القط الأسود


يقول "إدجار آلن بو" عن قصة "القط الأسود": "لست أتوقع منكم ، بل لست أطلب أن تصدقوا هذه الوقائع التى أسطرها هنا لقصة هى أغرب القصص ، وإن كانت فى الآن عينه مألوفة للغاية ، سوف أكون مجنونا لو توقعت أن تصدقوا ذلك ، لأن حواسى ترفض أن تصدق ما شهدته ولمسته ، غير أننى لست مجنونا ، ومن المؤكد أننى لا أحلم.. ما أرمى إليه هو أن أبسط أمام العالم ، بوضوح ودقة ، وبلا أى تعليق ، سلسلة من الوقائع العادية جداً ، إنها الوقائع التى عصفت بى أهوالها ودمرتنى ، ومع ذلك لن أحاول تفسيرها ،ـ وإذا كنت لا أجد فيها غير الرعب فإنها لن تبدو للآخرين مرعبة بقدر ما ستبدو نوعاً من الخيال الغرائبى المعقد
***
غامض جداً أسلوب " بـو " في الكتابة ومحير مايحدثه للقارئ كأنك ستمر الى عالم آخر، يحملك مجراً إلى الانتقال إلى عالمه الكئيب الغائم العاصف الذي لا يمكن أن يتشكل سوى في بعض أغرب كوابيسنا، ، عندما تقرأ له تشعر بقشعريرة وخوف لا يضاهى بأي شعور بالخوف قد سبق، تشعر بالقلق لا بالخوف فحسب، قلق " بـو " يتسرب بالفعل الى عقل القارئ .. هذا النوع من الرعب هو ما أسميه بالرعب الأنيق الذي يتسرب في داخلك دون أن تسأل لماذا أشعر بذلك الإحساس الطاغي على قلبي، من قرأ لـ " بـو " سيلاحظ مدى عبقرية الرجل في بث نفحات القلق في النفس وجعل القارئ غارقاً في كابوس حقيقي يتمثل في أكثر الأشياء التي لا نتجرأ حتى في التفكير فيها، التي عندما تقع لأحدنا نتمنى في حينها أننا في غارقون في كابوس لعين وننتمر اللحضة التالية التي نصحو منها، تلك المواقف التي تثير قلقنا مجرد التفكير فيها يثيرها هذا العبقري بإسلوبه الغامض .. متعة القراءة لـ " بو " تكمن في أمرين "طبعاً بالنسبة لنا نحن معشر عشاق الرعب والغموض " أولهما هو الوصول الى الجذور البعيدة والأصول الأزلية لمعاني الرعب والتي لا يمكن أن توجد سوى في عقل كاتب يجرد قالب الرعب في أشد معانيها بعداً وفي نفس الوقت متأصلة في أعماقنا، الأمر الثاني يتعلق بخلق تلك الأجواء الغارقة في دهاليز الرهبة في دواخلنا، شعور بالوحدة، بالظلام، بالمطر، بالسحب الداكنة تحلق من فوقك، بحفيف أوراق الشجر، بزفير الرياح، بالغراب الناعق، بكوخ وحيد في العدم، بأشياء أخرى لا تعلم من أين تأتيك أو كيف تتسرب الى مخيلتك، ولكنها تفعل بنجاح، الرعب يزدهر هناك وهو ما أحاول الوصول اليه دون إرادتي ويفعل كذلك كل من يهوى ذلك العالم المجنون.. هذه القصة تعبر عن الغموض والرهبة والقلق لدى " بـو" ، كيف يمكن لإنسان سوي أن يقترف تلك الفعلة التي أقدم عليها بطل القصة هنا، شئ يتخطى كل أنواع الجنون ،كأنه نوع من الوهم بصدقية العقل والإتزان النفسي الذي نألفه عند الإنسان، عند التفكير في الأمر قلت يحدث هذا كثيراً من حولنا وبإستمرار، هذه النظرية في القصة التي تعكس الجانب الآخر في الانسان، تقييمه على أساس متناقض لما يدعه وما يفعله في لحضات الإرتياح والرضا، عند القلق والخوف والهزيمة قد يقترف الإنسان أي فعل لا لأنه فقد إتزانه النفسي فقط بل ربما يكون تراكماً لامرئياً لنمو الوحش الإنساني في الداخل.. " بـو " يكتب كأنما يستعرض مكامن الخوف في داخله، ولسان حاله يقول هل يمةن لنا أن نفعل ذلك؟ هل يمكن للمجنون فينا أن يستيقظ في لحضة لاندرك فيها وجودنا الطبيعي؟ هل ما نفعله من خطأ هو لحضة قرار أم نتيجة حتيمة ولا مناص من الفرار منها ؟.. المحور الثاني في القصة هي عن اللحضات التي تتحول في الحياة إلى كابوس في أقل من لمحة بصر، حينما يتلاشى كل شئ الى حالة من الماضي السعيد تقبع في جزء بسيط من وجودنا بينما القادم يكون كالأبدي في تفكيرنا، أبدي مقترن بإبشع تصوراتنا، يالها من لحضة إنتهت عندها القصة ويا له من لئيم حينما إقتضى أن يوقف اللحضة الأبدية في ذهن القارئ بهذه الصورة السوداوية التي لابد أن تقشر لها إحساسات الإنسان المدرك لطبيعة وجنون تلك المواقف الكريه حقاً والتي يعجز الفرد حتماً في مقاربتها داخل مخيلته

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا