الشخص نفسه الذي دار حوله الحديث بين ساندي ووالده فرايزر لامون ، من اجله اتت الى اردمونت. فتحت مود الباب ، فبدت عمتها كما في السابق تتكئ على عصاها ناعمة ، هادئة ، خلف بسمتها الرقيقه ، تخفي وجها وقورا. فسارعت مود اليها : - ليزا ، واخير اتيت الى اردمونت! ليزا يا عزيزتي ، ما زلت تحافظين على نظارتك...لكنني اراك نحيلة. اعرف اطباعك ، نحافتك هذه مطابقه لذوق العصر ، وانت يهمك كثيرا التمشي وفق العادات. ثم تقدمت مود روي ، من ساندي وتشارلس لويس ، وابتسمت لهما شاكرة ، في هذه الاثناء كان ساندي ينقل حقائب ليزا الى الداخل : - اهلا وسهلا بكما. تفضلا ! ساندي لم ارك من مدة طويلة...لم هذا الغياب؟ تفضلوا...الشاي وقالب الحلوى بانتظارنا جميعا. دخل الجميع الى الصالون ، ودارت الاحاديث كالعادة حول ما يجري في القرية ، في هذه الاثناء استغلت ليزا الفرصه واخذت تتأمل منزل خالتها بعد غيابها الطويل عنه. لم يزل الصالون كما كان عليه في السابق. الاواني الفضيه ، الخزف الصيني ، حتى النار في المدفأة التي تبعث دفئا خاصا وتخفف من وطأة الوحدة. ما زالت تحافظ على رونقها. تدور ليزا في البيت ، وتتفقد كل غرض في مكانه. كل شيء كان يبدو لها مألوفا: العاج الافريقي ، التماثيل الصغيره ، الملاعق الفضيه المنقوشه ، الستائر السميكه التي تخفي واجهة المنزل الزجاجية ، لم يتغير شيء في الداخل ، ما زالت خالتها تحافظ على الاسلوب نفسه، فرحت ليزا لشعورها هذا ولم يعكر صفوها الا هذا العنبر الذي رأته عند وصولها. عادت الى زائريها السيد تشارلس وساندي لويس . امضوا سهرة ممتعه امام المدفأة ، يتجاذبون اطراف الحديث. وقبل ان يغادر ساندي لويس منزل الخالة مود ، كرر على ليزا الدعوة لزيارة مصانعهم. وكانت فرحة الخالة مود كبيرة فعبرت عنها بقولها : - هكذا اربح ليزا مدة اطول! اظنها لو زارت مصانعكم في اردمونت لقررت المكوث هنا نهائيا... وبهذه الطريقة اكون قد اثبتت لهذا الوغد فرايزر ، انني لم اكذب عليه عندما قلت له ان احد افراد اسرتي ، سيسكن هذا البيت معي. فضحك الجميع لانفعال الخالة مود ، واضاف ساندي مازحا : - لم تكن لديك حجة اخرى لارغامه على العدول عن فكرته في الوقت الحاضر! - لكنه لم يغير رأيه ، يا ساندي ، اظنه سيبدأ ورشة البناء قريبا في الارض السفلى التي تواجه ارضي تماما. - يجب ان تمنعيه. هتف السيد تشارلس بغضب : - انه يتعدى على املاكك الخاصه ، هذه حقوقك ، راجعي القوانين. اجابت مود بحسرة : - حاولت معه مرارا دون جدوى. استشرت اخيرا المحامي موردو مانزيس . ولم اصل الى نتيجه بعد ، كان جواب المحامي واضحا ، طالما ان فرايزر لا يحجب عني نور الشمس ، فلا يحق لي تقديم شكوى ضده. فأضاف السيد تشارلس بلهجة مستسلمة : - لم يغب عنه شئ فرايزر اللعين ، حسب حساب كل شيء. - صحيح! حسب حساب كل شيء. اما الآن فلا يمكنني التراجع عن موقفي ، صممت خوض هذه المعركه ضد فرايزر حتى النهاية ، ولن اقبل بالهزيمة ابدا. هكذا انقضت السهرة عند مود موري وذهب المدعوان ، لكن الخالة مود ، لم تخلد الى النوم ، بل امضت الليل قرب المدفأة ، تخبر ليزا عما يشغل بالها : - لم اتخلى طوال حياتي عن استقلاليتي بل بالعكس حاربت بضراوة من اجل الحفاظ على حريتي الشخصيه ، وعلى ارضي وبيتي. اما اليوم ، فأنا اكبر سنا ولم تعد لي المقدرة على العراك ، لذا يا حبيبتي طلبت مساعدتك. قضية فرايزر ارهقتني. هو ما زال شابا ، قويا ، مندفعا ، وما يزيده ثقه بنفس، ، جاذبيته التي لا تقاوم ! بدأت قضية فرايزر تثير فضول ليزا : - خالتي ، اخبريني من هو فرايزر بالضبط؟ من اين اتى قبل مجيئه الى اردمونت؟ الاخبار عنه متضاربه ، هناك من يقول انه اتى من المهجر ، ومنهم من يزعم انه عندما كان صغيرا درس هنا ، في مدرسة القرية. - يا حبيبتي ، فرايزر لامون ، من عائلة كريمة واصيلة في اردمونت ، التي امتازت عن سواها ، بشهرتها في صنع المراكب منذ اجيال بعيده. والد فرايزر ،شارلي لامون ، لم يوفق في حياته. لم يكن مثلما هو ابنه اليوم. كانت تنقصه الحنكه التي يتمتع بها عامة رجال الاعمال الناجحين. لذا ، قبل وفاته في حادث غرق كان يشرف على الافلاس. فقاطعتها ليزا بتعجب : -اخبريني كيف جرت هذه الحادثه؟ -حادث مؤسف يا ليزا...في اي حال، سأخبرك... كان شارلي لامون كعادته، كل مساء، يقود مركبا الى المرفأ ولا احد يعرف كيف انقلبت عليه عارضة الصاري واصابته في جبينه، فهوى عن متن المركب وغرق في الحال، في هذا الوقت كان فرايزر في الثانية عشرة من عمره، فاضطرت والدته، بعد هذه الحادثه، الى بيع حوض السفن والسفر الى غلاسكو عند ذويها آخذة معها ولديها، فرايزر واخته آنا. لم يكن الامر سهلا بالطبع على فرايزر، فهو كوالده، يعشق منذ صغره صنع المراكب ويكفيه انه اضطر الى ترك المكان الذي ولد فيه. صدمة قويه حلت على عائلتهم بوفاة الوالد كان لها اعمق الاثر في نفسه. صمتت الخاله مود قليلا، ثم اردفت قائلة بتهكم، كأنها لم تنس معاملة فرايزر لها: -مهما كانت الصدمة عنيفة على عائلة لامون فهذا لن يغير شيئا من تصرفه معنا. اظنه كان في السابق قاسي القلب وعديم الشعور، لذا هو اليوم يتعامل على هذا النحو. -متى عاد الى اردمونت؟ لم اشاهده خلال زيارتي الاخيرة لك منذ سبع سنوات. -عاد الى القرية منذ خمس سنوات ولا احد يعرف اين كان، ومن اين اتى. رأيناه فجأة بيننا مع ابنه، هو يزعم انه ابنه في اي حال، لاحظت علامة شبه بينه وبين ابنه. من المعقول جدا اذا، ان يكون هو والده. لا احد يعرف شيئا ايضا عن زوجتة فرايزر، يبدو ان فرايزر هاجر الى تازمانيا بعدما انهى دراسته في بناء السفن ويقولون ان تازمانيا، تعتبر مركزا هاما لصناعة المراكب. تابعت ليزا بشغف. وعادت تسأل من جديد: -لماذا عاد اذاً؟ -اعتقد ان الحنين الى بلاده هو السبب. عاد ليشتري حوض السفن الذي كان يملكه والده. كثيرون قبله، غرباء عن المنظقة، استملكوا هذا الحوض، وفشلوا في استثماره. -يعني، هو الوحيد الذي نجح في تسيير الاعمال وادارتها. يكفي كم بنى من عنابر، واليوم يبغي شراء منزلك يا خالتي العزيزة. -منذ عودته الى اردمونت، وهو مأخوذ ببناء المراكب. لا شيء يلهيه عن عمله هذا. في اي حال. انه بارع في مهنته ويتعامل مع اهم رجال الاعمال، ولديه عدد لا يستهان به من الزبائن، الذين يقصدونه من كل صوب. كل شيء يسير على ما يرام، مشكلته الوحيده هي التاليه: بما انه لا يستطيع التوسع، لا من ناحية الغرب، ولا من ناحية الشمال، بسبب الشاطئ الصخري الذي يعيق تقدمه، يفكر بشراء اراضي، هذا اذا قبلت عرضه. زارني ثلاث مرات الاسبوع الفائت بهذا الصدد. وفي كل مرة كنت اطلب منه العدول عن فكرة الشراء. صمدت تجاه عرضه المغري، لأنني لا اقبل ان اتخلى عن الاملاك التي تخصنا، الى عائلة اخرى. ولهذا قرر البناء في البقعة المجاورة. لدى سماعها هذا، قطبت ليزا جبينها وقالت: -من تخص هذه الارض المجاورة للبحر؟ -انها لعائلة موريسون. -فيلا الشروق اجل. تذكرت ان فرايزر يود شراء "فيلا الشروق" من عائلة موريسون. حدثني ساندي عن هذا الموضوع، وقال ان فرايزر يريد انشاء فندق فخم مكان الفيلا. فاتفضت الخاله مود وقالت بغضب شديد : -اي رجل شيطاني، هذا! كأنه لا يشبع من امتلاك الاراضي. الا يكفيه ما ابتاع حتى اليوم من مساكن لعماله. كيف يجرؤ ان يقدم على عمل كهذا؟ بدت الخاله مود في حالة توتر شديد، ولم تعرف ليزا ما العمل للتخفيف عنها. فاكملت الخاله بصوت خافت: -انا متأكده انه سينجح في مشروعه. لا احد سواه قادر على شراء "فيلا الشروق" من عائلة موريسون. ليزا، يجب ان نمنعه من تنفيذ هذا المشروع. اجابت ليزا على الفور : -هل تملكين ما يلزم من المال؟ فوجئت الخاله كمود بسؤال ليزا المباشر، وحدقت فيها بتمعن فرأت في عينيها لمعاناً مضيئاً، فتشجعت واجابت : -لدي مبلغ بسيط. ماذا تقصدين من سؤالك؟ -اقصد شراء "فيلا الشروق" من عائلة موريسون. -هذا امر مستحيل، يطلبون مبلغا كبيرا، لا احد سوى فرايزر يقدر على الشراء بهذا السعر. -من اين اتى فرايزر بثروته؟ -تزوج من امرأة غنية في تازمانيا، وورثها بعد وفاتها. -ياله من محظوظ، وانا يمكنني طلب قرض من ابي. -ليزا انا لا افهمك، ماهي غايتنا من شراء "فيلا الشروق"؟ -بناء فندق بالطبع! فرايزر على حق! اردمونت بحاجه الى فندق. فهو لم يعد الوحيد بعد الان في تخطيط المشاريع وتنفيذها. هل من مانع لديك؟ هدأت الخاله مود قليلا، وتأملت ليزا بفرح، ثم انفجرت ضاحكه، كطفله: -ليزا، انت الشخص الذي يناسبني، كنت اعرف ذلك عندما كتبت اليك. صدقيني، انني بدأت اضعف عندما رأيته يباشر البناء، ولم اجد الطريقة الملائمه لمنعه. وها انت الان تبعثين في الامل من جديد، واشعر بتحسن. لم اضحك على النحو منذ سنوات. فرحت ليزا، لدى رؤية خالتها مرتاحه ومطمئنة. -انا سعيدة ايضا يا خالتي. سعيدة بك لا تخافي، بعد الآن، سأكتب لأبي قريبا جدا، وسألقن السيد فرايزر درسا لن ينساه طوال حياته. -انتظري قليلايا ليزا، لدي فكرة ارغب في تنفيذها قبل المباشرة بمشروعك، ما رأيك لو ندع جورج موريسون الى العشاء؟ انا على يقين انه لن يرفض طلبي. اضافت ليزا، بتحبب، وبتحد : -فرايزر لامون...سوف ترى سيدات عائلة روي كيف يتصرفن في الوقت اللازم

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا