القرصان الأسود


رواية ( القرصان الأسود ) من تأليف الأديب الإيطالي الكبير و المبدع الفذ أميليو سالغاري ، الذي سال مداد قلمه كالسيل الجارف ليلهم بأفكاره الخلاقة كبار الأدباء العالميين أمثال غابريل غارسيا ماركيز و أمبرتو إيكو ، كما تحولت الكثير من رواياته إلى أعمال سينمائية خالدة أمتعت الجماهير في مختلف أقطار العالم
***
انبثق صوت جهوري ذو جلجلة معدنية ، و تردد صداه في الظلام ، متوعدا : ـ قفوا يا رجال القارب و إلا أغرقناكم .. كان هناك رجلان على متن قارب صغير ، يتقدم ببطء ، فوق الأمواج داكنة الزرقة ، مبتعدا عن الشاطئ الشاهق الذي يمتد غائرا على خط الأفق ، كما لو أنهما يخشيان خطرا ، قد يداهمهما من تلك الناحية ، لكنهما أوقفا القارب حال سماعهما ذلك الصوت
***
سحب البحاران مجدافيهما على عجل ، ثم نهضا بقلق ، يمعنان النظر في ظل كبير ، كما لو أنه انبثق فجأة من بين الأمواج .. كانت أعمارهما تقارب الأربعين ، إلا أنهما كانا نشطين و فظين ، و يبدوان أكثر فظاظة بفعل اللحى الكثة التي ـ ربما ـ لم يمر عليها مشط قط .. يعتمر كل منهما قبعة من اللباد ممزقة من الأعلى ، و مثقبة من جميع الجهات ، و برتديان قميصا من القماش الخفيف باهت اللون ، و دون أكمام ، بالكاد يغطي الصدر ، و تحيط خصر كل منهما قطعة مهترئة من القماش الأحمر ، و قد علّق فيها زوج كم المسدسات الكبيرة و الثقيلة التي كانت تُستخدم في أواخر القرن السادس عشر
كان سروالاهما ممزقين أيضا ، في حين كانت أقدامهم متسخة بالطين الداكن .. قد يبدوان كهاربين من سجن ما في خليج المكسيك ، لو أن تلك السجون التي شُيّدت في غويانا فيما بعد كانت موجودة
حال رؤيتهما لذلك الظل الذي بدا واضحا في زُرقة الأفق الداكنة بين لمعان النجوم ، تبادلا نظرات قلقة
ـ أمعن النظر ، يا كارمو ـ قال الأصغر سنا ـ انظر جيدا ، فنظرك أقوى من نظري ، و كما تعلم ، فهي مسألة حياة أو موت
ـ إني أرى سفينة حربية كبيرة ، و رغم أنها ليست ببعيدة تماما ، فلا أعرف إذا ما كانت قادمة من التورتو ، أم من المستعمرات الإسبانية
ـ لعلهم من رفاقنا البحارة ؟ و لكن ، كيف يجرؤون على الوصول إلى هنا ، تحت مرمى مدافع القلاع الإسبانية ، مجازفين أيضا بالاصطدام بفرقة ما من تلك السفن الحربية التي تحمي المراكب المشحونة بالذهب ؟
ـ على أي حال ، يا ستيلر ، فقد رأونا ، و لن يتركونا نفر منهم ، و حتى لو حاولنا الفرار ، فإن رشقة من بنادقهم كافية لإرسالنا إلى الجحيم
تردد صدى ذلك الصوت الجهوري مرة أخرى في الظلام ، و تلاشى بعيدا في مياه الخليج
ـ من هناك ؟
ـ الشيطان ، ـ تمتم ستيلر ـ
بينما صعد رفيقه على مقدمة القارب ، و صرخ بأعلى صوته
ـ من يتجرأ علينا ؟ فليأت هذا الفضولي هنا ، و سنجيبه بمسدساتنا
لم يغتظ الرجل الذي كان على متن السفينة من هذا التهديد ، بل بدا أنه كان سعيدا ، إذ أجاب
ـ مرحبا بالرجال البواسل بين رفاقهم " أخوة الشاطئ "
ـ أخوة الشاطئ .. هتف البحاران فرحا
ثم أضاف كارمو : ـ ليبتلعني البحر ، إن أنا لم أتعرف على ذلك الصوت الذي بلّغنا بهذا الخبر السعيد
ـ و من قد يكون برأيك : سأله رفيقه الذي صار يُجدّف بحيوية
هناك رجل واحد ـ فقط ـ من التورتو يجرؤ على الوصول تحت قلاع الإسبان
ـ و من يكون ؟
ـ القرصان الأسود

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا