القيود

الفصل الاول
جلست فيفيان على رمال الشاطئ تنظر الى غروب الشمس بعيون حزينة دامعة لقد كانت هذه هي المرة الاولى التي تاتي لوحدها الى هذا المكان لم يكن جمال الافق ورونق اللون القزحي كافيان لينشلانها من افكارها وآلامها ، جلست وهي تحضن بكفها كومة من الرمل تضغط عليها تارة وتارة تحررها ، وكأنها غاضبة من الارض وما عليها ومصرة على الانتقام من القدر الاليم الذي جمعها مع طارق وفرقهما الى الابد عندما تذكرت تلك العيون الدافئة وصمتها بين ذراعيه تدفقت بنهرين غريزين من الدموع الساخنة المليئة بالشوق العاصف ليطرق ابواب الحب في انحاء الكرة الارضية ويستأذن السماح والولوج الى اعماقه والرجوع الى الماضي الى اليوم الذي التقت به . فيفيان فتاة خلوقة تتمتع بجميع الصفات التي تخولها لان تكون الفتاة المثالية بين شقيقاتها الستة لقد كانت تضج بالحيوية والنشاط والابتسامة الدائمة حنونة اما الجميع تحب برفق وتعشق الأزهار لم يكن جمالها انكليزيا ولا فرنسيا ، لقد كانت تتمتع بجمال عربي اصيل ، تحمل على رأسها تاج من الشعر الاسود الداكن الناعم الملمس والعينان السوداوين تحمل سر وقوة العاصفة وسواد الليل وبياض النهار اي عيون واسعة سوداء وبياض شديد حولها . الشقيقات الستة لم يكن بجمالها لقد كانت فيفيان الفتاة البكر لعائلتها وهي صاحبة الراي والفتاة المطيعة دائما . كانت تتمتع بروح الحكمة والنصيحة الصائبة كانت الساعد الايمن لوالدها ، الذي احبته باعماقها وتعلقت به كثيرا ، كما ان والدها كان يفضلها على شقيقاتها فهي من ام عربية احبها والدها حبا كبيرا ، وكانت قصتهما عاصفة ومؤلمة لقد تزوجها بغير رضا اهلها وجاء بها الى قبرص ، وكانت فيفيان باكورة حبهما ، ومع مرور سنة على ولادتها فقدت الام بصرها بسبب عملها المستمر والمؤلم في مختبر للمواد الكيماوية السائلة ، فقد اصابتها رائحة من تلك المبيدات المميتة ولم تكن ترتدي قناعا واقيا مما سبب تغلغل تلك المواد الى عينيها ليفقدها البصر تماما لم تحتمل والدة فيفان هذه الآلام وضعفت مما انحلها واصبحت غير قادرة على الاستمرار في العيش فودعت الحياة وهي تحتضن طفلتها الصغيرة . بقيت فيفيان تحت رعاية جدتها لان والدها ملتزم بالسفر وهكذا تعرف على انطوانيت وتزوجها ورزق منها ست بنات جميلات خفيفات الظل مما اضطر بفيفيان للعيش مع زوجة اب ولكنها كانت سعيدة معهم لقد كانت الفتاة السابعة المطيعة والساعد الايمن لزوجة ابيها ايضا ، انما والدها كان يعاملها بشكل خاص ويوليها كل اهتمامه لانها حبه الراحل والدائم ابدا . انهت فيفيان دراستها العليا والتحقت بمعهد قبرص للكومبيوتر واتقنت البرمجة وادخال المعلومات . والطبع عليه ، واستلمت وظيفتها في مركز للصف الطباعي الالكتروني . مارست وظيفتهابحب واتقان تعلقت بها كثيرا ، مما ساعدها على ملء فراغها بالعمل الدؤوب ، كانت صديقاتها في تلك المؤسسة يحترمونها ولكنها لم تختلط معهم كثيرا لان كل واحدة منهم لها حياتها الخاصة ، وصعب الاتصال بهن . ذات يوم وبينما هي جالسة امام جهازها سمعت اسمها على الانترفون . - آنسة فيفيان الى المكتب من فضلك . ابعدت الكرسي ووقفت جامدة وتساءلت ( ما الامر يا ترى ) ، توجهت نحن المكتب وكان المدير رجل بين الخمسين والثانية والخمسين من العمر دخلت وهي تلقي تحية رقيقة : - نعم حضرة المدير - اقتربي يا فيفيان ، اقتربت فيفيان من المكتب - اجلسي ارجوك ، جلست مقابل رجل في العقد الثلاثين من العمر ، لم تنظر اليه كفاية كي تميزه كانت نظراتها نحو الطاولة الصغيرة الموضوعة امامها . - هذه آنسة فيفيان سيد طارق ، ارجو منك ان تعطيها التعليمات الكاملة حول بحثك وكيفية عمله فهي ستساعدك حتما لكي يكون كتابا انيقا ، انها المرة الاولى في شركتنا . - شكرا سيدي ، قالت فيفيان بنعومة . - حسنا متى استطيع البدء معك ايتها الآنسة ، سألها السيد الاسمر . - عندما يأمر سيدي المدير ، اجابته فيفيان بتأن. - حسنا فيفيان يمكنك البدء من الآن ، ارجوك يا سيد طارق تفضل مع الآنسة الى مكاتبها وهناك تضعان الملاحظات التي يجب استخدامها والاشياء التي يتم حذفها حسب رغبتك . - شكرا ، وتقدم نحو فيفيان بخطى ثابتة ، وقال لها : - هل انت جاهزة يا آنسة - تفضل يا سيدي ، اجابته فيفيان بصوت مهذب رقيق . دخلا الى المكتب وجلست على كرسيها بحذر ، كان السيد الاسمر ينظر اليها بنظرات فضولية متفحصة مما اربك فيفيان كثيرا قالت له : - تفضل يا سيد طارق . - امسك السيد الاسمر الطويل القامة بالملف الذي بين يديه وفتحه ووضع الاوراق امام فيفيان واقترب منها مشيرا الى بعض الكتابات الكبيرة بالخط الاحمر وهو يقول : - جميع هذه العناوين التي بالاحمر اريدها عناوين كبيرة ، وكل ما تحته خط ضمن النص يكون اسود ، ومن ثم ارجو الانتباه لفقدان الاوراق يا آنسة لانني غير مستعد لان افقد اي ورقة من هذا الملف ، قال لها محذرا وكأتها لاول مرة تستلم كتاب وليس لها الخبرة الكافية . انزعجت فيفيان من هذه الملاحظة مما اربكها جدا نظرت اليه بحنق وقالت : - سيد طارق ان واجبي هنا يحتم علي المحافظة على عملي وتحمل المسؤولية الكاملة لاي عمل اقوم به فليس من الضروري ان تحذرني من فقدان الاوراق فالمسؤولية هنا تقع على عاتقي وواجبنا ان نساعد الكاتب وليس ان نعرقل عمله . - حسنا ايتها الآنسة انا متأسف ، ثم اضاف وهو ينظر اليها بعينين فاحصتين . - هل استطيع ان ارى انواع الاحرف الموجودة في جهازكم ؟ - حسنا ، قامت فيفيان واتت بلائحة مصورة لجميع الاشكال والاحجام التي تبرمج على الجهاز لتعطي العناوين المطلوبة . - تفضل يا سيدي . - شكرا لك ، هل استطيع ان استعمل هذا الحرف ؟ - بكل سرور يا سيدي . - وهذا الحجم . - نعم سيدي . - والمسافة الطولية للصفحة هل استطيع ان استعمل هذا القياس ؟ - القرار يعود لك سيدي . - الا تلاحظين بانك لا تعطيني رأيك جيدا ولا حتى بأمر واحد ، انت لا تقولين الا نعم سيدي ، حاضر سيدي ، لا بأس سيدي ، الا تريدين ان تعطيني رأيك بكل صدق ووضوح ؟؟ - نعم ولكن القرار يعود لك بالنهاية . - لا بأس برأيك ، أليس لديك الخبرة في طباعة الكتب الشعرية ؟ - نعم ، وجميع الكتب ايضا ، منها العلمية والمدرسية والمجلات والابحاث للجامعات كل هذا من اختصاصنا سيدي . - المعذرة يا آنسة ، هل أطلب منك بان لا تناديني بسيدي أرجوك ؟ - لا استطيع لان عملي يحتم على احترام الزبون يا سيدي . - حسنا كما تريدين ، ولكن ارجوك قللي من كلمة سيدي قدر المستطاع . - حسنا ، قالت له وهي تبتسم بلطف . - يا آنسة ، سألها - نعم ، قالت له وهي تنظر الى الكتاب الذي بين يديها . - أنا اؤمن بخبرتك في العمل ، وبما انني لا استطيع ان اراقب كتابي وكيفية طبعه وليس عندي الوقت هل توافقين ان تستلميه انت حسب رغبتك تضعين الحرف والعناوين ، كما تريدين ؟ - اذا كنت تفضل ذلك ، فهذا جيد ايضا ، انا استطيع ذلك . - حسنا سأترك لك الخيار في كل شئ . - حسنا - كما ان هناك كتاب ثاني تابع لهذا الكتاب وهو الجزء الثاني وسوف اجئ به في المرة القادمة ، ولكن الآن باشري بهذا ليكون كبداية لتعاملنا . - حسنا يا سيدي . نهض من مكانه وتوجه نحو الباب خارجا وهو يضرب لها موعدا لمراجعة الكتاب والقاء نظرة عليه وللاجابة على بعض الاسئلة اذا كانت هناك اية مصاعب فيه ، ثم وافقته على مرور اسبوع ثم يكون الكتاب جاهزا للتصحيح . خرج طارق بقامته الطويلة ولكن بخروجه كانت فيفيان تراقبه بنظرات انثوية شيقة مما دفعها الى السير خلفه على مهل وهي تتبعه بنظراتها وبمروره من اما مكتل صديقاتها ، توقفت جمع الاجهزة بنظرات مشدودة وهم يتساءلون عن هذا الرجل الغريب الذي يملأ الارض وراءه تساؤلات واجابات غير واضحة ، وبعدما غاب عن الانظار التفتن نحو فيفيان وبعيونهم مئات الاسئلة الفضولية مما دفعها الى القول وهي تشيسر بيديها علامة عدم المعرفة والاستغراب . - لا شئ ، لا اعرف شيئا سوى ان اسمه السيد طارق ، ها هذا يسد جوع فضولكن . ضحكت الفتيات لتسرع فيفيان في تبرير معرفتها بهذا السيد مما ادخل الى قلوبهن السلوى .
الفصل الثاني
أخذت فيفيان الكتاب بين يديها وباتت بالقراءة ، أولا المقدمة ، أمسكت القلم الى جانبها واخذت بوضع الملاحظات ... ثم العناوين ، وهذه الرسومات حسنا هذا جيد ... اكتفيت بهذه الكلمات وبدأت بقراءة الصفحة الأولى كانت المقدمة تحتوي على اهداء من الكاتب الى كل قارئ ، كان كتاب شعر غزلي ووصف للمرأة العربية باللغة العربية ومترجم الى اللغة الانكليزية كانت فيفيان ملمة باللغة العربية بشكل متقن مع كسر ولدغ في اللفظ بسيط مما يزيد من جمال لفظها وذلك يعود لفضل والدتها التي علمتها اصول اللغة العربية الى جانب لغتها الاصلية الانكليزية ، هكذا كانت فيفيان متفوقة بين اصدقائها في المكتب ، فقد كانت الوحيدة القادرة على مساعدة المدير في جميع الامور والترجمات والمقالات العربية التي تأتي من الدول العربية لتترجمها وتنزل بالمجلات احيانا ، هذه اللغة كانت مصدر سعادة لفيفيان .. لقد كانت اللغة الاحب الى قلبها بالاضافة الى الانكليزية ، كانت تشكر امها على منحها اياها لانها في بعض الاحيان تكون سبب موردها وعيشها فهي عادة في المساء وبعد العشاء تاخذ بترجمة بعض الكتب الاجنبية الى العربية ومن العربية الى الاجنبية ، كانت تجد متعة خاصة في هذا العمل ، فهي مثابرة عليه وتتقنه . ولكن عندما نظرت في الصفحات الاولى وقرأت المعاني والكلمات التي تتضمنها هذه الاسطر انبهرت لجمال تلك الكلمات وروعتها في وصف المرأة العربية والغزل النابع من قلب الصحراء ومن ثم تشجعت على المثابرة المتواصلة للبدء في طبع هذا الكتاب لأنها كانت بشوق لمعرفة وقراءة ما يتضمن من جمال البلاد العربية ونساءها ورجالها واطفالها كانت تحب ان تعرف كل ما يتعلق بتلك البلاد وتقاليدها وذلك يعود لحبها لوالدتها وحديث والدها عن جمال الصحراء ورونق البادية والمدن والتقاليد العربية العريقة . باشرت فيفيان بالطباعة وكلما انتهت من صفحة كانت هناك قوة خارقة تشدها في قراءة وطبع الورقة التالية ، وهكذا كانت هذه الفتاة التي تحمل دماءها لون من الوان البادية وجمال المرأة العربية بشوق لمعرفة المزيد ، وتأكدت عند ذلك من ان السيد طارق فارس عربي جاء من الصحراء الى بلادهم لكتابة الكتب والروايات . اعجبت بكتابه لدرجة العشق به ، وكانت تقرأ الكلمات مئات المرات وكأنها تحفظها في ذاكرتها لتعيد قراءتها بينها وبين نفسها لقد احبت ذلك الكتاب بمشاهده وصوره ووصفه للبلاد العربية الخلابة . وتمنت ان يكون لديها نسخة منه .. عند انتهاءه قدمته الى مدير الشركة لكي يعلم السيد طارق بانتهائه . في يوم مشرق جلست فيفيان الى مكتبها تراجع بعض الملفات وفجأة وجدت رجل اسمر طويل القامة أسود العينان وبشرة حمراء لوحتها شمس الصحراء ، انه لم يكن سوى السيد طارق واقفا بقامته امام مكتبها واضعا يده على طرف الطاولة ، ثم اردف قائلا : - كيف عساني اشكرك ايتها الآنسة ، قال لها ذلك بلهجة الانكليزية مكسرة ولكنها جيدة بالنسبة لرجل عربي ، للحظات صمتت فيفيان ولم تستطع ان تقاوم جاذبية هذا الفارس الغامض بوجهه الجميل ، للحظات شعرت بانه استحوذ على نظراتها ، حتى لم يعد هناك مكان للنظر في انحاء جسده . لقد كانت نظراتها تملؤه تأملا .. وللحظات انتبهت انها استغرقت طويلا في الاجابة . نظرت الى الاوراق التي الى جانبها بعدما لاحظت بانه شعر بها وبنظراتها له .... ابتسمت شفتاه الصغيرتان بابتسامة صافية رقيقة خالية من الخشونة التي كان جسده يتمتع بها ... - تفضل سيد طارق . جلس مقابلها وهو ما يزال يكشف عن اسنانه البيضاء بابتسامته الرقيقة مما اخجل فيفيان وجعل خداها تحمران خجلا ، لاحظت مدى تجاوبها مع هذا الرجل او مع هذا الفارس القادم من بعيد . - هل اعجبك التصميم العام للكتاب سيدي ؟ سألته وهي لم تستطع مقاومة عدم النظر اليه ، اجابها وهو ما يزال يحتفظ بتلك الابتسامة التي تفيض على وجهه جاذبية خلابة : - رائع حقا ، لقد أحسنت لم اكن اتصور بانه سيكون بهذه الاناقة والفن الواضح والجمال في الخطوط والعناوين ، حتى انني أنا لم اكن قادرا على تصميمه لو تركت الامر لي ، انت فعلا ماهرة ولديك الخبرة الكافية . - شكرا سيدي ، انه واجبي . - ان هذا العمل يدفعني لاقدم لك هدية صغيرة تكون عربون عن مدى تقديري . - شكرا يا سيدي ان هذا من دواعي سروري ، اذا كان ولا بد من هدية فانا اتمنى ان تكون نسخة من هذا الكتاب تكون موقعه باسمك اذا اردت . - حسنا اذا كان هذا يفرحك ، فور الانتهاء من طبعه سأتيك بواحدة منها . كانا يتبادلان الاحاديث باللغة الانكليزية مع ان فيفيان كانت تتقن اللغة العربية بشكل جيد ولكنها لم تتكلم معه عربيا لان هناك كسر في كلامها احيانا واختفاء لبعض الحروف مما اخجلها ان تبادره بلغته وبناء على ذلك لم يكن يعرف بان فيها دماء عربية تجري في عروقها . خرج الفارس الاسمر وهو يرمقها بنظرات شفافة رقيقة وكانه يستهزأ منها . وكذلك الامر عندما يدخل هذا الفارس ويمر امام الفتيات كن يسرحن به وعندما يخرج كذلك الامر ، مما اضحك فيفيان عند رؤيتهن على هذا الشكل . بعد عدة اسابيع جاء السيد طارق الى مكتب المدير واراد رؤية فيفيان عندها طلبت على الانترفون من مكتبها ولكنها لم تكن موجودة ولذلك لم تسمع ، مما اجبر السيد طارق للمجئ الى مكتبها .. وعندها وجدها في المكتب المقابل لها تتحدث مع احد الموظفين اقتربت عندما شاهدته .. نظر اليها نظرات اعجاب لانها كانت ترتدي ملابس جميلة جدا تكشف عن ساقين برونزيتين بسبب تلك التنورة القصيرة اما الجاكيت الجلد السوداء كان تزيدها غموضا واشراقا اقتربت منه وهي تمد يدها لتسلم عليه ولكنه لم يبادلها المصافحة ، تعجبت وكأنه لا يريد ان يسلم عليها واعتذر بقوله : - المعذرة يا آنسة ، في بلادنا لا يستطيع الرجل ان يسلم على المرأة الا اذا كانت زوجته او شقيقته او والدته او اي امراة حلال له ، المعذرة مجددا يا آنسه . لم تتفوه بكلمة واحدة لان هذا الامر كانت قد علمت به من قرائتها للكتاب الذي يشرح التقاليد العربية . تقدمت أمامه ووضعت يدها على الكرسي مشيرة له بالجلوس ، جلس السيد طارق وهو يفتح رزمة ملفوفة ليخرج منها كتابا ويقدمه لها وهو يقول : - تفضلي يا آنسة ، هذه نسخة من الكتاب والامضاء الخاص موجود على الصفحة الاولى ، وارجو ان ينال اعجابك هذا الغلاف . واشار بيده على الغلاف الملون .. اقتربت فيفيان وادنت رأسها نحوه ونظرت اليه بعدما اخذته من بين يديه بلهفة ، واخذت تتمتع به بشغف : - اوه ، ما اجمله ، انه فعلا رائع . لقد كان الغلاف يتمتع بجميع الوان الصحراء فقد رسمت بشكل تصويري خلاب ، اعجب فيفيان مما دفعها الى السؤال :
- هل ستباشر بكتابة واحد آخر سيدي ؟ - نعم - هل لي ان اعرف عن ماذا سيتحدث كتابك الجديد ؟ - بالطبع آنستي ، انه يشكل لوحة رائعة عن وصف المرأة العربية ووصف كامل عن طريقة عيشها ولباسها وتقاليدها اما الباب الأهم فيه هو الشعر الغزلي الجميل ، كنت اتمنى لو كنت تعرفين جيدا القراءة العربية فهي تساعد على فهم المحتوى الاجمالي للوصف ، وتعطي الجمال للكلمات ويستطيع المرء ان يستمتع بقراءته ولكن الترجمة الى اللغة الانكليزية تخفف من وقعها على الاذن واللفظ ، والمعنى يصبح اضعف واقل عمقا . قال لها هذه الكلمات وهو ينظر اليها بشكل عشوائي ويتفحصها من اعلى الى اسفل مما دفعها الى القول بشكل سريع . - ولكني اعرف ما تعني الكلمات يا سيدي انها رائعة جدا .. أنا .. أنا اتقن اللغة العربية جيدا واعرف القراءة والكتابة ايضا ، ولهذا اعطاني المدير كتابك لاقوم بطبعه لانه يعرف بانني قادرة على فهم محتواه دون صعوبة ان لغتي العربية هي احب لغة عندي الى جانب الانكليزية . قالت له وهي تسرع في كلامها ، ثم أضافت : - انا احب قراءة اعمالك الكتابية انها جميلة وتذكرني باشياء احبها كان ابي يخبرني عنها عندما كنت طفلة . - عذرا يا آنسة ، ولكن كيف لك ان تتقني اللغة العربية وانت آنسة انكليزية لا تمت لك العربية بصلة ؟ - كلا يا سد طارق ، اا ولدت في انكلترا ولكن والدي تزوج سيدة عربية اصيلة من تونس فكنت انا البكر اليها ، وهكذا كانت والدتي تعلمني اللغة العربية والكتابة والنطق الجيد مع انني اكسر في بعض الكلمات .. عند هذه اللحظة انفرجت شفتاه عن ابتسامة مذهلة وهو يحدثها باللغة العربية الاصيلة ، ضحكت صحكة طويلة وهي تقول له : - حسنا هل تريد ان نتحدث بالعربية ، لقد مر زمن طويل ولم يساعدني أحد على النطق بها فمنذ موت والدتي وانا في الثالثة عشر من العمر تقريبا لم يحدثني احد بها سوى والدي كان قليلا ما يسامرني مساء ليذكرني بوالدتي . - اني آسف من اجل والدتك . - لا بأس يا سيد طارق - ان الكتاب المقبل سيحمل عنوان " عيون صحراوية " هل يعجبك هذا العنوان . - نعم انه فعلا جميل كنت اود ان ازور تلك البلاد وخاصة البلاد التي تنتمي اليها والدتي ، كنت دائما احلم بالصحراء والبادية والمدن المليئة بالبائعين والنساء التي تخفي اجسادها خلف وشاح خاص بهم كانت تجذبني تلك البلاد التي كانت والدتي تحدثني عنها كنت اتمنى ان ازورها من كل قلبي . - ربما استطيع ان احقق لك هذه الامنية اذا كنت تستطيعين السفر ساكون انا دليلك في تلك البلاد . - لا اعلم ربما سياتي يوم ويكون لي فيها قدم . - اذا في الكتاب المقبل سوف اخصص عدة صفحات لك . قال لها وهو يتفحص عيناها السوداوين - لماذا يا سيد طارق ؟. - لا اعلم ربما لاكتب شعرا جميلا يتحدث عن عينيك الرائعتين انهما يشداني لان اكتب من الآن ، ان فيهما سحر عميق . احمرت خدا فيفيان وغمرها الخجل ما يحتوي وجهها من احمرار واطرقت بعينيها الكبيرتين وهي تخبئ اجمل ابتسامة لم تطلقها منذ زمن ... - انا على موعد اذا مع الكتاب الجديد . قالت له بجرأة كافية لتظهر للسيد طارق مدى نضوجها الانثوي استاذن منها وودعها ولكنه توقف قليلا امام الباب ومال راسه نحوها وسألها : - هل تستطيعين ان تكوني دليلي السياحي غدا آنسة فيفيان انا بحاجة لمن يرافقني في جولتي حول الاماكن الاثرية هنا ، اتمنى ان تكوني مستعدة ؟ - عظيم هذا يشجعني على الاستمرار في النطق بالعربية وانا بحاجة الى معلم ماهر ليساعدني على اتقانها جيدا . - اذا اتفقنا . - اتفقنا ، اجابته برضى تام . - الى الغد في الساعة الحادية عشر اين ساراك ؟ - عند المركز السياحي الرئيسي في الساحة البيضاء ، ما رأيك ؟ - حسنا الى الغد اذا . ورمقها بنظرة ساحرة جعلت اوصالها ترتجف من تاثيرها ، لقد احست به وخاصة تلك الشفاه السمراء عندما تبسم .
الفصل الثالث
استعدت فيفيان في المساء لتحضير ملابسها التي سترتديها في الغد ، بينما هي على هذه الحال دخلت شقيقتها الوسطى وجلست الى جانبها وهي ترمقها بنظرات التساؤل . - الى اين انت ذاهبة غدا ، اراك تعتنين جيدا بهندامك لعله موعد غرامي ؟ احست فيفيان انها فعلا قد زادت من اهتمامها بلبسها وطريقة تحضيره وكانها على موعد غرام ، ابتسمت قائلة : - كلا يا حبيبتي ، انه موعد عمل ، عمل فقط . - حسنا ، ولكن لا تتأخري فغدا هو موعد ميلاد الصغير رين ويجب ان نجتمع جميعنا هناك لان هذا مهم بالنسبة لوالدي الا تعتقدين ذلك ؟ - انا اعلم هذا ولن اتاخر ساكون على العشاء بالتوقيت الصحيح . - ارجو ان لا تتاخري يا حبيبتي . كان رين الطفل الصغير لشقيقتها الصغرى لقد كانت جميع شقيقاتها متزوجات ما عدا الوسطى لقد كان هناك اثنان في البيت فيفيان ونور ، لقد اطلق اسم نور على شقيقتها تيمنا باسم والدة فيفيان ، كانا على اتفاق تام مع بعضهم البعض لقد كانت الشقيقات يتمتعن بمنزل زوجي واطفال وسعادة كاملة . عند الصباح كانت اشعة الشمس تتسرب خيوطها عبر النافذة لترسل اشعتها على جسد فيفيان وهي نائمة على السرير بروبها الابيض وشعرها المنسدل على الوسادة بحرية ونعومة : نائمة وكانها ليست كذلك فعيناها لم تغمض مع انها تغط بالنوم العميق وذلك يعود لتلك العينين كالغزلان فجفونها نصف مغمضة مما يزيدها اشراقا وسحرا خلابين . تململت فيفيان في احضان السرير الدافئ وانقلبت على ظهرها ممسكة بالشرشف الوردي الذي يغطي جسدها النحيف امسكت به ، وشدته الى الاعلى وغمرت راسها الوسادة وهي تتنشق عبير الصباح وتثاءبت كالاطفال وجلست في سريرها وهي تلقي بعينيها عبر النافذة الكبيرة المطلة على حديقة غناء مزركشة بالزهور على الجانبين مما دفعها للوقوف امامها والنظر الى السماء الزرقاء ، كان الطقس الربيعي رائع خلاب يشجع على الخروج الى الطبيعة والتمتع بروائح الاعشاب والزهور في تلك السهول الواسعة . وضعت الروب عليها وخرجت الى المطبخ اقتربت من الفرن واوقدت على القهوة ، ارادت ان تقوم باعدادها قبل اي شئ لوالدها قبل ان يعود من الحديقة ، فهو يستيقظ صباحا ليقوم باعمال الحديقة كاملة ومن ثم ياتي الى المطبخ ليصنع القهوة بنفسه ، ولكن فيفيان كانت تصنعها له في ايام العطل والآحاد وتاتي بها الى الحديقة ويتناولونها سويا بالاضافة الى شقيقتها نور ثم يتحدثان عن امور تلك الجنة الصغيرة التي يهتم بها . ولكن في هذه المرة كانت فيفيان مستعجلة فشربت قهوتها بسرعة واعتذرت من والدها للخروج قامت الى غرفتها وفتحت الخزانة وارتدت الملابس التي اختارتها بالامس وهي عبارة عن جينز معرق والقميص البني وارتدت فوقهما الجاكيت الشاموا البنية ايضا وادخلت في قدميها البوتين الكاوبوي الرائع ، ووضعت تلك القبعة التي تجعل منها امريكية من الارياف التقطت جدائلها وارختهم بشكل عشوائي واخذت المشط وراحت تسرح شعرها وهي تبدأ من راسها ممسكة بخصلات شعرها الاسود وحنى تنتهي عند اطرافه التي بمحاذاة سيقانها ، كانت مغرورة بشعرها الطويل ومحتارة كيف ستعطيه الرونق الذي هو بحاجة له ، اخذت ترفعه ثم تجدله وبعد حين رست على ان تتركه منفردا حرا على كتفيها وظهرها ، ووضعت بعض الماكياج الناعم الخفيف على وجهها البرونزي ثم رمت بالقبعة على راسها بطريقة عفوية ووضعت عطرها الخفيف الناعم وامسكت بالحقيبة الجلدية بكتفها واستدارت امام المرآة عدة مرات فرحت لانها تبدو مشرقة في هذا النهار ولكنها تذكرت بانها لم تضع احمر الشفاه فامسكت بواحد لونه زهري لامه ومررته على تلك الشفاه الجائعة الممتلئة التي تضج بالانوثة . عندما شعرت بانها جاهزة استدارت من جديد ولكن هذه المرة للخروج في رحلتها الصغيرة . وقع نظر نور عليها وشهقت من الدهشة وهي تقول لها : - ما هذا يا فيفيان ، تبدين وكانك مراهقة صغيرة . - حسنا هذا ما اريده . قالت لها فيفيان والابتسامة على ثغرها . - لقد مضى زمن طويل وانت لم ترتدي هذه الملابس لماذا الآن اراك تستعملينها ؟ سالتها نور بلطف ومحبة ظاهرة وهي تتأملها باعجاب . - لا اعلم لقد احتجت ان ارتدي شيئا لطيفا اميركيا جدا . - حسنا لا باس فانت تبدين رائعة ومشرقة اليوم ، اتمنى لك يوما سعيدا . وطبعت قبلة صغيرة على وجنتيها وهي تغلق الباب خلفها . صعدت فيفيان في سيارتها الصغيرة الحمراء اللون وسارت على الطريق المؤدي الى الساحة البيضاء للقاء الفارس العربي السيد طارق . اخذت تدور في تلك السيارة الحمراء في الساحة الكبيرة وهي تنظر شمالا ويمينا تبحث عن طارق ولكنها لم تجد احد انتظرت عشرة دقائق واوقفت السيارة في مرآب قريب ثم عادت الى تلك المنطقة لكنها باءت بالفشل مرة ثانية ، انتظرت قليلا بقلق ومن ثم نفذ صبرها ثم عادت الى المرآب ثانية وقبل ان تعود استدارت في الساحة البيضاء لآخر مرة لعلها تجده وفجأة وجدت شابا اسمر اللون يركض من بعيد ويتخطى السيارات بشكل جنوني وكانها ستدوس عليه قفز من رصيف لرصيف ، وهو ينظر شمالا ويمينا وعندما اقترب كثيرا منها راته وعرفت انه السيد طارق ... اطلقت زمور السيارة عدة مرات باتجاهه ولكنه لم يلمحها مما دفعها الى الاقتراب اكثر بسيارتها الصغيرة ، وعندما لاحظ بان هناك سيارة تلاحقه وتطلق صوتا مزعجا التفت ولم تكن سوى فيفيان ... ابتسمت له ثم دنا منها وهو يرمقها بنظرات التساؤل .. اشارت له بان يتجه نجو الباب للصعود الى جانبها .. فعل ذلك وهو ينظر اليها بعينين واسعتين مبتسمتين ... صعد طارق ملقيا التحية عليها : - نهار سعيد آنسة فيفيان - نهارك اسعد سيد طارق .. لماذا تاخرت لقد كنت على وشك الانصراف . قالت له وهي تبدي علامات الانزعاج على وجنتيها اعتذر بصوت خافت محاولا ان يخفف من تسارع انفاسه : - اني اعتذر يا آنسه لقد كنت انتظر مخابرة ضرورية من تونس وتاخرت كثيرا مما اضطرني للاتصال من جديد بهم لان الامر ضروري ، صدقيني ؟ - انا اصدقك لقد كان تسرعك في المشي وانت تخطو هكذا والسيارات تكاد ان تصدمك كافيا لتعبر عن مدى اهتمامك بهذه الرحلة الصغيرة . - اني اكرر اسفي آنسه فيفيان - حسنا اجابته وهي تدير المقود للعودة الى الطريق الرئيسي المؤدي الى المتحف الوطني في الساحة البيضاء ، ثم اضافت : - سنذهب اولا الى المتحف الوطني ثم بعدها انت تختار المكان الذي تحب ان تذهب اليه ، انا الدليل السياحي اليوم واقوم على شرح التفاصيل الاثرية لهذه المدينة الجميلة . ابتسم السيد طارق وطلب منها ان تتوجه اولا الى اقرب مكان ليتناولا القهوة لانه من الساعة السادسة صباحا لم يتذوق طعمها ، ثم اقترحت ان يذهبا الى المقهى القريب من المتحف وذلك توفيرا للوقت .. انطلقت فيفيان نحو ذلك المطعم الذي يقدم القهوة التركية اللذيذة اوقفت السيارة في المرآب وخرجت وهي تحمل بيدها قبعة الكاوبوي وقفت امام السيارة تدير المفتاح وكان السيد طارق واقفا الى جانبها خطى امامها بخفة ونظر الى الوراء ثم القى نظرة بعيدة وهي تقترب منه ، لقد بدت رائعة بهذا الجينز الضيق الذي يرسم تصاميم جسدها الممشوق الملئ بالانوثة الجذابة وتلك الجاكيت والقبعة لم تكن سوى دليل على مدى تحررها ورفاهيتها النفسية اخذ يتفحصها من راسها حتى اخمص قدميها وهو معجب بشكلها الريفي الملئ بالطابع الامريكي اقتربت منه ولاحظت ان عيناه لم تترك مكانا في جسدها الا وتفحصته رمقته بنظرات تعبر عن مدى استغرابها بتلك النظرات .. ضحك لها باستغراب هو ايضا لقد تعجب من جرأتها وكان ليس للخجل طريق الى وجهها لقد كانت واثقة من نفسها قوية الارادة عنيدة تخطو بذلك البوتين الذي يصدر طقطقة على الارض خطوات واسعة واسعة قوية وكانها تستطيع ان تصنع القدر بقدميها ويديها معا .. اقتربت منه وسارا معا الى داخل المقهى التركي .. استمتعت فيفيان بالقهوة وكذلك السيد طارق وكانت كل دقيقة تفتح موضوعا جديدا حول المناطق الاثرية وااكثر روعة وجمالا من غيرها لم تصمت ولا لحظة واحدة وكان السيد طارق يبادلها الاسئلة والاجوبة باللغة العربية الواضحة الخالية من الغموض .. كانت تشرح له عن اقتصاد البلاد والتقاليد التي يعيشونها وكيف ان المرأة تتمتع بحريتها الكاملة وهي صاحبة الامر في هذه البلاد وكما اوضحت له عدة مرات بان المرأة هي كل شئ في مدينتهم وكلمتها كلمة السيد ولها الحق ان تطلب ما تشاء وليس عليها ان تقدم الا ما تحب وتستطيع ان تقدمه . لم يكن هناك قانون يمنعها او يسيطر عليها ويقيدها . اخذت فيفيان تحدثه عن المرأة وتحررها وكيف كانت القوانين الى جانبها وما عانته وكل ذلك لتبين الفرق بين المرأة الاجنبية المتحررة والمرأة العربية المقيدة بالتقاليد والعادات والمطيعة لزوجها دائما . تعجب السيد طارق منها وسألها : - انت رائعة يا آنسة فيفيان ان لديك شخصية قوية لو رأتك نساء العرب لحسدنك عليها . ضحكت بابتسامة واثقة وهي ترشف من قهوتها ثم اضاف : - هل لي بان اسالك سؤال يا آنسة ؟ - تفضل سد طارق . - لماذا تحافظين على شعرك هكذا حتى اصبح بطول مترين تقريبا مع انني اعتقد ان الاجنبيات يعشقن الشعر القصير ؟ - هذا صحيح يا سيد طارق ولكني احب شعري وانا معجبة به هكذا ، وكما انه يذكرني بوالدتي لقد كانت تحمل نفس الخصل والطول وتحافظ عليه دائما ثم لا تنسى ان والدتي امرأة عربية وهي تحمل بشعرها الاسود الطابع العربي . - كنت سأقول لك هذا ولكني خجلت ان تعتبريني وقحا اتدخل فيما لا يعنيني . - كلا يا سيد طارق ان الجميع هنا يعتقدني من اصل عربي . - حسنا نستطيع ان نبدأ برحلتنا الآن اذا اردت . نهضا وخرجا متوجهان نحو المتحف . بعد جولة طويلة فيه خرجا وهما متعبان انطلقا بالسيارة من جديد وهي تسير بمحاذاة الشاطئ الرملي كان السيد طارق ينظر الى الامواج بعيون حزينة لاحظت فيفيان انه لا ينظر الى الرمال والامواج فحسب بل ينظر الى مكان ابعد بكثير يفكر باشياء بعيدة عنه .. اوقفت السيارة ولم يشعر الا وهي تأمره بالنزول . - يا سيد طارق هل تستطيع النزول من السيارة اريد ان امشي على الرمال قليل لانني افتقد اليه بسبب عملي وهذه السيارة التي تمنعني وتقلل من سيري على اقدامي ، هل تسمح لي ولو بقليل ان المكان قريب من هنا وجميل جدا . - حسنا يا آنسة تفضلي .
الفصل الرابع
خرجا معا وتوجها نحو الرمال الدافئة ركضت فيفيان وشعرها يتطاير بشكل رائع ورائها ثم فجأة وقعت قبعة الكاوبوي من على رأسها وطارت بالهواء مما دفع السيد طارق إلى الركض وراءها لالتقاطها .. وقفت وهي تنظر إليه والابتسامة على ثغرها ، كان يركض والقبعة تركض أمامه ، مرت لحظات وهو يلاحقها ، وأخيرا وقع علها والتقطها بكلتا يديه .. لقد ضحك بكل ما يملك من قوة وأحس بأنه لم يبتسم هكذا منذ سنين . سارت فيفيان ورائه وما زال الشعر الغجري يتطاير بنعومة ويسير خلفها وكأنها لوحة جاهزة لتعرض في أجمل المتاحف . وقعت إلى جانبه وهي تضحك بملئ شفتيها الجذابتين وكان لوقعتها الأثر الكبير في جسد طارق الشاب الملئ بالإثارة ثم لامست خصلات من شعرها وجهه الأسمر البرونزي ، مما جعله يستنشق عبيره الفواح .. مما أطاح بالدم إلى رأسه وخاصة تلك العينان الآسرتان .. اقتربت منه أكثر وقالت له بوضوح : - هل تعلم يا سيد طارق أن هذا اليوم هو أجمل يوم في حياتي ، لا اعلم لماذا ولكنه سيترك الأثر الكبير في ذاكرتي وخاصة وأنا أتجول مع شاب جميل وعربي أصيل . ثم نظرت إليه بحنان وشوق وقالت : - هل تعلم ، أنا اشعر وكأنني أعرفك منذ زمن ، لم ألاحظ أنني مندفعة ومتهورة نحو أي شاب ولم أتصرف على هذا النحو أبدا ولا مرة في حياتي ، صدقني إنها المرة الأولى . ثم حلقت بنظرها إلى السماء وأضافت : - ربما أنا سعيدة لأنني أجد شخصا ما يذكرني بوالدتي ، هل تعلم أنني احلم دائما أن ازور تونس وخاصة أهل أمي ، كانت تحدثني عنهم دائما . فجأة تدور بجسدها النحيف على الرمال مما لوث شعرها وجعله يمتلئ برمال البحر .. ضحكت وهي تميل بوجهها نحو السيد طارق ثم أضافت : - هل استطيع أن أناديك طارق فقط ؟ - نعم أن هذا يريحني كثيراً - وأنت هل ستناديني فيفيان فقط ؟ - نعم إذا أردت ذلك . - نعم إني أريد ذلك أرجوك . ثم اقتربت منه وطلبت منه أن يكرر اسمها مرات ومرات على مسمعها بصوت عالي ، وقفت وهي تبتعد قليلا وقالت له : - الآن أنا مستعدة لأسمعك تناديني هيا . همس طارق بصوت خافت مسموع اسمها : - فيفيان .. فيفيان .. فيفيان ، عدة مرات مما جعلها تقترب منه بجنون وتقول له : - طارق .. طارق بشفاهها الأنثوية الغليظة مما أطاح الدم في رأس طارق لأنه كان مبهوراً بهذه الفتاة التي تحمل كل معنى المرأة في جسدها ووجهها وعينيها وشعرها ، أحس بأنه لن يتوانى عن تقبيلها بوحشية لأنها كانت تصر عليه بعينيها المثيرتين . تعجب من تصرفها هذا وتسرعها أحس وكأنها سوف تطير به إلى أقصى الأرض .. لقد كانت السعادة بادية على وجهه لأول مرة يشعر بها بعد مرور زمن طويل . اقتربت منه من جديد ولكن هذه المرة بعينين منخفضتين وهي تنظر بأصابع يديها المتشابكتين مع بعض وكأنها طفلة صغيرة ، ثم قالت له : - أنا اعتذر فعلاً ، أنا فتاة متسرعة ولكني معجبة بك منذ اليوم الأول لدخولك إلى مكتبي ولا استطيع أن أخبئ تلك النظرات التي تشبع غرورها منك ، ربما أنا فتاة صريحة ولكن هذه الحقيقة أنا لا استطيع أن أقاوم جاذبيتك هذه ، أنت جميل جداً اقترب طارق منها ممسكا بكومة من الرمل بين كفيه وهو يرمقها بنظرات حائرة ثم قال لها : - فيفيان أنت فاتنة ، رائعة ، أنت تحملين كل ما للمرأة من حق في امتلاكه من جمال وخفة ورونق . فرحت لهذا القول وتمنت لو انه يبقى في هذه البلاد مئات السنين . حاولت أن تمسك بيده ، ولكنه ابتعد بسرعة مما اجفلها لفترة ما وشعرت بالكسوف تجاهه .. ولكنه سارع بالقول معتذراً : - أرجوك يا فيفيان أن تسامحيني ، نحن العرب لا نستطيع أن نسلم على امرأة كما قلت سابقا لا يحق لنا . أن هذا ضمن قوانين ديانتنا وذلك لأنهما دليل على الإثارة وخيط يصل بين إحساس المرأة والرجل . ابتسمت من جديد وعادت إلى اللعب بالكلمات : - حسنا أن هذا يعجبني فانا أحب الشاب المتحفظ . - أنا لا أقوم إلا بما يمليه علي واجبي الديني . - حسنا لا بأس ، لا بأس أنا سعيدة لان اعرف هذا فانا احترم الأديان وأحافظ على أن أطبق ديانتي بكل قوانينها أيضا ، ولكن هل تعتقد أن للحب دين ومذهب ، هل تعرف ما هو آلة الحب . - كلا ، أنا لا اعرف ، أن الرجل العربي لا يستطيع أن يمارس الحياة كما يحلو له ، أن حياتنا مليئة بالقيود الصارمة لذلك تجدين الرجل منا يتزوج عدة نساء . - هذا رائع والمرآة إلا يحق لها بأكثر من زوج . - كلا . - ماذا ؟ هذا مخالف لا يحق لكم ذلك . - أن حياتنا تختلف عن حياتكم ومجتمعكم كثيراً . - أحب أن ازور تلك البلاد وسأفعل ما بوسعي لكي أحقق حلمي هذا . - نعم تستطيعين ساعة تريدين إذا كنت تملكين الوقت الكافي . قال لها موضحاً . - والمال يا طارق ؟ والمال لا تنسى النقود إنها أهم ما تملك . - كلا آنستي أن للإنسان أشياء أكثر قيمة من المال يستطيع أن يمتلكها . - الحب ، المرأة ، الجسد . قالت له هذه الكلمات بسرعة . - حتى هذا لا يستطيع أن يتعلق بهم الإنسان ، فهناك أشياء أقوى واعنف وأعمق تساعدنا على الاستمرار بعيداً عن النساء والمال والحب والجسد بعيد كل البعد عن قناع الدنيا . - ما هي يا طارق هذه الأشياء الأكثر قيمة من كل هذا ، أرجوك أن تخبرني ، إني انتظر هيا . - إذا أخبرتك سيطول حديثنا لأنها أشياء لا تنتهي ولا يسهل شرحها كثيرا إنها بحاجة إلى وقت أطول وأعمق لتستطيعين أن تفهمي معنى الحياة الحقيقي والوجود الباهر للإنسان بإنسانيته الصادقة العميقة . - حسنا متى ستخبرني عن هذه الأشياء ، أنت تعلقني بك أكثر أنت غامض ، وأنا أحب أن ادخل أغوار غموضك أحب أن اعرف كل ما تخبئه تلك البلاد من إسرار الدنيا والحب والعاطفة . - حسنا تستطيعين ولكن ليس الآن يجب أن نعود إدراجنا لان الوقت بدأ يداهمنا وأنا انتظر مكالمة ضرورية رداً على مكالمة الصباح ، ولا استطيع أن اتاخر . - هل سنعقد لقاء آخر . - نعم متى تريدين . - الأحد القادم ، هل هذا جيد لك . - حسنا ، ولكن أين ؟ - هنا على هذه الرمال . - حسنا . ثم نهضا وأمسكت فيفيان بشعرها وهي تديره شمالا ويمينا لتزيل عنه آثار الرمال ، لقد أحس طارق أن لحركتها هذه تأثير في أنحاء جسده .. انه رجل ويستطيع أن يشعر بها كامرأة كاملة وهو ليس بحاجة لأكثر من نظرة منها لكي تثيره على هذا النحو . ابعد نظره عنها وكأنه يلوم نفسه على تصرفه هذا ويعاقب نظره للسماح له بالتمعن بمشاهدتها لقد أحس بأنه اخذ أكثر مما يحق له ... ثم أردف مفكرا بينه وبين نفسه بان هذه المرأة قوية وقادرة على السيطرة عليه إذا لم تعد كثيرا عنها ..... ولكنه بحكم عمله لا يستطيع أن يبتعد عنها فهو بحاجة لان يكتب ويطبع كتابه لأنه مصدر عيشه ، سار إلى جانبها بخطى واضحة تترك آثارا خلفهما على الرمال كان ينظر إلى تلك الآثار وكأنه يحاول الهرب منها لاحظت فيفيان انه غير مستقيم بمشيته ثم سألته : - لماذا تمشي هكذا ؟ - لا اعلم ربما لامحي آثار أقدامي . - هل تخاف أن يراك احد معي ؟ - كلا أنا ..... أنا فقط العب بالرمال . شعرت فيفيان بأنه يتهرب من شئ ما .. ولكنها لم تكترث بل تابعت سيرها نحو السيارة وجلسوا داخلها . - أين تريدين أن أوصلك ؟ - إلى مركز البريد ، أرجوك . - ولكن ، إلا تريد أن أوصلك إلى المنزل أولا ؟ - كلا أنا أفضل أن استعلم عن مخابرتي أولا . - حسنا كما تريد . سارت باتجاه مركز البريد وهما في الطريق عاد طارق إلى شروده الطويل من جديد ، حاولت أن تسأله ولكنها تراجعت خوفا من تدخلها في حياته ، ربما يكون مزعجا له ، فضلت أن تظل صامتة على أن ترى ملامح الانزعاج على وجهه . عندما وصلت أما البريد سألته من جديد : - هل تريدني أن انتظرك يا طارق ؟ - كلا ، كلا فيفيان ، من الممكن أن يطول انتظاري هنا ، وأنا لا أريدك أن تنتظريني كثيرا. - حسنا متى سأراك ؟ - سأكون غدا في المكتب عندك الساعة الحادية عشر هل يناسبك وبالوقت نفسه القي نظرة على الصفحات الأولى من الكتاب الجديد ، ما رأيك ؟ - حسنا إلى اللقاء . - إلى اللقاء . ابتعدت بسيارتها وهو ما يزال واقفا حتى غابت عن نظره ، دخل إلى البريد ومن ثم سال السيدة الجالسة خلف المكتب إذا كان هناك من خطوط إلى تونس فأجابته بالنفي ، امتلئ وجهه بالحزن واحمر كثيرا ، ثم عقد حاجبيه الكثيفين واخذ يتمتم كلمات الغضب بالعربية لم تفهم عليه تلك السيدة خرج من البريد سيرا على الأقدام حتى وصل إلى الفندق الذي يسكنه ، ثم دخل إلى غرفته وانكب على كتبه يفكر بقلق مخيف واضعا يديه على رأسه ، راحت أفكاره تتخبط شمالا ويمينا مما أدى إلى إصابته بألم في رأسه نهض إلى المرحاض ووقف تحت الدوش بكامل ملابسه غير آبه لما يصيبه من بلل ... اسند رأسه إلى الحائط وهو حائر هل يستقل طائرة إلى تونس وينتهي من هذا القلق المميت أم يبقى على انتظار تلك الطائرة ، لم يعد يستطيع الانتظار أكثر ، خلع ملابسه وأكمل الدوش مما جعله يستريح ولو قليلا بالمياه الساخنة على جسده البرونزي ، ومن ثم استلقى على السرير بشكل عفوي وحاول أن ينام بكل ما يملك من قوة على النوم . وبينما كان يحاول الانتصار على القلق الذي عشعش في رأسه كانت لحظات النهار تسير أمامه كطيف غمام جميل مما يشعره ولو بقليل من الراحة ، كانت صورة فيفيان تمر أمامه كل لحظة بعد لحظة ، ساعات مضت بين الحب والسعادة والقلق المسافر نحو تونس . نهض في الصباح الباكر على رنين الهاتف المتواصل .... امسك الهاتف بلهفة : - آلو نعم . - سيد طارق مكالمة لك من تونس . قال له الصوت القادم من الأثير : - أنا حاضر . - طارق ، طارق ، كم نحن مشتاقون لك كثيرا . قالت المرأة على الهاتف بصوت بعيد يملؤه الدموع والغصة . - كيف أحوال الصغير يا ليلى . - جيدة يا عزيزي ، انه بخير لقد نجا بأعجوبة أن الله إلى جانبه الآن . - هل تعافي جيدا ؟؟ هل نجحت العملية أرجوك قولي يا ليلى ؟ - نعم يا حبيبي ، نعم لقد نجحت مئة بالمئة ولكنه بحاجة إلى العناية الطبية الآن ، ولقد قرر الطبيب بأنه يستطيع الخروج خلال أيام . - هذا جيد ، أرجوك انتبهي جيدا وإذا حدث شئ طارئ أرجو أن تتصلي على الفور لان الخطوط عندنا صعبة جدا بسبب هذه العواصف التي لا تنتهي . - حسنا يا حبيبي ، أرجو أن تكون بخير وتعود قريبا ، كما نحن بشوق لرؤيتك الحبيبة . - حسنا ، حسنا إلى اللقاء القريب . وانقطعت المخابرة القصيرة المنعشة للروح والعقل والجسد ، وكأنها إكسير الحياة ، وعندها استطاع أن ينهض بنشاط من فراشه ، وهو يحدق بالساعة على الحائط ، كان عليه أن يكتب قليلا ... توجه إلى مكتبه وامسك بالقلم ليبدأ بالكتابة من جديد لم يكن هناك سوى خيال فيفيان وجمال عينيها اخذ القلم يخط الكلام المبدع والجميل الذي يصف فيها خلايا جسدها بكل ما يملك من أنوثة ويصف وميض عينيها ورونق شعرها الأسود وهو يتطاير على أكتافها .. امسك الأوراق التي كتبها بين يديه واخذ يراجعها بإمعان زائد وشعر بان سحر غريب في تلك الكلمات كأنه يصف أميرة من الصحراء قادمة على فرس بثوب ابيض وشعرها يتطاير شمالا ويمينا لم يكتب بهذا الجمال من قبل انه شاعر ولكن رؤية فيفيان له جعلته أكثر من شاعر للكلمات لقد أصبح شاعرا لأكثر من ذلك أصبحت كلماته تتراقص سحرا على تلك السطور وكأنه لأول مرة يكتب الشعر العربي . نهض مسرعا وتوجه نحو ملابسه وارتداها بشكل أنيق وهو يضج بالسحر بذلك القميص الأبيض الذي يكشف عن صدر برونزي رائع وتلك الشعيرات القليلة التي تزيده سحرا على سحر ، ولبس البنطلون الرمادي ووضع الجاكيت الضخمة التي تساعده في السيطرة على البرد ومن تلك الزاوية بدا وكأنه فارس قادم على صهوة جواد اسود . امسك الأوراق بين يديه وطار بها إلى فيفيان .. توقف أما مكتبها بينما كانت منهمكة على آلتها الطابعة لم تشعر بوجوده ولكنها سريعا لاحظت جسده المثير برائحته التي زكمت انفها وعرفت انه هنا نظرت بتلك العينين والابتسامة الخلابة ثم ما لبثت أن دخل قلبه إحساس صاعق كقوة البرق وتأثيره كالجمر في القلب لقد صعق بها وخاصة تلك النظرة والشفاه المثيرتان لم يستطع مقاومة النظر إليهما شعرت فيفيان بنظراته التي أخذت تتفحصها بشوق وابتسمت ابتسامة عريضة زادتها جاذبية ثم سألته عن سبب وقوفه وهو صامت ولم يلق عليها التحية أجابها : - انظري ، ووضع الأوراق أمامها ، ثم أخذت فيفيان تستطلع م كانت تحتويه من السحر والغموض .. ثم قفزت وهي تقول بصوت مرتفع : - رائع يا طارق رائع . -------------------------------------------------------------------------------- - لقد جعلت مني شاعرا يا فيفيان ، أنا كنت كاتبا فقط ، ولكن لم استطع مقاومة وصفك بالكلمات ، نعم لقد جعلت مني أكثر من شاعر . زادت عيناه إثارة وروعة بذلك السحر العربي العريق - أنت فعلا ساحر كلمات ، وناسج خيوط شعر رائع ما هذه الكلمات هل جميعها موجهه لي يا طارق ؟ - نعم - لماذا ؟ - لا اعلم لقد شعرت بحاجة ماسة إلى التعبير عن ذلك النهار بجمال عينيك ورونق المرأة الرائعة فيك . - هل أنا على هذا المستوى من الوصف ؟ - نعم وأكثر من ذلك أيضا ، أنت ، أنت جعلت مني شاعرا ، شكرا لك . - اعتقد بان كتابك هذا سيضرب الرقم القياسي في معرض الكتب في تونس . - أنا أشاطرك منذ الآن . - حسنا ، ما هو شرطك ؟ سألها وهو ينظر إلى الصفحات بين يديها - أولا إذا ربحت ستعطيني قبلة رائعة عميقة . - ماذا ، لا لا استطيع . - لماذا هل مازالت القيود تقيدك يا طارق ؟ - أنا ، لم أتوقع أن تطلبي مني هذا . - لماذا إلا تعتقد بان هذا الشعور موجود في كلماتك هذه ، فأنت تصف قبلتي بكل ما تحمل من أحاسيس ، وأنا أحب أن تقبلني . - كلا بالنسبة لي هذا شئ يستحق العناء . - وأنا أصر ولن اترك لك الخيار ، فور حصولك على الجائزة الأولى سوف تجدني أحضنك أما الجميع وأقبلك علنا وليحدث ما يحدث . - لماذا أنت دائما متحررة بهذا الشكل وتحرجيني في مواقف استطيع أن أسيطر فيها على إحساسي . - أنا لا أقوم سوى بما اشعر به يا طارق ، وأنا اعرف انك لا تستطيع أن تتوانى عن مرافقتي في رحلة عاطفية عميقة إلى أغوار الحب ما رأيك ؟ - نعم ولكني لا استطيع وأنت لن تستطيعي أن تدفعي بي نحو الخطيئة ، وإذا استمريت على هذا النحو سوف لن نلتقي بعد الآن . - كلا يا طارق ، أرجوك أنا امزح فقط أنا أفضلك كصديق على أن لا أراك أبدا . شعر طارق بلهفتها نحوه ومحبتها له مما اضطر به إلى الهروب من عينيها والابتعاد نحو الكرسي المقابل إلى المكتب وجلس عليه نافخا صدره بغرور عربي مثير . - متى تريدني أن ابدأ بطبعه . - في الحال لكي يستطيع أن نرسله إلى تونس في المعرض القادم . - حسنا كما تريد . اقتربت منه فيفيان بشكل مفاجئ وهي تنظر إليه بعينين ملهوفتين وقالت : - ما رأيك لو نتغذى اليوم معا ؟ - حسنا إنها فكرة رائعة . تواعدا في الظهيرة ثم خرج من المكتب وكانت تلك النظرات من الفتيات في الخارج لا تزال كما هي .
الفصل الخامس
انكبت فيفيان على طباعة تلك الصفحات وتنسيقها وهي تراقب كل كلمة وتعيش مع الوصف الحي للشعر الذي كتبه أحب الناس إلى قلبها ، دهشت وشعرت بتقلص أوصالها كما شعرت بمعنى الكلمات العميق لتلك المشاعر التي تصفها . طارت حلقت بالجو وابتعدت عن المكان الذي كانت تجلس فيه حلقت على غيمة من الأشواق العابقة بحب ذلك الفارس الأسمر الطويل . عند الغذاء .. كانت فيفيان تنتظر قدومه بفارغ الصبر ، واقفة أما مدخل البناية تنتظر ، شعرت بالبرد يلف جسدها النحيف وأحست وكأنه لن يأتي أبدا ، وفجأة توقفت سيارة سوداء ، وفتحت نافذتها على مهل ونظرت لم يكن سوى طارق وراء المقود وهو يبتسم مشيرا إليها للصعود ، ثم ركضت من المطر الذي بلل رأسها وملابسها ، ودخلت وهي ترمقه بنظرات التساؤل عن سبب تأخره . - اعتذر يا صغيرتي ، كان هناك عمل . - هل هوايتك أن تجعليني انتظر . - كلا ، ولكن صدقيني ليس بيدي حيلة . - هل هو اتصالك بتونس ؟ - ربما - لماذا أنت غامض هكذا معي ؟ نظرت إليه من جديد بغضب . - إذا كنت ستستمرين بهذا الشحوب ، فانا لن أتناول ولا حتى لقمة واحدة من هذا الطعام . - كلا ، لن أبقى هكذا إذا أخبرتني عن سبب تأخرك هل تعتقد بأنني سأنتظرك طول العمر . - إني اعتذر مجددا ، وإذا لم تسامحيني فسوف اخرج حالا بلا عودة . - لماذا تهددني دائما بعدم رؤيتك ، هل تعلم مدى ضرورة رؤيتك بالنسبة لي . - نعم يا صغيرتي هل تشعرين بالخجل الآن . - كلا أنا لا اخجل أنا أقوم بعمل ما يحلو لي وساعة أريد . - هذا واضح . - هل تعتقدني فتاة لعوب . - لا اعلم ربما . رمت بالملعقة بشكل ملفت للنظر والغضب يتطاير من عينيها : - لماذا يا طارق هل طلبت منك شئ يدل على أنني لعوب . - كلا يا صغيرتي أنت فتاة لطيفة ، ومحافظة وشريفة جدا ، ولكن في بلادنا المرأة التي تعاشر الرجل أو حتى تتحدث معه بدون رباط مقدس تعتبر امرأة لعوب .... - هل أنا هكذا بالنسبة لك ، قالت له بتوسل وأضافت : - أنا لم أتحدث إلى احد بحياتي ، ولم أتكلم مع أي إنسان بهذه الطريقة صدقني ، أنت الوحيد الذي دخل أعماقي دون أن يطرق الباب ، لقد كانت صادقة معك إلى ابعد حدود واكرر بأنه ليس هناك أمر بحياتي سواك ، ولم يلمسني منذ طفولتي فانا كزهرة مشرقة تنتظر من يقطفها . - هل تعنين بأنك ما زلت عذراء ؟ - نعم يا طارق ، نعم . - هذا رائع ، هل تعرفين ماذا يعني هذا عندنا في بلادنا ، انه شرف المرأة وسبب وجودها على الأرض ، المرأة الطاهرة النقية هي امرأة شريفة صالحة لان تكون زوجة . - هل هذا يعني بأنني صالحة لأكون زوجتك ؟ انحرف بنظره عنها كما يبتعد عن الجمر المحرق ، لاحظت هروبه ثم أضافت : - لماذا هذا الصمت ، هل أنا لا أليق بك ، لماذا تبتعد الآن ، إني اشعر بك من خلال وجهك وشعرك الجميل . - كلا ، أنت فتاة رائعة وصالحة لان تكوني زوجة وحبيبة ولكن .... - ولكن ماذا .. هل استطيع أن اعرف السبب أنت تحبني وهذا واضح من تصرفك ، لماذا لا تعترف حتى نصبح عاشقين رائعين لماذا ؟ يا حبيبي ؟ - لا استطيع فيفيان أنت متسرعة جدا أنت تحبين شعري وكتبي ولكنك لم تشعري بشخصي أنا كرجل ؟ - كلا أنا اشعر بك انك تعجبني وتثيرني أنت أروع رجل رايته . - كفاك يا فيفيان انك متسرعة جدا ، انتبهي لكلماتك ، أتمنى أن لا تلوميني يوما ما عما قلته الآن . - أنا أصر على حبك ، ولن أتراجع ولن اندم ولكنك أنت لا تشجعني لماذا هذا الغموض والهروب من الواقع . - لا اعلم ، لا اعلم فيفيان وكفاك أرجوك أن تكفي عن هذه الكلمات . - هل تعني انك لا تعترف بتلك الكلمات في كتابك ؟ - كلا ، كلا أنا اعني كل كلمة ، بل كل حرف أرجوك لا تفهميني خطأ ، أنا فقط أحافظ على عدم تسرعك بالانحراف نحوي . شعرت فيفيان بضيق شديد في صدرها وأحست بأنها تكاد تنفجر أخذت نفساً عميقا ولكنها لم تستطع أن تسترخ لقد عاد الضيق إلى صدرها من جديد واخذ قلبها يدق بسرعة مذهلة مما افقدها السيطرة على نفسها ثم وضعت يدها على صدرها بشكل قوي وصرخت من الألم ... حاول طارق أن يهدئها ويعرف ما أصابها ، اعتقد في بادئ الأمر إنها تتصنع ، ولكن الأمر الآن بدأ يأخذ الجدية التامة ، غابت فيفيان عن الوعي تماما مما أذهل طارق وادخل الخوف إلى قلبه ... أخذ خديها بين يديه وراح يحاول أن يجعلها تستيقظ ولكنه فشل مما دفعه إلى طلب النجدة المستعجلة من الموجودين وما هي إلا لحظات حتى كانت السيارة السوداء أمام المطعم فحمل فيفيان بين ذراعيه وادخلها إلى السيارة وأمر الجرسون أن يغلق الباب خلفه ثم انطلق نحو اقرب مستشفى في الجوار أطلق العنان لسيارته ووصل بسرعة إلى المستشفى الوطني ... خرج من السيارة نحو غرفة الطوارئ يطلب مساعدة لحملها إلى غرفة الإنعاش فركض الجميع نحوها ، وحملت إلى الداخل ثم اقترب طارق من غرفة زجاجية ينظر إليها من بعيد وهي نائمة والجميع يحاول إعادة الحياة إليها كان ينظر إليها والدموع تكاد تنهمر من مقلتيه ولكن كرجل عربي أصيل استطاع أن يدفن دموعه عاش نفس القلق الذي كان يشعر به عندما كان طفله الصغير في المستشفى يقوم بعملية فتح قلب بقد كان خائفا كثيرا ، ووجهه مثل الجمر لم يكن بمقدوره أن يتصل بأحد لأنه لا يعرف شيئا عن حياتها الخاصة ، بمن يتصل لا احد يعرفه ، فكر مليا ولكنه لم يجد سوى حقيبتها بيده فتحها بعجل لعله يجد أرقام هاتف ما يدل على من يستطيع الوقوف إلى جانبه كان بحاجة إلى أي شخص يقف إلى جانبه .. ولكن صوت الطبيب أوقفه للحظه ثم قال له : - سوف تكون بخير يا سيد ولكن انتظرني في المكتب حالا . تبعه نحو المكتب ودخل وهو خائف من الكلمات التي ستواجهه . - هل استطيع أن اعرف ماذا تكون فيفيان بالنسبة لك ، سأله الطبيب . - إنها ... إنها حياتي كلها يا سيدي ... إنها حبي وكياني . نطق بهذه الكلمات دون أن يشعر بها لقد عبر عما يختلج في قلبه من أحاسيس تجاه تلك الطفلة النائمة في غرفة الإنعاش . - حسنا إذا لا استطيع أن اخفي شيئا .. إنها .. إنها بحاجة إلى العناية الفائقة يا سيد طارق إن قلبها مصاب .. ولا تستطيع أن تتحمل أي شئ طارئ حزين .. إنها في خطر محتم يجب عليها ان تستمر في معالجة نفسها وأخذ الدواء وإلا اظطررنا لإجراء عملية من المحتمل ان لا تنجح ان قلبها ضعيف جدا . - أرجوك يا دكتور قل لي إن هذا غير صحيح ، أرجوك كلا يا بني ، ان هذه هي الحقيقة . - كلا لا يمكن ان يكون القدر قاص معي بهذا الشكل .. أولا ولدي ثم هذه الطفلة التي أحببتها بكل أعماقي .. لماذا تساومني على احد احب الناس الى قلبي اولا ولدي ثم حبيبتي ماذا اقترفت يداي .. اني اتوسل اليك ايها الطبيب .. الا يوجد طريقة مريحة وسريعة تخفف من آلامها ؟ - كل ما نملك يا بني هو عدم اثارتها او اغضابها بشكل يفقدها السيطرة على نفسها كل اتكالنا على الله ... أرجوك .. ان تدعها تستمر على هذه الادوية وان تبقى دائما على اتصال بي ؟ - حسنا ، شكرا لك ايها الطبيب ، هل استطيع رؤيتها الآن ؟ - نعم تستطيع ان هذه لم تكن سوى نوبة قلبية ، وعندما ترتاح سوف تستطيع ان تعود بها الى المنزل ، ولكن احذرك من جديد بعدم ازعاجها والمحافظة على هدوءها اي غضب من الممكن ان يؤدي بحياتها . خرج طارق وهو يتأبط حزنه بين يديه ويسأل الله : - لماذا يا الهي لماذا فيفيان ؟ ، هل مكتوب علي ان اخسر اعز الناس الى قلبي ، كيف سأواجهها الآن بالحقيقة كيف ساقول لها اني .. لا لا استطيع ان هذا الشئ مخيف ومؤلم لن اقضي عليها لن اكون السبب في القضاء عليها . دخل الى الغرفة عندما كانت فيفيان مستعدة للخروج ... اقترب منها وامسك بيدها بقوة وراح يقبلها بشغف تعجبت فيفيان من تصرفه هذا وقالت له مستغربة : - هيه ، يا طارق ، هل فقدت ايمانك الآن . - كلا يا حبيبتي انت من الآن ستكونين زوجتي ، وحبيبتي الى الأبد . - ماذا هل انت صادق حقا ؟ - نعم يا حبيبتي انت زوجتي من الآن . - يا حبيبي كم انا سعيدة . كم كانت فرحتها كبيرة في تلك اللحظة مما دفعها الى السعادة القصوى كانت الممرضة الى جانبها لم تسحب بعد الشرائط الموصولة الى صدرها وهي ما تزال تعطي اشارة حول سير دقات قلبها الى جانبها مما أدخل الخوف الى قلب طارق ، ولكن الممرضة طمأنته قائلة : - لا تخاف ان هذا من تاثير الفرحة .. هل تعتقد ان الحزن وحده الذي يتحكم بضربات القلب ، كلا ان الحزن والفرح هما سبب خفقان القلب ولكن الفرق القوة بينهما ، واتمنى ان لا يكون الحزن المنتصر واعتقد انكما زوجان رائعان . ضحكمت فيفيان قائلة : - شكرا لك كم انت لطيفة . بعد ساعات استطاعت فيفيان ان تخرج وتعود الى منزلها وهي تتأبط ذراع طارق ، وذلك السيد الاسمر القادم من بعيد ، المسيطر على قلبها وسبب ضخ الروح فيه ، لولاه لما كانت فيفيان تتمتع بالحياة الآن . عادت الى منزلها ... وقدمت طارق لوالدها شارحة ما اصابها وكيف ان طارق انقذها ولكنه لم يخبرها عن سبب ما اصابها ، حاولت ان تستخلص منه ما اصابها ولكنه قال : - فقط ارهاق بسيط . - ولكن هل هذا الارهاق يسبب الغيبوبة والألم المبرح في الصدر . - نعم يا حبيبتي انه من الارهاق ، ويجب عليك الاستمرار في تناول الدواء والمنشط هذا والاستمرار ايضا في زيارة الطبيب عند الشعور باقل الم . - انت تخيفني يا طارق ، هل أنا مصابة بمرض عضال . - كلا يا حبيبتي ما عاذ الله انت بحالة جيدة ولكن للاحتياط فقط . دخلت فيفيان الى غرفتها لتستعد للعشاء وكانت نور تساعدها في ارتداء ملابسها ، ثم سالتها فيفيان بلهفة : - ما رايك بطارق يا نور ؟ - انه رائع ، ولكن اشعر وكانه غامض قليلا . - ربما ولكنني احبه بجنون ، لم يمر سوى شهرين على معرفتي به .. وانا الآن اعشقه بجنون . - انتبهي يا فيفيان ان الحب يشكل خطرا على العلاقة في بعض الاحيان . - لا تخافي انا متيقظة تماما . كان طارق في هذا الاثناء يحدث والد فيفيان السيد اوليفر ، وهو يخبره عن حقيقة ما اصاب ابنته المحبوبة . - ارجوك يا سيد اوليفر ان تكون قادرا على تحمل ما ساخبرك اياه . - ماذا يا بني اني قلق جدا ، ماذا يحدث مع فيفيان ارجو ان تكون بخير . - انها الآن بخير ولكن .. - لكن ماذا يا بني ... - ان قلبها ضعيف ، وهي بحاجة للعناية وعدم اثارتها ، هذا ما طلبه مني الدكتور ماكلين نورث في المستشفى الوطني ، واعطاني عنوان ومركز عيادته وهو مدون هنا ويريد من فيفيان ان تواظب على الاستمرار بالتردد الى عيادته لفحصها بدقة ومن الممكن ان تحتاج الى عملية جراحية لفترة ما ، ولكن الآن يمكنها الاستمرار بهذا العلاج المؤقت ، ولكن من الضروري عدم اغضابها او ارهاقها في العمل او تعرضها لضغط شديد من الالم . ولكن كيف علينا ان نقنعها بعدم الاستمرار في العمل . - هناك حل ولكن خائف جدا منه ، ولكن لا مفر اريد ان آخذ برأيك اولا . - ما هو يا بني . - اني خائف جدا انه بمثابة قرار صعب وارجو ان تصفح عني واذا لم يكن هذا يريحك فقل ارجوك . - هيا تكلم يا بني ، ارجوك انا اعرف انك تحب ابنتي وهي تحبك بجنون ، ان كنت تطلب مني الموافقة على هذا الزواج انا مستعد لاقدم مباركتي من الآن . - كلا يا سيد اوليفر انه اقوى ومسبب الآلام اكثر ، انا احب فيفيان احبها بصدق ولكن صدقني انا لم اقصد ان ادعها تحبني ، هي من بدأ وانا احببت طفولتها البريئة لقد تسرعت كثيرا فيفيان بحبي واعلانها لي بانها تريدني بكل ما تملك من قوة ، صدقني يا عمي ، انا احب ابنتك ولكنني لم اورطها حتى تتزوجني انا حاولت ان افهمها بانني .. بانني ... متزوج ! . - ماذا ؟ ، شهق والدها بصوت مبحوح خافت مؤلم - ارجوك يا سيد اوليفر ان تسمعني الى الآخر ، نعم انا متزوج ولدي طفل صغير يعيش مع والدته في تونس تدعي ليلى ، وانا احبها ولكن هناك مشاكل كبيرة تفصل بيننا وهذا الفراغ العاطفي الذي اعيش فيه ادخل فيفيان الى قلبي وملأني سعادة وحب وعاطفة ، انت تعلم يا سيد اوليفر ان العرب وخاصة الشاب العربي الذي يتمتع بقوة ونفوذ قوي وذو سلطة على اراضي شاسعة يحق له باكثر من زوجة . - ماذا وهل ستنضم ابنتي المسكينة الى جواريك ايها السيد . - كلا انا لا اقصد اسمعني الى الآخر ارجوك . - لماذا تريدني ان اسمعك الى الآخر ، هل تعتقد بانني افرط بابنتي هكذا بكل سهولة انها ليست جارية يا سيد طارق واكرر بانك مخطئ . - انا اعرف سيد اوليفر ، انا احب فيفيان من كل قلبي ارجوك ان تفهمني انا لدي زوجة واحدة فقط ، وطفل وليس لدي جواري انا حقا املك اراضي شاسعة وعندي نفوذ قوي ومسيطر تماما على مقاطعتي ولكن لست اقطاعيا وليس عندي القصور والجواهر ، انا رجل مثقف واعشق المرأة الجريئة القوية التي تتمتع بالثقة الكاملة انا عشقت فيفيان لانها انسانة متحررة ، انا كاتب سيد اوليفر على ان اساعد المرأة على التحرر . - اني اسمعك يا بني تابع. - لقد فاجاتني فيفيان بحبها ولم تتيح لي الفرصة لاخبرها الحقيقة ولكنني عندما اردت ان اطلعها على هذا الامر بعدما رجوتها ان لا تسرع بعواطفها كي لا تندم لاحقا ولكنها لم تسمعني واسرعت في طلب حبي والاعتراف وعندما ترددت ولم اعترف لها اصابها ذلك الالم في قلبها وانتابتها النوبة القلبية ، وكادت ان تقضي عليها ، وانا الآن محتار بينها وبين الحقيقة مما اجبرني على طلب الزواج منها خوفا على سلامتها ولكن صدقني انا فعلا كنت اريدها زوجة لي ولكن بعد ان اسالها عن رايها بخصوص زوجتي الاولى ، ارجوك يا عمي ان تصدقني فانا منذ زواجي وانا اعيش كابوس مرعب ، عندما تزوجت وكالعادة ابنة عمي كان زواجنا حب خالي من الاحساس العاطفي وكان الطفل الصغير سبب استمرارنا حتى هذه الفترة ولكن المؤلم اكثر من هذا ان طفلي الصغير يعاني من انسداد في صمام القلب وهو بحاجة الى عدة عمليات والآن مرت الاولى على خير وهو الآن بحالة راحة تامة وعندما جائتني فيفيان لم اكن بحالة قادرة على منعها من حبي كنت قلقل على طفلي الصغير ولقد ولد وهو يعاني نقصا في تكوينه الجسدي ، وذلك بسبب القرب الواضح بيني وبين زوجتي وقد حذرني الطبيب من الاستمرار في انجاب الاطفال خوفا من ان يزيد عدد المعاقين لدي مما دفعني الى الهرب والمجئ الى هذه البلاد الغربة ابتعد عن زوجتي التي تحبني ولكن انا لم اعرف طعم الحب معها ، وعندما جاءت فيفيان كانت سلوتي ولوعتي وحبي المجنون ، انظر الى اي نفق عميق وضعت فيه نفسي الآن علي ان انقذ ولدي من مرضه ولا استطيع ترك والدته خوفا من آلامه وكذلك لا استطيع ان اترك فيفيان في آلامها .. اني خائف يا سيد اوليفر ماذا افعل ارجوك ارشدني الى الطريق الصحيح ... لم اكن انوي ان اقع في حبها ولكن الوحدة والحاجة شئ صعب في حياتنا لقد جاءت فيفيان ، واشعلت اعماقي انا احبها صدقني يا عمي ... - انا اصدقك يا بني .. انت فعلا في ورطة صعبة ومؤلمة انت تضع طفلك في كف وحبك لفيفيان في كف آخر والاثنان لا تستطيع الاستغناء عنهما وكفة الميزان لن تقول واحدة اقوى من الثانية الاثنان سيكونان بنفس الوزن على ما اعتقد ولكن يا ولدي يجب عليك ان تختار لا استطيع ان افرط بابنتي يجب ان تنسحب من حياتها باقل الآلام ممكنة ارجوك يا بني ان تحسن التصرف انا اعرف انك رجل جيد وشاب قوي تستطيع ان تنتصر على اقدر . - القدر عدوي يا سيد اوليفر لا يرحمني انه دائما بالمرصاد اولا ولدي والآن حبي .. انا فعلا منهار ولا استطيع ان استمر على هذا الشكل ماذا افعل بحق الله .. ماذا افعل . وضع يده على راسه وجلس على الاريكة الى جانبه واعماقه تتمزق طفلي في كفة وحبي في كفة ، هذا ما كان يفكر به كيف سيقاوم هذه المصيبة . الا يكفيه الم واحد وكانه خال منه كليا وكانه ليس بحاجة الى المزيد من الألام ، انهارت قواه ذلك الشاب الفارس القوي ينهار امام القدر

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا