حورية الغابة

حورية الغابة
المؤلفة : ديبورا هوبر
هناك في إفريقيا تركت تيري ماسترز طفولتها وأحلامها ودعت طبيعتها الحبيبة ليلاني بغاباتها المليئة بالأسرار .. ودّعت بلاد الأسود .. وودّعت فارس احلامها راف ماتياس الذي تفتحت انوثتها بين ذراعيه . لقد اصبحت ليلاني هي الماضي يا تيري .. ولكن لا .. إن قدرك هناك ولهذا فإن القدر الذي لا يعرف قانوناً ولا منطقاً اعادها الى حيث موطن أحلامها ومهد حبها .
-----------------------------
الفصل الأول
-أماه .. فيليب ! راحت المجلة التي تمسكها تيري ماسترز تهتز بين يديها وأطال فيليب ويليز النظر لعيني ابنة زوجته الخضراوين منتديات ليلاس - لن تصدقني ،لقد ربحت أخيرا . - عظيم .. رائع ورفعت ماري ويليز عينيها المملوءتين بالدهشة . - ماذا ربحت ؟ وكم ؟ وكيف ؟ هذا أمر لا يصدق . إنك تكرسين وقتك الآن لهذه الألعاب السخيفة .. تمضين وقتك امام صفحة المسابقات . - لا داعي للفزع يا عزيزتي . نظر دبليد وهو العنصر الهادئ المتزن في هذه الأسرة الى الأم والى الفتاة وقد ارتسمت على عينيه سحابة من القلق . - فلنبدأ من البداية ؟ ماذا يعني كل هذا ؟ - كل شيء هنا في الجريدة المحلية .. الأرقام الرابحة .. انا لا أكاد أصدق ، أنا التي لم أربح قط طوال حياتي . - هل أنت واثقة من هذه الأرقام ؟ - واثقة تمام الثقة . كنت أراهن على نفس الأرقام منذ أكثر من عام : في مواعيد اعياد ميلادنا .. ويوم زواجنا .. ويوم ميلادي .. وكذلك على الرقم واحد وثلاثين لأن ( كاليفورنيا ) هي الولاية الواحدة والثلاثون للولايات المتحدة الامريكية . - وربحت جميع هذه الارقام . - لا .. خمسة ارقام فقط من بينها . - هذا يجعلك تكسبين قرابة ستة آلاف دولار . وراحت تيري تروح وتجيء في عصبية ظاهرة وما تكاد تجلس على احد المقاعد حتى تنهض من جديد وتسوي خصلات شعرها المتهدل على جبينها بحركات لا ارداية . - إنها ليست بالثروة الكبيرة ولكن مع ذلك ... -انه مبلغ لا بأس به . -الي بزجاجة الشراب يا فيليب... تلك التي تحرص على اخفائها منذ اعياد النوبل في العام الماضي . وسمعت فرقعة السدادة وهي تظير في الهواء وصاح فيليب وماري بصوت واحد اليك اصدق التهنئة يا تيري... وراحت هذه الأخيرة تسترسل في الضحك كالطفلة الصغيرة . وتبادل الجميع الشراب من اجل الثروة الجديدة التي هبطت عليهم من السماء ومن أجل (كاليفورنيا) التي تحتل مكاناً مميزا بين الولايات ... ومن أجل كسب جديد في السحب القادم . - حاولي ان تربحي مليونا من الدولارات في المرة القادمة ...! وكانت ماري اول من عادت الى ارض الواقع ... كانت اخر نقطة من الشراب قد تبخرت وكان ثلاثتهم يمثلون السعادة الكاملة .. المجنونة . - ماذا ستفعلين بهذه النقود ؟ - ليست عندي فكرة محددة . - سوف لا تبذرينها على الأقل . - أوه ! نعم .. لا .. ربما ... - لماذا لا تشترين السيارة التي تحلمين بها منذ وقت طويل .. على الاقل سوف تكفين عن الحديث عنها ليل نهار وفي كل مناسبة . - صحيح ... وراحت تيري تمعن التفكير .. ماذا يمكن ان تقدم لنفسها بهذه الهبة التي هبطت عليها من السماء ؟ - قولي لنا ماذا يدور في رأسك ؟ وراحت ماري تدقق النظر في ابنتها ... كان بريق عيني تيري الخضراوين ينبئ بمولد فكرة رائعة . - ربما يكون الأمر ضربا من .. الجنون . -تيري ؟ واجتاح القلق ماري فهي تعلم مدى غرابة الافكار التي تراود ذهن ابنتها ونظرت هذه الأخيرة لأمها نظرة الطفل المذنب . - أريد ان اعود الى افريقيا . - إفريقيا ! واحس فيليب بالدهشة الشديدة وحدج ماري بطرف عينه : كان يبدو انها على وشك الانهيار . - لرؤية ليلاني . واحتجت ماري بشدة بعد اجتيازها الصدمة . - إن ليلاني تنتمي الى الماضي -هناك توجد جذوري يا أماه .. فهناك ولدت وهناك عشت في السابعة عشر من عمري . - إن حياتك الآن في (كاليفورنيا) .. في الولايات المتحدة الامريكية .. إن فيليب على حق : اشتري سيارة ولا تفكري في شيء آخر . - أماه لقد تركنا إفريقيا منذ خمس سنوات وانا اريد العودة الى هناك مرة اخرى . - لقد انتهى هذا العهد يا عزيزتي .. وحتى اذا عدت فسوف تصابين بخيبة الأمل كما يحدث عادة عندما يعود المرء الى موطن طفولته . واغلقت تيري عينيها ثم فتحتهما من جديد وقد تحرك الأمل بداخلها فجأة ... سوف تسبب الما لوالدتها .. إنها تعرف ذلك .. ولكنها لن تبالي هذه المرة . - اريد رؤية جدي . - لا بحق السماء يا تيري .. لا - إني ارغب في ذلك بشدة يا أماه ... لا تمنعيني - لا استطيع ان امنعك بطبيعة الحال فلقد بلغت سن الرشد .. والنقود نقودك ، ان صوت ماري الهادئ الرقيق في العادة اصبح غليظاً مبحوحا - انك سترتكبين خطأ جسيما يا تيري . - لا اوافقك على ذلك يا أماه . - وسيكون هذا جحوداً من جانبك . - لا ... وتدخل فيليب في الحديث وقد ادهشه رد فعل زوجته المبالغ فيه : - جحود ؟.. أنا لا افهم ماتعنينه بهذه الكلمة ! وراحت تيري تفكر فيما بينها وبين نفسها : ما اغرب الأمر - إن فيليب لا يعرف حقيقة قصتنا بعد مضي هذا الوقت الطويل .. لقد مضى عام كامل وهو لا يعرف شيئاً عن ماضينا ... - إن امي تعتبر ذلك نكراناً لذكرى والدي . - أعرف ان هناك سوء تفاهم ما ... إن فيليب الذي لا يعرف الا القليل ، ألا يدرك لأي مدى يمكنه .. وقاطعتها ماري صائحة في حدة : - ليس الأمر مجرد سوء تفاهم .. - انت لا تتكلمين عن ذلك ابداً. - إن الجرح يؤلمني أشد الألم . - حتى الآن ؟ - ان هذه السنة معك يا فيليب كانت خبر السنوات التي قضيتها منذ وفاة توم .. السعادة .. ولكن عندما افكر في توم في نهاية حياته .. احس بالألم الشديد يعتصرني . - قصي علي كل شيء . وقررت ماري وهي تتنهد بعمق التحدث عن كل ما حاولت ان تكتمه في نفسها طوال هذه المدة . - إن ليلاني محمية طبيعية بين احضان الغابة ... كان يملكها والد زوجي .. ستيوارت ماستر ... انه عاشق كبير للطبيعة والحيوانات كما انه صلب تماماً كالحياة في تلك البقاع كرجل الصحراء والجفاف .. هذا كل ما يمكن ان اقوله عنه . - لا تكوني بهذه المرارة يا أمي من فضلك . - أنا اكتفي بوصف جدك . لقد بدأ ستيوارت ماستر حياته كمرشد غابات وكان من ابرع المرشدين واعظمهم حتى عندما كان في مقتبل العمر ولكن عندما بلغ الثلاثين من عمره هبطت عليه ثروة من السماء واشترى الكثير من الأراضي وراح يحفر ابار الماء ويمد الطرق وبنى منزلا كبيرا وتضاعفت ثروته بمرور الايام ... وهكذا قامت ضيعة ليلاني ... - هل كان توم قد ولد في تلك الاثناء ؟ - لا ، عندما بلغ السادسة والثلاثين تزوج بيث وهو في قمة ثروته وكانت ابنة احد مرشدي الغابات هي الاخرى وعندما ولد توم كانت المحمية تستقبل الكثير من الزوار ، وصمتت ماري لحظة : - بمثل هؤلاء الآباء تسرب حب الغابات في دم توم ولكنه كان يختلف عن الآخرين . كان مفرط الحساسية ومنطويا على نفسه على عكس بقية رجال الضيعة الأشداء خشني الطباع . وكانت له هوايتان : الرسم والتقاط الصور الفوتوغرافية . - لابد ان ذلك كان سببا في بعض المشاحنات . - بل ماهو أسوأ من ذلك ان ستيوارت كان لا يحب غير عشاق المغامرات والغابات . ولهذا يمكن ان تتخيل مقدار احتقاره لـ توم لقد كانت الحياة مقبولة ما دامت بيث على قيد الحياة . كانت تنجح دائماً بالتدخل في الوقت المناسب ... ولكن بعد ذلك ... - لقد انتاب جدي حزن شديد يا أماه . هذا صحيح . لقد كان ستيوارت يحب بيث حباً كبيراً وكان هذا لم يعطه حق معاملة ابنه بهذه الطريقة ، لقد تفجر الاحتقار والسخرية في تلك اللحظة . وحاول توم الذي اضناه موت والدته ان يجد العزاء في عمله .. وفي فنه .. وكان والده لا يرضى عن ذلك ابدا ... لقد كان يريد ان يصبح ابنه صورة طبق الاصل منه . وتمتم فيليب : - وتصادمت الشخصيتان فيما اظن . - لقد حاول توم المقاومة طوال عدة سنوات وعندما اصبح الموقف متفجرا وغير قابل للاحتمال هرب الى المدينة وراح يستمد شجاعته من العمل في معارض الرسم . - هل كنت تتقطنين ليلاني بعد الزواج ؟ - نعم طوال ثمانية عشر عاما . حتى تفجر الموقف . لقد كان ستيوارت يتفنن في اذلال توم والقاء المسؤوليات على عاتقه .. وحدثت مشادة عاصفة في احدى الليالي .. وصاح توم انه تحمل حتى الآن مافيه الكفاية وانه قرر الرحيل ... مغادرة ليلاني مع زوجته وابنته الى امريكا ... الى الحرية والنجاح . - وكيف تقبل ستيوارت الأمر ؟ - لقد انفجر غاضبا كالبركان وانهال عليه بالشتائم وراح يتنبأ له بالفشل الذريع وبعودته منكس الرأس الى ليلاني .. بل لقد اراد ان يتولى رعايتنا .. ورحلنا في صبيحة اليوم التالي دون وداع . - لقد قمت انا بتوديع جدي . - اعلم ذلك . - وبالنسبة لــ راف ... - راف ماتياس .. يا للسماء اني لم افكر فيه منذ سنوات طويلة . وتساءل فيليب .. في حب استطلاع : - راف ؟ - مرشد شاب . كان صغير السن جداً في ذلك الوقت واعتقد انه يبلغ الآن الثلاثين من عمره .. ان له شخصية جذابة ولكنه قاسي القلب مثل ستيوارت تماماً . إنه ذراعه الأيمن من غير شك . والقى فيليب نظرة صوب تيري في نفس هذه اللحظة . وأدهشته التعابير التي ارتسمت على وجهها وزاد تشوقه لمعرفة باقي القصة : - والولايات المتحدة ؟ - حاول توم ان يعيش من حصيلة اعماله . ولم يصادف اي نجاح كما تنبأ له والده .. إن عالم الفنون مليء بالمنافسات والمؤامرات ولم يكن توم مؤهلاً لمواجهة ذلك كله .. - ياله من صبي مسكين ! - نعم ، لقد انهار حلمه تماماً وراحت اسرته تزداد فقرا يوما بعد يوم ولكن على الرغم من ذلك كان عليه ان يستمر ولقد عاونته صوره الفوتوغرافية على الحياة بعض الوقت . - الم يفكر في العودة الى ليلاني ؟ - بكل تأكيد ... لقد كانت افريقيا تستهويه على الرغم من كل شيء ولكن رفض بإصرار ان يعود وهو خاوي الوفاض .. انها كبرياء الأسرة يا عزيزي ... وصمتت برهة ثم عاودت الحديث : - وبدا نقص المال يؤرقه لدرجة انه القى بنفسه في مغامرات جنونية : لقد انجز صوراً لم يبق لأحد من قبله ان فكر في التقاطها ... ودرت عليه المال الوفير وفي أحد الأيام التقط صورة لبهلوان يسير على حافة احدى النوافذ وفقد توازنه وسقط من الطابق السابع والعشرين . - ياللمأساة ! - هل تفهم الآن يا فيليب ... لماذا تصيبني ليلاني بالمرارة ؟ اذا كان ستيوارت لم يعامل ابنه بمثل هذه القسوة لكان توم مازال على قيد الحياة الآن . وساد صمت عميق جو الغرفة وراحت ماري تستنشق الهواء بصعوبة واحاط فيليب كتفيها بذراعه وجذبها اليه . اما تيري فكانت تبكي في صمت وقطع فيليب .. حبل الصمت أخيراً: - وماذا فعلتما بعد ذلك ؟ - قمت بعملين في وقت واحد . اما تيري فكانت تقوم بدور جليسة الأطفال وكانت تعمل خادمة في احد المطاعم ايام عطلات نهاية الأسبوع ، ثم كانت هناك تلك النقود الغامضة .. كان يصلنا مبلغ من المال بانتظام في نهاية كل شهر . ولم تكن هناك اي اشارة تشير الى الراسل . لقد انتهى بي الأمر الى معرفة الراسل المجهول .. ولكنه رفض دائما الاعتراف بذلك . - من ؟ - رجل كان شديد الاعجاب باعمال توم ... كيفين ماكجرو ... انا لم اعرفه شخصيا ولكن توم حدثني عنه كثيرا . لقد كان رجلا ثريا وليست له اية علاقات اسرية لقد شكرته كثيرا ولكنه كان دائما يتظاهر بانه ليس له اي فضل يستوجب هذا الشكر . - يالها من قصة غريبة ! - انت تعرف البقية ، لقد تقابلنا وربط الحب بين قلبينا . ومنذ ذلك الوقت وكل شيء يسير على خير ما يرام ... وكأني لم انس شيئاً ... وابتسم فيليب وقبل زوجته . ونهضت تيري وراحت تتظاهر بتأمل منظر سان فرانسيسكو الرفيد .. ان هذا المنظر لا يزال يبهرها بعد مرور عام من وجودها هنا ولكنها تحس اليوم بالافكار تتدافع في راسها : لقد انمحى كوبري جولدن جيت الذي انقشع عنه الضباب هذه المرة من خيالها ليترك مكانه مشاهد الغابات الضخمة متشابكة الأغصان .. ومنظر ذلك الرجل الذي تضيء وجهه لحية بيضاء طويلة وهو يبتسم في هدوء بعينين مسبلتين ... ورجل آخر اصغر سنا لوحت الشمس بشرته له اسنان بيضاء لامعة ونظرة رقيقة حالمة . وعادت تيري الى الواقع فجأة عندما ترددت اصداء صوت فيليب في الغرفة الصامتة : - متى عزمت السفر ؟ وتمتمت وقد تملكتها الدهشة : - انا .. انا لم اعد ادري .. وكانت ماري قابعة بين ذراعي فيليب صامتة . - تيري على حق يا مـاري ... ان جذورها هناك في ليلاني ... وهذه القصة الماساوية هي من احداث الماضي الآن . وتنهدت ماري بالم وقالت هامسة : - نعم . - اتوافقين حقيقة يا اماه ؟ - اوه ! لا .. ساكون قديسة اذا زعمت ذلك ولكنك شديدة الرغبة في الذهاب الى هناك .. انا افهم ذلك فـستيوارت هو جدك . - لا اريد ان اسبب لك الما أو اجرحك . وبيد لا ترتعد راحت ماري تمسح رأس ابنتها : - كم ستمكثين هناك ؟ - لا أدري بعد . ان كل شيء جديد بالنسبة لي . - انتهزي فرصة اجازتك .. انها فيما اعتقد ثلاثة اسابيع . - قد يقبل لاري ان يعطيني اسبوعا آخر دون أجر ... - عندي رجاء واحد ارجو ان توافقيني عليه .. لا تذكري شيئا عن ربحك في هذه المسابقة . - لن اتحدث عن ذلك اذا كانت هذه هي رغبتك . - انه امر هام بالنسبة لي . فكري في المهانة التي سيحس بها ابوك اذا اكتشف ستيوارت البؤس الذي عشنا فيه ... اعتقد انني لا اطلب منك الشيء الكثير .؟ وابتسمت تيري لأمها التي قبلت فكرة سفرها بتفهم دون عناء ولـفيليب الذي وقف الى جانبها يساندها ويعضد رايها . - أعدك يا أمي . - اشتري لك بعض الملابس غالية الثمن فانا احب ان يقتنع بنجاح توم . - انت تعرفين نقاط ضعفي يا أماه ولست بحاجة لمن يستحثني لكي ابتاع مثل هذه الاشياء . - سوف يكون عندك الكثير لتقصيه علينا عند عودتك . - انا سعيدة جدا يا أماه .. فأنا اعشق حياة الغابات ، هل تذكرين كيف كان راف يحبها بدوره ؟.. هل تعتقدين انه بقي في ليلاني ؟ - لا اعرف يا صغيرتي ... ولكني اعلم انك كنت مجنونة به . - هل كان يبدو هذا بوضوح ؟ - نعم بكل تأكيد . - لقد كنت في السابعة عشرة من عمري تقريباً . - هل مازلت تحبينه ؟ - لا تكوني سخيفة . كان صوتاً صارماً .. - على أي حال لابد انه قد تزوج الآن ... وأنه لم يعد يتذكرني .
----------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني
- المحطة القادمة هي محطتك يا آنسة . - إني لا اكاد اصدق انني قد وصلت بالفعل . - يالها من لكنة اكريكية ... أنت فتاة يانكي بحق . وابتسمت تيري وقد اشرق وجهها لصديقة رحلتها من جوهاسبنرج لقد كانت منذ عدة ساعات مضت لا تدري ماذا تفعل بحقائبها الكثيرة في محطة العاصمة الكبيرة : أتربة المدينة الكثيفة ... نداء الحمالين .. دخان القطارات الاسود ضوضاء المحطة الذي لا ينقطع .. جموع البشر التي تروح وتجيئ في حركة دائبة .. كان كل شيء يبدو في عيني تيري وكأنه مشهد من فيلم سينمائي صامت سريع الحركة . - لا شك انني اصبحت امريكية اكثر مما انا عليه في الواقع . - منذ متى تركت ليلاني ؟ - منذ ثماني سنوات . منتديات ليلاس وابعدت تيري عينيها عن جارتها وراحت تتأمل –وهي سعيدة مبتهجة – المشهد الرائع الممتد امامها حتى الافق البعيد . ان المرأة الجالسة الى جانبها على الرغم من طيبتها وجاذبيتها ، كانت قد منعتها من التمتع برؤية مناظر الطبيعة الخلابة على سجيتها طوال رحلة العودة الى المنزل ... منزلها . إن ماري لن يعجبها ذلك دون شك ولكن تيري كانت تحس انها في بيئتها الحقيقية . الآن وقد اقترب القطار من ليلاني .. في بيئتها اكثر من اي مكان آخر في كاليفورنيا . وتبلورت الدموع في عينيها الخضراوين الجميلتين .. في الخارج كانت الغابات الكثيفة تمتد على مدى البصر وتتوالى الآف الاشجار التي تحرقها الشمس امام عينيها وكانت هناك بعض الطواحين تبدو وكانها تلوح باجنحتها من بعيد وتمتد في خلفيتها السماء الزرقاء الصافية وكان عبير الزهور البرية مختلفة الألوان يعبق في الجو في فترة ما بعد الظهر . وكانت حقول الذرة والطباق تنتشر في كل مكان وتتلاقى هنا وهناك عند ابار المياه حيث تزداد خضرة النباتات وكثافتها ... ان كل شيء يبدو مألوفاً لـ تيري حتى بعد مرور هذه السنوات الطويلة . وكانت واقفة والحقائب عند قدميها ، قلبها يدق بشدة وينتابها شعور غامض هو مزيج من الفرحة والرهبة وهي ترى محطة طفولتها تقترب رويداً رويدت . لقد كان كل شيء كما كان العهد به دائما . ناظر المحطة يقف بعظمة في زيه الرسمي يبتسم ابتسامة تقليدية وهو يلوح بيده .. الحمالون يتدافقون بالمكاتب ليستاثروا قبل فوات الفرصة بحقائب المسافرين . وفتحت تيري –وقد شعرت بنفاد صبرها – باب عربة القطار قبل ان بقف وحملت حقائبها وقفزت من العربة . ولأول مرة منذ شهر تسللت الشكوك الى نفسها . فلم تمض لحظات حتى خلت المحطة الصغيرة تماما من البشر .. الم يأت احد لاستقبالها ؟ ولا حتى جدها ؟ انها لم تكن تتوقع ذلك ابداً .. ها هي ذي وحيدة مهجورة يائسة منهوكة القوى .. هل اعتريت رغباتها حقيقة واقعة ؟ ودار رجل حول المبنى الرئيسي وراحت تنظر اليه بانتباه : كان طويل القامة أسود الشعر عريض المنكبين يتمتع بجسم من يمارسون الرياضة بانتظام . وتقدم صوبها بخطوات ثابتة تشع من جسده كله قوة غير طبيعية . - راف ! وهرولت تيري صوبه وهي مستعدة لأن تلقي بنفسها بين احضانه وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة وضاءة مشرقة . وتراجع راف بحركة آلية عدة خطوات الى الوراء - صباح الخير يا تيري . - راف ... راف .. كم انا مسرورة لرؤيتك من جديد . - هل هذه هي حقائبك . ومنعها تأثرها البالغ من رؤية خطواته وهو يتقهقر ولم تبطئ من خطواتها . ولكن برودة صوته ادهشتها وسمرتها في مكانها وتدلى ذراعاها الى جانبيها وراحت تحدق فيه غير مصدقة . كان وجه راف جامداً لا يعبر عن شيء وقد ارتسمت على وجهه تعبيرات لا عهد لها بها . وتمتمت بصوت لا يكاد يسمع : -راف؟ كان ينظر اليها بنظرات غاضبة ... بل ربما بنظرات يشوبها الاحتقار وقد تقلصت عضلات وجهه . - هل هذه هي حقائبك ؟ نعم ... أم لا . وارتعدت اوصال تيري : - راف ؟ لقد رحلت منذ ثماني سنوات . -ثماني سنوات ونصف .. اني لا اخطئ الحساب . - وماذا يهم ذلك ... يالها من طريقة للترحيب بي ! وهز رأسه في غير مبالاة : - هل كنت تنتظرين ان افرش لك الابسطة الحمراء واقدم لك باقات الورود ؟ احتفالا بعودة الابن الضال . - ماذا تقول يا راف ؟ لماذا تهزأ بي هكذا ؟ انا سعيدة جدا لرؤيتك ... ولكن انت ... انت ... ولمع في عينيه بريق خاطف وراح يحدق في لحظات في المرأة الشابة ذات الشفتين اللتين ارتعشتا بنفس الطريقة في يوم بعيد تحت شفتيه . لقد كانت لحظة حنان وحب عاشتها ... كم من مرة استعادت ذكراها بعد نفيها في كاليفورنيا . - ماذا تريدين ان اقول لك يا تيري ؟ - لا تتعب نفسك يا راف . وداهمتها المرارة فجأة : -إني اكره ان اراك تنطق بما لا تحب ان تنطق به وحولت رأسها عنه . انه لن يدرك أبدا مقدار الألم الشديد الذي سببه لها ... وتلك الدموع التي تتبلور في عينيها وتجاهد هي حتى لا تنهمر على خديها ... وأشارت بحدة الى حيث توجد حقائبها : - نعم ... هذه هي حقائبي ... ورفعها راف بدون عناء واتجه دون ان ينطق بكلمة واحدة صوب السيارة الجيب التي كانت تنتظر على مقربة من مدخل المحطة ... ولم تنتظر تيري ان يفتح لها الباب وجلست على المقعد الأمامي : - هل سنذهب مباشرة الى ليلاني ؟ - نعم ... الا اذا رغبت في الذهاب الى مكان آخر . - لا بكل تأكيد فأنا اريد ان ارى جدي بأسرع وقت ممكن . - آه ! وترددت اصداء لكنته بسخرية وغموض في اذنيها - إنه يعلم انني قادمة ... اليس كذلك ؟ - إنه لا يفكر الا في هذا منذ تسلم خطابك . - وهل هو مسرور ؟ - انه يتفجر بهجة . وكان راف يركز في قيادته اكثر من اللازم - لا يبدو عليك انك مسرور برؤيتي . - لم اقل شيئا من هذا القبيل . لم يكن هناك مايدعو لإلقاء هذا السؤال ... ان كل شيء واضح تمام الوضوح . واشاحت تيري بوجهها بعيدا وهي حزينة ثقيلة القلب ... اهذا هو الرجل الذي كانت تعتقد انه مدله بحبها ؟ وبدأت الغابات تفرض وجودها في كل مكان واصبحت الارض اكثر توحشا واقل مدنية وتركت الحقول المزروعة مكانها للأرض الجافة الجرداء التي تلهبها سياط الرياح الساخنة . وتوقفت تيري على بوابة الضيعة الكبيرة عندما رأت قطيعا من الاغنام يرعى في هدوء على جانبي الطريق وارادت ان تطلب من راف ان يقف قليلا ولكنها غيرت رأيها مع انها لم تكن لتفعل ذلك مع راف في الأيام الخوالي .. ولكن راف الذي يجلس بجانبها الآن هو رجل اخر ... رجل غريب عنها تماما ... وظلت السيارة تقطع بها الطريق ساعة كاملة دون ان يتبادلا كلمة واحدة . وكان راف قد ادار مذياع السيارة وغطت الموسيقى الفولكلورية على غيرها من ضوضاء الطبيعة واسندت تيري ظهرها على المقعد في عصبية ظاهرة . ولم تدر تيري رأسها صوب راف الا عندما ظهرت لها الجدران الحجرية التي تحيط بباب الضيعة الرئيسي .. ولم تنجح في اخفاء سعادتها . - لا استطيع ان اصدق عيني .. اني هنا .. في المنزل . - نعم . كانت تريد ان تمسك به وتهزه بعنف وتخرجه عن تحفظه غير المفهوم.. ماذا به ؟.. لماذا هذا السلوك الجامد .. الجارح ؟ ولكنها لم تقل شيئا . وأبطأت السيارة عند المدخل ثم توقفت تماما . واختفى راف من افكارها ... وانحنت من النافذة وهي ترتعد تاثرا وتحدق في اركان المكان الأربعة . - سأعطي دولارا لأول من يشاهد فيلا . - لا احد يتعامل مع النقود الامريكية هنا يا عزيزتي . - آسفة ... كنت اعتقد انك لا تزال تتذكر لعبتنا . ولم يكترث راف بالرد . واخذت تيري التي كانت لا تريد ان تفسد لحظات عودتها الأولى الى ارض طفولتها - تحدق في الأفق البعيد للبحث عن فيلها ... لقد كانت الحيوانات هناك بالفعل ... إنها على الاقل حريصة لاستقبالها ! كانت قليلة العدد ... ولكن كل منها ادخل على قلبها السرورد بعد هذه السنوات الطويلة ... كانت جماعات من القردة مختلفة الأحجام تتأرجح فوق اغصان الاشجار القريبة من السيارة وانفجرت تيري ضاحكة وقد نسيت همومها . - ان شيئا لم يتغير . - ستكونين ساذجة حقا اذا اعتقدت ذلك . - هذا صحيح .. فانت مثلا لم تعد كما كنت . - ربما ... - اريد ان اعرف لماذا ؟ كانت تريد ان تفاجئه بهذا السؤال ولكنها باءت بالفشل . فقد ظل وجهه جامدا لا يعبر عن شيء وكذلك نظراته .. وقالت تيري لنفسها : من الأفضل ان توجه اهتمامها للغابة : كانت الاشجار والحشائش والحيوانات تمثل باليها قديما خالدا مثل افريقيا نفسها ... ما اجمل هذه الفيلة الصغيرة التي لا تكاد اقدامها تتحمل ثقل اجسامها ...وهذه الطيور المختلفة الالوان والاشكال التي تتميز بها الادغال في هذه البقعة من الارض . - ما اكثر الذكريات التي تغزو ذاكرتي يا راف . - اي نوع من الذكريات ؟ - كلها . - أهذا صحيح ؟ ولأول مرة ارتسم ظل ابتسامة على شفتيه ... هل خانتك ذكريات السبع عشرة سنة الماضية ؟ وابتسمت تيري بدورها ... انه لا يزال على جاذبيته القديمة .. ولكن لماذا هذا التباعد وعدم المبالاة ؟ - سوف اثبت لك ذلك ! هناك في الجنوب غير البعيد محجر مهجور . - انت على حق من غير شك . ، وضحك راف ... الأمر الذي جعل اوصالها ترتعد فرحاً - وعلى بعد ميلين توجد اشجار الاشباح . - بالضبط . - هل مازالت على حالها . - لقد ازداد عددها . - وهل موطن الفيلة لا يزال غير بعيد من هنا ؟ وضحك من جديد : - لم يكن موجودا ابدا يا تيري انها قصة من بنات خيالاتك كنت تحبين ان تكرريها دائما . - لن تنقنعني بذلك ابدا . لقد صممت الآن وقد نجحت في مبادلته الحوار ولابد الا تدع هذه الفرصة تمر : - بمناسبة الكلام عن الفيلة اعتقد ان "يونج راسكال " مازال يقبع كعادته الى جانب ابار المياه . - لقد تقدم به العمر الآن .. هاجمه صيادو العاج ولم يعد ابداً كما كان . - هذا فضيع .. هل مازال صيد الفيلة شائعا كما كان في الماضي . - بل اكثر من قبل . - اريد ان اعرف كل شيء . - لا اعتقد ان الوقت سوف يسعفك لذلك . ولا حتى الرغبة اذ لم يطل بقاؤك هنا اكثر من شهر . - ارجوك يا راف انا لا افهم لماذا تعاملني هكذا .. اريدك الا تعتبرني مجرد سائحة عابرة . وساد الصمت بينهما مرة اخرى اكثر ثقلا من المرة السابقة ثم قطعه راف اخيرا قائلا : - انظري يا تيري هذا هو مكانك المفضل . وتدفقت نظراته في دهشة وظهرت امامها معالم المحجر المهجور الذي اشارت اليه فيما سبق ولكن القردة التي كانت لا تكف عن اللعب والحركة لم تعد تثير اهتمامها . - انك لم تقل لي شيئا عن جدي . - انك لم تسأليني عن اخباره . - كنت اظن انه سيأتي لاستقبالي في المحطة . - لا يا تيري ليس هذا ممكنا ابدا . - ولماذا ؟ وادهشتها نبرة صوته العميق . وظل راف صامتا برهة : - لقد اخترت الوقت المناسب لزيارته . - ماذا تعني بذلك ؟ - ستفهمين كل شيء عندما ترينه ... انك ، مثلك في ذلك مثل بقية افراد اسرتك تتلهفين فجأة على اعادة علاقتك به . وتسلل الخوف الى نفسها - هل جدي مريض ؟ - لا تتظاهري بانك تجهلين ذلك .. هذا هو السبب الذي دفعك الى المجيء. - راف انك تخيفني ...! - لا تتظاهري بالبراءة يا تيري ! كان صوته مليء بالاحتقار وهو يرن في اذني تيري - هل جدي مريض حقا ... - ومريض جداً ... بعد ان قطعت السيارة ميلا او ميلين تكلم راف ... مرة اخرى : - لقد اسفت لما حدث لوالدك . - نعم !. - هل فكرت في العودة الى ليلاني ...! - لا اظن . - لقد تبدو له امريكا وكانها بلاد الاحلام ... اليس كذلك ؟ وهزت تيري رأسها : انها تريد ان تحترم رغبات والدتها وذكرى ذلك الاب الذي احبته بكل قلبها . - لقد صادف والدي بعض النجاح . انها لم تكن تكذب او تبالغ .. لقد عاش وفقا لمثله العليا ... وقد احبته زوجته وابنته وقد احبته زوجته وابنته وقد غمرهما بالسعادة . - كان جدك يعتقد انه لابد ان يفكر في العودة . - لأنه لم يكن يؤمن ان والدي يمكن ان ينجح في عالم اخر غير عالمه هو. - ان ذلك يبدو واضحا : ثيابك الانيقة غالية الثمن ... حقائبك الكثيرة ... لابد انه اصاب ثراء واسعا . - كان والدي في حاجة ان يعيش حياته هو . - بالتأكيد . ولكن كان يجب ان يحاول مصالحة والده ... اليس هذا رأيك؟ وتنهدت تيري من المنحنى غير المحبب الذي انساق اليه الحوار : - كان يجب ان يحاول جدي من جانبه هو الآخر ... - لقد تقدم به العمر يا تيري .. لماذا لم يحاول والدك المجيء الى هنا لمجرد زيارة على الاقل ... مثلك انت .. ولكن لماذا ترددت كل هذا الوقت قبل ان تصممي على المجيء ؟ - لا اريد ان افكر في ذلك .. لم يكن في مقدوري ان افعل غير ما فعلت .. ، سوف يكون الوعد الذي قطعته مع امها صعب التنفيذ . - انا هنا الآن .. وأريد ان استمتع برحلتي الى اقصى درجة ممكنة . وعندما ظهرت اسقف مباني الضيعة كانت تيري قد استجمعت ما يكفي من الشجاعة لتلقي سؤالها الجوهري ... ذلك الذي كان يداعب خيالها منذ اتخذت قرار الرحيل . - اعتقد انك متزوج الآن يا راف ؟ وتقلصت يداه على عجلة القيادة وازدادت تجاعيد وجهه عمقا ، ولكنه عندما اجاب كان قد استرد هدوءه : - لا ... وابتسمت تيري التي انزاح عن صدرها ثقل كبير في سعادة ظاهرة وعاد راف الى الحديث قائلا : - لقد تمت خطبتي منذ بعض الوقت ولكنني فسختها لأني ... - لماذا ؟ - لأني ... هذا لا يهم ..! إنه الهامي . وامسك راف بيدها اليسرى واستطرد قائلا : - وانت ؟ انا لا ارى خاتماً في اصبعك . واحست برعشة تسري في اوصالها عندما تلاقت ايديهما ولكنها تمالكت نفسها وقالت : - انا ايضاً ... لست متزوجة . - انت جميلة جدا يا تيري .. اليس هناك احد في حياتك . - نعم ... رجل .. رجل واحد . هل سيفهم انه هو هذا الرجل الذي تعنيه ؟ - والآن اريد ان ارى جدي من فضلك . انقبض قلب تيري منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظرها على ستيوارت .. إنها لم تصدق لحظات ان هذا الرجل الهرم المهدم الذي يقف امامها وهو يبتسم ابتسامة باهتة هو جدها ... هل من اجل هذا الحطام البشري عبرت تيري القارات والمحيطات ؟ واستدارت صوب راف وكانها تريد ان تؤكد لنفسها هذا الاكتشاف المروع . ولزم هذا الامر الصمت وكأنه كان يتوقع هذه الصدمة ، واحست المرأة الشابة بالدوار وبقدميها تهتزان من تحتها ... ولكن تيري كانت من ذلك النوع من البشر القوي المتماسك الذي لا تؤثر فيه الصدمات بسهولة ، ولهذا سرعان ما استعادت السيطرة على نفسها واسرعت الى جانب جدها وطبعت على خده المجعدة قبلة حنون . - جدي العزيز ... كم انا سعيدة برؤيتك اخيراً . - وانها لسعادة غامرة بالنسبة لي ايضاً يا صغيرتي . ولدهشتها الشديدة ، لما سبق ان سمعته من امها عن قسوته وخشونته رأت الدوموع تتبلور في عينيه الخابيتين وتمتمت بصوت تخنقه العبرات : - لقد مر زمن طويل يا جدي . -اطول من اللازم يا صغيرتي . وحاولت تيري جاهدة ان تحبس دموعها . كانت يد الرجل العجوز الرقيقة المعروفة تهتز في يدها . - انا هنا الآن . - لم اكن اشك يوما انك سوف تعودين الى هنا .. اليس كذلك يا راف ؟ - لقد كنت تكرر ذلك على مسمعي كل يوم ، كان صوت راف مليء بالمرارة والسخط - كم تغيرت يا طفلتي ... لقد كنت قصيرة هكذا عندما غادرت ليلاني .. ولكنك تعودين اليها امرأة كاملة النضج .. اليست رائعة يا راف ؟ - انها جميلة جدا يا ستيورات . ولكن عندما تلاقت نظراتها بنظرات راف رأت فيها مزيجا من السخرية والازدراء واحست بحمرة الخجل تصعد الى خديها . - اذا كان هذا لا يزعجكما فسوف اترككما انتما الاثنين فلابد ان لديكما الشيء الكثير لتقولاه بعضكما لبعض . وقالت تيري : - وانا واثقة بأن امامك مهام كثيرة يجب انجازها . - لقد قلت الحقيقة يا تيري . لماذا يلقاها بهذه الخشونة ؟... ولماذا تنطوي كلماته دائما على التحدي والاستفزاز . وماكاد يغادر الغرفة حتى احست بالراحة - تعالي واجلسي الى جانبي يا صغيرتي . وجذبت تيري احد المقاعد وقربته من حيث يجلس ستيوارت بطريقة تمكنها من ان تمسك يده بين يديها - اريد ان اتفرس في وجهك يا عزيزتي حتى لا انسى ابدا معالم وجهك . وراحت ترقبه بدورها ولكن ما رأته بعث الخوف في نفسها : إن عينيه لا تنبئان عن سنه ... لقد كان من الصعب دائما التنبؤ بعمره الحقيقي ولكنه اليوم وقد هدته السنون أصبح مجرد شبح لما كان من قبل . منتديات ليلاس - هل انت على ما يرام يا جدي ؟ - لقد عشت سنوات سعيدة في الماضي يا صغيرتي الرقيقة . - اجب عن سؤالي . - فيما بعد ... هناك اشياء اخرى كثيرة اهم من هذا بكثير .. هل تتذكرين والدك ؟ لقد كان له نفس ابتسامتك .. - يقول الناس اننا نشبه بعضنا كثيرا . - لقد كنت عجوزا غبيا يا تيري . - لا تفكر في ذلك الآن .. انه الماضي ولقد ولى وانتهى ... - بل يجب ان اتكلم يا تيري ... لقد كنت مخطئا ... مخطئاً الى درجة كبيرة ... لقد كان توم فنانا .. كان يجب ان اتركه لهواياته وفنه ... يرسم ويبدع ... انه لم يكن مثلي ولا مثل راف .. لقد اصبح راف الرجل الذي كنت اريد ان يكون ابني صلبا ... شديد المراس ... مستقلا خشنا بعض الشيء . وكنت اعاني الألم لأن ابني لم يكن على شاكلته ... كان يختلف عنه في كل شيء . - من الممكن ان يتغير المرء يا جدي ... - لقد ادركت ذلك بعد فوات الاوان . إنني منذ وفاته اعيش مع تأنيب الضمير . عندما كتبت لي أمك عن الحادثة تمنيت لو عادت الى ليلاني ، تيري يجب ان اعرف : هل كان سعيداً؟ - نعم لقد عاش الحياة التي احبها وتمناها . - لقد احببت دائما اهلك يا تيري وكنت مخلصاً دائماً ... - لقد تزوجت والدتي ... وزوجها يدعى فيليب ويليز .. انه لن يستطيع ابدا ان يحل محل والدي في قلبي ولكنه رائع بالنسبة لأمي . - انا سعيد بسماع ذلك .. إن امك تستحق ان تنعم بالسعادة . - كم كنت اود ان تسير الامور بطريقة اخرى . وزاد التأثير بـ تيري .. وراحت تحاول جاهدة حبس دموعها .. كل هذه الآلام من اجل مشاجرات سخيفة . - ربما لم يفت الآوان بعد . انت لا تدرين ماتمثله هذه الزيارة بالنسبة لي يا تيري ... كم من الوقت ستمكثين معنا ؟ - شهراً . - فقط . - سيكون كل يوم رائعا يا جدي . وصمت ستيوارت وانطوى على نفسه وظل هكذا لحظات طويلة .. ترى فيم كان يفكر ؟ وتمتم اخيرا : - ليس امامي وقت طويل في الحياة يا تيري . - لاتقل ذلك ! - لقد تقدم بي العمر ولقد عشت سنوات سعيدة . وسأكون مسرورا جدا لو مكثت في صحبتي فترة اطول . - أوه ! يا جدي ! واغرورقت عيناها بالدموع ولم تستطع ان تنطق بكلمة اخرى . - عندما وصلتني رسالتك خيل الي ان معجزة قد تحققت كنت دائم الدعاء لحدوثها . - كم كنت اود ان آتي قبل ذلك . - لم يكن هذا ممكنا فيما اظن ... ولكن ماذا يهم هذا الآن .. فأنت هنا وكل شيء على مايرام . وانغلقت عينا جدها تحت تأثير التعب وهمست بهدوء انها سوف تتركه بمفرده ليخلد قليلا للنوم وانسحبت من الغرفة وهي تسير فوق اطراف اصابعها . كانت الشمس قد بدأت تغيب عندما غادرت " البانجالو " الذي عاش فيه ستيوارت ماستر اعواما سعيدة مع عزيزته بيث. لم تكن تيري قد رأت شيئا بعد من ليلاني وعلى الرغم من رغبتها في تفقد اركان المحمية الا ان قلبها لم يطاوعها على ذلك . وراحت تمر دون ان تفكر بالاكواخ المنتشرة على حافة الغابة لتتجه صوب المكان الذي احبته منذ طفولتها . كانت الاريكة الحجرية القديمة هي ملجأها دائما عندما كانت تداهمها احزان الطفولة ومتاعب المراهقة كانت تقع في اعلى ربوة وتشرف على نهر صغير ينساب وهو يتلوى بين الاشواك والاعشاب البرية . كانت الغابة المترامية الاطراف على مدى البصر تحتفظ بأسرارها تحت اشعة الشمس الغاربة . وكانت جماعات الطيور تتزاحم حول ماء النهر لتتزود منه قبل حلول الظلام غير عابئة بالقردة التي تقفز رؤوسها متنقلة بين الاغصان . راحت تيري تتأمل المشهد لحظات في صمت ثم عندما احست بالدموع التي جاهدت في حبسها داخل عينيها دفنت وجهها بين راحتيها واستسلمت للبكاء . -انت هنا يا تيري وراحت تبحث عن منديل في جيوبها . - انك لا تهتمين ابدا بحيازة ضرورات الحياة اليومية . وابتسم راف واخرج منديلا ورقيا وراح يمسح دموعها بيد مرتعشة . - لقد كنت تجفف دموعي في المرة الاخيرة التي كنا نجلس فيها هنا معا . لم تدر تيري ماذا دفعها للحديث عن هذه الذكريات القديمة .. ربما لأن نصف الساعة الأخيرة بما تضمنته من ... وقاطعها راف قبل ان تكمل جملتها : -اني احسدك على ذاكرتك القوية . -لقد كنا نجلس هنا وابكي .. لم اكن اريد مغادرة ليلاني .. لم اكن اريد ان اتركك . ادار راف رأسه وراح ينظر بعيدا وقد اسند ظهره الى الحائط ووضع يديه في جيوبه وشعرت تيري ... فجأة بالرغبة في الاقتراب منه ولف ذراعها حول خصره ووضع خدها على كتفه ولكن هيئة راف كانت تنبئ بعدم المبالاة .. كم هي تكرهه عندما يبدو على هذه الصورة ومع ذلك فإن اهتمامها به لا يزال كما هو ... ذلك الاهتمام الذي جعلها لا تحس بوجود رجل غيره طوال هذه السنوات الماضية . - ولماذا تبكين اليوم ؟ - اه لو ان هذين الاثنين العنيدين اعترفا بحب كل منهما للآخر .. اه لو انهما تصالحا قبل فوات الأوان .. ان جدي ضعيف هش .. لقد تغير اكثر مما كنت اتوقع . -الم تكوني تتوقعين ذلك ؟ - بلى كنت اعلم ان عمره قد زاد ثماني سنوات ولكني لم اكن اتوقع ان يصبح على هذه الدرجة من الضعف . - هل تريدينني اعتقد انك تبكين لهذا السبب ؟ واستطاعت تيري رغم الظلام الذي يسود المكان ان تكتشف نظرة الازدراء التي ارتسمت على وجهه وقال بصوت اجش : - لا استطيع ان اصدق ما حدث .. كان يمكنك ان تأتي منذ سنتين او ثلاث - لم يكن ذلك في مقدوري يا راف . واصبح صوت راف حادا كالسكين : - لا تعتمدي علي لكي ان اصدق هذه ... هذه الادعاءات . لقد كان سلوكك دائما وانت طفلة صريحا واضحا لا التواء فيه ولكن الأن للأسف ... كان يحدجها بنظراته الثاقبة وكأنما يدمغها بأحكامه القاطعة التي لا تقبل النقض ..كان كالقاضي الذي لا مرد لكلمته . - ليس من حقك ان تحدثني هكذا، كانت ترتعد غضبا . - بل معي كل الحق يا تيري .. لقد كنت الى جانبه طوال هذه السنين ... اما انت فلم تفكري فيه ابدا . - يبدو انك واثق تماما مما تقول . - ليس هناك سبب يجعلني لا اؤمن بما اقول . - لماذا تريد تشويه صورتي الى هذه الدرجة ؟ .. لماذا ؟ - انا اقول ما اعتقد انه الحقيقة . - لم تكن هكذا من قبل . - ان الإنسان يتغير .. - انا لم اتغير - لا إني لا اكاد اعرفك : ملابسك .. لكنتك .. حتى الكلمات التي تستعملينها .. لقد اصبحت امريكية . - ربما .. ان ذلك امر لا مفر منه بعد ثماني سنوات من الحياة هناك .. ولكن هذا التغيير على السطح فقط .. فانا ما زلت كما انا من حيث الجوهر . - هذا غير صحيح . وادمتها كلماته كانا السكين المسنون . انه يريد ، بكل وسيلة ، ان يؤلمها .. يجرحها .. لماذا ؟ لقد اصبح راف رجلا متجهما مملوءا بالمرارة .. ولا بمكن ان تكون عودة تيري المتأخرة لـ ليلاني هي السبب الوحيد لذلك . - لماذا جئت للبحث عني؟ - انها ساعة تناول العشاء . - كيف تعرف اين ستجدني ؟ - ان المكان ليس فسيحا . - ان احدا لا يأتي الى هنا ابدا .. فيما عداي ... وأحياناً نحن الاثنان . وراح راف يرسم خطوطا بطرف حذائه وهو يشعر بالحرج والضيق : - ماذا تقصدين بقولك هذا ؟ - هل تذكر المرة الاخيرة التي كنت تمسح فيها دموعي . - اصمتي .. لا اريد ان اسمع شيئا . - هل تذكر ماذا حدث بعد ذلك ؟ - لا .. انا لا اذكر شيئا . - لقد قبلتني .. انا لم انس ذلك ابدا ولكن انت .. لقد كنت قاسيا معي يا راف منذ مجيئي الى هنا لماذا ؟ .. وماذا فعلت ؟ لماذا تكرهني الى هذا الحد ؟ - ان الحقد يخفي الكثير من العواطف يا تيري وانت لا تستحقين حتى ذلك . وارتدت تيري ثلاث خطوات الى الوراء وقد تملكها الفزع .. ولكن يجب الا يقف الأمر عند هذا الحد .. عليها ان تعرف كل شيء مهما كان قاسيا مروعا . - متى سيموت جدي ؟ - لم يبق امامه غير ثلاثة او اربعة اشهر . - لا ! والقت بنفسها على صدر راف ولفت ذراعها حول عنقه بعصبية . - ابتعدي عني ..! وبذل جهداً اخيرا ليتخلص منها ولكنه وجد نفسه ، بدل ذلك ، يحتويها بين ذراعيه ويضمها اليه بشدة وينهل من شفتيها ما يطفئ به ظمأه الطويل . وتاهت تيري في زوبعة العواطف المتأججة المحمومة .
---------------------------------
الفصل الثالث
في اليوم التالي أجرت تيري مكالمتين تليفونيتين لـ (سان فرانسيسكو) المكالمة الاولى لامها وابتهجت ماري وبليز لسماع صوت ابنتها. -انا سعيدة جدا لانك عدت الى ليلاني لقد كنت على حق وكنت انا مخطئة ياصغيرتي. - كم اشعر بالراحة لموقفك هذا يا اماه. - لابد وان وجودك هناك ادخل السرور على قلب جدك. - لايمكن ان تتخيلي كم هو سعيد يا اماه حتى انني قررت البقاء في ليلاني - دائما! نطقت ماري بهذه الكلمة بسرعة . - لا ... بطبيعة الحال... فكرت فقط ان اطيل مدة بقائي هنا... ان راف يعتقد ان ايام جدي اصبحت معدودة. - لا ادري ماذا اقول يا عزيزتي. - ان جدي يتألم كثيرا لانه لم يتصالح مع ابي . لكن لقد فات اوان الاسف .. انا اعرف ذلك لكن... - افعلي مايرضيك ياصغيرتي ... اما با النسبة لنقود المسابقة - لقد وعدتك يا امي وسوف افي بوعدي . - شكرا ... قبلي جدك وبلغيه سلامي وتمنياتي... وكانت مكالمتها الثانية لمخدومها لقد التحقت تيري بعد ان حصلت على دبلومها منذ عدة سنوات لدى لاري اندرسون في وكالة صغيرة لإنتاج افلام الدعاية . واصبحت تيري بفضل معارفها التاريخية ومقدرتها في ميدان العلاقات العامة موظفة لايمكن الاستغناء عنها في المؤسسة الصغيرة. - لاتشغلي بالك ... مددي اجازتك كما تريدين. - حقيقة يا لاري - سيكون المكان موحشا بدونك وعلى كل حال فانا اعرف انك كنت ستمدين اجازتك حتى اذا لم تحصلي على اذن مني بذلك. -لاري... انك انسان رائع. -كم اود ان تثبتي لي ذلك احيانا. لقد ربطت تيري ورابط صداقة متينة بـلاري منذ ان التحقت بالعمل عنده .كانا كثيرا ما يتمازحان ويشعر كل منهما نحو الاخر برقة ومودة . كان لاري قد طلق زوجته ولم يخف اعجابه بـتيري . وكانت هي من جانبها تعلم انه زير نساء ولكنها عرفت كيف تقصر علاقتها هلى مجرد الصداقة واستطرد لاري قائلا وهو يضحك : - كما انه يمكن ان تستلهمي من الغابات والطبيعة بعض الافكار الجديدة لافلامنا.. دققي النظر في كل ما يحيط بك .. ان مؤسستنا تحجم عن الدخول في انتاج الافلام في افريقيا... وقد يسعدك الحظ وتقابلين هناك "ارشي لوجان" وفريقه. - من يدري... ان العالم صغير... - على كل حال ارجو ان تتمعي بوقتك وبإقامتك بين الادغال التي تحبينها والتي كثيرا ما حدثتني عنها... ولا تقلقي فسوف احتفظ لك بوظيفتك. - لا ادري كيف اشكرك. - سنجد حتما وسيلة لذلك.. ان الامور هنا لم تعد كما كانت حينما كنت معنا... انا مشتاق جدا لرؤيتك. - وانا ايضا يا لاري ابتهج سنيورات ماسترز كثيرا بقرار تيري واحتضنها طويلا بين ذراعيه. - لقد كنت اتسائل طوال هذه السنين عما كان يمكن ان تقوله زوجتي اذا علمت بكل ماقمت به من مآسي. - كانت ستغفر لك كل شيء .. انا واثقه من ذلك. - ابدا .. كانت ستبغضني كل البغض.. ومعها كل الحق في ذلك... لقد كانت بيت لاذعة اللسان.. ولكنك هنا الان وانت تمثلين المستقبل ... كان كل شيء في "البانجولو" في متناول يده : النظارة المكبرة التي كان يستعملها وهو يمارس مهنته كمرشد .. قبعته القديمة عريضة الحواف والمصنوعة من الخوص.. علبة من الكرتون مملوءة بقصاصات الصحف التي تتحدث عن مغامراته كمرشد... وذكريات اخرى كثيرة. كما كان هناك العديد من الصور الفوتوغرافية موضوعة في اطارات من البرونز على طاولة صغيرة بجانب السرير ... احدها ليوم زفافه يبدو فيها شابا يفيض بالوسامة والجاذبية يحيط ذراعه بخصر زوجته الشابة... وصور اخرى لهما ايضا وقد تقدم بهما العمر بعض الشيء وهما يبتسمان في اشراق لعدسة المصور. ومد ستيورات يده والتقط البوما قديما كان يضم مجموعة كبيرة من صور ابنه في مختلف مراحل العمر.. وهو صبي صغير.. وهو شاب مراهق .. وهو رجل متزوج يفيض بالبهجة والفرح . وتمتم بصوت لايكاد يسمع : - اين كل هذا... لقد انهار كقصر من ورق! - لندع ذلك لوقت لاحق ياجدي. ، لقد هالها وهي تراه في بحر متلاطم من ذكريات الماضي - نعم .. معك حق يا تيري ، ونهض سنيوارت فجأة وهو يقول : -انك لم تشاهدي ليلاني بعد. - عند مجيئي من المحطة شاهدت الكثير. - ولكنك لم تشاهدي كل شيء ... تعالي... ساصحبك للقيام بجولة في ارجاء الضيعة بالسيارة الجيب - لا...سأتكفل انا بذلك. واصابتها رعدة عندما صافح اذنها هذا الصوت العميق .. لقد دخل عليهما الغرفة بدون ان يحسا بقدومه. - كنت على وشك اخراج السيارة على كل حال. كان من الواضح انه يريد ان يجنب ستيورات القيام بإي جهد... - اجعلها ترى كل شيء يا راف - سأفعل... اما انت فعليك ان تخلد الى الراحة الان.. -ارجو الا تشعر انك مضطر للقيام بذلك يا راف - ان ستيورات يريد ان يعرف بالضبط كل ما رأيته . ومن ناحيتي فانا لا اكره ان اتنزه في صحبة النساء الجميلات. ولم يعجبها ان يدخلها راف في زمرة السائحات الزائرات. كان المكان في ذلك الوقت المبكر من الصباح خاليا من الزوار الذين كانوا يتجولون بصحبة المرشدين بعيدا داخل مسالك الادغال. وراحت السيارة الجيب تشق طريقها مع الفجر بين الحيوانات التي استيقظت لتستقبل مولد يوم جديد وهي تسير في جماعات حيث توجد نقط المياه. وكانت الطيور تحلق في السماء على ارتفاع منخفض في دوائر متصلة ثم تحط وقد ارهقها التعب على اعلى الاغصان . كانت تيري تجلس في صمت الى جانب راف وقد فاح من حولهما عبير (لوسيون) مابعد الحلاقة ذو الرائحة النفاذه وراحت تحدق النظر فيه بطرف عينها : كان يبدو واجما منقبض اسارير الوجه لا يكاد يشعر بوجودها الى جانبه .. ترى لماذا هذا التباعد بل هذا الازدراء الذي يبدو انه يكنه لها بكل قوته؟ - هل مازلت تذكرين كيف كنا نراقب الحيوانات؟ - نعم..عن .. بعد...كما علمتني - انظري الى هذه الشجرة الضخمة هناك .. عند منحى الطريق. - انا لا ارى شيئا.. أوه ! نعم - هل ترينه؟ - نعم .. انه رمادي اللون .. هل هو فيل صغير يا راف؟ لا بل قرد .. انا واثقه من ذلك. - انك لم تكبري يا تيري .. لازلت تتمتعين باندفاع وتلقائية الطفولة. - لا تهزأ بي.. وقف هنا. وتقدم راف بالسيارة بهدوء ليقف خلف احدى الاشجار دون ان يوقف محركها فقد كانت هناك جماعات كثيرة من الفيلة على غير مبعدة من مكانها .. ان اي ضوضاء يمكن ان تثير هذه الحيونات وعندئذ يحدث ما لا يحمد عقباه... ولهذا كان من الضروري ان يكونا على استعداد للهروب عند اول بادرة خطرة... وفجأة ظهر امامها فيل ضخم راح يهز اذنيه فيحدث قرقعة عالية ، لقد ظهر فجأة من وراء مجموعة من الاشجار القريبة ووقف في وسط الطريق الذي يخترق الغابة والذي يعبره السيارات ورفع خرطومه في حركة مهددة واصدر صوتا مدويا كهدير الامواج الصاخبة . واسرعت تيري باحكام غلق زجاج السيارة وراحت تتامل وقلبها ينبض بشدة هذا المنظر الذي يجسد لها ذكريات الماضي البعيد.. ورفع الفيل قدمه الضخمة وقربها من حافة السيارة.. وشعرت تيري بالقلق وهي تحدق في الحيوان الضخم.. هل في نيته ان يبادر بالهجوم؟ ولكن بدا لها فجأة انه فقد اهتمامه بالسيارة ومن فيها .. واستدار وعاد ادراجه الى بقية القطيع .. ولم يعد هناك ما ينبئ بوجوده غير بعض الاغصان التي هشمها في اثناء سيره. - ياله من حيوان رائع... هذه هي افريقيا التي احبتها بحيوانات ماقبل التاريخ والتي ماتكاد تظهر حتى تختفي لاتؤذي الا من يؤذيها . لم يستطع راف ان يخفي ابتسامته وهو يراها على هذه الدرجة من التأثر - اعترف انك نسيت كل شيء في سان فرانسيسكو - انا لم انس شيئا يا راف في الفترة الاولى كنت احلم ، دون انقطاع بـ ليلاني كل ليلة طوال شهور عديدة ولكن كان لابد ان يسخر مني الناس في حياة المدينة اليومية ، لو حدثتهم عن الفيللة والقرود ... كانوا سيعتبرونني مجنونة... - هذا صحيح... معك كل الحق. وراح يضحك للمرة الاولى . كان يبدو سعيدا في الغابة .. في عالمه المحبب . ان راف هو الرجل الذي يجسد كل ذكرياتها الجميلة . واتجها صوب الشمال . ولم تكن تيري في حاجة لمن يساعدها لرؤية الحيونات ، لقد كانت تسير غير عابئة على جانبي الطريق.. وراحت تتسائل : هل ستعود علاقتهما برفيقها الى كانت عليه من قبل في اطار هذه الطبيعة الساحرة التي يعجز القلم عن وصفها؟ كانت الحمر الوحشية والغزلان الرقيقة تقف في جماعات ثم تتفرق هاربة عند سماعها اي صوت . وعند منحنى احدى الطرق شاهدا الزراف يتهادى في سيره بعظمة متجاهلا كل مخلوقات الله وهو يلتقط بعض اوراق الشجر من الفروع العالية. وعلى بعد عدة فراسغ وهما يسيران دائما صوب الشمال تغير المشهد امام عيني تيري واحست ببعض الانقباض ولكنها لم تقل شيئا لرفيقها . واوقف راف السيارة اخيرا فوق ربوة عالية تشرق على الغابات التي تمتد على مدى البصر حيث يمكن رؤية ليلاني عن بعد . وكان يجب ان يسيرا بضع خطوات ليصلا الى اعلى نقطة تكاد تقارب السحب ناصعة البياض .. وارتسم تعبير غامض على وجه راف وهو يناولها النظارة المكبرة. - يمكن ان تنظري من خلالها للاستمتاع بتفاصيل هذا المشهد الفريد - نعم...شكرا واستغرق ضبط النظاره عده دقائق ثم ظهر امامها المنظر المبهر برمته..كان كل شيء هادئا ساكنا..لا حيوان ولا حتى طير..انها اينما وجهت نظرها لا ترى الا الغابات التي تبدو خاليه من كل كائن حي..ولكن تجمدت حركه يدها فجأه, ظهرت امامها ساحات شاسعه تجردت تماما من كل عشب...كانت صحراء قاحله جرداء..كانت تشغل الاف الكيلو مترات وارتعدت اوصالها بشده وناولته النظاره المكبره وهي تهمس بصوت مخنوق : - هذا فظيع - انت تعرفين الوع الان - لقد لاحظت ذلك من قبل ولكني كنت اعتقد انها كارثه محدوده لم تصب غير عدد محدود من الكيلومترات المربعه...كان العشب الاصفر الجاف والاشجار الضامره تبدو مريضه. لقد كانت الخضره تكسو كل مكان في الماضي..كانت غنيه وكأنها غابه استوائيه...ماذا حدث يا راف؟ - انه الجفاف..! - يا الهي!! - لابد انك سمعت من يتحدث عن ذلك حتى في مدينتك البعيده...الجفاف في افريقيا اسوأ ما حدث منذ بدايه هذا القرن. - الى هذه الدرجه...يخيل لي انه اعتصر الارض كما يعتصر المرء ليمونه ليحصل منها على كل ما تحتوي من عصير. - وكانت هناك اوقات اسوأ من ذلك بكثير. - الم تمطر السماء مؤخرا؟ - هناك مساحات شاسعه من الارض لم تلها مياه الامطار..هناك الاف الكيلومترات المربعه من الاراضي لم تعد تصلح لشيء. - وآبار المياه؟ لقد رأيت بعضا منها بالامس..هل تجد الحيوانات ما يكفيها من الماء؟ - الماء نادر ومحصور في اماكن محدده..ويكتفي المرشدون بهذه الاراضي التي تصلها المياه عندما يصطحبون السياح في جولاتهم. - وما الموقف بالنسبه للحيوانات؟ - انها كارثه يا عزيزتي تيري اننا نفعل ما يمكننا عمله..نحفر بعض الابار ولكن الماء شحيح..عندما نفكر في...... - في ماذا؟...اريد ان اعرف ل شيء. - لا...لا ينبغي ان اقول اكثر من ذلك. - بل يجب ان اعرف..يجب ان ارى كل شيء. - ليس المنظر بهيجا صدقيني. - اريد ان ارى كل شيء يا راف وكذلك جدي يرد ان يعرف بدوره. وخفض راف عينه ولم يجب. وتمتمت تيري وقد فهمت اخيرا كل شيء : - انه لا يعرف شيئا...اليس كذلك؟؟ وابتعد راف دون ان يتكلم كشبح يلقي بظله على المشهد الذي لا يمكن ان يظهر الا في الكوابيس. وقد تقلص وجهه وازدادات التجاعيد التي تحيط بفمه عمقا وبرزت عيناه وانطفأ بريقهما. - وماذا يفيد ذلك؟ ونظرت اليه تيري قد هالها مظهره..لم يسبق لها ان رأت مثل هذا الكم من الاحزان في عيني رجل. - هذا صحيح..ماذا في امكانه ان يفعل..ولكني سوف اساعدكما ما دمت هنا. - انت؟ وماذا يمكنك ان تفعلي؟ انت هنا كسائحه. - هذا ليس عدلا.... - ومن يتحدث عن العدل؟ - دعني اساعدك يا راف ضحك الرجل بمراره..ان تيري لم تعد تعرفه..من الذي غير راف الى هذا الرجل الساخر القاسي..هذا الرجل الغريب. - لا فائده من وراء هذا الحوار يا تيري فلنعد الى المعسكر. وظل الاثنان صامتان طوال رحله العوده وكأن الحياه قد غادرتهما بدورها. وفتحت تيري زجاج نافذه السياره وصافح سمعها صوت طنين الحشرات. وادلت المرأه بساعدها خارج باب السياره وراحت تحدق في المشاهد التي تمر بها وهي مشوشه الفكر غير قادره على التركيز. وعند احد منحنيات الطرق استيقظت الذكريات التي كانت نائمه في ذاكرتها. - كان هناك مستنقع صغير في هذا المكان يا راف..اريد ان اراه. - صدقيني يا تيري من الافضل الا تفعلي ذلك. - لقد كان جميلا - اذا كنت مكانك لكتفيت بذكراه. - ارجوك يا راف...اريد ان اراه. وهز راف كتفيه وخيل لـتيري خلال ثوان انه تجاهل طلبها. ولكنه استدار بالسياره فجأه وتوقف عن المسير بعد عده لحظات في طريق ضاعت معالمه. وتجهم وجه تيري امام المشهد المهجور الذي يمتد امامها الى اقصى ما يمكن ان يدركه بصرها...منذ ثمان سنوات كانت هذه البقعه تحوي مستنقعا تحيط به الاشجار الباسقه والحشائش البريه وتؤمه مختلف الحيوانات التي تجيء لتطفئ ظمأها..اما الان فلا يوجد غير خضره جرداء مليئه بالاحجار والحصى..اما الاراضي من حولها فكانت الحياه تتسرب منها تحت اشعه الشمس الحارقه. واستبد التأثير بـتيري ودفنت وجهها بين يديها وراحت تبكي دون انقطاع. وادار راف محرك السياره وبدأ المسير دون ان ينطق ببنت شفه ولكن سرعان ما اوقف السياره واحاط كتف الفتاه بذراعه وهي لا تزال منخرطه في البكاء. وقالت بعد ان هدأت ثائرتها قليلا : - انا آسفه يا راف - لا داعي للاعتذار..انا اعرف كيف تكون الصدمه. كم كانت تشعر بالراحه وهي قابعه كالطفله الصغيره فوق صدره...وتدافعت ذكريات الماضي كالامواج العاتيه المتلاحقه على ذاكرتها. - هل تتذكر عندما كنت تواسيني يا راف؟ - نعم - في احد المرات خطفت القرده مني دميتي المفضله. - لا يمكنني ان انسى هذا ما حييت..لقد تمزق ثوب الدميه الذي امضيت اياما طويله في صنعه...لقد كانت مأساه بحق. - يمكن اذا ان تتذكر ايضا المره الاخيره حيث... توقفت يد راف التي كانت تتحسس شعرها الطويل فجأه واشتد ضغط ذراعه الذي كان يطوق صدرها...وراحت تتساءل: ماذا قالت لكي تثير غضبه من جديد؟ ولكنها تجرأت وقالت : - لقد تظاهرت بالامس انك نسيت كل شيء! - لا احب ان اخوض في هذا الحديث. ، ولكن تيري لم تستطع التوقف عن اجتراء ذكرياتها - في ذلك اليوم احتويتني بين ذراعيك..انا اذكر ذلك تماما..وكنت اعلم انك انت ايضا.......... - كفاك...لا اريد ان اسمع شيئا. - وقبلتني...لا تكذب..انا اعلم انك تذكر كل شيء. - فليكن ذلك صحيحا..وماذا بعد؟ نعم انا اتذكر..كيف يمكنني ان انسى..لقد احتويتك بين ذراعي وقبلتك..ولكني مع ذلك لم افقد رأسي..لقد كنت صغيره..كم كنت اود ان تكوني اكبر سنا..اطلب منك البقاء في ليلاني..ولكن انت..هل تذكرين وعدك؟ - نعم..جيدا - لقد قلت ان ستعودين عندما تنتهين من اتمام دراستك. - انا هنا الان ! - لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟ ثمان سنوات بالتمام والكمال..لقد كان يمكنك اذا اردت حقا. ما اصعب ان تفي بالوعد الذي عاهدت امها على الحفاظ عليه...لا يمكنها ان تبوح بشيء ولكن راف.... - لم يكن في مقدوري ان احضر قبل ذلك. - انا لا اصدقك. - لماذا تكرهني الى هذه الدرجه..لماذا لا تصدقني.. - انا لا اكرهك ولكن.... وبحركه غير متوقعه اخذها مره ثانيه بين ذراعيه..وباغتتها هذه الحركه ولم تدر ماذا يجب عليها ان تفعل. وتقلصت يداها عل ذراعي راف واحست كأنها تعيش حلما جميلا ورديا عندما اطبق راف شفتيه على شفتيها واستسلمت لهذه القبله المجنونه واحست بدوار وعدم توازن..لم تكن القبله رقيقه حانيه..لقد وضع فيها راف كل اشتياق السنوات الثماني الماضيه وتراجع الى الخلف كحيوان جريح وهو يلهث وكأنه يريد ان يهرب من عدو يترقب منه لحظه ضعف. -راف! ان تيري لم تفهم اقباله المندفع وتراجعه المفاجئ - عودي الى المنزل - راف ماذا تريد ان تقول؟ - عودي الى الولايات المتحده - لا - انسي كل هذا..كأنه لم يحدث. - ولكنه حدث بالفعل - ما كان يجب ان يحدث على كل حال.. وادار محرك السياره بيد ما الت ترتعش وسار في طريق العوده حاولت تيري في الايام التاليه ان تتجنب لقاء راف..ولم يكن الامر صعبا فهو بدوره يبذل اقصى جهد لكيلا يجد نفسه في طريقها..وكان عندما يجد نفسه مظطرا لتوجيه الحديث اليها يكتفي ببعض كلمات المجامله. وكانت تيري تمضي اكبر قد ممكن من وقتها الى جانب سرير جدها..وكان سعيدا جدا وهو يحادثها عن الماضي..عن مغامراته وبيث و توم وهو ما زال طفلا. ولكن سرعان ما كان يصاب بالاجهاد ويغلق عينيه..وعندئذ تجد تيري نفسها وحيده مهجوره مع افكارها وذكرياتها. ولهذا شعرت بالفرح عندما حضر اشقاء بيث ، ليلي , بروس , وآمي...لقد كانوا في نفس عمر تيري - يا لها من مفاجأه ساره. واسرعت تيري الى سيارتهم سعيده برؤيتها لهم. وراحت ليلي التي كانت السياره تحدق فيها ببرود ولم يبدي بروس ولا ايمي اي حماس تجاهها وهما يغادران السياره وشعرت تيري بالحزن والحرج. - الا تشعرون بالرضى لرؤيتي بعد هذه السنوات لطويله. - ما اعظم جرأتك للظهور هنا من جديد.....! وادركت تيري على الفور ان علاقتها بهم لن تكون خيرا من علاقتها بـراف ..وانها تخطئ اشد الخطأ لو تخيلت غير ذلك...لقد تجاهلوها تماما واقتصر حديثهم مع ستيوارت وحده. وعلى العكس كان لقاء "اليك مارلو" محامي ليلاني اكثر ذوقا ورقه..انه رجل القانون الذي تولى قضايا الضيعه منذ سنوات طويله. وبعد ان امضى عده ساعات مع ستيوارت انظم لـتيري وامضيا لحظات سعيده بالقرب من الفسقيه المليئه بالاسماك الملونه في فناء المنزل الخارجي. ومع ذلك فقد مرت الايام بطيئه وزاد من بطئها ووحشتها تلك العزله التي وجدت فيها تيري نفسها..فقد كان جدها كثيرا ما ينام وهو يحدثها وقبل ان يكمل ما كان يريد ان يقوله ويظل في سباته هذا طوال فتره بعد الظهر. وبدأت تيري تخرج مع السائحين في السياره الجيب التي يقودها احد المرشدين ويطوفون بارجاء المحميه وهكذا اصحت تعرف كل شبر من ارض الضيعه. وفي احد الايام عادت الجيب الى ارض المعسكر عندما شاهدت تيري حيوانا غيرا مختفيا بين الحشائش والاشواك - جوشوا...قف! واطاع السائق. - انه قرد صغير...ولكني لا ارى امه كان الحيوان الصغير يرتعد خوفا. - لابد ان احد الاسود قريبا من هنا..وهرب القطيع بكل تأكيد. على كل حال يجب ان نعود ادراجنا الان لقد بدا الليل يسدل ستاره وهو يخيم بسرعه في هذا الفصل من السنه. - على الرغم من عدم احتاجها فانها لم تنسى الحيوان الوليد..يا له من يتيم مسكين..ان احتمالات بقائه حيا ضئيله جدا. ولم تقل شيئا لجدها الذي اعتادت ان تقص عليه كل الاحداث المشابه عن الحيونات الصغيره.. لقد اتخذت قرارها خلال ثواني معدوده. كان جدها قد سمح لها ياستعمال السياره كيفما يحلو لها. واسرعت بالجلوس خلف عجله القياد وسارعت في طريقها دون ان تخطر احدا. وساعدتها ذكرى الحادث في العثور على المكان...كان الحيوان الصغير لا يزال في مكانه بين الحشائش..كان الظلام بدأ يخيم على المكان وكان عليها الا تضيع ثانيه واحده. ونزلت من السياره بسرعه واسرعت حيث يرقد الحيوان الذي لم يحاول افرار. وحاولت ان ترفعه ولم يكن الامر سهلا فقد تشبثت مخالبه بالارض . - لا تخف..انا لا اريد بك سوءا. وكانت مشغوله في نقل الحيوان الى السياره فلم تسمع صوت ضوضاء تنبعث من خلفها واحست فجأه بشيء يقبض ذراعها بقوه ووحشيه...وصاحت بفزع.
---------------------------------
الفصل الرابع
- لا بد وانك مجنونه تماما! - دعني....انت تؤلمني. وحاولت تيري بقوه ان تتخلص من القبضه الحديديه التي تطوق ذراعها. - ألم تفكري في أن اسدا قد... - دعني ارجوك - هيا الى السياره وبسرعه - لن اذهب دون هذا الحيوان اليتيم...انه لن يستطيع البقاء حيا ليله واحده ...وانت تعلم ذلك جيدا. - انك لست الا طفله مدللة! وحدجها راف بنظره صارمه تترجم كل ما في صدره من غضب ونفاذ صبر ولكن بعد لحظات من المواجهة الصامته حمل الحيوان بين ذراعيه. وادركت تيري وهي تسير وراءه كم كانت طائشه مجنونه. ولأول مره منذ مجيئها احست بوحشه الغابات المطلقه وانتابها يأس قاتل. ان هذه الاشجار متعانقه الاغصان يمكن ان تخفي وراءها مالا يمكن ان تتصوره من مخاطر واهوال...فمن المستحيل معرفه مخابئها الليليه وزاد الظلام من وحشة المكان واسراره..واصبح من الخطر السير بالسياره في هذه الطرقات غير محددة المعالم..فكل شجره يمكن ان تخفي خطرا مجهولا. وعندما ادركت تيري مقدار حماقتها زاد شعورها بالامان وهي بجانب راف حتى مع تجهم وجهه وعبوسه..واستعدت لمجابهة العاصفه بشجاعه. اما راف فلم يوجه اليها كلمه واحده..وبعد ان وضع الحيوان في صندوق العربه الخلفي جلس امام عجله القياده واغلق الباب بعنف..وعادت تيري الى سياره جدها وبدأت السياراتان في السير وسط الظلام. وبلغا المعسكر بعد عشرين دقيقه. وما كادت تيري تغادر سيارتها وتتجه صوب سياره راف حتى كان هذا الاخير قد اخرج الحيوان من مكانه. - خذي.. انه لك الان.. ماذا ستفعلين به - سأضعه في الحظيره وسوف يكون كالملك مع قليل من القش و(بزازه) مملؤه باللبن. ارجو ان تعثر بيث على بزازه في مكان ما. بعد نصف ساعه زاد النشاط في المعسكر وراح راف يشيد بيتا صغيرا للحيوان بينما ذهبت تيري هنا وهناك للبحث عن اللبن للحيوان الوليد الذي افزعته كل هذه الحركات, وبعد عده محاولات قبل الحيوان الرضاعه. - ان هذا المنظر يستحق ان يسجل بصوره فوتوغرافيه! وابتسم راف..هل يمكن ان تكون ثوره غضبه قد فارقته؟؟..ان تيري لم تجرؤ على الاقتناع بذلك. - خذي..هاك فنجان من القهوه وتوست بالزبده والمربى..اجلسي واسترخي الان وكأنه نجح في قراءه افكارها فقد احاط خصرها بذراعه واجلسها الى جانبه. وخلال لحظات احست تيري بالراحه وهي جالسه الى جانبه.. ما كان اجمل أن تعيش من جديد لحظات الماضي بكل بهجتها وسعادتها واغلقت عينيها وهي تتنهد راضيه..كم كانت تود ان تطول هذه اللحظات الى الابد! - لماذا فعلت ذلك؟ - انقاذ الحيوان الصغير؟ لا اعرف..دافع سخيف ربما... - انت مخطئه..لقد قلت لك اكثر من مره ان حيوان الغابه ليست كالدمى . - انه حيوان يتيم يا راف..اليس في صدرك قلب ينبض..كان سيموت من غير شك..اعلم انك توافقني على موقفي في دخيله نفسك. - لا يمنع هذا انني سوف ادق عنق اذا تركت المعسكر هكذا ليلا دون اخطار احد. - انا آسفه. - يجب ان تراعي الناس الذين يحيطون بك يا تيري فكري ماذا كان سيحدث لجدك لو هاجمك فهد او اي حيوان مفترس..في المره القادمه اطلبي مني ان اصحبك او ابحثي عن مرشد اخر.. هل تعدينني بذلك؟ - نعم. وظلا برهة طويله صامتين يظللهما هدوء الليل وتنعشهما النسمات المعطره و لم تشأ تيري ان تنقضي هذه اللحظات السحريه وهي تشعر بالدفء والاطمئنان الى جانب راف . وفي هذه اللحظات بالذات عرفت انه لن يكون هناك رجل آخر في حياتها. وضحك راف فجأه وراحت تحدق في وجهه وهي تجاهد في اخفاء ما يجول في داخلها من مشاعر. - لقد كنت تمضين وقتا طويلا لتجمعي الحيوانات الضاله الوحيده..هل تتذكرين الزرافه؟ والقرد سكيبي ؟ - بكل تأكيد..لقد سرق احد قمصاني ليشكرني على العنايه به. واستطردت تيري بصوت هادئ رقيق كنسيم تلك الامسيه الجميله. - هل تتذكر ما كنا نتحدث فيه؟..احلامنا..كيف اصبحت مرشدا..قص علي ذلك مرة اخرى يا راف من فضلك.. وقص لها للمره الالف حياة طفولته في احدى مزارع زيمبابوي..لقد كان يظن خلال سنوات طويله انه سوف يكون مزارعا مثل ابويه واجداده.. - لقد كنت تحب الحيوانات دائما يا راف وكنت تنقذها من الاخطار التي تهددها, لهذا لا يجوز عليك ان تلقي علي درسا في الاخلاق الان. - هيه! من يقص هذه القصص الان..انت ام انا..عندما كان عمري خمس عشره سنه دعاني عمي لزياره حديقه حيوان كروجر ناشيونال بارك . - لقد كان مرشدا هو الاخر ؟ - لا تقاطعيني طوال الوقت.. كانت تيري على علم بهذه المغامره وكأنها هي بطلتها , ولكنها كانت تحب ان تسمع احداثها من فم راف وبصوته العميق ذي النبرات الحاده. - ان هذا الاسبوع القصير غير مجرى حياتي كلها..لقد بهرتني فكره ان ملايين الافدنه من هذه الارض قد خصصت للابقاء على حياة هذه الحيوانات المفترسه. وكنت اشاهد عمي وهو يعمل وكنت اتبعه كظله اينما ذهب. كان يستيقظ مع خيوط الفجر الاولى حتى لا يضيع دقيقه واحده من وقته.. وعندما انقضى الاسبوع عرفت ما يجب ان تكون عليه حياتي. لقد بقيت هناك تسع سنوات ثم غادرت كروجر الى ليلاني ادركت تيري بعد هذه القصه انها وجدت الرجل الذي لم يبارح ذاكرتها ابدا..لقد تلاشت الان كلمات السخريه والازدراء والتلميحات القاسيه لان تيري كانت تعتقد ان ذلك سيدوم طويلا. ان راف لم ينسى ما يعتبره اخطاء من جانبها.. سوف تعاوده في الغد افكاره السوداء وتحفظاته ولكن هذه الليله على الاقل تختلف..ليله من ليالي الماضي البعيد. - كنت في الثانيه عشره من عمري عند مجيئك اى هنا..سوف اذكر ذك طوال حياتي. وقال وهو يضحك في بهجه: - وانا ايضا سأذكره لقد كنت فتاه نحيفه كالغصن ذات ضفائر شقراء واكبر عينين رأيتهما في حياتي. هل يعم انها احبته من ذك اليوم؟ حب مختلف..حب هو لون من الابهار لا تعرفه غير الفتاه الصغيره لأمير احلامها. - هل اسفت لمغادره كروجر؟ - ابدا لقد علمني ستيوارت الكثير..كل شيء.. - متى اصبحت شريك لجدي؟ - منذ خمس سنوات وكانت هذه هي اجمل يام حياتي. - استطيع ان اتصور ذلك.. يوم تحقق الحلم. - ليس بالضبط.. - كيف؟ - كان يراودني حلم اخر.. ربما اعز علي من اي شيء اخر ولكن هذا لا يهم الان, فلن يتحقق ابدا.. لقد تغيرت كثيرا يا تيري..ليس فقط ملابسك ولكنتك ولكن هذه الفكره التي دفعتك الى المجيء الى ليلاني الان..انها لا تناسبك. وانتابتها الاحزان ولم تجب ، دائما نفس الانتقادات السخيفه التي ليس لها اي مبرر.. ان الجو الساحر الذي ساد بينهما لدقائق سوف ينقشع من جديد.. لماذا هذا اللوم المفاجئ والجو على هذا الصفاء بينهما؟؟ ان ذكرياتها الحبيبه بدأت تتلاشى..تتبخر.. - ولكنك قلت لي منذ لحظات ان هناك جزءا على الاقل منك لم يتغير..فانت لا تزال تحب الحيوانات وتقوم على رعايتها.. ان هذا يعجبني كثيرا. كان راف واقفا عند باب الضيعه الخارجي ينظر الى الارض عندما عادت تيري وفي صحبتها احد المرشدين وانتظر حتى اصبحت بمفردها وهمس قائلا: - تيري وعرفت الحقيقه عندما رأت وجهه الشاحب ونظراته المنكسره وعضلات فكه المنقبضه والهالات السوداء التي تحيط بعينيه الحمراوين. - جدي!! - لم يكن احد يتوقع ذلك. - لقد جئت من الجانب الاخر من المحيط لـ..ومع ذلك فلم اكن موجوده عندما.. واندفع كل منهما الى احضان الاخر وكأنهما شعرا باليتم فجأه. دفن ستيوارت ماسترز الى جانب زوجته بيث في بقعه معزوله من الارض عند مشارف المعسكر. ولم يحضر الجنازه الحزينه احد سوى اصدقائه المقربين..المرشدين..عمال الضيعه..راف..تيري..اليك مارلو المحامي و آل ستانتون ثم جاء عدد من اصحاب المعسكرات المجاوره لتقديم العزاء...وغادر اكثرهم ليلاني مبكرين قبل ان يداهمهم الليل . وفيما بعد جمع اليك مارلو الجميع ليقرأ عليهم وصيه الفقيد..لم ينسى ستيوارت احدا من العاملين في ليلاني وسلم كل عامل من آل ستانتون هبه سخيه. اما راف الذي لم يكن من الممكن ان احبه اكثر مما احببته فقد حصل على مجموعات من الوثائق و صور ليلاني . وساد لحظه صمت وعاد المحامي تلاوة مضمون الوصيه. - سأصل الان الى اهم جزء في الوصيه بقيه النقود وكذلك نصف ضيعه ليلاني كل هذا سيكون من نصيب حفيدتي الحبيبه تيري اليزابيث ماسترز . وفي الحال تقلصت كل عضله من عضلات الفتاه بقسوه آلمتها وجمدت النظره الخاطفه التي القتها على راف الدم في عروقها. كان يحدق فيها من عليائه بمزيج من الاحتقار والازدراء..بل لقد راح الجميع ينظرون اليها الان بعداء ظاهر وخيم هذا الصمت المحمل بالكراهيه على جو الغرفه وملأ قلب تيري بالرهبه والخوف من المستقبل..لقد شعرت بانها مهدده من الجميع وخيل اليها ان صوت قلبها يملأ جو المكان كقرع الطبول وبدأت اوصالها كلها ترتعد وكأنها مصابه بحمى خبيثه. وفجأه تجلت امامها الحقيقه..اهذا السبب اذن ناصبها الجميع العداء منذ وصولها..وان راف نفسه.... ولكنها لا تريد هذه الهديه المسمومه..سوف تترك نصيبها لراف و..... وارادت ان تتكلم ولكنها شعرت بجفاف شديد في حلقها ولم تستطع ان تنطق بكلمه واحده وتناولت قدحا من الماء موضوعا على طاوله قريبه منها وشربته دفعه واحده وعندما هدأت ثائرتها قررت ان تبوح بقراراتها لهذه المجموعه الصامته. واختارت اني ستانتون هذه اللحظه لتنهض واقفه كأنها عاصفه هوجاء وصاحت بصوت حاد يخنقه الغضب - ايتها اللعينه كنت تعرفين انه على شفا الموت وقد جئت لكي تجبريه على تغيير وصيته. وقال المحامي بصوت هادئ في محاوله منه لتهدئه العاصفه : - ارجوك يا آنسه ستانتون لا لزوم لمثل هذا الكلام. - سوف نعارض هذه الوصيه... لو كان ستيوارت في كامل وعيه وادراكه لترك لنا كل شيء..وليس لهذه المتآمره اللعينه. وقررت تيري في هذه اللحظه الاحتفاظ بكل ما تركه لها ستيوارت. - لقد كان ستيوارت يعرف تماما ما يفعل وكان في كامل قواه العقليه حتى النهايه. - يمكنكم الاعتراض ولكن ذلك لن يجدي شيئا..سوف اشهد ضدكم ، كان هذا اول تدخل من جانب راف انه يقف الى جانبها وهو رد فعل غير متوقع. ونهض المحامي لينهي الاجتماع وراح ينظم اوراقه على مهل. - ارجو ان تعذروني الان..لقد قيل كل ما يمكن ان يقال. ونجحت تيري اخيرا في ان تنطق بعده كلمات.. كان كل هذا الحقد المكتوم قد الجم لسانها حتى الان خاصه وانها لم تكن تتوقعه. - يا سيد مارلو اريد ان اتحدث معك قليلا. عاد جو الهدوء الى الغرفه عندما غادرها الجميع وقالت تيري بصوت هامس : - كنت اريد ان اتنازل عن هذا الارث. - لقد لاحظت ذلك..الم تري اشارات الاعتراض التي وجهتها اليك وانت في قمه ثوره غضبك..ولكن هذا ليس بالامر الذي يجب عمله. - لماذا؟ انهم جميعا على حق..لقد غير جدي الوصيه بسبب عودتي. - وماذا في ذلك؟ - انهم يعتقدون اني جئت قبل وفاته للتأثير على قراراته الاخيره..حتى راف نفسه يظن ذلك. - قولي لهم ان يذهبوا الى الشيطان يا تيري ان رغبات جدك الاخيره واضحه تمام الوضوح..لا تقرري شيئا قبل ان تطيلي التفكير في الامور من جميع جوانبها. لقد اعطيته في ايامه الاخيره سعاده لم يكن يحلم بها.. ولم يعرفها طوال السنوات الماضيه.. وهذا يبرر تماما القرارات التي اتخذها. وراحت تيري تنظر من خلال النافذه حيث توجد آلاف الهكتارات التي تتكون منها ضيعه ليلاني : الغابات..الحيوانات..الطيور.. كل ذلك اصبح ملكها الان تبعا لرغبه جدها. لم ترى تيري راف بمفرده الا في صبيحه اليوم التالي. كان يقف الى جانب السياره الجيب وشعره مازال مبللا من آثار دوش الصباح ينتظر رجاله للذهاب للعمل. كان نفس الشيء يحدث صباح كل يوم..وكان الرجال يعودون في المساء وقد بدا عليهم التعب ويتفرقون في جماعات وهم صامتون. وكانت تيري تجهل تماما طبيعه عملهم والاماكن التي يتجهون اليها..وحتى اذا كانت تريد ان تعرف فان راف لم يكن ليقول لها شيئا. - اريد ان اشكرك يا راف من اجل موقفك بالامس . - انت تخطئين يا صغيرتي.. لقد فعلت ذلك من اجل جدك وحتى لا تقع ممتلكاته بين ايدي هؤلاء الطفيليين الذين يجهلون ما نقوم به هنا..لقد اهانوه لاعتبارهم اياه رجلا مخرفا. وحولت تيري نظرها عنه..انها لم تكن تصدقه. - لم اكن اعرف ان جدي كان مريضا قبل ان احضر الى هنا.. ولم اكن افهم موقفك التهكمي واستهزاءك بي..ارجوك..حاول ان تصدقني الان..انت ترى اني لم اكن اضمر سوءا لى أحد. - سيكون من السهل تصديقك بوجهك هذا الذي يشبه وجه الملائكه..النقي..الرقيق. كما انك جميله..اجمل مما كنت عندما رحلت من هنا منذ ثماني سنوات. - ارجوك..صدقني. - لا استطيع. - فكر جيدا..كيف كان يمكننا ان نحصل على اخبار خاصه بجدي؟ ان احدا لم يحطنا علما بذلك.. - هيا..كفي عن الكذب من فضلك. ولما لم تعرف ماذا تقول اكثر من ذلك قررت عدم الاستمرارفي هذا الحديث. - سوف نكون شريكين..انت في الولايات المتحده وانا هنا..وهذا حسن وعندما تكون هناك ارباح سأرسل اليك نصفها. - لا اعتقد ان جدي كان يريد هذا يا راف املك نصف ليلاني واظل بعيده عنها.
---------------------------
الفصل الخامس
غادر ال ستانتون.. ليلاني في الصباح الباكر .. فلماذا يبقون ماداموا لا يأملون شيئا من وصيه ذالك العجوز المجنون.. شعرت تيري وهي واقفه بجوار سيارتها في اثناء انصرافهم بقلبهم ينتفض فها هم اقرباؤها الوحيدون في افريقيا يحرمونها من عطفهم وينبذونها للوحده والمجهول... بل يبدو انهم يكرهونها ولا يكنون لها غير الحقد والرفض ..لماذا كل هذا الحقد ؟لقد وزع جدها ممتلكاته كما يريد ولا يستطيع احد ان يعارض ارادته الاخيره وراحت تنظر بحزن الى السياره وهي تختفي ..ان الشخص الوحيد الذي يحبها حقيقه في ليلاني قد توفي الان . - لا تحزني لان هؤلاء المغفلين الثلاثه قد لفظوك ....انهم اناس لا يستحقون ان يحزن احد عليهم كان اليك مارلو يقف خلفها ويراقبها في عطف وحنان - كنت أمل أن نظل اصدقاء ياسيد مارلو و.... - لقد اعطوك الدليل على انهم ليسوا جديرين بعطفك واحترامك ولاحظت تيري حقيبه المحامي - سترحل انت ايضا ياسيد مارلو؟ - كنت اود ان امكث بعض الوقت ولكن عندي قضيه مهمه يجب ان اترافع فيها غدا وعلي ان اعكف على دراسه بعض الوثائق والمذكرات...واتمنى لك حظا سعيدا في ليلاني ياتيري وكوني دائما شجاعه . وصعد الى السيارته وهو يقول لها : - لا تتخذي قرارت متسرعه ...ادرسي الجوانب الايجابيه والسلبيه وقارني بينها جيدا قبل ان تقرري التخلص من ليلاني ..ولا تنسي ان ستيوارت عهد بها اليك وعندما اختفت السياره وراء سياج الاشجار اتجهت تيري الى الحظيره الصغيره التي وضعت فيها قردها الصغير الذي اطلقت عليه اسم جيسي وكان هذاالاخير يلتهم طعامه بنهم واصبح مع مرور الايام يألف وجود الانسان . وراحت تيري تفكر وهي تداعب حيوانها الصغير كيف ستمضي اول ايامها كشريكه في ملكيه هذه الضيعه ؟ولم يطل بها الوقت في التفكير لقد جاءها جوشوا احد مرشدي المحميه يحمل انباءسيئه ان اموس وهو مرشد اخر لم يات للعمل اليوم ولا احد يعلم لماذا وكذلك الحال بالنسبه لعدد اخر من العمال كان اموس يعيش في منزل صغير عند مشارف المعسكر . - هل ذهب احد ليستقصي اخباره؟ ولم اجب جوشوا وقد بدا عليه الحرج وقطبت تيري مابين حاجبيها ان ذره تراب واحده يمكن ان توقف سير الاله وتعطل العمل كله.. - من قام بمراقبه السائحين اليوم؟ - انا ، لم يستيقظ منهم غير سته صباح اليوم ولكن كان يجب ان يكون مرشدان لنوبة الساعه التاسعه حيث يزيد عدد السياح بطبيعة الحال . وسرعان ما اتخذت تيري قرارها - جهز السياره ساقوم انا بهذه المهمه وتنهد جوشوا بارتياح ، ولكن يبدو ان هذا الترتيب لم يرض شاك ودونا بيكر وهما زوجان من نيويورك فلم يخفيا عدم رضائهما عندما علما ان فتاة شابه ستكون مرشدتهما وقال شاك : - لماذا تخلى عنا اموس في اللحظه الاخيره؟ كان من الوضح ان صغر سن تيري لم يمنحهما الاطمئنان الكافي - هناك اعمال اخرى تستدعي وجوده في المعسكر - كنا نود ان نرى الاسود..لقد وعدنا اموس بذلك - ان رؤيه الاسود امر يتوقف عاده على الحظ في غالبية الاحوال ، ورسمت تيري على وجهها ابتسامه مطمئنه . - سابذل كل جهدي لتحقيق رغبتكما وبدا على شاك عدم التصديق ...! - لا اريد ان اقلل من شانك ولكنك صغيره السن و..امريكيه مثلنا - لقد ترعرعت هنا في ليلاني ... وقد اكسبني ذلك خبره كبيره وانا اعشق الادغال وشاء الحظ ان يكون الى جانبها في ذلك اليوم فما كادوا يغادرون المعسكر حتى ظهرت امامهم زرافتان كبيرتان تسيران ببطء جنبا الى جنب كعاشقين متيمين وسرعان ما التقط السائحان عده صور لما اعتبرانه مشهد فريدا وبعد عدة كيلو مترات وقفت تيري مره اخرى ...فها هو ذا الحظ يبتسم لها مره اخرى وقال شاك وقد استبد به الحماس - انها الحمير الوحشيه... فلنقترب قليلا لنلتقط بعض الصور.. - لا ..انها قطيع من الثيران المتوحشه - هل هي خطيره كمايدعي البعض؟ - اوه نعم لهذا يجب ان نترك المحرك دائرا...فيجب ان تكون دائما مستعدين للهرب وتجلى السرور البالغ على وجه السائحين ولكن كيف يمكنها ان تثير دهشتهما اكثر كثافه من ذلك وكيف تثبت لهما انها مرشد متمرس؟ لقد ذكر احد المرشدين منذ ايام وجود عدد من الاسود في شرق هذه المنطقه بالقرب من مجموعه من الصخور الضخمه...ان الطريق الموصول الى هذا المكان لايجرؤ الكثير ون على سلوكه لانه يتوغل داخل الأدغال اكثر من غيرها تقل فيها الحيوانات ولا يفقد الانسان وقته فيها لم تكن تيري تدري بالضبط اين توجد الصخور واذا كانت الاسود تختفي هناك فسيكون من المستحيل رؤيتها ومع ذلك الا يستحق الامر المغامره ؟ وقررت الا تقاوم الاغراء.. وصعدت السياره الجيب احد المرتفعات وانتاب تيري مزيج من الفرح الخوف معا ، كانت هناك اسره كامله من الاسود ترقد في هدوء وسط الطريق ، وكان اكبر الاسود حجما يراقب افراد جماعته تاهبا لاي خطر اما الاناث فكانت مستلقيه في استسلام تاركه اشبالها ترضع في نهم وكانت بقية الجماعه مستسلمه للمرح يقفز افرادها بعضها فوق بعض مع حرصها على عدم الابتعاد عن الاب الحارس والام التي لا يغيب بصرهاابدا عن الصغار . واحست تيري بالاثاره البالغه وهي تتقدم بهدوء بالغ بالسياره... وجاوز حماس السائحين كل الحدود ..كان هذا المشهد الفريد هو الذي ياملانه منذ رؤيته منذ زمن طويل : - الاسود ! - انظر الى الصغار ! ولم تهتم الاسود بالسياره ...انها اسياد الغابه وعليها ان تقرر وحدها متى تبقى ومتى تغادر المكان ..ويمكن ان تظل تلك الاله الغريبه الواقفه على جانب الطريق الوقت الذي تريد فهذا لا يهمها في شيء... ولم يتحرك احد البشر يقفون في اعجاب وانبهار والحيوانات مستلقيه مسترخيه في عدم مبالاة واخيرا نهض الاسد بعد ان تمطى كثيرا واقترب من السياره ليشم رائحه البانزين وتبعه احد الصغار بعد ان افلت من الرقابه ودبت الحركه في بقيه المجموعه انه المنظر الفريد الذي يصبو لرؤيته كل محبي الرحلات السفاري... كان الجميع بما فيهم تيري يودون البقاء هنا ساعات حتى يسدل الليل استاره ولكن يبدو ان الاسود قد اصابهم الملل من وجودها الطويل في هذا المكان فنهضت في مهابه وجلال واختفت بين اشجار الغابه واستدارت تيري بالسياره واخذت طريق العوده الى المعسكر لمتابعه الاستكشاف اكثر من ذلك ...ان أي حدث اخر من شانه ان يمحو الاثر السحري للهديه التي وهبها لهم الله... عاد راف ورجاله الى المعسكر قرب حلول المساء وكان العمال قد اشعلوا النيران في اكوام متفرقه من الحطب منتشره في اماكن مختلفه من المعسكر وكانت تيري التي تعرف جيدا القاعدة الذهبيه التي تزود بها مثل هذه المعسكرات وهي عدم الابتعاد عن المباني الرئيسيه عند حلول الظلام قد بدات تقلق من اجل رالف وعندما راته اخيرا وقد بدا عليه الارهاق بملابسه التي يغطيها الوحل اسرعت للقائه عندما ناداها شاك : - هذه لك ياتيري ، وقدم لها زجاجه من الشراب ، ونظرت اليه لحظه في استغراب - انها تعبير عن شكرنا لانك جعلتنا نعيش اجمل يوم في رحلتنا وتدخل رالف في الحديث قائلا : - عما تتحدثان ؟ - لقد كان اموس مريضا اليوم ... وقادتنا هذه الفتاة الفاتنه الى داخل الغابه .. لقد كنا نشك في قدرتها ... كانت الاسود اروع بكثير مما كنا نتصور - يجب ان تقصي علي ذالك - لقد كنت مرشده فوق العاده.. لم اكن اتصور ان يحدث ذلك من فتاة في الربيع من العمر وابتسم رالف بعد رحيل شاك : - يبدو ان يومك كان حافلا بالاحداث - وانت ؟ وزالت الابتسامه بسرعه من على وجهه : - لا يوجد مايستحق الحديث عنه - لا يهم ...اريد ان اعرف كل شيء ..اين تذهب كل صباح ؟وماذا تفعل طوال النهار ؟ولماذا تعود في ساعه متاخره هكذا؟وانت على هذه الدرجه من الارهاق .... - تتكلمين كزوجه تريد ان تعرف كل صغيره وكبيره - اريد ان اكون شريكتك بحق ياراف .. فمن حقي ان اعرف كل ما يحدث في هذا المعسكر وتخلل راف شعره باصابعه : - كل ما اصبو اليه هو ان اقف تحت مياه الدش ثم اتناول عشائي فلست راغبا في حديث تتخلله المجاملات - لقد جهزت لك ستيك على نيران الفحم ...واذا رفضت تناوله لن اتردد في خنقك - لنشرب نخبك ياتيري بعد هذا اليوم الحافل - ليس لي رغبه في ذلك ...بعد ايام من وفاة جدي ..ولكن لماذا لا نحتفل باليوم الاول كشريكين وتوقف راف فجاة عن قطع اللحم - الا تبدو لك فكره طيبه؟ - ليس تماما..فان شيئا لم يتقرر بعد وساد الصمت بينهما لحظه .. وبدات اصوات المعسكر تختفي شيئا فشيئا وسمعت دقات الطبول الرتيبه التي تعني رساله ما لا يفهمها الا اهل الغابه تاتي من بعيد وكان الظلام قد غلف المكان تماما واخذت اصوات الغابه همهمه غريبه ...ورفرفة اجنحه الطيور التي تبحث عن اعشاشها ...دبيب اقدام الفيله وغيرها من الحيوانات التي تعرف طريقها في الظلام - هل ستقول لي اخيرا اين تذهب صباح كل يوم؟ - انهاليست قصه جميله ياتيري...ولكن مادمت تصرين...ان الامر يتعلق بالجفاف لقد احدث الكثير من الكوارث ...لقد نفذ الماء من الكثير من الابار والكثير من الحيوانات تنفق من العطش انها تهيم في كل مكان وكانها قد الم بها مس من الجنون... انها تحفر الارض بحوافرها بحثا عن شريط هزيل من الماء ولكن ذلك لا يكفي . - وماذا عن الابار الجديده؟ - نعم ولكن الحيوانات تخضع بغريزتها لعادات اعتادت عليها منذ سنوات طويله ...فانها تعود باصرار الى نفس نقط الماء القديمه الجافه ...يجب علينا ان ننقلها عنها الى الابار الجديده... - هل تقوم بانقاذها؟ - ان ذلك يستغرق وقتا وجهدا طويلا وهو يصيب المرء بالحزن والاكتئاب - اريد ان اساعدك....فانا شريكتك... - كفى حديثا عن الشراكه ياتيري ...لقد صممت ان اشتري نصيبك... - هل انت مجنون ؟ ولماذا؟ - ان ليلاني لن يكون لها أي معنى بالنسبه لك بعد عودتك الى سان فرانسيسكو..وفي الحقيقه فانه لم يكن لها معنى ابدا بالنسبه لك والا لكنت حضرت قبل الان بسنوات طويله - انت تكرر دائما هذه القصه القديمه - بيعيها لي ياتيري وسوف تكونين انت الرابحه في نهايه الامر ..سوف تنسين ليلاني سريعا وكل مافيها ومن فيها ... - هناك اشياء لا يمكن نسيانها ياراف ..ومن ناحيه اخرى فانت لاتملك النقود ان البنوك لن تقرضك شيئا فهي ليست مؤسسات خيريه . وفي هذه اللحظه دقت الطبول من جديد وانتظرت تيري حتى اختفت اصداء اصواتها لتضيف : - قد لا اعود الى امريكا ...ان ليلاني هي موطني مهما كان رايك في ذلك... - ولكن امك؟ - ان المرء لايعيش مع امه طوال حياته وهي متزوجه الان وليست في حاجه الي - ولاري...؟ ولم تدري تيري بماذا تجيب.. - صديقك الشاب - انت مجنون انه رئيسي في العمل ولا اكثر ولا اقل ... - ومع ذلك فانت تدعينه حبيبي في التليفون - انت تتلصص علي اذن ، ان لاري انسان طيب رقيق مثالي ..وانا احب عملي معه... ولكنه رئيسي وهذا كل شيء - لا يهم ..يجب ان تعودي ، واستبد بها الغضب وهبت واقفه...ياله من عنيدان شيئا لن يجعله يغير برايه ....وتركت راف وابتعدت عن كومه الحطب الملتهب وسارت صوب سور المعسكر كان القمر في منتصفه تلمع اشعته في قبة السماء وكانت النجوم منتشره في كل مكان مضيئه لا معه ولحق بها راف دون ان تحس بواقع اقدامه واستند ظهره الى السور بجانبها وظلا لحظات طويله صامتين جنبا الى جنب في ظلام الليل تاتيهما اصوات الغابه من بعيد. وفجاة زار احد الاسود فغطى صوته على جميع الاصوات الاخرى وراح يزار من جديد ووخيل لتيري ان الغابه كلها تحتفل بحياتها بهذا الزائير الذي لاينقطع والتصقت براف بحركه لا اراديه... وحتى هو..رجل الغابه والادغال الذي اعتاد سماع هذا الاصوات راح قلبه يدق يشده بين ضلوعه وهو يسمع ملك الغابه يعلن عن قوته وسلطانه وساد فجاة وعادت حياة الليل الى الغابه ..وبدا صوت الطبول يعلو ويعلو وكانه الحان اغنيه حزينه باكيه وراحت الحشرات تدور وتدور من حولهما..وكانها تحتفل بالصمت الذي يسود المكان . - هذه اشاره بعثتها الى السماء..سوف امكث في ليلاني ..وليست هناك قوه ستمنعني من ذلك انا ارفض ان ابيع لك نصيبي ..ويجب ان عليك ان تقبل ان كون شريكي ياراف... وساكون شريكه تقوم بدورها كاملا في هذه الضيعه. - سوف تغيرين رايك في صبيحة الغد - لا ..هذا ما كان يريده جدي ..انا واثقه تماما من ذلك - سوف تواجهين مشاكل لا أقبل لك بها - سوف نتغلب عليها سويا وحاولت تيري ان تظل هادئه وهي تحس بعيني راف تحدجها باهتمام وقال بعد برهه : - طابت ليلتك يا...شريكتي كان الفجر قد بدا يبزغ عندما جاء راف ليوقظ تيري من نومها... - حدث مازق اخر لا تسير الامور على ماينبغي في ليلاني لم تحضر الطاهيه بيتيلمزالى عملها ولم يكن هناك احد ليعيد طعام الفطور لسائحين وعمال المستعمره....! قالت تيري ولا يزال النوم يداعب اجفانها : - ساتكفل بذلك - وعليك ايضا حل مشكلة طعام الغداء فبيتي لن تحضر - ولكن ماذا حدث؟ - انهازوجة اموس..هل نسيت ذلك؟ - اه هذا صحيح كيف حاله الان..هل عاد الى العمل - لا.. - لا يهم..سوف استقل احدى سيارات الجيب - الا يضايقك ذلك؟ - لا....يمكنني اخيرا ان ابدو مفيده لكم جميعا ..هل تعتقد ان مرض اموس سيطول ؟يجب ان اذهب لاراه وتردد راف ..هل يجب ان يبوح لها بسبب غيابه؟....لقد وصل الى سمعه بالامس عن طريق الصدفه بضع كلمات لها مغزاها من عدد من الرجال يتوسطهم اموس كانو يجلسون حول النار امراه في ليلاني ..امراه مديره .. هذا غير معقول؟ لم يطل رد فعلهم طويلا.. - انه ليس مريضا ياتيري ... لقد غادروا ليلاني بسببك.. دون ان يتفوهوا بكلمه .. انهم لا يقبلون ان ... تقودهم امراه؟ ولم تصدق تيري اذنيها ...هل مازال هؤلاء القوم يعيشون في قرون ماقبل التاريخ؟ - من ذهب ايضا مع اموس؟ - مرشدان وثلاثه و عمال لقد منحهم ستيوارت مبالغ لاباس بها ..ولهذا فهم ليسوافي حاجه ماسه الى العمل على الاقل في الوقت الراهن ...يجب الاتدهشي ان التقاليد الافريقيه القديمه راسخه في نفوس اهالي هذا المنطقه ..امراة تقودهم...انه امر غير مقبول... - ولكنني لن اتدخل فيما لا يعنيني ياراف وانا اكن لهم كل الاحترام و... وتوقفت عن الكلام وقد تجلت امامها فجاة كل تفاصيل الموقف المفجع واستطردت بصوت مضطرب : - فليذهبوا الى الشيطان جميعهم ..فانا لن أخشى العمل ...سوف نحاول استئجار غيرهم اصغر منهم سنا ولا يتاففون من العمل تحت امرة امرأة . - يالها من ثوره ياعزيزتي تيري ولكن ذلك لن يحل مشكله اليوم...اعتقد انه يجب ان تبدائي حالا في تجهيز وجبه الفطور...اما انا فساذهب الى الحظائر. - بعد ثلاث دقائق سيكون كل شيء جاهزا.
-------------------------------
الفصل السادس
كانت الأيام التالية مزدحمة بالعمل فكان يجب الاهتمام بإعداد الطعام منذ الفجر ثم تنظيم طلبات السائحين وإعداد طعام الحيوانات ...الخ... وأشاع راف بين أوساط الأهالي أن تيرى في حاجه إلى طباخ ومرشد ولكن لم يتقدم احد لشغل هاتين الوظيفتين واضطر جوشوا فى هذه الأثناء إلى قيادة إحدى السيارات الجيب بينما تعهدت تيرى بقيادة السيارة الأخرى وعلى الرغم من أنها لم تكرر مغامرة الأسود مرة أخرى فقد كان رفقاء رحلتها مسرورين بخدماتها . وكانت عند عودتها من جولتها الصباحية تسرع فور عودتها من المعسكر , إلى المطبخ لتعد طعام الفطور. وكان السياح يبدون إعجابهم بما تعده لهم من اومليت باليكون ومن فطائر بالمربى والعسل وفى صباح احد الايام سال احد السياح : - أين راف..؟ - انه في الغابة مع بقية الرجال.? يبدو انه يمضى حياته كلها هناك من الفجر حتى مغيب الشمس ..هل هناك من العمل ما يستدعى ذلك؟ لقد استحوذ راف على تفكير تيرى طوال فترة الصباح .كان الرجال يعملون هناك منذ أكثر من أسبوع وكان قلقها يزداد يوما بعد يوم .. ترى ماذا يفعل بالضبط ؟ وهل هو في أمان ؟ ومع ذلك أجابت بنبرة طبيعيه هادئة : - هناك دائما الكثير من العمل الذي يجب انجازه في?ليلانى ! كان السياح في العادة يركنون إلى الراحة بعد تناولهم الفطور ليستعيدوا نشاطهم بعد جولتهم الصباحية المضنية ..يقرأون الصحف والمجلات أو يراقبون حيوانات الغابة بمناظيرهم المكبرة انتظارا لقيامهم بجولة جديدة : ونظرت تيرى بقلق الى ساعتها ، العاشرة هنا إذن السابعة مساء في سان فرانسيسكو...انه وقت مناسب لإجراء مكالمة تليفونيه. - تيرى كيف حالك؟? كانت أخر مرة تحدثت فيها مع والدتها لتخبرها بوفاة ستيوارت وكانت مكالمة صعبه وهى تعلم إنها ستكون أصعب هذه المرة وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلها تؤجلها حتى الآن. - متى ستعودين يا عزيزتى? ؟ وتقلصت يدها على السماعة وهمست بصوت لا يكاد يسمع : - لقد ترك لي جدي نصيبه? في ليلانى. وسمعت صيحة الدهش من الجانب الآخر من المحيط. - لماذا لم تقولي? لي ذلك في المرة السابقة ؟ - لم أكن قد علمت بعد . لقد تمت قراءة الوصية بعد إتمام مراسم الدفن وعندئذ أردت أن.. - قولي لي متى ستعودين يا تيرى ؟? ولم يخف على تيرى نبرة القلق التي شابت صوت مارى -لقد قررت البقاء هنا.? - لا!? - أريد أن?يصبح ليلاني منزلي يا أمي ..أرجوك حاولي أن تفهميني ... وانفجرت ماري باكيه? وعندئذ سمعت صوت فيليب - أنا أحدثك من التليفون الآخر يا تيري ..إنها صدمه? بالنسبة لوالدتك ولكنني اعلم أنها ستتركك تفعلين ما تشائين ..لا تقلقي إذن.. يا لفيليب الرقيق الطيب القلب - هل تعتقد أنني سوف أهملك يا فيليب أنت وأمي? ؟ - يا لها من فكره سخيفة ..بالتأكيد لا.. إننا نحبك يا تيرى ولكن عليك أنت أن تقرري مستقبل أيامك والطريقة التي تودين أن تعيشي بها حياتك.. ويبدو انك تحبين ليلانى..كثيرا ..سوف نحضر لزيارتك متى توفر لدينا بعض المال... منتديات ليلاس وهدأت أمها بعض الشئ وتابعت حديثها : - حظا سعيدا لك في ليلانى ...تذكري أنى وفيليب نحبك? كثيرا ، وامتلأت عينا تيرى بالدموع وهى تضع السماعة ببطء شديد ...أنها واثقة أنها اتخذت القرار السليم ....أنها تحس بذلك في دخيلتها ...ولكن سوف تفتقد فيليب وماري . وانتظرت حتى استعادت هدوءها وأدارت رقم التليفون لتجرى مكالمتها الثانية وصاح لارى : - أنت مجنونه تماما لتدفني نفسك في أعماق أفريقيا .? - أنا أسفه?يا لارى ..خصوصا لأنني جعلتك تحتفظ بوظيفتي في حين أنى قررت عدم العودة ..إن قراري لا رجعة فيه. - لقد غفرت لك يا عزيزتي ...ربما كان لي حظ الحضور ولقاؤك في? أفريقيا. هل تتذكرين مؤسسة بى زد محميات جنوب أفريقيا الطبيعية..لقد فزت بهذه العملية وليس أمامي إلا بعض الإجراءات لأصبح مستعدا للسفر . - رائع..إلى اللقاء إذن يا لارى. كان راف والرجال يعودون دائما في ساعة متأخرة من الليل من عملهم ولكن هذه الليلة كانت أسوا من سابقتها ..لقد كانوا يعانون الإرهاق الشديد ولا يفكر احد منهم إلا في إلقاء نفسه على سريره والاستسلام للنوم. وبعد نصف الساعة من ذهاب راف إلى البانجالو لحقت به تيرى .وضعت الفتاه الصينية الطعام على المائدة في الصالون وراحت تبحث عنه . كان ممدا على سريره عاري الجسد ماعدا شورته الأبيض . كان قد انتهى لتوه من الخروج من الحمام .منتديات ليلاس وقالت تيرى وقد نهض ليرتدى الروب دى شامبر : - أرجو ألا أكون قد أزعجتك.? - لا...مادمت لا تنتظرين صحبه مسليه .فانا غير قادر على نطق جملتين لهما معنى محدد. - هذا لا يهم ..لقد أحضرت لك العشاء وبعض المشروبات المثلجة? - أرجو أن تتناولي عشاءك معي. ترددت في قبول هذه الدعوة دون أن تعرف السبب - لا اعرف إذا...? - انك لن تترددي لحظه? واحده إذا عرفت مدى الإرهاق الذي أحس به.. أنى حتى لن أقوى على فتح علبة عصير الفواكه هذه ..وأحضرت تيرى الصينية وناولته بعض الشطائر وهى تقول : - لقد? أجريت مكالمة تليفونيه مع امى منذ لحظات . - كيف كان رد فعلها.? - لقد صدمت من? غير شك ..ولكن فيليبسوف يتكفل بها ..انه إنسان رائع. - لماذا لا تدعينها إلى?ليلانى .. - لقد فعلت ذلك ..واتصلت بـ لارى ايضا ...ويبدو انه سوف يحصل على? عمل في أفريقيا . - أوه ! يبدو انه يفتقدك كثيرا.? - لا تكن سخيفا ..سوف يعمل? في احد الأفلام ولن يكون لديه وقت لأي شئ آخر. - ولكنه سيحاول من غير شك أن? يراك. - لا اعتقد ذلك ...ربما اتصل بي تليفونيا لا أكثر.? وامتد بها الحوار وانتقلا إلى آخر وأراد راف أن يعرف ماذا فعلت في أثناء النهار في غياب الطاهي والمرشدين وبدأت هي تتحدث وتروى أدق التفاصيل .أما هو فكان يبدو شارد الذهن تائها في عالم من الأحلام ونهض فجاءه واحتواها بين ذراعيه ورغم دهشتها لم تقاوم.. إنها لم تعرف رجلا اخر فى حياتها غير راف وكان هذا هو السبب الذى جعلها لا تستسلم للحب طوال فترة بقائها في الولايات المتحدة...وبعد طول انتظارها ها هو ذا الحب يطرق قلبها أخيرا.. - أنت جميله...جميله جدا يا تيرى... - حقيقة ؟ - نعم? ...وهذه هي مشكلتي. فجاءه ودون سبب واضح نهض واقفا واتجه صوب النافذة وأدار لها طهره وظل صامتا. - راف... ماذا حدث؟ لماذا تبتعد عنى هكذا؟ أريد أن اعرف?ماذا يدور فى رأسك. - لا يوجد شئ يجمع بيننا يا تيرى - ما أسخف ما تقول? ...انك لا تثق بي...هذه هي مشكلتك . - سوف تغادرين ليلانى في احد? الأيام. - إني لا اكف عن التكرار بأني سأبق هنا دائما ...لماذا تتعمد عدم? تصديقي؟ - أنت تعتقدين ذلك الآن ولكن سوف تتهاوى أوهامك سريعا. أن ملكيتك لـليلانى لن تعنى لك شيئا في القريب العاجل... نحن نجتاز أزمة طاحنه هنا... -? أنا اعرف ذلك ولست خائفة يا راف . -ولكن ذلك سيحدث عما قريب سوف تبدو لك?سان فرانسيسكو كالجنة بعد فترة قصيرة من الوقت...ثم هناك لارى. -لارى مرة أخرى ..إني اعمل عنده ولا شئ غير ذلك ...حقيقة إن وظيفتي مجزيه ..ولكن ليلانى هي التي أريدها الآن. - هل هو رئيسك في العمل فقط يا تيري ....أليس من الغريب أن يختار هذا الوقت بالذات ليأتي لإفريقيا ؟ ....هل كنت تخرجين معه ؟ - أحيانا.? - هل قبلك....?مثلى؟ وتفجرت براكين غضبها وتقدمت وهى رافعه يدها . إنها لم تكن تريد في حيرتها ودهشتها غير شئ واحد ....إيلامه وامسك راف يدها بقبضه حديديه . - إني لست من? ذلك النوع من النساء ...لست امرأة سهله يطمع فيها الرجال إن ذلك ما تود أن تؤمن به لكي تحتقرني بضمير مستريح ...وحتى إذا كان الأمر كذلك فانه لا يعنيك في شئ .... - تيري...? - لقد كنت خاطبا يا راف ومع ذلك فانا لم الق عليك اى سؤال محرج. - ماذا تريدين أن تعرفي ؟ - لا شئ ...اذهب إلى الجحيم ...إن حياتك لا?تهمني في شئ . إنها كذبه كبرى من جانبها...ولكن كيف كان يمكن لـراف ان يعرف ذلك؟ واتجهت تيري إلى الباب دون أن تنطق بكلمه أخرى ولم تلتفت لترى للمرة الأخيرة الرجل الواقف بجانب النافذة ...إنها لو فعلت ذلك لتوقفت من غير شك فقد كان الحزن الشديد يكسو معالم وجهه والدموع تنهمر من عينيه ... استمرت تيري فى القيام بمهامها الكثيرة في ليلانى لعده أسابيع حتى وصل آل مولمان . - ما?أسعدني برؤيتكم ؛ وتقدمت تيري وعلى وجهها ابتسامه عريضة ماده يدها صوب إد . وأشرق وجه هذا الأخير الذي تتوجه هاله من الشعر الأبيض - هل يمكن أن تكوني? ... - نعم...أنا تيري. وأسرعت بياتركيس زوجه مولمان وقد بدت عليها البهجة واحتوت تيري الصغيرة بين ذراعيها . - كنا في غاية الحزن لمجيئنا إلى? هنا.....فلقد اختفى ستيوارت...ولم تعد ليلانى هي ليلانى ولكن ما دمت هنا .... هل جئت للاستقرار هنا يا تيري ؟ - لقد ترك لي جدي نصيبه في ليلانى.? ?- وأمك؟ - لقد تزوجت الآن وهى تعيش في الولايات المتحدة.? - لا أكاد أتصور كيف? مر الوقت بهذه السرعة .لقد كنت صبيه صغيره في المرة الأولى التي جئنا فيها إلى هنا . - دائما مرة واحده كل سنه!? - وسنظل أمناء على ذلك حتى الموت!? كان آل مولمان بمثابة البلسم على قلب تيري ...لقد بدا بمجرد وجودهما التوتر الشديد القائم بين راف وتيرى منذ تلك الليلة التي لا تنسى في البانجالو . إن غالبيه زبائن ليلانى كانوا يظلون غرباء بالنسبة لملاك الضيعة... ولكن هذان الزوجان كانا مختلفين ...كانا صديقين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان .وكانا , من وقت لآخر , يدعوان راف وتيري لقضاء السهرة معهما بعد العشاء وكان العدوان ينسيان ,في إطار هذه الصحبة خلافاتهما وينخرطان في حوار ودي و عادى . كان راف كثيرا ما يتحدث عن مشاكل استغلال الضيعة وأثار الجفاف الذي يعصف بكل شئ وما ترتب على ذلك من نقص عدد العملاء . كانت تيري قد نجحت في العثور على طاه جديد كما عثر راف على مرشد جديد ولكن كان عدد العمال ما زال لا يفي بانجاز كل الأعمال المطلوبة خاصة خارج المعسكر ....وكانت تيري تحس أحيانا عندما يتحدث راف مع آل مولمان انه يعنيها هي بحديثه. وفى إحدى الأمسيات عندما استأذنا من ضيفيهما استوقف راف تيري قبل أن تدخل البانجالو . - ما رأيك في القيام بنزهة معي غدا ؟? ودهشت تيري?ونظرت إليه في ريبه لقد كان متجهم الوجه كعادته في الأونه الأخيرة ولكنه كان يبدو متلهفا لقبولها دعوته . - هناك مفاجاءه أريدك أن تشاهديها.? - أنا لا استطيع أن أقاوم المفاجآت...!
الفصل السابع
- هل ستقول لي أخيرا إلى أين نحن ذاهبان؟ - تذكري أنها مفاجأة ! وعلى الرغم من محاولته أن يبدو غامضا فقد رسم على شفتيه ابتسامه عريضة...كانت هي الأولى منذ أيام طويلة مضت.. وابتهجت تيري لرؤيته وقد تخلى عن توتره وعصبيته وراحت تفكر بينها وبين نفسها لقد كانت وطنت نفسها على الحياة في حرب دائمة معه... يا تري هل حان الوقت لعقد هدنه ولو مؤقتة ؟ وراحت تدقق النظر فى الطريق الذي يسلكه راف ولكن هذا الأخير انحرف فجاءه في شبه زاوية قائمه دون سابق إنذار وراحت السيارة تقطع الطريق الآن داخل الغابة وتتقدم في بطء وهى تهتز باستمرار لارتطام عجلاتها بالأرض غير الممهدة وكان راف يحاول قدر المستطاع تفادى الأشجار الضخمة وتجمعات الأشواك والنباتات البرية. وقالت تيري وهى تحاول أن تخفى دهشتها : - كنت اعتقد أن الحذر يستوجب? عدم البعد عن الطريق الرئيسي ...ولكنها أوامر القائد.... - وماذا يفيد أن يكون? المرء قائدا أن لم يستطع أن يخالف القواعد؟ فجاءه ظهر أمامها سهل فسيح تري فيه جماعات من الزرافات وأوقف راف المحرك واتجه صوب تيري -والآن ....ما? رأيك؟ -إنها حيوانات رائعة يا راف ....كم تبلغ من العمر؟ -الصغار لا? يتجاوز عمرها عدة أيام. -هى قادرة على المشي.....ما أروع ذلك.? - انها ليست? كبني البشر يا تيري . -هذا صحيح... ولكن انظر إلى سيقانها....إنها طويلة ...ثم?أود أن التقط بعض الصور. -خذي... لقد أحضرت معي آلة التصوير. - انها آلتي? ..أين وجدتها .. كنت قد تركتها على المنضدة. - لقد دخلت في سريه إلى? غرفتك..! -ألا تحس بالخجل يا راف ماتياس ؟ لم يكن في مقدور تيري ان تشعر بالغضب تجاهه عندما يكون هادئا رقيقا كما هو الآن وأخرجت تيري آلة التصوير وراحت تلتقط عشرات الصور للحيوانات التي كانت تتهادى في سيرها غير عابئة بشئ وعندما انتهت عادت إلى رفيقها.ولدهشتها رأته ينظر إليها بإمعان واهتمام وكانت عيناه تلمعان ببريق غامض لم تجد له تفسيرا. - لماذا عرضت على القيام بهذه النزهة ياراف ....أرجو أن تقول لي السبب الحقيقي. وأجاب بهدوء تام : - كعربون للسلام?...وكذلك لأقدم لك اعتذاري...... لقد كنت بغيضا في معاملتك في المدة الأخيرة. وخيل إلى تيري أنها تسبح في حلم جميل.لقد كانت تريده منذ زمن طويل, أن تلقى عليه بعض الأسئلة لتعرف سبب جفائه وتباعده عنها ....ولكنها صمتت فلم يكن قد انتهى من كلامه بعد. - كان عندك كل الحق لتنفري وتغضبي ...لقد أهنتك ....ولم أكن? اقصد ذلك ....أنت جميله يا تيري .....وليس هذا خطأك ...أنا احبك....ولكن هذا يبدو لي مستحيلا.. هل آذيت شعورك دون أن ادري أو اقصد؟? - نعم ومع ذلك فمن السهل? أن اعتاد على ...على الحفاظ بك إلى جانبي. راف ...أنا أريد أن امكث هنا ..لا? يمكنك أن تشك في ذلك الآن. - أنا آسف.? - سوف تصدقني في احد الأيام.? - ربما .أريد أن نصبح? أصدقاء من الآن فصاعدا. - وأنا أيضا.? - حسن جدا.. اربد أن يكون كل شئ واضحا?أمامنا قبل أن ارحل . واستبدت بها الدهشة وتراجعت عدة خطوات إلى الوراء ..وتابع راف تفسيراته : - انه أمر يخص المحامى ...فهو يريدني هناك لإنهاء بعض التفاصيل? ....وبهذه المناسبة أنا في حاجه إلى توقيعاتك. - متى سترحل ؟? - بعد غد ولن?أغيب أكثر من أسبوع ...سوف تنجحين في التصرف بمفردك ...أنا واثق من ذلك . - لن? تكون هناك مشاكل...! بدأت تفتقد وجوده بشده . ولكن كان أمامها الكثير من الأعمال الواجب انجازها في مواعيدها المحددة ولهذا لم تتح لها فرصه التفكير في أحزانها . وكانت في كل مره تشعر بالوحدة تذهب لزيارة آل مولمان فقد كانت تجد الراحة والسلوى في صحبتهما . كان اد وبياتركيس يقضيان أجازه ممتعه. كانا يستيقظان مع الفجر ليتمتعا بمنظر بزوغ الشمس الفريد وللاشتراك في الجولة الصباحية ويعودا وقد هدهما التعب فيستسلمان للراحة حتى موعد طعام الغداء. منتديات ليلاس وكان اد دائم القراءة في كتبه الكثيرة التي احضرها معه بينما تستسلم بياتريكس لأشغال التريكو فكانت لا تنتهي من بلوفر حتى تبدأ في الأخر لكي تقدمها - بعد الأجازة – لأحفادها وكان اد يحلو له أن يلقبها بالجدة المخرفة ؟... وكانت بياتريكس تجد لذة لا توصف في عرض صور أحفادها لكل من يصادفها ...ثم تنظر بحب هذا هو جان انه ملاك صغير لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات . ثم تنظر بحب لصورة آخر العنقود وتبتسم تيري في حنان : - إنها جميله جدا .....إنهم جميعا ظرفاء.? - إن جميع الجدات يقلن ذلك عن?أحفادهن ...كم أود أن أراهم . - أنا أفهمك.? - ان كل طفل ينتظر هديته بصبر? نافذ... بعض ذكريات المنطقة. للأسف إننا لا نمتلك حانوت لبيع الذكريات في ليلانى . - يجب إن نبحث عن احد هذه الحوانيت في طريق عودتنا ...إن ذلك سيسعد الأطفال? كثيرا. وراحت بياتريكس تستعرض ما لديها من صور وتعلق على كل منها بعبارات طويلة وهى دائمة الابتسام ولكن تيري كانت قد انصرفت عنها بتفكيرها . بعد تناول فطور اليوم التالي ذهبت تيري للبحث عن آل مولمان ووجدتهما في مكانهما المفضل في الشرفةاد مستغرق في القراءة وبياتريكس مشغولة بالتريكو... - أريد منكما خدمه جليلة.? ونظرا إليها وهما يبتسمان. - اعرف أنى أثقل عليكما بطلبي هذا ولكن هل يمكنكما رعاية?الأمور في ليلانى خلال يومين ...ليس هناك أعمال كثيرة يتطلب انجازها في الوقت الحالي ....إن الطاهية الجديدة ممتازة وعدد السائحين قليل في هذه الأونه ....ويكفى جوشوا للقيام بخدمتهم. - بكل تأكيد؟ ولكن إلى أين ستذهبين؟? - إلى المدينة .? هل تتذكران حديثنا عن حانوت الذكريات ؟ لقد أعطيتماني فكره عظيمه. حانوتا يحوى بعض المنتجات المحلية الصغيرة والبطاقات البريدية ....ويحوى كتبا عن الغابات والحيوانات وخرائط عن المنطقة وضواحيها ...بعض الأواني الفخارية والخواتم والأساور التي يقوم بصناعتها نساء القبائل و.... - ما أروعها من فكره !ولكن ألا يجب أن? تنتظري عوده راف ؟ - كلا ...سوف يكون ذلك مفاجأة له . انه يعتقد أنى لا أحب? الحياة في ليلانى وسوف اثبت له العكس.... إن فكرة بيع الذكريات فكره رائعة وكلما زاد تفكيري فيها زاد اقتناعي بها وإنني واثقة أننا في حاجه ماسه إلى هذه التجارة هنا.... ولقد وجدت المكان المناسب لها ..هل تعرفون الغرفة الصغيرة القريبة من المكتب؟ - فكره سديدة? - كما أنى سأحاول العثور على بعض الزبائن لليلاني .? لقد تعلمت الأمور الخاصة بالتنمية السياحية ....ويجب أن استفيد من كل ذلك . - إلى الأمام يا تيري ....اذهبي ولا يساورك اى قلق فحتى إذا جاء بعض العملاء فان اد سيستطيع القيام بدور المرشد ....لقد كان دائما يحلم بذلك... ولم تمض ساعة?حتى كانت تيري قد غادرت الضيعة .وعند الظهر كانت في المدينة وقامت بحجز غرفه لها في احد الفنادق . آه لو علم لارى ...أنها تعلم انه سيزهو فخرا بها ...ولم تفقد دقيقه واحده من وقتها . كانت خطتها جاهزة :لقد أنجزت الكثير فور اتصالها تليفونيا بأحد كبار تجار المصوغات المحلية... وقد تقرر أن تذهب للقائه في مؤسسته بعد ظهر اليوم نفسه. وبهرها ما رأت هناك من معروضات يدوية دقيقه الصنع وجهزت قائمه بالتحف التي أعجبتها من صور مائية ...تمثل مناظر المنطقة ...محفورات من الخشب لمختلف الحيوانات ...أوان من الفخار وفازات من الزجاج الملون والعديد من الحلي مصنوعة من الخامات المحلية . - أريد أن اخذ كل هذه الأشياء.? وابتسم صاحب المحل : - عليك أن تختبري أذواق زبائنك ...فكرى بعض الوقت ثم اتصلي بي? تليفونيا وسوف ابذل كل جهدي لتجهيز طلباتك في اقل وقت ممكن. وكانت وقفتها الثانية أمام احد محلات أل تى شيرت الملون والمزركش بمختلف الرسومات الغريبة التي تجذب النظر واخبرها صاحب المحل وهو شاب ضاحك ودود انه هو الذي يقوم بتصميم رسومات معروضاته مستوحيا إياها من معالم البيئة , وشرحت له تيري ما تريد تى شيرت مرسوم عليه وجوه اسود ومكتوب عليها بالخط العريض كلمه ليلاني وحددت له ثلاث مقاسات وستة ألوان. - متى يمكنني الحصول عليها . - غدا بعد الظهر . - حسن جدا . ومضت الساعات مسرعه بدون أن تشعر بها تيري وعندما عادت أخيرا إلى غرفتها ألقت بنفسها على احد المقاعد وقد هدها التعب......إذا تم كل شئ كما تريد سيكون حانوتها مليئا بالسلع التي تستهوي جميع الأذواق . وانتظرت في صبيحة اليوم التالي افتتاح المحل بصبر نافذ. وبعد أن تعاقدت على جميع طلبياتها وقامت ببقية مشترياتها سحبت من درج سيارتها ملفا ضخما استعدادا للمرور على مكتب السفريات. وصادفها الحظ وقبل معظم ملاك هذه المكاتب طبع أفيشات سياحية لـليلانى .....ولم يبق الآن إلا حضور الزبائن. وعادت في صبيحة اليوم التالي مبكرة إلى ليلاني وسيارتها محمله بكل ما ابتاعته في جولتها السريعة....كم كان من الصعب انتظار راف لتفاجئه بكل هذا. ابتسمت تيري أمام صورتها في المرآة وهى تمشط شعرها . كان الجو ليلا ولا تكاد العين تري ما يقع وراء النوافذ.وكانت النيران مشتعلة في أماكنها المعتادة حول المعسكر وكان الزوار يجلسون من حولها وهم يتناولون أكواب الشراب المثلج وكانت أصداء أصواتهم تملا جو المكان. كان يوم الاثنين هذا ذا فائدة قصوى لـتيري فبعد جولتها الصباحية مع السائحين ومرشدها الجديد عكفت على العمل في مشروع حانوتها الجديد . لقد أصبح المكان يشد الانتباه بعد أن رتبت فيه تيري ما حصلت عليه من سلع . - قولي لي ما سبب هذه الابتسامة المشرقة. - راف ! وهبت واقفة وقلبها ينبض بشده. - لم أكن اعلم انك عدت . - لقد أحضرت لك شيئا أرجو أن يعجبك. ووضع يديه على كتفي الفتاه العاريتين وأدارها صوب المرآة . واخرج من جيبه لفه صغيره وفتحها واخرج منها سلسله من الذهب وضعها حول عنقها وهو لا يفارق نظراتها في المرآة - لقد اكتشفته في واجهة احد محلات المجوهرات وأدركت فجاءه انه يجب أن يكون لك... أن لون أحجاره الخضراء تلائم عينيك تماما. - شكرا يا راف .. - إن رؤيته حول عنقك هو الشكر الوحيد الذي أصبو إليه يا تيري - ولكن متى عدت ؟ -منذ عدة دقائق فقط ...لقد قال لي مولمان انك سوف تلحقين به وبزوجته ...وقررت أن أكون فارسك الذي يقود سيدته الجميلة إلى هناك. وساد بينهما الصمت برهة وراح راف ينظر إليها باشتياق وضمها إلى صدره وهو يقول : - لم اكف عن التفكير فيك طوال الوقت . ? - وأنا أيضا. وانحنى قليلا وأطبق بشفتيه على شفتيها في سيمفونية رائعة سريعة الإيقاع. واستطاعت تيري أن تنطق أخيرا بهذه الكلمات : - إن اد وبياتركيس ينتظران وصولنا . كدت أنسى? ذلك تماما. عاشت تيري هذه الليلة هائمة فوق السحاب ..راحت تتناول طعامها بطريقه آليه ولم تشارك في الحوار وكانت تستمع لما يقال بأذن لاهية. كانت عيناها لا تفارقان وجه راف ..ذلك الوجه الذي يغلفه الغموض في جو الغرفة الذي غير أضواء الشموع .. وكان يحدجها بنظراته , من وقت إلى أخر ويبتسم لها في حنان . أن صمت تيري لم يقلل من بهجة السهرة ...لقد قص عليهم راف أحداث يومه في جوهانسبرج أما اد وبياتريكس فلم يكفا عن الحديث عن مغامرتهما. وكانت أضواء الشموع تنطفئ مؤذنه بانتهاء السهرة.... لقد حان الوقت ليخلد الجميع إلى النوم. وسارا راف وتيري وقد تشابكت أيديهما ولما اقترب من المكتب توقفت تيري قائله : -? أريد أن اريك مفاجأتي أنا الأخرى. - ألا تفضلين الانتظار حتى الصباح ؟ هل يمكنها أن تصبر لتريه ما قامت به من عمل ...مستحيل....وأخرجت تيري مفتاحا من جيبها وفتحت الباب ببطء شديد وأضاءت النور . وسألته وقد غمرتها السعادة : - ما رأيك ؟ سحب راف ذراعه من حول خصرها دون أن ينطق بكلمه وساد الصمت ثقيلا في الغرفة الصغيرة . وراح يتفقد الأرفف الواحد تلو الأخر وهو يدير ظهره لـتيري . وبعد لحظات خيل إليها انه عاد إليها . وراحت تيري تترقب ظهور ابتسامه إعجاب على شفتيه ولكن التعبير الذي رأته على وجهه جمد الماء في عروقها ...وارتدت خطوة إلى الوراء. واستطاعت أخيرا أن تهمس : - راف ....ألا يعجبك البوتيك...؟....أنا واثقة انه حاز إعجابك . - أنت تمزحين من غير شك ....هذا على الأقل ما أرجوه . وتجهم وجهه وأصبح وكأنه قد من صخر وهو يقول : - تيري كيف جرؤت أن تفعلي ذلك من وراء ظهري ؟
---------------------------
الفصل الثامن
- هل انت غاضب؟ - من الواضح انني كذلك! - لقد اردت ان اقيم بوتيكا لبيع الهدايا والتذكارات. وبدأت عيناها تمتلأن بالدموع. - كنت واثقه ان الفكره ستعجبك. - لماذا اذن انتظرت غيابي لتحقيق هذا المشروع السخيف - لقد كنت فقط اريد ان اقدم ك مفاجأه ، وبدأت الدموع الآن تنهال عل خديها وراحت تمسحها باصابعها المرتعشه. - لا تلجئي الى سلاح الدموع لتزيدي الامور سوء - انا لا ابكي. كانت عواطفها الجريحه تمزقها من الداخل. لقد تبدد في عده لحظات سحر هذه الليله وكأن ما كان لم يحدث. - اني امرك ان تتخلصي غدا من كل هذه السخافات. - لن افعل.. وليس هناك ما يضطرني الى ذلك. ، لقد حل الغضب الان محل خوفها على نبذه لها من جديد. - لا تعتقد انك تستطيع ان تصدر الاوامر يا راف انا لست خادمتك ولكني شريكتك.. يجب ان لا تنسى ذلك ابدا. - انا لا انسى شيئا فيما يخصك يا تيري وارجو ان تنسي كل ما حدث بيننا الليله. واحست وكأنها اصيبت بلطمه قويه. وحاولت بكل قوتها ان تتفادى الالم الذي اخترق قلبها كطعنه سكين من جراء هذه الكلمات. - نحن اثنان في هذا المشروع سواء اردت ذلك ام ابيت. لقد اتهمتني اكثر من مره ان هذا لا يرضيك ولهذا اردت ان تشتري نصيبي. - ان شركتنا لن يكتب لها النجاح ولا الاستمرار..وهذا – واشار باحتقار الى محل الهدايا – يثبت انني على حق. - هل تتفضل باخباري عن السبب. - ان طريقه تفكيرنا متناقضه تماما.. اولوياتنا وقيمنا.. ليس هناك شيء مشترك فيما بيننا. - هذا ليس صحيحا.. اننا نحن الاثنان نحب ليلاني..اليس هذا كافيا؟ - على الاطلاق..ستكون هناك نزاعات دائمه بيننا. - افهمني جيدا يا راف ليس في نيتي ان اترك لك مكاني ويجب ان نقرر نحن الاثنان ما هو لازم وضروري لـليلاني ..وهنا ستلتقي طرقنا. - ان الافضل لـليلاني ليس له نفس المعنى بالنسبه لك وبالنسبه لي. - ربما...ولكن ذلك لا يعد بالضروره امرا سيئا...قد يضيف ذلك بعض الديناميكيه للمشروع. وتقدم خطوه نحوها مهددا وقبض على كتفيها بقوه وهو ينظر اليها بازدراء. - ان ليلاني تموت بمشاكلها يا تيري.. مشاكل عسيره الحل..الحيوانات تنفق بالعشرات كل يوم..دون الماء كل شيء يختفي. ان حفرنا للآبار الجديده واقامه السدود كل ذلك لا فائده من وراءه...يجب ان نفعل الكثير اكثر مما نقوم به لان..غدا سوف اعود الى الينابيع التي جف ماؤها مع الرجال وسنحاول انقاذ ما يمكن انقاذه من الحيوانات ولكن ليس عندي ما يكفي من الرجال والوقت لا يسعفنا للقيام بكل ما يجب القيام به. منتديات ليلاس وهمست تيري وهي لا تحاول تهدئه ثوره غضبها : - انت لا تعلمني بشيء جديد - لماذا اذا تشغلين نفس بمثل هذه المهاترات؟ - ان التجاره ليست بالمهاترات يا راف ان ليلاني تتمتع بموقع سياحي فريد وتعتبر منطقه جذب للسياح. - فليكن الامر كما تقولين..دعيهم يتمتعون بجمال الطبيعه ويتأملون الحيوانات في اثناء زيارتهم. بدأت تيري تشعر باليأس لاقناعه بوجهة نظرها. لقد ترعرع راف بين احضان المدرسه القديمه..ان التسويق في نظره شيء لا جدوى من وراءه..ولكن اذا اريد ان يكتب لـليلاني الحياه فيجب اتباع سياسه جديده لجذب الزائرين. - ليس هناك غير الحيوانات في المعسكر..ان الناس يجيئون الى هنا ليمضوا اجازه حقيقيه. - نحن نقدم لهم كل ما يطلبون. - اتعتقد هذا حقا يا راف؟ لماذا اذا كل هذه الغرف الخاليه في المعسكر؟ - سيأتي وقت وتمتلئ هذه الغرف بالزبائن. - ان لا اعرف الكثير عن الابآر الجافه والطواحين وغير ذلك..وسوف اتعلم ذلك قريبا ولكني اعتقد ان البوتيك يلبى رغبات الزبائن..وان ليلاني سوف تستفيد من ذلك كثيرا. - كان يجب ان تحدثيني عن هذا المشروع قبل ان تندفعي هكذا في تنفيذه وانت مغمضه العينين. - كنت اريد ان افاجئك عند عودتك..هل هذه جريمه؟ والتقت بغضب تي شيرت وطوح به بعيدا وهو يزمجر بكلمات غير مفهومه. - ان هذه الاشياء التافهه مكانها صندوق القمامه..انها اهانه لـليلاني ان التجاره ليست كل شيء يا تيري ان جدك لم يكن يرد ذلك. وبذلت تيري مجهودا فوق العاده لتخفي دهشتها امام هذه الافكار العقيمه. - لقد تغيرت الاوقات يا راف وكذلك اذواق البشر..ان الاطفال يعشقون ارتداء الـتي شيرت ثم انظر الى هذه الاواني الفخاريه..ان السائحون يتسابقون لاقتناءها. كان من الواضح ان الشجار سوف يطول امده..هل يجب ان تنكص على عقبيها وتتخلى عن النضال؟ وتعيد المشتريات الى اصحابها؟ لقد كانت واثقه ان بوتيك الهدايا والتذكارات سينقذ ليلاني..فالتضرب اذا صفحها بثوره راف الذي لا يريد ان يفهم شيئا وتمضي في طريقها قدما. ومع ذلك انقبض قلبها عندما رأت على وجهه تعبيرا هو مزيج من الحزن والغضب. لابد انها ستستمع مره اخرى الى كلمات قاسيه مهينه. كان راف يقف امام بوستر كانت قد صممته بنفسها ثلاثه ليالي في ليلاني والليله الرابعه بالمجان! ولم يطل انفجار غضبه : - ماذا يعني هذا بحق السماء؟ كانت تيري تعلم عدم جدوى ما يمكن ان تقوله ولكنها حاولت مع ذلك. - نوع من الدعايه يمكن ان يجذب السياح. - واين وضعت هذه الاعلانات؟ - في مكاتب السياحه والمحال الكبرى..سوف يراها الجميع وسيحاولون الاستفاده من العرض. - انا لا اظن.... - انه موضوع درسته جيدا يا راف..انا خبيره بعالم الدعايه والتسويق. - لم اكن اظن انك سوف تجرؤين على تنفيذ ذلك هنا. - دعك من العناد وعندئذ ستقدر قيمته. - لا...انت تهدمين مشروع ستيوارت دون ان تترددي لحظه واحده....... - هذا غير صحيح..كان جدي يعلم بان ادارتي ستكون مختلفه..لقد ترك لي ليلاني وهو على علم بذلك. وتطاير الشرر من عينيه وجاهدت تيري لتتماسك ولا يصيبها الانهيار. - ان هذا الحوار لن يوصلنا الى شيء. - معك حق. وخطا راف عدة خطوات وقال عندما وصل الى الباب : - عودي الى امريكا يا تيري...انت لا تنتمين الى ليلاني واجابت وهي تحاول كبت مشاعرها : - سوف ابقى في ليلاني سواء قبلت او رفضت يا راف..سأبقى رغم كل الظروف. وفي فجر اليوم التالي غادر راف ورجال المعسكر لكي يحاولوا انقاذ الحيوانات المعرضه لاخطار الجفاف. وكذلك فعلوا في اليومين التاليين . كانت جماعه العمل تتكون قبل موت ستيوارت من ثمانيه رجال واحيانا اكثر من ذلك بقليل اما اليوم فان عددهم لا يتجاوز السته. لقد شعر الهاربان –المرشدان السابقان- بالاكتفاء بالذي تركه لهما ستيوارت ..ولم ينجح راف حتى الان في العثور على بديلين لهما. كانت الشمس ترسل اشعتها الحارقه طوال اليوم والجمر الملتهب يجثم على ليلاني وضواحيها وكانت السحب تغطي السماء بعض الوقت فتهدأ الحراراه حيث يسود الظل وراحت تيري تنظر في جميع الاتجاهات امله ان تسقط الامطار اخيرا. في احدى المرات تساقط رذاذ خفيف ولكنه لم يكن كافيا لاطفاء ظمأ الارض..تلك الارض التي بدأت تفقد حياتها شيئا فشيئا...حتى النباتات الشوكيه بدأت تذبل ويصفر لونها..وكان الرجال يعودون كل مساء وهم صامتون واجمون وقد انهكهم التعب.... لم يحدث اي تقارب بين راف و تيري خلال هذا الاسبوع..انه لم يطالب بغلق بوتيك الهدايا وكأن هذه التفاصيل التافهه لم تعد تهمه في شيء. وكانا يتحادثان بالكاد ويتحاشى كل منهما الاخر في المعسكر. ولم تعد تيري تدري كيف يمكنها هدم الجدار الذي اصبح يفصل بينهما ويعلو يوما بعد اخر. وان الصمت يثير حزنها وحنقها معا. وفي احدى الامسيات كانت تيري واقفه عند الساحه المخصصه للسيارات منتظره عوده الجيب التي نحمل عمال الجفاف..ولاحظت ان هناك رجلا ينقص في المجموعه. وجمعت شجاعتها وتقدمت صوب راف : - هل اختفى جون؟ - نعم... - هل قرر ان يتركنا بلا عوده؟ - يبدو ذلك. - وماذا ستفعل؟ - لا ادري ، كان صوته مثقلا بالتعب مما اثار حزن تيري - يبدو عليك الاجهاد الشديد يا راف يجب ان تستريح - هذا مستحيل...سوف اجد رجلا اخر. - هل يمكنني مساعدتك؟ لقد كررت على مسمعه هذه الجمله عشرات المرات. وكان راف يرفض دائما عرضها بجفاء..وهذا ما حدث الليله ايضا . - وماذا في مقدورك ان تفعل؟ وراح راف ينظر بامعان الى ملابسها الانيقه: الجيبه الرماديه اللون المصنوعه من الحرير الطبيعي والتريكو الذي تغطيه الوان قوس قزح - تيري انت رائعه هذا المساء ، لا يا تيري انني ارفض تماما مساعدتك. ومع ذلك فقد قررت الفتاه في طريق عودتها الى البانجالو ان تبذل مساعدتها رضي ام ابى. عندما اقترب راف من السياره الجيب في صبيحه اليوم التالي وجد تيري مرتديه بلوزه وبنطلونا من الجينز..مستعده لمزاوله العمل حيث يدعوها ذلك. - ماذا تفعلين هنا بحق السما؟ - سأذهب معك. - لا..لن تفعلي - بل سأذهب. وراحت تزيل بيدها خصله من شعرها متهدله على جبينها, كانت ما زالت مبلله من دش الصباح. كان وجهها يشع جمالا حتى في ضوء الفجر الباهت. - لن نقوم بلعب دور السائحين يا تيري - انا لست سائحه..سوف يحضر تيم وسيتبعه بقيه الرجال..هل تريد ان يرونا ونحن نتشاجر؟ - عودي الى بيتك. - انا اعلم انك تبغض ان اتغلب عليك في الحوار امام رجالك..لن ارحل. - انت لا تطاقين..! - عندما تحتم الامور ذلك. - سيكون هذا اليوم شاقا يا تيري - هذا لا يخفيني. وظلت جامده تحدق فيه بعينين ثابتتين..وتلاقت نظراتهما وادهشتها رؤيته وهو يبتسم. - اين وجدت هذه الملابس بحق الشيطان..انها فضفاضه مهترئه. - اذا لقد قبلت مجيئي معك. - انا لا املك خيارا اخر..وهكذا الامر دائما معك. - راف ، وبدأ قلبها يدق بشده. - اصعدي الى السياره ولكني انذرك..ان احدا لن يعود بك الى المعسكر اذا استبد بك التعب. بعد مسير حوالي الساعه وصلوا الى مكان المأساه حيث كانت توجد بقايا بئر ماء ولم يكن هناك غير ارض جرداء مشققه عصف بها الجفاف. كانت الشمس عاليه في كبد السماء عندما اوقفوا السياره. وفتحت تيري عينيها على سعتهما على منظر ملأ قلبها رعبا كانت حيوانات مختلفه منتشره في كل مكان لا تكاد تقوى على السير تبحث في يأس عن شربه ماء..كانت حوافرها تغمرها الدماء من كثره المسير وكانت تجذب اليها جماعات كثيفه من الذباب. - يا له من كابوس..كنت اعلم انه امر مروع ولكن ليس بمثل هذه الدرجه. - اعلم انه من الصعب تخيل ذلك - هل يمكنكم انقاذها جميعا؟ - لا.. ولكن اكبر عدد ممكن..سوف نخرجها الواحد تلو الاخر من ها الجحيم ثم نحملها في اقفاص ونضعها في الشاحنات وننقلها الى حيث توجد آبار المياه الصالحه. وساد صمت ثقيل في جو السياره. كان الرجال يستجمعون شجاعتهم لبدء يوم جديد من العمل. وكان راف ينظر في صمت الى تيري...اما الفتاه فلم تكن قادره على ابعاد عينيها عن المنظر المروع الذي يمتد امامها ومن حولها. واخيرا فتحت باب السياره واستعدت للنزول. - وماذا ستفعلين الان؟ - انا لم احضر الى هنا للتنزه يا راف ولكن لمساعدتكم. - لا...سوف تمكثين في السياره. -راف لن نبدأ هذا النقاش من جديد..انا قادره على عمل شيء آخر غير اداره بوتيك ليع الهدايا والتذكارات..دعني وشأني - انا اسف اذا...... - دعك من اسفك لوقت اخر..انت في حاجه الى سواعد اضافيه..وانا هنا مستعده للعمل. - سيكون الامر بالغ الصعوبه لدرجه لا تتخيلينها. - اذا سقطت منهاره فسوف اطلب المعاونه. شمرت تيري عن ساعديها وبدأت العمل وهي تقلد ما يفعله الرجال. كانت الحيوانات تحفر الارض بضراوه بحوافرها بحثا عن نقطه مياه وكان من غير السهل الامساك بها لانقاذها من مصيرها المحتوم. كانت تقاوم بكل ما بقي لها من قوه وغريزه البقاء. وكان الرجال يضطرون الى حقنها بمخدر حتى يستطيعوا حملها الى الشاحنات. وتوالت هذه العمليات لساعات طويله حتى لم يعد هناك المزيد منها..كان الرجال يعملون في جماعات اثنان او ثلاثه للحيوانات الصغيره واربعه او خمسه للحيوانات الضخمه..وتمت اخيرا الحموله الاولى..وقال راف : - سنشرب فنجانا من القهوه قبل مواصله العمل وسألت تيري وهي لا تكاد تشعر باعضائها : - هل هذه عادتكم دائما..ام انكم تفعلون ذلك... من اجلي؟ - ليس هنا مكان لتدليل احد يا عزيزتي..انا جميعا في حاجه الى فتره راحه. وفتح راف باب السياره وعاد بـالترموس والاقداح في الوقت الذي كان فيه الرجال قد اشعلوا النار في مجموعه من الحطب الجاف . وتناول كل منهم القليل من القهوه واستلقوا جميعا على ظهورهم للاسترخاء بعض الشيء وقد تعمدوا ان يبتعدوا بعض الشيء ليتركوا رافو تيري بمفردهما. - لابد انك منهكة القوى تماما - متعبه بعض الشيء - متعبه قليلا؟ توقفي عن العمل اذا بقيه لنهار. - انت تمزح من غير شك..لقد جئت الى هنا لاعمل. وتحسس راف خدها باصبعه في حنان : - لقد اثبت كفاءتك يا عزيزتي تيري ، كان يريد ان يبقي يده على وجهها تعبيرا لها عن امتنانه و..... - انا لا اريد ان اثبت شيئا يا راف..كل ما اريد هو مساعدتك..مساعدتكم جميعا. وانتهى الرجال من شرب القهوه وحان الوقت للتوجه الى نقطه الماء الصناعيه التي تقع بعد نصف ساعه من مكان وجودهم. وراح راف وهو مشغول بقياده السياره يشرح لها التفاصيل التي تريد ن تعرفها من يحفر الابار الجديد.. وكم تكلف.. والمجهودت اللازمه لتنفيذ ذلك..وخططه لمستقبليه لتوفير مياه الري. وبدأ سطح الماء الذي ظهر فجأه امام اعينهم كالواحه الظليله بعد المشاهد المروعه التي مرت بهم حتى الان..كانت بمثابه معجزه حقيقيه. واستمر تفريغ الشاحنه وقتا طويلا...واتجهت بعض الحيوانات الى الماء مباشره, اما البعض الاخر الذي كان مازال تحت تأثير المخدر فراح ينظر فيما حوله بعيون زائغه ولكن امكن في النهايه حمل جميع لحيوانات على تناول ما تحتاجه من ماء. اصبحت الحراره لا تطاق عندما عادت الشاحنه من حيث جاءت وعكفت تيري على العمل من جديد وخيل اليها انه اصعب عمل قامت به طوال حياتها..واحست عند الظهر عندما توقفوا لتناول طعام الغداء ان جميع عضلاتها تأن الما. - تناولي بعض الطعام يا تيري - لا اجد القوه لذلك - اشربي اذا..فحذاري من الجفاف. وتناولت كوبا من عصير الفواكه الذي قدمه لها ووضعته على شفتيها وهي تبذل جهدا خيل اليها انه خارق للعاده. - سأجد سريري بسرور بالغ هذه الليله. - يجب ان تتوقفي عن العمل الان فانت منهكة القوى تماما. - لا..... - هل تعملين على معاقبه نفسك. - ان الامر قاس بالنسبه للجميع...ومازال هناك عمل كثير يجب انجازه. - لن تستفيدي شيئا اذا سقطت مغشيا عليك. - ليس هذا في نيتي - اعرف هذا يا حبيبتي وشعرت بالفرح يجتاحها من الداخل لقد قال لها يا حبيبتي..قد لا يعني هذا الحنان شيئا ولكنه سوف يساعدها دون شك على تحمل بقيه النهار وكأنها تعيش حلما لذيذا...ان هذه الكلمه تكفيها لمجابهة كل ما ينتظرها من متاعب والآم بقيه فتره ما بعد الظهر. عندما غابت الشمس وراء الافق قرر راف ان يوم العمل قد انتهى. والقى الجميع باجسامهم المتعبه على مقاعد السياره. وراح الرجال يبتسمون لـتيري في حنان تعبيرا عن اعجابهم بشجاعتها وصبرها على المتاعب... كان اد ينتظر عودتهم الى المعسكر وهو يتحرق شوقا ليقص على مسامعهما كل ما حدث في ليلاني في اثناء غيابهما. وساعد راف تيري على النزول من السياره. ولم تقوا الفتاه على السير والارهاق قد كسا وجهها بالصفره والشحوب. - سأستمع اليك فيما بعد يا اد يجب ان اهتم بـتيري الان. وقالت بصوت واهن : - انا على ما يرام..واريد ان اسمع ما يقوله اد ورفض اد الذي اقلقه ذلك الارهاق البادي عليها واستندت الى ذراع راف الذي قادها البانجالو وما كادت تصل حتى ارتمت على اقرب مقعد صادفها. - سأجهز لك حمامك. -راف انا لا ارغب الا في النوم. - لا...سوف تشعرين بتحسن بعد حمام دافئ. وحاولت ان تعترض ولكنه قال لها: - لقد قمت اليوم بعمل يعجز عنه الرجال وانت في حاجه الى الاسترخاء يا حبيبتي. هذه الكلمه الحبيبه مره اخرى!..ترى ماذا يقصد بها؟ وقالت لنفسها: انها الجنه..وابتسم لها دون ان يتكلم. وعادت بعد الحمام وقد شعرت بتحسن كبير بالفعل وحملها راف بين ذراعيه ووضعها برقه فوق السرير بعنايه وكأنه يضع فيه طفلا مريضا. - يجب ان تنامي قليلا قبل حلول موعد العشاء. - ان الساعه تقترب من السادسه ولا اظن انني سأستطيع النوم. - بل ستنامين كالاطفال.... ولم يخطئ راف وعندما عاد كان الظلام يسود الغرفه. - راف... - كيف تشعرين الان؟ - افضل بكثير. لم اكن اتصور ان يكون للحمام مثل هذا التأثير.. واشعل راف المصباح المجاور للسرير - انت تستحقين كل رفاهيه العالم اليوم... - هل نمت طويلا؟ - ساعه تقريبا. وكان راف قد اخذ دشا بدوره وغير ملابسه. - لقد احضرت لك العشاء. - هل انقلبت الادوار؟ وضحك في مرح: - نعم..ولكن دون شجار ينهي السهره هذه المره.. كان راف قد احضر حساء ساخنا وبعض الفطائر المصنوعه بالزبده وراحا يتناولان الطعام بنهم وهما لا يكفان عن الحديث عن احوال ليلاني...وقالت تيري بعد ان فرغت من تناول الحلوى : - احس كأنني امرأه جديده. - لم احب المرأه الاخرى. - حقا؟ وماذا عن حقدك..وازدرائك؟ - انه عدم الرضا يا تيري وليس الحقد و لا الازدراء. - ومن ستصحب معك غدا..المرأه الجديده ام القديمه؟ - لا هذه ولا تلك.. ونهضت على مرفقيها من اثر الصدمه. - الا تريد ان اكون معك؟ ودفعها برفق ليريح جسدها على السرير. - اصغي الي..لقد اصبح لدينا الان طاقم كامل من الرجال. لقد انضم الينا ثلاثه رجال جدد..ويرجع الفضل في ذلك اليك... - انا لا افهم ما تعنيه. - لقد شاهدوك في اثناء العمل ولقد حزت على تقديرهم واحترامهم..انهم يجدونك شجاعه وصبوره على العمل. ان الاخبار تنتقل بسرعه في الادغال..لقد جاء تيم لرؤيتي منذ قليل وقال لي ان هناك ثلاثة رجال يتمنون العمل في ليلاني..ثلاثه رجال من ذوي الخبره والكفاءه يرون ان من الشرف ان يعملوا في خدمه امرأه مثلك.. وصففت تيري شعرها بيدها وقد تملكها الفرح : - انا مسروره للغايه. - لقد حزت على كل احترامي اليوم. كان هناك حنان غريب يشيع في عينيه ولم تجد تيري ما تقوله ردا على هذه المجامله. - انا مدين لك بملايين الاعذار يا تيري ان ما قمت به اليوم يؤكد حبك واهتمامك بـليلاني وانا سعيد..سعيد جدا بذلك..وفخور وخجول لما ابديته من عداء في الماضي. - راف..هل تزال تعتقد انني جئت هنا في الوقت المناسب لاجبر جدي على تغيير وصيته؟ - لا..ان هذه الافكار لم يعد لها وجود في تفكيري..لقد تغير كل شيء الان..حتى اذا كان وجودك في هذا الوقت بالذات بدا وكأنه مصادفه غريبه..! واساءها هذا التحفظ الاخير واضافت بصوت مرتعش : - لقد بدأت تقدرني على الاقل وهذا مكسب افخر به. - ان ما احسه تجاهك اكبر من التقدير بكثير. هذه الكلمات التي همس به في اذنها جعل قلبها ينبض بشده وغمرتها السعاده وتركت راف يحيطها بذراعيه ويطبع على شفتيها قبله طويله... - كم اريد ان ابقيك هكذا بين ذراعي الدهر كله..ولكنك متعبه وفي حاجه الى النوم.. طابت ليلتك يا حبيبتي....
الفصل العاشر
- يبدو انني افسدت كل شئ بمجيئي قبل موعدي المحدد.... وساد صمت ثقيل بعد هذه الكلمات ... وكان لابد ان تنتظر تيري بعض الوقت قبل ان تستطيع النطق . - لا ....ابدا يا راف ، ويبدو ان هذه الكلمات التي نطقت بها بصوت مضطرب قد ضاعفت من ثورة راف وغضبه فقد غادر المكان دون ان ينطق بكلمة واحدة ودون ان ينظر الى احد . وقال لاري متلعثما : - يالسوء الحظ .. لم تسمع تيري ما قاله . كانت تنظر الى ظهر راف وهو يسرع الخطا مبتعدا ان الله وحده يعلم ماذا استخلص راف من الكلمات التي نطق بها لاري - تيري انا اسف ..لم اكن اقصد ان اسبب لك أي ازعاج ..كنت اتكلم دون تفكير . - يجب ان الحق به . حاول ان يمنعها قائلا : - دعيني اذهب معك .. - لا ..... - سأعترف له انني فرضت نفسي عليك ..وأنك رفضت وجودي . - شكرا ....ولكن هذا امر يجب ان اعالجه بنفسي ... - أذا كنت واثقة من ذلك . - تمام الثقه ... -سأقول لرجالي ان يستعدوا للرحيل ..بعد نصف ساعة لن تجدي احدا منا هنا . - حسن جدا ... - انا آسف مرة أخرى لأن الأمور تطورت على هذه الصورة ..لقد كنت مسرورا جدا برؤيتك .. وأذا اردت العودة الى العمل رغم كل ذلك فمرحبا بك في أي وقت .. انني أحتفظ لك بوظيفتك دائما ... - لا يهمني ذلك في الوقت الحاضر . - لابد انه متأثر الأن ولكنه سرعان ما سيفهم الموقف على حقيقته . - ارجو ان تكون على حق . - هل سأراك قبل الرحيل ؟ - بالتأكيد يا لاري . ترددت تيري لحظة امام باب البانجالو الذي يقطنه راف ثم قرعت الباب وبمجرد سماعها كلمة ادخل أدركت ان مرجل الغضب يغلي في صدره . وتقدمت وهي وجلة خائفة . وجدته في غرفته يفرغ حقائبه ولم يعن حتى بالألتفات اليها . - صباح الخير يا راف ولم يجبها بغير هزة من كتفيه . وراح يطوح ملابسه قطعة وراء قطعه فوق السرير ويبدو ان الأبتسامة هجرت الى الأبد وأصبح مجرد التنفس عملية قاسية بالنسبة لها ... - راف انا اسفه . ظل صامتا وكأنه بمفرده في الغرفة . - اعلم ماذا أحسست به عندما وجدت لاري هنا ... ولأول مرة راح يحدق فيها .كان وجهه شاحبا متقلصا . لقد سبق لـ تيري ان رأته غاضبا ولكن ليس الى هذه الدرجه . - هل تدركين حقا ما أحس به يا تيري ؟ وأجابته بصوت مرتجف . - نعم ... ثم أستطردت قائلة : - وأريد ان اشرح لك كل شئ . ووضعت يدها على ذراعه ولكنه ابتعد بحركة مفاجئة . - اريدك ان تعرف ... - لا أريد ان اعرف غير شئ واحد ..عندما حادثك لاري تليفونيا في ذلك الوقت هل قلت له انني لن أكون موجودا ؟ - انت لاتفهم ...؟ - هل قلت له ذلك ..؟ - نعم .. ولكن... - هذا يكفي ... لا اريد ان اعرف المزيد .. - من فضلك .. دعني اشرح لك . - تشرحين ماذا بالضبط ؟ كانت عيناه مليئتين بالأحتقار . - انني افسدت عليكما استقبالكما الصغير !!انني لو كنت على علم بحضور لاري لما عدت ..كما كان متوقعا ... وأحست تيري باليأس يحل داخلها محل الغضب . - انت لاتريد ان تسمعني . - لست في حالة تسمح لي بذلك . وحاولت مرة اخرى - ان المظاهر كاذبة يا راف فــــ... - لقد قلت لــلاري بالضبط كم من الوقت سأكون غائبا عن الضيعه ولا أرى ما يمكن ان تضيفيه اكثر من ذلك .. ولم تتمالك تيري اذ نظرت اليه بقسوة فهي تعرف انها على حق ..لقد أصبحت غاضبة مثله تماما وربما أكثر ووضعت يديها في خصرها وهي تتحفز تحفز النمرة التي تتهدد الأخطار صغارها ...لا يكفي ان تكون مغرمة بهذا الرجل ..ربما يكون متيما بها ولكنه عاجز تماما عن ان يمنحها ثقته سواء بالنسبة للماضي او الحاضر او المستقبل .. ماذا يفيد الحب في مثل هذه الحالة ؟ ...ان الشك يقتل أي عاطفة مهما عظمت .. ولهذا فمن المستحيل ان تبني حياة مع هذا الرجل .. وقالت بصوت ثابت النبرات وهي تتحاشى حتى الأبتسام إمام دهشة راف : - يمكنك ان تشتري نصيبي في ليلاني . - ماذا ؟ - لقد سمعتني جيدا .. أليس هذا ما كنت تتمناه منذ البداية..منذ مجيئي الى هنا ..نصيبي في ليلاني .. ولما لم يجب استطردت قائلة : - دع أحد الخبراء يقوم بتثمينه ..اتخذ جميع الاجراءات الازمة ..وانا موافقة على كل شئ ...سأنتظر خطابك . - خطابي ؟ هل بالغت في الثقة بقوتها ...انها تشعر انها توشك على السقوط اعياء ... - سأعود الى الولايات المتحدة . - انه قرار مفاجئ .. - كان يجب ان اتخذه منذ فترة طويلة ..مادمت عاجزا عن منحي ثقتك ...لقد قلت لي منذ ايام ان شركتنا لايمكن ان تستمر وأن مصيرها الفشل المحتوم ..ولقد طال بي الوقت للأقتناع بهذا الرأي .. ولكنك على حق يا راف ..ان لاري ورجاله سيسافرون الى كروجر وسأذهب معهم .. وسوف ارسل لك بعنواني .. ويمكنك ان تبعث لي بعقد البيع .. وأضافت وهي تدع في سرها الا تخونها قدماها وتسقط على الارض . - وداعا ياراف . - هل انت واثقة من جدية اقتراحك هذا ؟ كانت هذه هي المرة الرابعة على الأقل الذي يلقي عليها لاري هذا السؤال . كان يبدو عليه القلق وهو يحدجها بنظراته باهتمام .. كان وجهها شاحبا بلون الرماد وعيناها حمراوين من أثر البكاء . - أنه قرار لارجعة فيه يا لاري ... والأن انصرف لا اريد ان اراك . - حسن جدا يا اميرتي ولكن لاتنسى انني مستعد للعودة بك الى ليلاني إذا غيرت رأيك . ان رؤية لاري في مثل هذه الظروف لابد وان يكون منظرا فريدا جعل تيري ترسم شبه ابتسامة على شفتيها المرتجفتين . وما كادت تراه حتى بادرت بقولها : - ان نيتي الخالصة في العودة الى سان فرانسيسكو .. وبالتأكيد بعد انتهائك من الفيلم . منتديات ليلاس - انا سعيد ولكن .. - لا تشعر بالذنب يا عزيزي. لقد كرر راف اكثر من مره ان شركتنا لن يكتب لها النجاح . - انني اعترف بخطئي لأنني ذهبت الى ليلاني في غيبته . - هذا صحيح . ولكن الأمر لم يكن ليتغير سواء كنت انت او غيرك ..لقد كان يجد دائما سببا صحيحا او ملفقا . ليمنحني ثقته ..وعلى أي حال لقد انتهى كل شئ الآن . وأخيرا وبعد عدة ساعات وصلت القافلة الى شوكوزا وهي المعسكر الرئيسي لمحمية كروجر الطبيعية .. كان لاري قد حجز غرفة لـتيري لقد كان المعسكر غاصا بالسائحين ولم يكن هناك بانجالو واحد غير محجوز ... ونزلت تيري من الشاحنه وهي تائهة في اجواء حزنها ..سوف تمضي ليلة اخرى في الغابة تهدهد سمعها أصوات الحيوانات والطيور.. والأسود .. ولكن ماذا سيكون عليه الحال دون راف .. ودون ليلاني لقد فقدتهما الى الأبد .. كانت شوكوزا اكبر حجما من ليلاني وكان السياح دائمي الحركة في القرية الصغيرة ..يحملون آلات التصوير والمناظير المكبرة ويراقبون الضواحي القريبة وهم منتبهون لأي صوت يصدر من وراء الأشجار او الأعشاب البرية . وكان الآخرون يتجمعون حول الحوانيت او يبحثون عن مكان لهم في احد المطاعم ..وكان الأطفال يجرون في كل اتجاه بينما يقوم أبائهم بشواء اللحوم على نيران الفحم في فناء المعسكر . وشعرت تيري بصداع صارخ يدق رأسها دقا بينما هي جالسة في مكانها تنظر الى لاشئ... وكان لاري ورفاقه منهمكين في تجهيز وجبة العشاء ..وراحت تيري تتساءل ماذا تفعل هنا مع هؤلا الغرباء بعيدا عن ليلاني ؟ وقالت ولم تقرب عشاءها : - لست على ما يرام .. سأذهب لأنام .. وهب لاري واقفا ليصحبها وعندما ابتعدا بعض الشئ عن بقية افراد الجماعة سألها : - ماذا بك ؟ - انا متعبة لاغير ..مساء الخير يا لاري . واستطاع قبل ان ان تستطيع ان تمنعه , ان يطبع قبلة خاطفة على ركن شفتيها .. وتراجعت تيري بسرعة . هل يمكن ان يكون هنالك رجل آخر في حياتها غير راف ؟ لم تكن سالي الفتاة التي تشاركها الغرفة قد عادت بعد .. وكان هذا من حسن حظها .. فهي تريد ان تكون بمفردها تجتر افكارها وتستعيد ذكرياتها ..ولكن ساء ظنها .. فما كادت تستلقي على السرير حتى بدأت الدموع تنهمر من عينيها وتسيل بغزارة على خديها : ليلاني .. والرجل الذي تحبه .. لقد فقدت كل شئ . انك تفتقدينه , اليس كذلك ؟ وحولت تيري رأسها صوب لاري . - هل هذا واضح ..؟ - لكل ذي عينين ..انك لاتبدين أي اهتمام بالفيلم . - انا آسفه يا لاري .. اذا كان يجب ان اعمل من اجلك من جديد فعلى اولا ان اتمالك نفسي وأضع اعصابي ومشاعري في ثلاجة .. وصاح بغضب لم يكن من عادته ! - ان راف مغفل .. مغفل كبير ... - لا .. بكل تأكيد . - هل تمزحين ؟ ..يدعك تذهبين بدون ان ينطق بكلمة واحدة ..هذا سخيف ان سوء التفاهم امر شائع بين المحبين .. يجب تفسير الأمور ...هذا كل شئ .. كان اليوم مليئا بمختلف الأعمال وكانت حصيلتهم اكثر من ممتازة ..وعند عودتهم الى المعسكر ذهب حميعهم للأستمتاع بمياه الدش وتناول المشروبات المثلجة . وقال لاري : - سوف نغادر كروجر بعد بضعة ايام يا تيري ..اذا كنت تريدينني ان اصحبك الى ليلاني فلا تترددي .. العودة الى ليلاني ؟ أحست قلبها ينبض بشدة . - هل زهدت في وجودي معك ؟ - انت مجنونة ..انني اود ان .. احتفظ بك الى جانبي دائما ..وأرى أذا كان في امكاننا ان نفعل شيئا بحياتنا معا ! - ان ذلك لن ينجح يا عزيزي .. - اعلم ذلك .. فأنت في حالة حب .. - انه امر سخيف اليس كذلك ؟ - هو كما تقولين .. وبخاصة وأنك رفضت النضال .. ربما يكون راف رائق المزاج الآن .. وعليك ان تحاولي شرح الأمور له من جديد . - لا اريد ان امضي حياتي كلها في الشرح والتفسير والتبرير.. - اذا كنت تحبينه حقا فلا تدعي كبريائك يمنعك من السعادة يا تيري . - لا اعتقد انه قد بقى لي الكثير من الكبرياء بعد ما فعله راف . - هل يعني ذلك انك تودين العودة ؟ وظلت صامتة لمدة دقيقة وهي تقارن بين الامور ..بين نعم ولا .. ولكن رغبتها الخفيه كانت هي الأقوى . - نعم .. قد اكون آخر المغفلين ولكني اريد العودة الى ليلاني ... سيكون هازئا ساخرا شامخا بأنفه حذرا متأهبا ..ولكنني اريد ان اراه .. وأذا قدر لي الرحيل الى سان فرانسيسكو فأنا اقسم انني لن أعود الى هنا ابدا .. - جميل .. فلنأخذ طريقنا الى ليلاني فور انتهاء عملنا هنا .. - انت انسان طيب بحق يا لاري . - قولي انني اتعرف على اخطائي في بعض الأحوال وأحاول ان انال الصفح والغفران . في الحقيقة لم يكن لاري في حاجة الى أصطحاب تيري الى ليلاني . ففي مساء ذلك اليوم عندما عادت الى غرفتها في فترة ما بعد الظهر بعد ان انهت تصويرها في الغابة رأت رجلا واقفا وقد أسند ظهره الى الباب كان طويل القامة متناسق أعضاء الجسم قد لوحت الشمس وجهه فأكسبته لونا برونزيا جذابا وكأنت بعض خصلات شعره الفاحم تتهدل على جبهته ...ان رجلا واحدا يمكنه ان يجعل قلبها يدق بهذه الطريقة -راف ! وكررت هي نفس الكلمة وقد فقدت انفاسها ... - راف ! وأسرع نحوها... - تيري ... يا تيري الحبيبة ! - لا استطيع ان اصدق نفسي .. لقد عدت أذن ! - كم دعوت السماء لأجدك هنا .. كنت أخشى ان تكوني قد رحلت ..كنت سأقتفي أثرك في جميع أرجاء افريقيا .. والعالم . - كان لاري سيصحبني الى ليلاني في الغد . - حقيقة يا تيري ..أريد ان اتحدث معك .. ولف ذراعه على كتفيها وأخذ مفاتيح البانجالو من يدها ودخلا الى الصالون وجذبها أليه . - هل كنت ستجيئين لرؤيتي يا حبيبتي ..؟ وأزداد قربا منها وطبع قبلة طويلة نهمة على شفتيها ... - حبيبتي ..اذا استمربنا الحال هكذا سيعود رفاقك قبل ان تتاح لنا فرصة للحديث . - هذا لا يهم .. - عندي أشياء كثيرة اود ان اقولها لك . ان حبنا ثمين ويجب الا نهدمه من اجل الغضب او الكبرياء . وغمرتها السعادة حتى كادت لاتفهم مغزى كلماته . - فور رحيلك ادركت انني مغفل كبير . - لقد حاولت ان اشرح لك الأمر بالأمس ..لقد . ووضع يده فوق فمها ليمنعها من الكلام .. - لا اريد ان اسمع شيئا الآن . - ولكنك لن تفهم حقيقة الأمور اذا لم تدعني اشرح لك .. وقال بحنان جعلها لاتنطق بكلمة اخرى . - على العكس . هل تريدين ان تعرفي لماذا عدت قبل موعدي الى ليلاني - لقد انهيت اعمالك مع اليك - ابدا ... لقد افتقدتك كثيرا هذا كل ما في الأمر .. لم اعد اقوى على فراقك اكثر من ذلك .. ووجدت اوراقا خاصة بجدك .. اوراقا لم اكن أشك في وجودها .. خاصة بأسرتك وحياتك في سان فرانسيسكو . - لا .. - يبدو ان والدك قد ترككم فقراء جدا بعد وفاته ..؟ - هل كان جدي يعلم ذلك ؟ كيف ؟ .. لقد بذل ابواي كل ما في وسعهما حتى لايعلم جدي شيئا . - لا اعلم . ولكن الأمر أثر فيه كثيرا .. وقد جمع مبلغا من المال كان يرسل لكم عائده كل شهر .. بأسم مستعار فيما اعتقد .. - هل كان جدي الذي فعل ذلك ؟ لم نفكر في ذلك لحظة واحدة .. ولكن لماذا كان يرسل النقود بأسم غير اسمه ...؟ - لأن امك كانت سترفض قبول المبلغ فيما أظن .. - هذا صحيح .. - وهناك أمر أخر عندما عدت الى ليلاني غير ستيوارت الوصية بالفعل لكي يهبك ليلاني اما بالنسبة للوصية القديمة فكان قد كرس لك فيها مبلغا كبيرا من المال .. - لا استطيع تصديق ذلك . - أريدك مع ذلك ان تفهمي ان ذلك مهم جدا بالنسبة لي . فأنا لم اقبل ابدا تأخر وصولك الى ليلاني الى هذه الدرجة.. اما الآن فأنا اعلم انه كان من المستحيل عليك ان تفعلي غير ذلك . وقالت وهي تبتسم في خبث : - في الحقيقة لقد ربحت في احدى المسابقات . - لماذا لم تخبريني بذلك ؟ - كنت قد وعدت امي بألا ابوح لك بشئ كانت تريد ان أصل الى هنا وأنا مرفوعة الرأس ومعي الكثير من النقود .. كأي فتاة جديرة بأبيها ..! وظلا صامتين لحظات طويلة . - لو كنت قد عرفت لتبعتك حتى سان فرانسيسكو.. - لماذا ؟ - لأني احبك منذ زمن طويل .. لقد حزنت كثيرا عندما رحلت في المرة السابقة ...! - لم اكن اعرف ذلك . - لم يكن في مقدوري ان اقول لك شيئا . فقد كنت لاتتجاوزين السابعة عشرة من عمرك , لقد كتبت اليك... اكثر من مرة ولكنك لم تردي على خطاباتي ...! - ولكنني لم استلم هذه الخطابات ..وأنا ايضا كتبت لك .. - ربما حجز والداك هذه الخطابات . - هذا بكل تأكيد ..كانا يريدان قطع كل علاقة لي بليلاني - ثم حاولت بعد ذلك ان انساك .. وكان ذلك مستحيلا وقابلت جانيت وتمت خطبتنا . وحاولت ان احبها ولكن ذكرياتك وقفت بيني وبينها .. ولم يكن هذا امرا عادلا بالنسبة لها .. ففسخت الخطبة .. انت لي الآن وسأحتفظ بك الى الأبد ... - وأنا احبك ايضا منذ زمن طويل . - اريد ان اعود بك الى المنزل . - نعم .. فلنعد .. لنبحث عن لاري لنخبره بعودتنا .. ولكنني لم اشرح لك موضوع المكالمة التليفونيه .. - لا اريد تفسيرا لأي شئ .. لقد فقدت وقتا طويلا بظنوني السخيفة .. انا احبك وكان يجب ان اعرف انك لست اهلا لمثل هذه المناورات .. انني اصدقك الآن مهما قلت ومهما فعلت ..تزوجيني يا تيري ؟؟ .. اخيرا وبعد كل هذه السنين حانت النهاية السعيدة . وقالت هامسة وهي تتنهد في سعادة : - نعم . والتقت شفتاهما في قبلة طويلة....طويلة ...
تمت

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا