غَيابـــة الصحـــراء
( رواية رعب و فانتازيا )
الفصل 1 : ليلـــة الفـــزع
كانت الساعة تشير الى الرابعة زوالا عندما وصل سمير الراجي الى مدينة / الكويرة / المتواجدة أقصى جنوب المملكة المغربية ، و كانت الحرارة جد مرتفعة حيث تشتد الشمس لهيبا فوق المنطقة الصحراوية . وقف سمير الراجي قرب الشارع ينتظر مرور احدى سيارات الأجرة الصغيرة ، و لم ينتظر طويلا اذ سرعان ما توقفت احداها بقربه ليدلف الى داخلها مسرعا هربا من أشعة الشمس الملتهبة . -- الى حي الوحدة من فضلك . قال سمير الراجي موجها حديثه الى السائق. -- ان شاء الله يا أخي و على بركة الله. رد عليه السائق و هو يدير عجلة القيادة. استلقى سمير على المقعد و هو يفكر مليا في الظروف التي جعلته يقوم بهذه الرحلة الطويلة من مدينة الدار البيضاء الساحلية بوسط المغرب الى مدينة / الكويرة / بأقصى الجنوب المغربي حيث اجتاز بنجاح مباراة الولوج الى سلك المعلمين و هي المهنة التي طالما حلم بها منذ نعومة أظفاره ، حيث كان حلمه الوحيد هو أن يكون مربيا للأجيال يلقنهم المبادئ و القيم النبيلة فتكون له رسالة يؤديها لبلده و أمته ، و ها هي أحلامه تقترب من تحقيقها برغم البداية الصعبة التي اعترضته منذ الوهلة الأولى و ذلك من خلال تعيين مكان عمله بمدينة / الكويرة / و التي تتعدى الحرارة بها الأربعين درجة و قد تصل أحيانا الى حدود الخمسين في فصل الصيف ، لكنه سرعان ما كان يصبر نفسه واعدا اياها بالتأقلم مع الأجواء الجديدة حيث أن الزمن كفيل بانجاز ذلك ، حيث سيلهيه تحقيق حلمه عن كل العقبات والصعاب التي يواجهها في رحلة حياته. -- لقد و صلنا الى حي الوحدة يا أخي . قال السائق باترا حبل أفكاره. -- حسنا ، سوف أنزل هنا. قالها سمير ناقدا اياه ثمن الركوب. ثم لم يلبث أن نزل من السيارة متجها الى أقرب هاتف عمومي ليجري اتصاله مع ابن أخيه أحمد القاطن بالحي من أجل اخباره بوصوله و لم تمر دقائق معدودة حتى كان سمير بمنزل أحمد يرشف أولى كؤوس الشاي الصحراوي و قد أخذ منه الجهد مأخذه ، ثم استأذن من الأسرة المضيفة من أجل اخذ قسط من الراحة و الاستغراق في نوم عميق بعد ساعات طوال من السفر عبر الحافلة. في صباح اليوم الموالي استيقظ سمير متأخرا بعض الشيء ، حيث بادره أحمد مبتسما: -- صباح الخير يا عمي كيف أمضيت ليلتك؟ -- في خير حال يا ابن أخي و شكرا على الاستضافة. -- لا تشكرني على الواجب ياعمي فأنت في بيتك. ثم توجه الاثنان الى قاعة الضيافة ليتناولا وجبة الافطار رفقة الزوجة و ابنتها التي لا يتجاوز عمرها سنة واحدة و نصف. -- أريد أن أذهب الى نيابة التعليم لكي أعرف اسم و مكان المدرسة التي سأعمل بها. قال سمير. -- سوف أرافقك يا عمي ، انها ليست بعيدة كثيرا من هنا. و لم يمر وقت طويل حتى كان سمير بداخل نيابة التعليم ، حيث استفسر عن جميع الأمور التي تهمه وعاد بعد ذلك الى بيت أحمد ، و على مائدة الغذاء سأل سمير: -- لا أدري حقا كيف ستكون الأمور مع هذه الحرارة المفرطة ؟ -- سوف يكون كل شيء على أحسن ما يرام ، و لو شئت لأقمت في منزلي فأنت لست غريبا عن الأسرة. -- أشكرك كثيرا ، لكنهم أخبروني في النيابة بأنهم سوف يوفرون لي سكنا لائقا بجوار المدرسة التي سأعمل بها و بأنني سأبدأ العمل بعد عشرة أيام. -- كما تحب يا عمي. و بعد مرور يومين توجه سمير الى شقته المتواجدة قرب مدرسة الأنوار، مكان عمله الجديد، حيث ما لبث أن تناول وجبة عشاء اشتراها جاهزة من السوق ، ثم استلقى على السرير و كل خلية من جسده تصرخ مطالبة اياه بالراحة و لا شيء غير الراحة ، فاستجاب للنداء و استسلم لنوم عميق . و في منتصف الليل سمعها. انها صرخة عميقة ، نداء ، شيء تردد في أذنيه و أطار النوم من عينيه ، و جعله يصحو مفزوعا و قطرات العرق تتصبب فوق جبينه. -- انه حتما كابوس مرعب ، لا يمكن أن أسمع مثل هذا الصوت في الواقع. قالها سمير محدثا نفسه ، ثم استلقى مرة أخرى فوق السرير طالبا الراحة و النوم ، لكنه سرعان ما سمعها مرة أخرى ، لكن هذه المرة قوية وواضحة ، صرخة رهيبة عميقة و كأنها خارجة من الجحيم. هب سمير من فراشه مرعوبا و ذهب يتلمس مصدر الصوت ، لازال يسمع أنينا و صراخا بصوت لم يسمع مثيلا له من قبل ، صوت غير بشري ، صوت ليس له اية علاقة بالبشر على الاطلاق. أرهف سمعه جيدا ثم أسرع الخطى متتبعا أثر الأنين و اذا به يتوقف أمام المرحاض مباشرة ، لقد وجد مصدر الصوت ، تردد كثيرا قبل أن يفتح بابه ليجد مشهدا سيظل منحوتا في ذاكرته أبد الدهر، هذا ان بقي لحياته وجود بعدما رآه ، طفل صغير مكسور العنق ممدد فوق الأرض و الدم يتدفق غزيرا
كالنافورة من عينيه و أذنيه و فمه ، و كان الطفل يصرخ ، أنين ممزوج بحشرجة مخيفة ، حشرجة الموت