قلب في المحيط

الضربة القاضية
جلست ويندي معتدلة فوق الكرسي ،يداها الباردتان كالثلج تشبثتا بذراعيه وهي لا تكاد تعي الوجه القائم أمامها بعينين تنطقان شفقة وحاجبين كثيفين رماديين يضفيان على الرجل مظهرا شرسا0 كانت واعية للسحب الصيفية الضخمة المحملة بالمطر ،تراها من خلال النافذة وتحجب الشمس كما كانت منتبهه لتكات الساعة البطيئة الثقيلة0 أجل التكتكه البطيئة000 وفجأة حولت تفكيرها عنها كما يسحب الإنسان نفسه من أغلال حلم مفزع يؤرقه ويدفعه إلى الاستيقاظ ،لكن برغم الحلم المفزع تكون هناك زفرت ارتياح عند الاستيقاظ وقالت بصوت يعلو قليلا علن الهمس: " دكتور هويتيكر لم تخبرني بعد برأي الأخصائي0 لقد رفض هو نفسه أن يكشف لي عن الحقيقة قائلا إنه سيكون من الأفضل أن يحدثني طبيبي الخاص وأنا موجودة هنا منذ نحو خمس دقائق0 واختلست نظر إلى ساعتها ثم أستطرد ت تقول: " نعم خمس دقائق بالضبط اذ ان موعدي كان الساعة الثالثة" وبداء الطبيب كما لو كان يبتلع شيئا يسبب آلاما كبيرا في حلقة ثم استهل كلامه بقوله: - عزيزتي أنا أعرفك منذ مدة طويلة" ردت قائلة: - منذ 20 عاما فأنت من جاء بي الى هذا العالم" ومرة أخرى غص حلقة لكن صوته بدأ حاسما وهو يقول: - إنه ورم في المخ يا وندي ولا يرى الأخصائي أي امل على الإطلاق" وبسرعة حول وجهه عنها وأدركت بدون أدنى شك أن الدموع تترقرق في هاتين العينين الزرقاوين الطيبتين حينما استدار مرة أخرى ليواجهها0 قالت وندي وقد شابت صوتها نبرة أسى واضحة: - لا أمل ؟ أدركت ذلك بالطبع من التعبير الذي ارتسم على وجهه الأخصائي0 - آراد أن يجري الجراحة لكنه أدرك أنها لن تجدي ،وقد شعر بخيبة أمل عميقة بسبب عجزه0 قالت وهي تبحث عن الدموع في الوقت الذي استدار الطبيب ليواجهها: - كم تبقى لي من العمر يا دكتور هويتيكر؟ - 4 أشهر أو ربما أكثر قليلا0 وحدقت في عينيه بعينيها الواسعتين البنفسجيتين حيث تزاحمت التساؤلات والاحتجاجات عبر المكتب الفخم المغطى بالجلد والواقع بينها وبين رجل كان عبر السنين صديقا لها فضلا عن كونه طبيبها0 ورده قايين - أيعني00 إنه يمكنني التأكد من أنني سأعيش 4 أشهر ،4 أشهر000 نحن الآن في ديسمبر كانون الأول0 إذا لن ترى إطلاقا صيف آخر او خريفا, وهو الفصل الذي تحبه أو آي شيئا آخر بعد هذا الشتاء0 لن ترى عيد ميلاد آخر لها على الإطلاق0 - أجل يا وندي هذا ما يعنيه0 وظلت صامتة وهي تدرك أنها صارت شاحبة لون بشرتها يتغير دائما حينما يغلبها التأثر العاطفي أصبحا أبيض وناعمة مثل المرمر كما يحدث لها في أوقات الانفعال0 وأخيرا مدت يديها وهي تقول: - ماذا يفعل إنسان محكوما عليه بالموت في بحر 4 أشهر؟ ربما يأتي الموت الآن أتمنى من كل قلبي أن يحدث الآن؟ صدرت الصرخة من أعماق أعماقها و كانت صادقة أنها لا ترغب العيش في زنزانة الموت طوال الأشهر 4 المقبلة وتجاهل الطبيب بقية ما قالته وهو يكرر قولها: - ماذا يفعل الإنسان؟ أية نصيحة ينبغي أن أقدمها إليك؟ كانت عيناه مبللة بالدموع أما فمه بشفتيه الممتلئتين المزمومتين غالبا فكان متوترا غير مستقر, وكانت شفتاها ترتعشان ودقات قلبها أسرع وأثقل من المعتاد وارخت قبضة يديها على ذراعي الكرسي ووضعتهما فوق المكتب وهي تضمهما الواحدة الى الأخرى تم ذكرته قائلة: - إنك تقدم لي دائما النصيحه الصحيحة ودائما تكون حاضرا عندما احتاج إلى التوجيه 0 لم تعرف ويندي أباها على الإطلاق لأنه توفي قبل أن تبلغ من العمر عامها الأول أما أمها فتوفيت منذ عام وفكرت: - إننا أسرة لا تعيش طويلا000 راودتها هذه الفكرة وهي تحاول أن تتذكر متى بدأت نوبات الصداع تنتابها في البداية ظنت أن هذه النوبات نتيجة اجهاد في النظر لأنها تقرأ كثيرا وتعيش وحدها0 لكن هذه النوبات كان يصاحبها الشعور بالرغبة في النوم وأخيرا استشارت الطبيب ومن بعده الأخصائي0 الذين كانا وجهه متجهما وعيناه غارقتين في التفكير وهو يقول: - اذهبي وقابلي طبيبك في مثل هذا الوقت من الغد سيكون قد سمع رأيي0 - لكن00 ورفع يده ليسكتها بينما كانت تستعد لتوجيه مزيد من الأسئلة إليه وقال: - طبيبك يعرفك منذ سنوات وهو الرجل المناسب للتحدث معك حول هذا0 - أهو شيء خطير جدا؟ بهذا السؤال قاطعته وندي لكنه أوقفها بحسم0 ونهضت ويندي واقفة لكن بغير اتزان وبعد لحظة وجدت نفسها خارج الباب أكيدة أنها أصبحت في قبضة خوف مريع أخرجها سعال0 د هويتكير الهادئ من تلك الذكرى المفجعة وأعادها إلى الحاضر والسؤال الذي وجهته0 وهو سؤال كانت تعرف إنه يفكر فيه والآن لديه الجواب وافتعلت ابتسامة وهي تسأل بعينيها: - نعم يا دكتور هويتكير؟هل فكرت في شيء أفعله؟ اوما برأسه وبدا أسعد قليلا رغم أن الظلال كانت لا تزال تحوم في عينيه ،وتكشف عن مشاعره الداخلية وأسفه العميق ثم قال: - أول رحلة حول العالم للباخرة " اس اس "فايسون" تبدأ في أوائل كانون الثاني يناير0 واختلست ويندي النظر إليه وهي تقول: - أتقترح أن أشترك فيها اأستطيع تحمل شيء كهذا0؟ ولهثت ثم أضافت: - إن كل مدخراتي حوالي 200 جنية0 - وال 000بيت00000! كم كانت هذه الكلمة صعبة وأدركت أنه يتساءل كيف تشعر الآن وسألت: -البيت أتعني أن ابيعه0؟ أو ما بالإيجاب00 وفكرت00 أية نهاية مزعجة لا تحتمل 0بيتها البيت الذي تركته لها أمها كان كل ممتلكاتها وهو بحالة جيدة والأثاث أيضا مازال في حالة جيدة معظم اثاثه فيه من نوع جيد وبعضه قديم ونادر0 وقال الدكتور هويتكر برقة: - سيدر عليك أكثر مما تحتاجين يا عزيزتي أعني ما يكفي للرحلة كي تحصلي على مستوى عال مريح خلالها وسيتوفر لديك أيضا ما يكفي لثيابك والأموال التي تحتاجين لرحلة تستغرق 3 أشهر0 وتجهمت وذكرها بصوته الرقيق نفسه إنه ليس هناك شخص عزيز لديها ترغب في أن تترك له ممتلكاتها هزت رأسها موافقة فليس لها أحد من أقاربها عدا ابن عم من بعيد إذا لماذا لا تأخذ بنصيحة الطبيب؟ ورده قايين وقفت ويندي تنظر إلى جانب الباخرة الخضراء وهي تتحرك ببطء بعيدا عن رصيف الميناء في "ساوثهامبتن" هل ستعود يوما؟ لم يبقي لها الآن إلا 3 أشهر فقط أو أكثر قليلا البيت اشتراه أول شخص اقبل لرؤيته 0 وأعقبت ذلك مكالمة تليفونية لمكتب البواخر حجزت لها غرفة فخمة خاصة لشخصين كانا صاحبها ألغى الحجز في آخر لحظة ثم بدأت بسرعة في شراء ثياب وأخذ اللقاح المضاد للحمى الصفراء والكولير0 وبينما كانت تقوم بكل هذا كانا يحضر إلى البيت كل من يرغب في شراء الأثاث وغيره من الأشياء التي أرادت بيعها 0لم يكن لديها وقت للتفكير ومع ذلك فورا كله هذا العناء كانا هناك شبح الموت الأسود0 نهاية كل شيء 0ثم أدارت المفتاح لآخر مرة في قفل الباب وهي تخرج منه في ذلك الصباح تاركة الدكتور هويتكر ليواصل بيع ما تبقى كان على استعداد ليفعل كل شيء من أجلها وإذا حدث وعادت فإنها ستدخل إحدى دور التمريض حسبما يكون الطبيب قد أعد لها الترتيبات من قبل0 وقررت ألا تفكر طوال 3 أشهر من الآن واختلست نظرة فرأت جميع وجوه ألاشخاص الذين يشتركون في رحلة العمر فرحة 0 هذان الزوجان المسنان هل ظلا يوفران طول عمرهما من أجل هذه الرحلة وذلك الرجل هناك من المحتمل أن يكون من عمال رصف الطرق أو البنائين في الأشغال العامة تلك المرأة ربما تكون نجمة سينما وهي غنية بالتأكيد كما هو واضح من المجوهرات التي تتزين بها والمعطف المصنوع من الفراء الثمين ذلك الرجل هناك ربما فرنسي والآخر الذي يتوقف على بعد قليل منها قد يكون أحد رجال الأعمال البارزين وهذان اللذان يقف الآن بجوار حاجز الباخرة أحدهما طويل وأسمر جذبتها وسامته عندما لاحظت بالنظر إلى جانب وجه ملامح كلاسيكية حاسمة واضحة0 الأنف المعقوف والذقن البارز0 والخدان عميقتان0 والبشرة نحاسية0 وأدار رأسه ونظر إليها بلامبالاة ثم استدار مرة أخرى ليتحدث مع صديقه وألقت ويندي نظرت أخرى على الميناء التي بدأت تبتعد ثم نزلت إلى حجرتها الفاخرة في جناح الأثرياء حيث لها حجرة خارجية بحمام مريحة بكل معنى الكلمة0 " ورده قايين " حالما أصبحت وندي في حجرتها وقفت قرب خزانة الملابس0 وتركزت عيناها على المرآة ومع ذلك لم تريا شيئا إذ فجأة اعترتها نوبة من نوبات مرضها وشعرت بأنها تغوص في أعماق الأسى وتهبط في هاوية سحيقة كل ما فيها ظلام وما كان فيها من آمل ذاب وطغى عليها شعور برغبة عارمة في أن تصرخ احتجاجا والتوسل من آجل ألعون0 واستلقت على السرير و اغمضت عينيها لماذا اشتركت في هذه الرحلة لماذا لم ترى أن الحياة ليست إلا عذابا خالصا واهية تعيش بين أناسا سعداء يضحكون ويسبحون ويرقصون ويقومون بتلك الرحلات الغريبة التي تنظمها شركة أمريكان اكسبرس 0 للركاب فترسو السفينة في الموانئ المعينة ساعات معدودة أو أياما! ومع ذلك فبعد الراحة والحمام انتعشت تماما وخرجت تتناول الشاي بعد الظهر في حجرة الملكة وهي جناح لطيف تم تنجيد اثاثه باللون البرتقالي تنتثر فيه المزروعات مما يضفي مزيدا من الألوان المفرحة إليه وقدم إليها الشاي والكعك الطازج المصنوع بالكريمة مضيف يبتسم ويرتدي بنطلونا اسود ومعطف أبيض وبما أنها أحضرت كتابها جلست تستمتع بأول وجبة لها في الباخرة0 ولم تكن قد فتحت الكتاب إلا قليلا عندما خطر لها أن تختلس نظرة إلى رجلين يدخلان 000انهما اللذان رأتهما فوق سطح السفينة خلال الأبحار ونظر اليها الرجل الطويل الوسيم نظرت اللامبالاة نفسها التي ألقاها عليها من قبل لكن الرجل الآخر الذي كان يرتدي ملابس