الفصل 2 : بحـــر الغمـــموض
في اليوم الموالي التقى سمير زميله/ ياسر/ ، و الذي تعرف اليه حديثا خلال تواجده بنيابة التعليم ، و حكى له ما جرى ليلة البارحة بالشقة الممنوحة له ، حيث رأى مشهدا بشعا ثم هرع مرعوبا و أغلق غرفة النوم عليه و ظل يسمع الأنين و الصراخ الجهنمي الى غاية بزوغ أنوار الفجر الأولى ، حينئذ فقط توقفت الملحمة الابليسية ، فقام لصلاة الفجر ، ثم غفا قليلا قبل أن يوقظه المنبه معلنا بدء يوم جديد من العمل. قال ياسر:-- هذه أشياء لا يمكن السكوت عنها اطلاقا ، فلو كان ما شاهدته حقيقيا و ليس محض خيال و أوهام فسيعني هذا حتما أمرا بالغ الخطورة ، و من المحتمل أن يلحق بك بالغ الأذى ان لم نجد له حلا في أقرب وقت. قال سمير:-- فعلا يا أخي ، فحتى لو لم يسبب هذا الأمر أذى جسديا و ماديا ، فقد أثر في نفسي أثرا بليغا ، و قد يفقدني صوابي اذا ما استمر الحال على نفس الوتيرة طويلا. قال ياسر-- سوف أعرفك لو شئت بأحد الخبراء بالروحانيات و العلوم الباطنية و الذي يقيم قريبا من هنا ، حيث جاء من مدينة مراكش لدراسة بعض الظواهر الخارقة التي تحدث فقط في المناطق الصحراوية مثل الانتقال الفجائي و التواجد بغتة في قلب الصحراء من دون سابق انذار ، حيث حدثني البروفيسور نادر الأندلسي عن مجموعة من الحوادث التي وقعت لافراد وجدوا أنفسهم تائهين في غياهب الصحراء بعدما كانوا وسط أهاليهم يعيشون حياة عادية. -- ربما نجد عنده بعض الأجوبة عن ظاهرتنا الغريبة ، سأكون ممتنا لو عرفتني به فلدي الكثير مما أود أن أحدثه به. و بعد تناول و جبة الغذاء توجه سمير و ياسر صوب الفندق الذي يقيم فيه البروفيسور ناذر الأندلسي الذي استقبلهم بحفاوة بالغة قبل أن يخبره /سمير/ بتفاصيل الأحداث التي عاشها ، فابتسم نادر ابتسامة خفيفة اندهش لها الضيفان ، ثم قال: -- ان أبسط شيء يمكن أن يتعرض له الانسان هو التهيؤات و الوساوس الشيطانية ، لأنه كما قال الله عز و جل:/ ان كيد الشيطان كان ضعيفا / ، واضح جدا بأن البيت الذي تقطنه مسكون بالشياطين ، و يكفي أن تملأ اناء كبيرا بالماء ثم تتلو فيه الرقية الشرعية ، و هي عبارة عن مجموعة من الآيات القرآنية المنتقاة بعناية من كتاب الله تعالى، ثم تقوم برش الماء بمختلف زوايا البيت ، فيصبح المكان طاهرا مطهرا من كل ابليس و شيطان لعين ، و حبذا لو قمت بتكرار العملية مرات متعددة لضمان الفائدة بمشيئة الرحمان ، و سوف أمنحك الرقية الشرعية مكتوبة و مسموعة لتعميم الفائدة . فقال /سمير/:-- أشكرك جزيل الشكر يا بروفيسور ، فهذا الأمر قد سبب لي قلقا نفسيا رهيبا. فرد البروفيسور:-- لا تشكرني يا أخي فمن دواعي سروري تقديم العون و المساعدة لكل من يطلبها ، أما بالنسبة لما تعرضت له فخطره لا يرتقي أبدا لما أنا بصدد الكشف عن أسراره في هذه المنطقة الصحراوية ، فقد تعرض أحد العلماء الجيولوجيين للاختفاء في صحراء الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية عندما كان يقوم ببعض الأبحاث عن الطبيعة الجغرافية للمنطقة و انقطعت أخباره ، فقام أهله بابلاغ السلطات عن الواقعة كما باشروا بحثهم الخاص و الذي أدى بهم الى الاعتقاد بامكانية ظهوره هنا بمدينة / الكويرة / ، حيث تم اخبارهم بمجموعة من الحوادث المماثلة لأشخاص فقدوا ثم تم العثور على جثثهم قرب مدينة / الكويرة / جنوب المغرب و هي حوادث لم يتم الوثوق من صحة و قوعها ، حيث تم الاتصال بي من أحد اقارب الدكتور /سليم/ العالم المفقود و طلب مني البحث في هذه القضية باعتباري متخصصا في الروحانيات و العلوم الباطنية ، فجئت الى هنا منذ حوالي أسبوع تقريبا و لم أتوصل الى حد الآن الى أية نتيجة فقررت أن أقوم بجولة في قلب الصحراء لعلي أتمكن من الامساك و لو بخيط رفيع أتلمس به طريق الحقيقة و اجلاء الغموض عن هذه القضية. فقال سمير:-- هل يمكن أن أرافقك في رحلتك يا بروفيسور فأنا من الشغوفين جدا بالقضايا الغامضة و الخارقة لقوانين الطبيعة و لم تتسنى لي الفرصة لعيش مثل هذه التجربة من قبل؟ -- ألم يكفك ما شاهدته ليلة البارحة ؟ ان كنت تحب مرافقتي فلا مانع لدي سوى أنه من الواجب علي اخبارك بأن كل الاحتمالات واردة في هذه الرحلة بما في ذلك عدم التمكن من العودة الى الديار على الاطلاق. قال نادر محذرا. فرد سمير بحزم واثق:-- سوف أتحمل النتائج كيفما كان نوعها. و قال /ياسر/:-- و أنا أيضا أريد مرافقتكما ، فلا يمكنني اضاعة مثل هذه الفرصة النادرة التي يمكن ألا تتكرر في حياة المرء مرتين. فقال البروفيسور:-- لقد حذرتكما و لايمكنني منعكما من مرافقتي ، فعلى الرحب و السعة و موعدنا غدا على الساعة السادسة صباحا عند باب الفندق

الفصل 3 : غياهـــب الصحـــراء