أنيقة كصاحبه ولم يكن طويلا ولا وسيم مثله بدت عليه الدهشة الشديدة عندما التقت عيناه بعيني وندي وتبودلت كلمات بين الرجلين بعدها اختلس الرجل الأطول نظرة في الاتجاه الذي تجلس فيه وبدا أنهما يتحدثان بشأنها وأحمر وجهها رغما عنها وفجأة هاجمها شعور الوحدة المطلقة الذي يضع حاجزا بين المسافر الوحيد وبين المسافرين في صحبة أصدقاء ومرة أخرى سألت ويندي نفسها لماذا جاءت إلى تلك الرحلة فقد أصبح التظاهر بأنها سعيدة فوق طاقة احتمالها0 وانصتت إلى صوتيهما وهما يواصلان سيرهما إنه صوت ينم عن أن صاحبيه من المثقفين لكن أحدهما كان صوته أعلى من الآخر وبدون سبب على الإطلاق قررته وندي أن صاحب الصوت الأكثر خفوتا هو الرجل الأطول وبعد لحظة أو اثنتين كانت تسمع الصوتين مرة أخرى وقد أصبحا الآن قريبين جدا منها0 وأدركت أن الرجلين يجلسان أمام مائدة خلفها بينما ظهر الأريكة المرتفع والمنجد يشكل ستارة ويوفر عزلة كافية لمن يجلس على جانبيها0 - أنا متأكد أنها هي ياغارث انها لينيز مافارو 00 ذلك الوجه الفاتن وهاتان العينان البنفسجيتان الكبيرتان وذلك الأنف المرفوع ,وذلك الفم الدقيق إنني أعرفها في أي مكان0 - كنت أعتقد أن لينيز شقراء؟ - أحيانا تكون شقراء ودائما تكون كذلك في أفلامها لكنها إذا كانت ستسافر بشخصية مجهولة فإن أول شيء تفعله هو أن تخفي لون شعرها 0 - ولماذا تريد أن تخفي نفسها؟ - ألم تسمع عن أدوارها الغريبة ؟ وجاء رد ساخر ينم عن ازدراء: - الشيء الوحيد الذي اعرفه عنها هو أنها عثرت على عاشق جديد0 وعقبت ذلك ضحكة شعرت ويندي أنها صادرة من الرجل الأصغر حجما0 لا شك أنها تحب أن تزهو بتصرفاتها اللاخلاقية لكنها لديها تلك الميزة الخاصة التي تقودها إلى القيام بدور الفتاة البريئه الصغيرة وحينئذ تقوم برحلة بحرية وهي تخفي شخصيتيها وتطلق على نفسها اسما يناسب الدور الذي تقوم به0 ربما يكون ماري أو ماندي ذلك الاسم الذي يربط المرء بينه وبين الفتاة الصغيرة الخجولة التي لم يقبلها أحد على الإطلاق0 " ورده قايين" - يالها من شخصية غريبة !لم أسمع بمثل هذه الغرابة لكنني لا أهتم كثيرا بمن هم على شاكلتها0 فأنا لم أشاهد أي فيلم لها على الإطلاق كما تعلم0 - اعرف شخصا عمل معها في فيلم وهو الذي أخبرني بتصرفاتها الغريبة ومنها أنها في الفترة بين تصوير الأفلام يحتمل أن تنتحي بعيدا منتحلة شخصية أخرى كا الآن0 صبت ويندي الشاي لنفسها ووضعت السكر فيه وأخذت تحركه وهي شارده وجدت نفسها مأخوذة بحديث الرجلين ,وكانت قد سمعت كذلك كل بالشائعات التي تقول انه لينيز مافارو نجمة السينما ذات الشهرة العالمية لديها عادة الترحال تحت اسم مستعار مخفية أيضا شعرها اللاتيني ألأشقر تحت شعر مستعارا أسود لكن ما لم تكن قد سمعته وندي هو أن تلك النجمة تمتلك تلك الصفة الغريبة الرغبة في الظهور بمظهر الفتاة البريئة وتساءلت عن التفسير الذي يقدمه علماء النفس إذا طلبت منهم أن يذكروا سبب هذه الرغبة وبينما كانت وندي ترتشف الشاي سمعت تغيرا في الموضوع وعلمت أن أحد الرجلين شريك في شركة لوكلاء العقارات في لندن 0أما الآخر فلم يذكر شيئا عن مهنة وقد تحدث قليلا وكانا أكثر تحفظا من صديقه وقد نم صوته عن الضيق في بعض الأحيان كادت تراه وهو يرفع يدا واهنه ليمنع التثاؤب ثم تحدث صديق مرة أخرى لكن ويندي أخفقت في التقاط كلماته اعتقدت أنها سمعته يذكر شيئا مثل : الآن آلي أن تكون قادرا على الاحتفاظ بالسر) لكنها لم تكن متأكدة ابتسمت في سخرية بسبب اهتمامها بحديث الرجلين وطالبت نفسها بأن تعني بشؤونها الخاصة ومع ذلك ولسبب مبهم واصلت التفكير في أطول الرجلين وهي مندهشه الأن عقلها أنشغل بأفكار عن رجل لم تقابله, إطلاقا مجهول الشخصية حتى هذه اللحظة وخيل إليها أن أطول الرجلين يحاول أن يحتفظ بسر ما 0 كادت أن تفرغ من تناول الشاي عندما أرشد المضيف شابا إلى المائدة المجاورة لها والتقت عيناه بعينيها وابتسم وردت وندي بابتسامة مماثلة ثم التقطت كتابها وبعد 20 دقيقة فرغت من شرب الشاي ونهضت وفي نيتها استكشاف جزء من السفينة لكنها ما كادت تغادر الغرفة حتى شعرت بلمسة خفيفة على كتفها واستدارت لترى الشاب يمسك بكتابها ويبتسم قائلا : - تركت كتابك على المقعد0 وانتقلت عيناه اللتان تعبران عن التقدير من تقاطيع وجهها إلى شعرها الأسود الجميل ثم عادتا الى وجهها مرة أخرى0 فردت قائلة : - شكرا لك نسيته تماما0 ومرت لحظة صمت بدا فيها الرجل كأنه لم يقرر أعطاها الكتاب أو إذا كان عليه أن يمضي أو يبقي00 وأخيرا غامر بسؤالها : -هل أنت بمفردك؟ أومات وهي تقول: - نعم أنا وحدي0 ونظرت إليه بسرعة ولاحظت الوجه الواضح القسمات والعينين اللتين تحدقان مباشرة في عينيها والفم الذي يبدو إنه أصغر وأكثر رقة وعاطفية من ان يكون لرجل 00وبعد فترة ترددا أخرى قال: - أنا مثلك بمفردي ايضايقك لو رافقتك الى سطح الباخرة؟ - لا ابدا 0 وحيرها ردها السريع على طلبه لكن عندما أدركت أنها لا تشعر بالاستياء إزاء اقتحام خلوتها توصلت إلى الاستنتاج أنها في عقلها الباطن ترغب في صحبة أي شخص 0وسمعته يقول : - حسنا إذا 0 وسار صامتا بضع لحظات قبل أن يستأنف حديثة: هل انت مثلي تخلت عنك صديقة كانت سترافقك؟ - لا قررت القيام بالرحلة البحرية من 3 أسابيع0 - فقط 3 أسابيع00؟ وتمكنت من العثور على غرفة؟ أوضحت قائلة: : الغى بعضهم حجزة 0 وصلا إلى حاجز الباخرة فتوقفت وسألته : - قلت أنك كنت قادما مع صديق؟ - أجل حجز في العام الفائت كما فعلت أنا بالطبع, لكن بمرور الأشهر ظل يلمح الي إنه لا يستطيع تحمل نفقات الرحلة وأخيرا قرر بصفة نهائية عدم الاشتراك فيها واسترد ماله هو وأنا الآن أقيم في غرفة فخمة خاصة0 - أنا كذلك الغرفة لشخصين فهمت أن زوجين مسنين كانا يحجزانها أصلا 0 - ربما يكون أحدهما مات 0 قالها مازحا دون تفكير ثم أضاف: هل تعرفين أنهم في كل رحلة تقريبا من الرحلات التي تستغرق هذه المدة يلقى شخص ما حتفه ويدفن في البحر؟ يمكنك أن تفهمي ذلك لأنه مثل هذه الرحلة باهظة التكاليف إلى درجة أن عددا كبيرا من المشتركين فيها من المتقاعدين المسنين الذين جمعوا تلك التكاليف على مدى سنوات طويلة وإذا أخذنا في الاعتبار عدد الأشخاص الموجودين في الباخرة ترين إنه من الممكن أن يلقى شخص أو أكثر حتفه في جميع الاحتمالات0 وتوقف عن الكلام وتجهم وجهه بعض الشيء 00ثم قال: - إنك شاحبة هل انت على ما يرام؟ اومأت برأسها ولم تنطق بكلمة ,جف حلقها حتى ازدردت لعابها وأخيرا قالت: - هل اشتركت في رحلة بحرية لاقى فيها الناس حتفهم؟ - أجل مرات عدة00 كنت في إحداها في عيد الميلاد الفائت, ولم تكن مدتها تتجاوز 3 أسابيع, لكن اشترك فيها أكثر من 4000 شخص وقد توفي 2 منهم كانا عجوزين كذلك لقي طبيب الباخرة حتفة وقد دفنوا جميعا في البحر, إنهم يفعلون ذلك أثناء الليل حينما يكون باقي المسافرين نياما0 أثناء الليل في الظلام حتى لا يصاب باقي المسافرين بما ينغص عليهم سعادتهم, يلقون في البحر! يستقرون في الأعماق, في الظلام الدامس, وحدهم في المحيط الواسع 0لكن ماذا يهم فعندما يكون الإنسان قد مات ؟ وحاولت أن تبتسم وهي تقول : - ارغب في العودة إلى غرفتي0 وبدى عليه الاكتئاب قليلا وقال: -هل ضايقتك بكلامي الكئيب؟ إنني آسف للغاية0 كان اعتذاره نابعا من شعور حقيقي وبدأ الأسف العميق على وجهه وهو يقول : - كم أنا غبي0 ولو عرف الحقيقة لا أدرك إنه أكثر من غبي0 وردت قائلة: - لا تفكر في الأمر 0 وكانت ابتسامتها إسهل هذه المرة, قررت ألا تعود إلى غرفتها حيث لا تفعل شيئا0 سوى التفكير في ما قاله وبالتالي تصبح ضحية معاناة مميتة 0 ودون أن تأسف لأنها تكذب مضت تقول: - هذا لم يضايقني على الإطلاق0 ونظر في وجهها الجميل قائلا: - كانا علي أن أتوقع هذا ففي الثامنة عشرة والتاسعة عشرة لا يفكر المرء في أمور مثل الموت00 وتوقف لحظة عن الكلام ثم قال: - إلى أي مدى كنت قريبا من الحقيقة ؟ أراد أن يعرف عمرها وارتسمت أمائر الفرح على وجهه أجابته: - أنا في 20 من عمري0 - عمر رائع0 قالت : لكنك لا تبدو أكبر كثيرا؟ - 26سنة ونصف بالضبط0 - هل قمت برحلات كثيرة ؟ - إلى حد ما عادة اشتغل عامل حفر عامين أو نحو ذلك, ثم اقوم برحلة إلى مكان ما0 - لابد أنك ارهقت نفسك بالعمل لتقوم برحلة كهذه0 واعترف قائلا : - ورثت شيئا0 نصحني ابي ان استثمر الميراث وقالت أمي إنه ينبغي لي أن أساعد شقيقتي لشراء بيت لها فقد تزوجت حديثا وأنفقت هي وزوجها أكثر مما ينبغي, تماما كما يفعل معظم الأزواج الشبان هذه الايام , ومع ذلك فإنني حالما قرأت الإعلان عن هذه الرحلة البحرية قررت النصيحة الطيبة لن تجدي لمن كان من شاكلتي يريد رؤية العالم, وهذه الرحلة تحقق الكثير لدرجة أنني لم أستطع مقاومة الاشتراك فيها0 " ورده قايين " وأومأت ويندي شاردة مدركة أنه يود أن يعرف سبب اشتراكها في الرحلة0 وبعد لحظة سكون قالت: - اشتركت في هذه الرحلة لأن طبيبي نصحني بذلك0 واتسع حدقتاه واتسمت كلام بنبرة الشك: - هل كنت مريضه؟ تبدين لي موفور ة الصحة0 ابتسمت قائلة: - شكر جزيلا لك, أجل كنت مريضة 0 - حسنا فهذه الرحلة ستفيدك بلا شك0 وتجولت عيناه الأفق0 السحب بدأت تتجمع وتحجم الشمس في بعض الأماكن بعد فترة قال مستفسرا: - في أية صالة تتناولين طعامك؟ أنا أتناولها في " بريتانيا "0 - في "مطعم الملكة"0 ردت عليه بهذه الكلمات فرأت الكآبة ترتسم على وجهه ثم قال : - إنه مطعم النخبة أما أنا ففي أرخص مطاعم سفينة 0 ولم تقل ويندي شيئا إذ وجدت نفسها في أرقى الأجنحة لسبب بسيط هو أن الحجز ألغي وكما هي الحال بالنسبة إلى بواخر كثيرة ففي فايسون درجة واحدة فقط 0 و3 مطاعم يتم فيها حجز مقاعد وفقا للثمن المدفوع عن كل جناح0 وسأل الشاب : - هل يمكن أن أراك بعد العشاء ؟ ابتسمت ويندي وهي تشعر كل الغرابة في أنها تحسنت معنويا فلن تتجول في أنحاء السفينة وحدها ردت قائلة: - يكون شيئا لطيفا0 وقدم الشاب نفسه في الحال باسم شو ستيسي 0 وقالت ويندي: - اسمي ويندي 00 ويندي براون0 ضحك قائلا : -أسم حلو و بريء 0 اكتفت بالابتسام ولكن فيما بعد وهما يتجولآن معا في أنحاء الباخرة لمحاولة اكتشاف كل شيء وجدت ويندي نفسها تضحك في أكثر من ثلاث مناسبات وشكرته في سرها لروح الدعابة التي أبداها خاصة أنها منذ أكثر من 3 أسابيع لم تظهر الضحكة على شفتيها0 كانت الثوب الذي ارتدته للعشاء تلك الليلة من المخمل الأخضر الناعم له خصرا مرتفعا وينسدل برشاقة على قوامها الجميل وضعت في شعرها نجمة صغيرها رقيقة مصنوعة من اللآلئ المنمنمات وهي قطعة حلي قديمة ورثتها من جدتها الكبرى كانت زينتها الوحيدة الأخرى سوار ذهب عادي مع ذلك عندما دخلت المطعم تحولت عيون كثيرة اتجاهها لتتابعها تتقدم نحو مائدتها بإرشاد أحد المضيفين0 كانت المائدة لاربعه أشخاص جلست عليها بالفعل سيدة أخرى متوسطة العمر ابتسامتها جاهزة تكشف عن صفا بارز من الأسنان وأرادت أن تتقرب من وندي0 بعدما غادر المضيف المكان مباشرة 0سألت: - أنت وحدك يا عزيزتي, اسمي مارجي سترومبرنغ الجنسية أمريكية 0 وفكرت ويندي وهي تضحك ضحكة مفاجئة إنه لا حاجة لأن تخبرها بذلك , وأجابتها 00 أنها وحدها واسمها وندي براون وهزت السيدة رأسها كما لو كانت تشير بذلك إلى موافقة فيها على الاسم 0 ثم سألت ويندي : - من أي جزء من الولايات المتحدة جئت؟ - كونكتيكت يا عزيزتي زوجي كان يزرع التبغ لكنه مات خسارة لأنهم كانا سيستمتع برحلة مثلها هذه آه ها هما رفيقانا0 " ورده قاييـــن " ورسمت السيدة ابتسامة جاهزة أخرى بينما جلسا رجلان أمام ويندي فكانت أيضا تعتزم الابتسام لكنها شعرت بالخجل لسبب مبهم تلاشت كل الأحاديث التي تجاذبتها مع مسز ستروميرنغ على الفور لأنه هذين الرجلين كانا الذين رأتهما فوق ظهر السفينة, ثم مرة أخرى في وغرفة الملكة لدى تناول الشاي0 وتمت عملية التعارف بين الجميع ووجدت ويندي عينيها تنجذبان نحو وجه غارث ريفرز الوسيم الذي كان يتفحصها بلامبالاة ,لكن صديقه حدق فيها بدقة وارتسمت تقطيبة بين عينيه وغمغم بينه وبين نفسه: - ويندي براون 0 ثم غمز بآغرب نظرة إلى صديقه: وقدم الطعام على ضوء الشموع ووسط كؤوس الشراب, وقامت بالخدمة موظفون لطيفون يبدو أنهم يستمتعون بعملهم كل المتعة كيف سيكون حالهم بعد 3 أشهر؟ فكرت ويندي وربما قبل هذه المدة بفترة طويلة سيشعرون بالملل والإرهاق من كل هذا السعي بين الموائد لخدمة رفاق اثرياء وأسعد حظا يستمتعون بمباهج الحياة أكثر منهم 0 اتسم الحديث بالرسميات إلى حد ما في البدايه ورأت ويندي أن غارث ريفرز هو السبب في ذلك وبالتأكيد ليس لمارجي سترومبرغ علاقة بهذا لأنها تثرثر طوال الوقت تقريبا0 أما فريزر الرجل الذي بدأ كأنه عاجزا عن تحويل عينيه عن وجه ويندي لحظة واحدة, فقط كان ذلق اللسان إلى حد ما, أما ويندي وغارث فقد قنعا بالإنصات وليس لدى اي منهما ميل لأن يفعل أكثر من الاهتمام برقة بالطعام الذي يوضع امامهما وعندما انتهت الوجبة تبادل الجميع تحية المساء ووجدت ويندي نفسها تغادر المطعم مع مارجي واندفعت السيدة الأمريكية في الحديث قائله : - ياله من ثوب رائع يزيد من جمالك إنك نحيلة أما أنا فإنني أحب الطعام كثيرا وهذا ضعف فضييع ياعزيزتي, لا تسمحي لنفسك أنت تصلي الى هذا الحد أبد0 إنك تبدين في 22 من عمرك والمرأة لا يبدأ وزنها بالزيادة إلا عندما يتجاوز 40 الأربعون عندها فكرت ويندي في مرور الوقت بقسوة منذ علمت بمصيرها وتسألت حول ما سوف تقول السيدة الأمريكية لو أخبرتها بأنها لن تصل أبد الى الحادية والعشرين فما بالك بال 40 0 و ضلت السيدة تثرثر وكأنت ستظل هكذا لو لم تعتذر ويندي لتنسحب قائلة أن لديها موعد عليها إن تفي به0 - هل وجدت صديقا بالصدفة؟ وترددت ويندي لحظة لكنها قالت: - أجل في الواقع وجدت صديقا0 وبعدما تبادلت تحية المساء سارت ويندي عبر سطح السفينة حتى وقفت في جوار الحاجز اللحظات عدة 0 فلن تقابل شو قبل أربع ساعات تقريبا0 وظهر شخصا آخر لكنه كان في هذه اللحظة في الظلام لذلك لم ترا يندي إلا ما يشبه طيفة0 ولم تكن لتخطئ طوله ومشية فعرفت من هو حتى قبل أن يظهر وجهه لها وهو يعبر خلال شعاع ينساب من نافذة مفتوحة لأحد الأندية الليلية0 إنه غارث في ريفرز أحد الرجلين الذين سيشاركانها هي والسيدة الأخرى المائدة بقية الرحلة وتجهمت ويند وهي تشعر بالاستياء لأنها ستعاني من صحبته عندما أصبحت واثقه أنها ستبدأ في الملل من حتى قبل أن ينقضي اسبوع واحد فقد كان جافا ورسمي للغاية0 ومتحفظا في كلامه إلى أقصى حد0 وظل وجهه النحيل الوسيم لا يبتسم مهما كانت المناقشة الدائرة حوله والواقع إنه بدأ متبرما بالفعل, تساءلت عمآ سيكون حاله عندما تصل الباخرة مرة أخرى في ساوثهامبن في بداية نيسان أبريل وراقبته وهو يتجه نحو الجانب الباخرة على بعد أقدام قليلة من المكان الذي وقفت فيه ورأته يتكئ على الحاجز0 وقف ساكنا كما لو كان تمثالا0 يحملق في الليل الحالك 0 وكانت ويندي على وشك أن تتحرك مبتعدة عندما رأت شو يقترب في خطوة رشيقة سريعة, وقال عندما وصل إلى جوارها: - جئت مبكرة كنت أنوي السير على طول السطح لبضع دقائق0 وبدون تردد أضاف ذراعه إلى ذراعها وسار بها نحو النادي الليلي وبينما كانا يمران بجوار الرجل الطويل الواقف قرب الحاجز ادار الأخير رأسه والتقت عيناه السوداوان بعيني ويندي , ولمحت طيف ابتسامة على شفتيه ورأت أن تعبيره يدل على الاستخفاف المختلط بالسرور ورفعت رأسها ولمعت عيناها 00ماالذي يشعره بالسرور؟ كانت تسأل نفسها وهي تدخل النادي الليلي مع رفيقها, فلو نظر إليها هكذا مرة أخرى لما ترددت في أن تسأله

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا