الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

وشم الجمر
Dark Summer Dawn

الكاتبة : ساره كريفن
****************
الملخص
----------
إنها خائفة !… اعترفت هيلاري عارضة الأزياء المشهورة والساحرة لنفسها بذلك … ولكن لماذا ؟… ألم تقدر سنتان من الهروب على جعلها أقوى في مواجهة بروس جيلفورد وعلى تخليصها من ضعفها تجاهه . هل ما يربطهما هو كما قال بروس ( جنون لا شفاء منه ) ؟ إذا كان الهروب لم يداو جراحها فهل تشفيها العودة إلى ناره وهو الذي يراها ( ربة الشر ذات الوجه الملائكي والروح الفاسدة)

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

---------------------------------------------
الفصل الأول : فتاة الكهرمان الحزينة
---------------------------------------------
كانت مرهقة إرهاقاً شديداً تكاد تعجز معه عن وضع المفتاح في ثقب قفل الباب الأمامي …. كانت رحلة طويلة متعبة فلقد تأخر هبوط الطائرة بسبب الضباب وأصيبت إحدى الفتيات الصغيرات بالهستيريا من جراء الخوف فكان أن جلست معها هيلاري لتهدئ روعها . أقفلت الباب خلفها حامدة ربها ثم وقفت تنظر حولها في غرفة الجلوس كانت نظيفة مرتبة إذا اعتنت السيدة نورتون بهذا ولكن الجو عابق برائحة العفن الذي ولده عدم السكن بها … فتحت هيلاري النافذة لتسمح لهواء مساء شهر كانون الثاني بالتدفق للداخل ارتجف جسدها قليلاً فهي ما تزال تحن لشمس الكاريبي لكن عقلها المتعب رحب بلفحة الهواء البارد . كانت كومة الرسائل البريدية تنتظرها على طاولة الطعام الصغيرة وعندما دخلت إلى المنزل التقطت المزيد من الرسائل من صندوق البريد … لكنها تستطيع الانتظار للغد إنها بحاجة للاستحمام … دخلت إلى غرفة النوم وراحت تخلع ثيابها …السرير بالانتظار والأغطية مرفوعة إلى الوراء ترحب بها وثوب نومها حاضر نظفت وجهها من المكياج وهو عمل روتيني تقوم به حتى ولو كانت على وشك الموت ورمت نفسها على السرير وغطت في نوم عميق ….. تحركت مرة أو اثنتين ثم فتحت عينيها فانزعجت من الأصوات في الشارع ولكن هذه الأصوات لم تكن السبب باستيقاظها تمطت متكاسلة متكاسلة قبل أن تجلس متثائبة ولما ألقت نظرة على الساعة وجدت أنها نامت ساعة كاملة نهضت من السرير لتدخل الحمام نظرت إلى جسمها في المرآة … لقد كانت في الويست انديز مع العارضات الأخريات للقيام بعرض مجموعة من أفخم ثياب السباحة لمجلة أزياء شهيرة . ولكنها لم تخطط لتصبح عارضة ولم تعتبر يوماً أن مظهرها الجميل وطلتها بهية … ولكن مع ذلك كان جول أول من اقترح عليها الفكرة وهي ما تزال تلميذة في المدرسة .. جاء ليزور ابنة عمه جوليا التي كانت أفضل صديقة لهيلاري وصحبهما للغذاء معاً يومذاك كان اسماً لامعاً بالتصوير وما كانت هيلاري لتكون من البشر لو لم يتحرك غرورها لاهتمامه بها لكن وفي الوقت ذاته رأت حياتها تسير باتجاه مختلف . والشكر عائد لجول الذي منحها أول فرصة حين اختريت الفتاة الكهرمانية للقيام بدعاية لسلسلة أدوات تجميل غالية الثمن ولعل ما ساعدها شعرها البني الذهبي الطويل وعيناها اللوزيتان المتسعتان اللتان تصبحان خضراوين أو ذهبيتين حسب اللون الذي ترتديه وكانت تجربة مذهلة لها أزياء غريبة صممت لها ألوانها ذهبية كهرمانية صفراء وكان تأثيرها أمام لون بشرتها العسلية مذهلة وكان وجهها يبرز من المجلات وتبدو فيها عينيها وكأنهما تتسعان على الدوام بلا نهاية أما الفم الرقيق فيتكور قليلاً بمزيج من البراءة والإغراء فسرت دار الأزياء الفرنسي النشوة والسعادة لزيادة مبيعاتها . لكن جول نصحها بعدم المضي بذلك قائلاً : سيصبح ذلك سمة لكي وسيربط الجميع بينك وبين مستحضرات الأمبر فقط …نعم لا بأس بذلك لمدة قصيرة ولكن ماذا سيحدث لو ضجرت من العمل .. أو ضجروا هم منك ………… وكان أن عملت بنصيحته وتهافتت عليها العروض ولكنها أحبت العمل مع جول وستبقى شاكرة له للأبد. استحمت وجلست تطلب الاسترخاء أمام النار .كانت السيدة نورتون قد ملأت البراد وسلال الخضار راحت هيلاري تشوي قطعت ستيك وأعدت السلطة التي تناسبها . بعدما أكلت ونظفت المائدة حملت قهوتها إلى الأريكة مع رسائلها وكان معظمها فواتير ثم وجدت رسالة من لورنا . نظرت هيلاري إلى الغلاف وإلى الخط المائل المألوف أنبأتها غريزتها أن لورنا ما كانت لتراسلها لولا وجود أزمة تعاني منها …ولا شك أنه أمر لا تريد سماعه… إلا إن كان الأمر يتعلق بهوود استحوذ عليها إحساس بالذعر … لم يكن بخير مؤخراً وهذا ما تعرفه من رسائله القليلة النادرة . ظلت نظراتها شاخصة للغلاف والقلق على هوود يتصارع مع الرغبة في تمزيق الرسالة قبل أن تقرأها فهي غير مدينة لأختها غير الشقيقة بشيء .. بل الواقع معكوس . لكن هود لم تلقى منه غير العطف والتقدير وهي مدينة له بشيء مقابل هذا أوه ليس بسبب المال الذي يضعه في حسابها في المصرف كل فترة لأنها قادرة على رده فهي لم تلمسه يوماً. فتحت على مضض مغلف الرسالة وأخرجت الرسالة كان خط لورنا يملأ الصفحة : حبيبتي هيلاري … احزري ماذا سأتزوج سأذهل الجميع وأفعل الصواب ولو لمرة واحدة أما العريس فهو تشارلي إيزيربلود بالطبع …آه يكاد أبي يطير من الفرحة العرس في الشهر القادم وأريد أن تكوني وصيفتي … وماذا في الأمر ؟ أرجوك قولي أنك ستقبلين حبيبتي أرجوك تعالي للمنزل هيلاري أحتاج إليك أتوقع أن أسمع منك …. مع حبي … لورنا. لكن الصدمة وقعت على رأسها في آخر الخطاب : بالتأكيد سيقدمني بروس إلى العريس في الكنيسة . جلست هيلاري جامدة تحدق في الرسالة ثم أطبقت يدها بشدة عليها فحولتها إلى كرة مجعدة وقالت لا يا إلهي . أجبرت التفكير أن لورنا ستتزوج من الشاب الذي حلم هوود بأن يكون زوجها لم ترى لورنا منذ سنتين عندما كانت هيلاري في الثامنة عشر ولعل أختها قد نضجت الآن لكن عندما تذكرت لورنا أختها المجنونة وجدت أن هذا غير معقول . حاولت أن تتذكر تشارلز إيزيربلود لقد كان موجوداً دائماً وهما تكبران فوالده يملك الأراضي المجاورة ولكنه لم يؤثر قط في هيلاري .. كان أشقراً لطيفاً وثرياً جداً إنه صيد ثمين بالنسبة لمعظم الفتيات ولكن لورنا ابنة الصناعي الثري المدللة العنيدة … لورنا الشابة الصغيرة الجميلة المتألقة ذات الشعر الأسود الكثيف الأجعد ستتزوج من أجل الحب ولا تظن أبداً أن السبب رغبة العائلتين في زواجهما … أعادت تمليس الرسالة من غير وعي منها ثم راحت تعيد قراءتها إنه أسلوب لورنا ولكن أهذه رسالة عروس تشع سعادة ؟ أغمضت عينيها فمنذ ذهاب هيلاري البالغة عشر سنوات إلى ستونكليف للعيش هناك وهي تحمي لورنا ففي الليلة الأولى على ذهابها أجفلها فتح الباب في غرفة غريبة وسمعت لورنا تقول بصراحة : تقول السيدة ستالرت أنني كبيرة كفاية لأنام دون مصباح ولكنني خائفة من الظلام أيمكنني النوم معك أرجوك هيلاري أرجوك ! أمضت هيلاري ليلة غير مريحة … إذ كان السرير لا يتسع لشخصين وفي اليوم التالي حين علم هوود بالأمر أغرق بالضحك وأمر بنقل سرير لورنا إلى غرفة هيلاري ثم ارتد إلى والدة هيلاري مبتسماً : ألم أقل لك أنهما ستصبحان أختين ! كانت أمها أوليفا أرملة منذ خمس سنوات ولم يكن لديها مهارات تساعدها وكانت مضرة لقبول أي عمل وأن تكون ممتنة للسقف الذي يأويها حتى لو كان السقف لأخت زوجها وزوجها . أدرك جوش و ميلاني جيستون أن من دماثة الخلق القبول بأوليفيا وطفلتها في منزلهما والواقع أنهما لم يكونا ملزمين بإيوائهما وهذا ما كان يؤكدانه وقد جعلا الأمر يبدوا وكأنه دلالة إحسان وحدهما هي و أوليفيا يعرفان أن أمها تدفع إيجاراً سخياً .وذلك لم يكن كافياً وكثيراً ما سمعت عمتها تتذمر من ارتفاع الأسعار والتضخم المالي وكان عليها أن تتعلم إطفاء الأنوار لئلا تذهب الكهرباء سدى وكان محسوباً عليهما كمية الماء التي تستخدمانها في الحمام ومع الأيام كانت ترى وجه أمها يزداد مع الأيام يزداد تعب وهزيمة . ثم اضطرت أوليفيا للعمل نادلة ليلية ومنذ ذاك الحين نادراً ما كانت تصل إلى المنزل قبل منتصف الليل وبما أنها بالأساس امرأة ضعيفة انهارت في النهاية وجيء بها للمنزل تذكر هيلاري غضب عمتها ولكنها اضطرت لإحضار الطبيب الذي قال أنها بحاجة للراحة وأنها بحاجة للابتعاد والراحة ولكنهما لا تملكان المال وفجأة حصلا على جائزة سندات التوفير ولم تكن ثروة كبيرة ولكنها كانت كافية لشراء تذكرة لرحلة بحرية في المتوسط بناء على نصيحة الطبيب …. وحدث ما كان يتوقع فقد غضبت عمتها وزوجها وارتفعت الأصوات بالحديث عن الأنانية والطمع فيجب ترميم السقف ولكن أوليفيا هذه المرة لم تكن مستعدة للسماح لهما بالتسلط عليها فسارعت لحجز رحلتها البحرية ودفعت ثمنها … وبعد أن عادت أمها ظهر في ابتسامتها عمق وبان في عينيها نظرة حالمة. ثم وصل هوارد جيلفورد إلى المنزل كان طويلاً ضخم الجثة وجهه مربع يميزه شعر رمادي عند الفودين ابتسم لهيلاري وقال بلكنة شمالية : مرحباً حبي … عندي فتاة أصغر منك بسنتين . ردت هيلاري بابتسامة مترددة وأدركت أنه يريد أن تحبه لم تفهم السبب إلا بعد ابتعاد سيارته الجاكوار إذ صاحت العمة ميلاني كالعاصفة : يا للوقاحة كيف تجرؤين كيف تسمحين لهذا الرجل المغرم بك بالمجيء إلى هنا ……………… تورد وجه أوليفا لكنها ردت بهدوء : قبل أن تضيفي شيء أحب أ تعرفي أني و هوارد سنتزوج . ارتفع صوت ميلاني لحد الصراخ : تتزوجان تتزوجين رجلاً قد إلتقيته في رحلة بحرية ؟ أنت لا تعرفين شيء عنه قد يكون متزوجاً … ولن تستفيدي بشيء انتعش وجه أوليفيا بابتسامة : أعرف ما يلزم … إنه أرمل ماتت زوجته منذ أربع سنوات لديه ابن في الرابعة والعشرين ابنة في الثامنة …….. لعمله علاقة بالإلكترونيات ويعيش في يوركشاير ….هل من أمر آخر تريدين معرفته؟ أصبح وجه ميلاني أكثر تهجماً لعدم موافقتها على الزواج حتى يوم الزفاف وكانت ميلاني وزوجها المدعوان الوحيدين من جهة أوليفيا إلا أنه كان هناك عدد من الناس في مكتب الزواج يعرفون هوارد ويحبونه كما كان ظاهراً وقد توجهوا جميعهم إلى حفل الاستقبال الذي أقيم في فندق لندني . وهناك كان في انتظارهما شاب أسمر طويل . فقال هوارد بسعادة : بروس .. تمكنت من المجيء !ارتد هوارد إلى أوليفا قائلاً : تعالي لأعرفك إلى ابنك الجديد كان في أمريكيا يدرس في الجامعة ولولا ذلك لإلتقيته من قبل . قال بروس : هذا ما يظهر أنه ما كان علي أن أدير لك ظهري لحظة . تقدم يصافح أوليفيا ولكن هيلاري المترددة في الخلف عرفت بغريزتها أن هذا الأخ الغريب لم يقل كلمته على سبيل المزاح … كان يبتسم ولكن ابتسامته لم تكد تصل إلى عينيه …. حين شد هوارد هيلاري للأمام كانت يده ثقيلة ودافئة على كتفيها . وطافت عينا بروس باكتئاب وبعداء وارتد مسرعاً تاركاً هيلاري تفكر ( أنا لا أحبه وهو لا يحبني ). سمعت أمها تقول لزوجها : إنه يشبهك . وأرادت هيلاري الإنكار فهما غير متشابهين أبداً . أوه .. كانا مديدي القامة أسمرين ولكن بروس نسخة أكثر نحولاً من والده الضخم ووجهه نحيل أيضاً وخطوطه متعجرفة أما هوارد فذو وجه لطيف .. وعيناه ليستا زرقاوين كعيني أبيه بل هما رماديتان وفمه قاس . كانت تتطلع شوقاً لرؤية ستونكليف ……… المنزل الكبير الحجري الرمادي الذي أخبرها زوج أمها الكثير عنه وأرادت أن تلتقي بلورنا أيضاً . كان هوارد قد قال لها : تشعر بالوحدة لأنه ليس لديها من تلعب معه وأرى أنك مثلها مستوحدة . لكن كل البهجة والترقب اللذين كانت تحس بهما أصيبا بالكلل مع وصول هذا الغريب المعادي …ولم تعد واثقة من رغبتها في الذهاب إلى الشمال إلى ستونكليف ما دام هو ذاهب إلى هناك دنت منها العمة ميلاني وهي واقفة مع أمها وبما أنهما كانتا تقفان بمفردهما اغتنمت الفرصة وقالت بصوت كالفحيح : حسناً لا بأس بما فعلت لنفسك لعمله علاقة بالإلكترونيات …… حقاً ! ولكنك أغفلت ذكر المصنع الذي يملكه ……… و أعتقد أنك مسافرة إلى الشمال بدون إلقاء نظرة للخلف أو التفكير في من أطعمك وآواك عندما كنت لا تملكين شيئاً . رأت هيلاري أمها تشحب وكل السعادة تتلاشى عن وجهها . قالت بصوت منخفض : ميلاني أرجوك اخفضي صوتك لا أظنك ستصدقينني لكنني لم أعرف هذا قبل اليوم أوه …. عرفت أن هوارد ليس فقيراً …. لكن كل هذا ……… وضحكت ضحكة مؤلمة : كان هذا صدمة لي ……… بمقدار ما كان لك . سخرت ميلاني : أوه بالتأكيد عرفنا دوماً أننا لسنا من مستواك … حتى أخي المسكين … فطالما كنت معجبة بنفسك وبجمالك وبرشاقتك ….. أنت أكبر من العمل أو الحاجة … حسناً … لن تضطري إلى إزعاج نفسك بعد الآن ! انتفضت هيلاري ففي صوت العمة ضغينة حقيقية ولاحظت أن بروس واقف بالقرب منه ومما يبدوا أنه سمع أطراف الحديث وإن لم يسمعه كله . رأت زوج أمها يقترب مبتسماً فتحركت العمة بعيداً وغادرت المكان مع زوجها فأحست بالارتياح لأنها لن تراهما بعد الآن . تعبت هيلاري من الحفل والوجوه الجديدة فدخلت لغرفة النوم المجاورة .. كان هناك أريكة قرب النافذة فاحتبت عليها يهددها صوت الضحكات المتعالية في الغرفة المجاورة . لم تدر ما أيقظها ولكنها لما فتحت عينيها وجدت أنها ليست بمفردها فمن مكان قريب تهادى لها صوت رجل يقول : كانت مفاجأة للجميع ألم يخبرك ؟ لم يقل كلمة واحدة حتى آخر لحظة وهذا ما جعلني غير قادر على القيام بشيء …. وكان هذا صوت بروس الذي بدا مشبعاً بالغضب وهو يتابع كلامه : يا إلهي هذا طيش وجنون يأخذ عطلة ثم يعود بسكرتيرة حقيرة تسعى وراء ثروته ومعها ابنتها ….. لا يتوقع أحد منه أن يكون ناسكاً ولكن ما كان مضطراً لدفع ثمن لهوه بالزواج . أحست هيلاري بالغثيان لم تفهم ما كان يقال ولكنها تعرفت على الازدراء البارد في كلمتي سكرتيرة وابنتها فأرادت أن تقف وأن تهرع لبروس كي تلكمه وترفسه حتى يأسف لكلامه ولكنها عدلت عن ذلك كي لا يدخل الموجودين ويسألون عن السبب ولأفسدت سعادة أمها . إنها عائلتها الجديدة التي سيكون بروس جزءاً مهماً منها وهو لا يحبهما ولا يريدهما. دفنت وجهها في الوسادة ووضعت يديها على أذنيها وهي ترفض سماع المزيد . في وقت لاحق عندما جاءت أمها و هوارد لأخذها إلى ستونكليف كانت هادئة وأحست بالراحة عندما علمت أن بروس عائد لأمريكا ولن ينضم إليهما . كان عليها بالتدريج إعطاء بروس حقه فهو لم يسبب الأذى لأمها قط وكان مضطراً للاعتراف أن أمها ووالده سعيدين وكان مؤدباً دائماً ولم يكد يلحظ هيلاري أبداً بل لم يزعج نفسه بالتفكير بأخته لورنا التي كانت تعتبره بطلها ومثالها الأعلى . لوت هيلاري شفتيها وهي تفكر لم يملك بروس أية عاطفة أخوية ……… كان له صديقات عديدات جاء ببعضهن لستونكليف حيث يمررن تحت نظرات هوود المقومة الناقدة لكن كان من الواضح أنهن للتسلية ولم يظهر أن بوس على علاقة جادة مع أية واحدة منهن . محلياً كان بروس الفتى الذهبي المدير الإداري لمؤسسة جيلفورد التي كانت تتسع بسرعة كان هوود فخوراً به ويقول إن هذا الشبل من ذاك الأسد . لكن هيلاري اعتقدت أن في الأمر أكثر من ذلك ففي روس قسوة هذا عدا كراهيتها له وعدم ثقتها به فهي لم ترى منه أي حنان أو عطف . وفي السادسة عشر من عمرها توفيت أمها فجأة وهي نائمة وكان يومذاك مسافراً لكنه عاد لحضور الجنازة لكنها شعرت حتى وهو يقدم العزاء أن أفكاره في اتجاه آخر وأرادت أن تصيح في وجهه أنه ليس آسفاً أبداً . اعتمر كل العداء القديم في قلبها فردت عليه بشيء من البرودة وارتدت مبتعدة . وفكرت أنها لن تكرهه أكثر مما كرهته في تلك اللحظات لكنها الآن ترى العكس الآن . استندت للأريكة وهي تفكر أنها يجب أن تراسل لورنا وتعتذر فلن تعود مادام بروس موجوداً . أجفلها رنين الباب لأنها لم تتوقع زواراً . كشرت قليلاً وهي تفكر بمظهرها فوجهها خال من المكياج وشعرها معقوص للخلف ولكن الجرس رن بنفاذ صبر ولا جدوى من التظاهر أنها غير موجودة في المنزل فبمقدور أي كان رؤية الضوء من تحت عقب الباب . دفعت الرسائل جانباً ونادت : حسناً …… أنا قادمة ! افتر ثغرها عن ابتسامة وهي تفتح الباب فمن المحتمل أن يكون الطارق ستانلي الذي هو معجب بها ومع أنها معجبة به فهي بعيدة كل البعد عن الوقوع بالحب . بدأت : لقد فاجأتني في وقت غير مناسب ……. فأنا ……. \وتوقفت . ماتت الكلمات على شفتيها فقد رأت الطارق الواقف عند الباب بانتظار الدخول قال بروس جيلفورد : مرحباً هيلاري )
الفصل الثاني
_ غزو الشيطان
لم تستطع للحظات الحراك أو التفوه بكلمة شعرت أن أنفاسها مكتومة بشكل غريب ….. إنه كابوس …. لا شك أن بروس شيطان ابتدعته أفكارها … ففي الأشهر الماضية لم تسمح لنفسها التفكير به قط …ز لقد نحته بعيداً عنها ومحته من دماغها . الآن أجبرت رسالة لورنا أبواب السد المحكمة الإغلاق على الانفتاح …. وهاهو الشيطان معها . شدت الباب تنوي صفقه في وجهه ولكن ترددها برهة أفشل حركتها فقد عرف ما تنويه ودخل الغرفة . قال : اسمحي لي . وأغلق الباب بنفسه فأصبحا معاً . قالت هيلاري من بين أسنانها : أخرج من هنا . رد ببرود كعادته : أخرج متى كنت مستعداً لذلك .. استرخي فكلما أسرعت في الإصغاء إلى ما جئت أقوله كلما أسرعت بالخروج وهذا ما نرغب فيه معاً . قالت همساً : ماذا تفعل هنا بحق الله ؟ رد عليها بحدة : أنا لا أعد العدة لتنفيذ الهدف الشنيع الذي يخطر ببالك .. حباً بالله هيلاري ! اجلسي وتصرفي كإنسانة متحضرة . بدأت ترتجف في داخلها وطوت ذراعيها على صدرها وقالت : ماذا تعرف عن التصرف المتحضر ؟ قل ما جئت من أجله واخرج من هنا . دنا من الغرفة يتجاوزها وجلس على كرسي قبالتها وقال :أنت دوماً مضيفة دمثة الأخلاق . أراك متوترة كثيراً… ما الأمر ؟ قلت إنني أزورك في وقت غير مناسب … ألديك أحد ؟ طافت عيناه عليها بوقاحة فتوردت غضباً وقالت : لا ليس لدي أحد . وكادت ترفس نفسها … ربما لو كذبت…… لرحل . قال برقة : إذاًَ أنا محظوظ لأنني وجدتك بمفردك … فأنا أرغب في بعض القهوة . وقفت للحظات تنظر إليه بعجز ثم ارتدت على عقبيها قاصدة المطبخ الصغير … كادت المنشفة حول شعرها تنزلق فانتزعتها بنفاذ صبر ورمتها إلى سلة الغسيل الصغيرة ثم وضعت على الصينية أكواباً من البورسلان ثم وضعت الحليب في إبريق صغير مماثل … ثم سمعت صوت صغير من ورائها فنظرت لتجد بروس واقفاً خلفها يراقبها . قالت بصوت بارد اجتماعي : أتريد السكر ؟ رد ساخراً : ذاكرتك سيئة هيلاري … كم سنة عشنا معاً تحت سقف واحد وكم فنجان قهوة صببت لي ؟ لا … أنا لا أضيف السكر إلى القهوة وما فعلت يوماً . تقدم إلى الأمام يحجزها بينه وبين رف المغسلة خلفها ثم مد يده يرفع ذقنها وراح ينظر إلى وجهها منتقداً دفعت لمسته كل أطراف أعصابها للصراخ أرادت أن تضرب يده لتبعد يده عنها وتستخدم أظافرها وأسنانها للتخلص نفسها … ولكن لا فائدة إنه أقوى منها ولن يتوانى عن استخدام قوته . قال برقة : لا تتغيرين أبداً أليس كذلك ؟ أذكرك في السنوات الماضية … مخلوقة عدوانية صغيرة كلها شعر وعينان . ابتسمت ابتسامة جوفاء : غريب أن تقول أنت هذا كنت أفكر بالشيء ذاته بالنسبة لك … أوه لا أقصد الشعر بالتأكيد ولكن العدوانية والعينين لم تتغيرا قط ما زالتا باردتان . ابتسم : باردتين ! أهذا هو رأيك فعلاً ؟ لا أظن . تسارعت أنفاسها قليلاً : قد لا تحب سماع رأي الفعلي … والآن إن كنت تريد القهوة فالأفضل أن تتركني أعدها . عندما قدمت القهوة كان جالساً قرب النار يدخن سيكار الذي كانت رائحته تعبق في أرجاء المنزل وضعت الصينية من يديها …. وسألت : ماذا حدث للسجائر ؟ لقد تخليت عنها منذ سنة ونصف …….. هل لديك اعتراض على ذلك ؟ لا ولماذا تسأل ؟ هز كتفيه : لأن السيكار لا يليق بهذا المكان إنه غزو رجولي لمحيط أنثوي بالكامل .. أو على الأقل هذا هو الذي خطر ببالي وقد أكون مخطئاً . قالت : ربما والآن أخبرني ما تريد مني . لا شيء حبيبتي لا الآن ولا أبداً فلنؤكد هذا الأمر فلم آت للتطفل عليك لصالحي بل لصالح لورنا . نظرت للرسالة المجعدة فتبع نظراتها فلما رأى حالة الرسالة أطبق فمه بشدة وقال : يبدو أني قمت بالرحلة سدى على أي حال سأقول ما جئت لأجله لورنا خائفة لأنها لم تتلق خبراً منك إنها يائسة فهي تريد أن تأتي لمساعدتها بالزفاف . _ تلقيت الرسالة اليوم فقط كنت خارج البلاد ولم أعد إلا أمس . _ لا يبدو أن الرسالة أثرت فيك . قالت بلهجة لاذعة : انا وأنت نعرف أن لا مجال للعودة ويجب أن تقنع لورنا وأن تجد تفسيراً ما قد يرضيها . _ لا أستطيع أن أجد تفسيراً يرضي هوود إنه لا يستطيع الانتظار لتعودي … لاحظت بسخرية التردد الصغير وتساءلت عما إذا كان سيقول ( تعودين للبيت ). سألته :وكيف حاله .فلم تكن رسائله كافية ولم تكن تكشف عن شيء وكانت هي بدورها ترسل له العذر تلو العذر حول عدم عودتها إلى يوركشاير . رد بفظاظة : لو أردت أن تعرفي فعلاً لذهبت لرؤيته . وكيف تعتقدين حاله ؟ عالق في كرسي متحرك حتى لآخر عمره ! شهقت : مقعد متحرك ماذا تعني ؟ قال بقسوة : لقد أصيب بنوبة قلبية أقعدته جزئياً …. بإمكانه السير بضع خطوات بصعوبة … وهو قادر على استخدام يد واحدة . هزت رأسها : قال إنه ليس على ما يرام لكنه لم يلمح قط إلى ………. _ ولماذا يلمح ؟ لو كنت تهتمين لأمره لذهبت لرؤيته . نظرت إليه : هذا تفسيرك أنت ……… لا تفسيره . _ ربما .. كان دائماً ليناً معك … وكان على استعداد لتلمس الأعذار لك .. لن يكتب لك ويطلب أن تعودي لأنه مذعور من الشفقة . هو رجل قوي وجد نفسه أمام عجز جسدي لم يستطع السيطرة عليه أو التغلب عليه .. لديه ممرضة تعيش معه لكنه لا يطلب العون أو الشفقة من أحد غيرها. إنه يعتمد على عرس لورنا ليعيدك إلى ستونكليف كان بإمكاني أن أقول إنه أمل خائب . أحست بحلقها ينطبق ويثقل : هذا غير صحيح … أنا أحب هوود . _هذا ما ادعيته دائماً … فأنت تقولين إنك لا تطلبين شيئاً أكثر من أن تكوني ابنة له وأختاً للورنا ..حسناً .. هذه هي فرصتك الآن فكوني صادقة في كلمتك . أخذت تجادل نفسها مع أنه الآن لن يعرف ذلك . _ليس الأمر بهذه السهولة فلدي عملي …. والتزاماتي . التوى فمه : كما أوضحت سابقاً … لكن ألا تستطيعين إقناع من أنت معه على التزام أن لديك التزاماً مع هوود ؟ إلا إن كنت لا تنظرين إلى الأمر بهذه الطريقة أما بالنسبة لعملك فأعتقد أنه لن تضيره إجازة صغيرة من عرس لورنا . قالت غاضبة : اهزئ بي كما تريد فهذه حياتي .. وأنا سعيدة بها … ماذا تنتظر مني أن أفعل .. أن أكون سكرتيرة ****ة كأمي ؟ _صعب ذلك في وقت تستطيعين فيه الاعتماد على ما لديك ! كيف يحب الرجل الذي يعيش معك أن يشاركك مع آلاف المعجبين ؟ تعمدت أن تقوده إلى الاعتقاد بأن هناك مثل هذا الرجل : إنه يعيش . لن يفيدها أن تصرخ في وجهه أن وجهها وجسدها ملك لها وحدها وأنها أمام الكاميرا تلعب الدور الذي يمليه جول عليها لا أكثر ولا أقل ………. استقرت عيناه على وجهها : حتى وشعرك مشعث كأذناب الفئران .. أنت مذهلة أحست بتقلص في داخلها … لكنه رفع يده وقال : لا تجزعي قلت أنني لا أريد شيئاً منك فأنا أعني ما أقول جل ما أريده هو تعاونك معي لبضعة أسابيع . ثم أضاف ساخراً : ولن تخسري شيئاً خلال هذه المدة … فسأعوض عليك . قالت من بين أسنانها : ما أقدرك على إنزال قيمة الأشياء إلى مستوى المال اللعين !أنت تعرف ماذا يمكنك أن تفعل بمالك ! قال : وفري علي سماع هذا الغضب الأخلاقي .. أعرف أن هوود يدفع لك مبلغاً محترماً لتعيشي بالمستوى الذي أصبحت معتادة عليه ولا أستطيع منعه طبعاً ! ولكن تذكري أنه سيأتي يوم يتوقف فيه قطار هذا الكسب الغير مشروع… وإلى الأبد . فكرت هيلاري بوحشية : في ذلك اليوم ستكون راضية إلى حد لا يوصف لأنها ستعيد كل بنس من ذلك المال. ردت بخفة مصطنعة : تخيب أملي .. اعتقدتني مؤمنة مادياً مدى الحياة .. أما الآن فيجب أن أحذر لئلا أخسر جمالي . قال بلطف : سأعتني بك بشكل عام . وضع كوب القهوة من يده ووقف : شكراً للقهوة سأعود بسيارتي غداً إلى يوركشاير وسأمر بك في منتصف النهار . _ شكراً .. لكن لا .. شكراً .. لدي ترتيبات أقوم بها وهناك قطارات . _ أجل : هناك قطارات لكن هوود سيظن أن من الغرابة ألا نسافر معاً .. أنا لا أنكر جاذبيتك ولكني واثق من وجود عارضات أخريات في لندن . قالت : ثمة كثيرات . فرد : إذاً لا مجال للاعتذار . نظر إليها بهدوء : افعلي كما أريد … هيلاري .. وسأتأكد ألا يزعجك أحد في المستقبل وبعد الزفاف عودي إلى هنا وعيشي الحياة التي تليق بأهوائك … سأراك غداً … لا تجعليني أنتظر . أملت أن تستيقظ فتجد أنه حلم أو كابوس وتحرك فجأة بقلق فاصطدمت يدها بكوب القهوة الذي لم تشربه والذي انسكب حول المدفأة .. نظرت لحظات إلى ما فعلت وأجبرت نفسها على مواجهة الواقع . ستعود بطريقة ما إلى ستونكليف لتساعد لورنا على ترتيب عرسها … لا غرابة إذن أن يكون بروس ناجحاً في أعماله .. فما من عقبة تبقى في مكانها تحت ضغط قوته التي لا تقاوم . حبست هيلاري أنفاسها من فكرة شلل هوود .. فهو لطالما كان قوياً وإيجابياً لذا سيضايقه هذا الضعف الجديد كثيراً ووجدت نفسها تتساءل متى حدث هذا بالضبط . في الوقت عينه أقنعت نفسها بأن عليها ألا تشعر بالذنب ..فلو كان لاختفائها من ستونكليف شأن بما أصابه ولو من بعيد لذكر لها بروس ذلك … التوى ثغرها بابتسامة قاسية لا رحمة فيها … يا إلهي ما أشد ما كان سيرغب في ذكر هذا ! كان هوود مريضاً وكان بحاجة إليها .. لكن لماذا لم تخبرها لورنا هزت رأسها على حماقتها فلا شك أن لورنا كانت تطيع الأوامر ولا شك أن هوود أراد منها العودة من تلقاء نفسها … ولن يقبل من أحد أن يتوسل من أجله بمن فيهم بروس . تقدمت إلى الهاتف تطلب رقم جول فأجابت فيرا التي تدفق صوتها حالما تعرفت إلى صوت هيلاري . _ هل استمتعت بالرحلة ؟ هل أنت متعبة ؟ تعالي إلى العشاء غداً وأخبريني كل شيء . _ سأحب هذا .. ولكنني لن أستطيع .. أهو في مزاج رائق فيرا ؟ _تقريباً … ولكن لماذا هل من خطب ؟ قالت هيلاري : أنا مضطرة إلى السفر لبضعة أسابيع .. هذا كل شيء. _ هذا عذر كاف .. ماذا حدث ؟ لست .. مريضة .. أو شيء ما … عرفت هيلاري المغزى الحقيقي من وراء السؤال اللبق . _ لا شيء من هذا القبيل .. يجب أن أسافر إلى الشمال لأنظم عرساً عائلياً .. ابنة زوج أمي على وشك الزواج وثمة ذعر قائم . سمعت فيرا تتحدث إلى شخص آخر ثم تكلم جول بحدة : ما هذا هيلاري ؟ قالت فيرا أنك مسافرة أنت تمزحين بلا شك . أجابته هيلاري : ليتني كنت أمزح . …..سرعان ما شرحت له الموقف وتابعت : لكن هناك أكثر من العرس لقد عرفت للتو أن زوج أمي أصيب بالشلل ويريد أن يراني . _ أوه … يا إلهي . صمت للحظات … ثم : أتعلمين أن هذا وقع في وقت غير مناسب أبداً ؟ _ صدقني لو استطعت التهرب لفعلت ولكنهم عائلتي .. وأنا مدينة لهم بالكثير . _من الواضح أنك مضطرة .. لكن حباً بالله عودي في أسرع وقت ممكن .. فالذاكرة قصيرة في مهنتنا .. قلت إنها العائلة الوحيدة … ألم يكن فيها أخ كذلك أذكر أن جوليا ذكرته لي . أجل .. وما زال .. لكنني لا أعتبره أخاً لقد ترعرعت مع لورنا . _ لورنا المحظوظة .. قولي لزوج أمك إنه أحسن صنعاً في تربيتك … واتصلي بي حالما تعودين . _ إنه وعد . و أعادت السماعة إلى مكانها . ستكتب مذكرة لجوليا وستدفع للسيدة نورتون سلفاً وتعطيها التعليمات اللازمة في الصباح فلا مشكلة هنا. ولكن الصعوبة كيف ستواجه كل ما ينتظرها .. أولاً .. لولا العرس لعقدت اتفاقاً مع بروس قائلة : أريد العودة أريد رؤية هوود وقضاء بعض الوقت معه لكنني لن أفعل هذا إلا إن ابتعدت عن ستونكليف . لكن بسبب شلل هوود سيقدم بروس العروس إلى العريس فهذا هو التقليد .. لذا لا مجال لعقد صفقة . لكن بروس لا يعقد الصفقات ولكنه يتخذ القرارات وينفذها بحسب مصلحته .. فإذا فاوض توقع أن يكون الرابح وهذا ما يحدث معظم الأحيان لقد أظهر لها بقسوة أنها لا تستطيع أن تكسب شيئاً حياله وما زالت تحمل آثار الجروح العاطفية التي تثبت هذا . لم تنم عندما آوت إلى الفراش لكنها أقنعت نفسها بأنها ما كانت لتنام على أي حال لأنها لم تمارس تمارينها المعتادة ولم تحصل على هواء نقي يساعدها على النوم . كان أمامها الكثير في الصباح لذا لا وقت لديها للتفكير .. وضبت أمتعتها وحاولت تناول الفطور وهي تعطي للسيدة نورتون الدهشة تعليماتها ثم وجدت برنامج رحلة جوليا وراسلتها على عنوان المسرح الذي تعمل فيه الآن شارحة لها الأمر بسرعة . هرعت للخارج لتضع الرسالة في صندوق البريد ثم عادت ولاحظت وجود سيارة متوقفة أمام مبنى الشقة كانت تعيش فوق محل لبيع قطع صغيرة من الأنتيكات ومن الأثاث الأثري والمجوهرات ولا شك أن السيارة لأحد الزبائن ولكنها لا تظن هذا . كان بروس بانتظارها في أعلى السلم .. ارتد بنفاد صبر يواجهها : كدت أظن أنك هربت مني . _ كنت أبعث برسالة . ولكن ليس هناك ما تعتذر عنه وهي لم تتأخر هو من جاء باكراً سبقته للشقة .. فقال : إذا كنت جاهزة أرغب أن نغادر بسرعة .. لا تنذر التكهنات بحال الطقس بخير . دخلت لغرفتها وانتعلت مداساً عالياً من الجلد الأحمر فوق الجينز العاجي اللون الضيق … وارتدت معطفاً مماثلاً فوق كنزة سميكة من الصوف وثبتت شعرها فوق رأسها إنه طراز متزمت ولكنه يظهر عظام وجنتيها ويخفف من بروز فكيها التقطت الحقيبة وحقيبة الكتف التي تناسبها وخرجت لغرفة الجلوس حيث يقف بروس مرت نظرته على حقيبتيها . _أهذا كل ما ستأخذينه ؟ _ إنه كاف لقد تعلمت السفر بأحمال خفيفة . _ لكن ليس بمفردك . في كلامه الناعم حدة أغضبتها لكنها قررت تجاهله التقط الحقيبة وقال أنه سيضعها في السيارة ريثما تتأكد من الأقفال . كانت تحكم رتاج النوافذ حين رن جرس الهاتف الذي تناهى منه صوت ستانلي بلاكهام واضحاً على الخط : هيلاري أخبرني جول أنك مسافرة للشمال لوقت غير محدد ماذا يجري ؟ غار قلبها بسبب نبرة الحزن في صوته ولكنها تفهم حزنه فقد التقته منذ أشهر وتوافقا فوراً تقريباً .. ثم بدأ الجميع يتحدثون عنهما وكأنهما حبيبان وراحوا يدعونهما إلى المناسبات لم تكن هيلاري واثقة أن هذا ما تريده غير أنها كانت سعيدة إلى حد ما فكان أن سمحت لكل شيء بالمضي قدماً شرط ألا يبدأ ستانلي بالمطالب التي لا يمكنها الوفاء بها . قالت : أنها حالة عائلية طارئة وقعت على رأسي فجأة آسفة لأنه لم تتح لي الفرصة للاتصال بأحد . _لم أعتقد أنني مجرد أحد … هل ستغيبين مدة طويلة ؟ _أرجو ألا أغيب طويلاً .. سأبقى هناك الوقت اللازم ولن أطيل لحظة أطول لدي رزقي الذي علي أن أجنيه بعرق الجبين وكما ذكرني جول لديهم ذاكرة قصيرة في عالم الأزياء . أصبح صوته دافئاً ومرحاً قليلاً : سيتذكرونك فأنا مثلاً لا أستطيع إخراجك من رأسي ليلاً ونهاراً. هذا ما أقلقها قليلاً لكنها ابتسمت : ليت وكالات الدعاية في البلد تشعر بما تشعر به أتظن أن العدوى تسري . أحست أن بروس عاد ووقف بالباب يراقبها بصمت ويصغي ولم تعد تسمع ما كان ستانلي يقول فاضطرت إلى التركيز على ما يقوله إن الأسمر القاتم وراءها شوش أفكارها وعقلها . قال ستانلي بلكنة خاصة : سيكون الطقس رهيباً في الشمال في هذا الوقت من السنة والأرصاد الجوية تنذر بجو سيئ اليوم .. هل ستعتنين بنفسك حبي ؟ _ أجل سأعتني بنفسي . تسمرت لا تقوى على الحراك عندما أدركت ما قالت .. كانت الكلمات كمفتاح سري في عقلها أو سبباً لإطلاق الكوابيس المسجونة هناك وجدت أنها تمسك بسماعة الهاتف بقوة حتى ابيضت عقد أصابعها وأجابت ستانلي بكلمات مفردة : نعم أو لا وكانت خلال ذلك تدعو الله أن يكون كل رد هو الرد المناسب لأن كلامه كان غامضاً لها . أخيراً قالت بمرح مجنون في صوتها : اسمع علي حقاً الذهاب أراك حين أعود . ودعها ستانلي الذي بدا خائب الأمل فقد أمل أن تعطيه العنوان الذي ستذهب إليه أو رقم الهاتف ليتصل بها . أعادت السماعة بأصابع مرتجفة ثم ارتدت ببطء تلاقت عيناها مع عيني بروس بدت عيناه باردتين مترقبتين فعلمت أن كلماتها أثارت في نفسه الذكريات أيضاً وفي لحظات لا نهاية لها أمسك الماضي الكئيب بخناقهما . لو تراجعت لتقدم نحوها كنمر يلحق بفريسته .. لكن لا داعي للتراجع ففي ما قالته هذه المرة حقيقة ناصعة . إنها قادرة على العناية بنفسها وستفعل .. ولن يقدر أحد بمن فيهم بروس على أذيتيها . جلست إلى جانبه بصمت فيما السيارة تنهب الأميال فوق الطريق الرئيسية وجدت هيلاري نفسها تكرر تلك الكلمات مراراً وتكراراً كأنها تعويذة ستحفظها سالمة .
3- وشم النار
كانا قد انطلقا منذ ساعة ونصف ولكنها لم تدرك ذلك حتى شغل بروس ضوء إشارة التحذير ليبتعدا عن الطريق العام فسألته بحدة : إلى أين تذهب ؟ _ لنأكل .. ثمة نزل أستخدمه دائماً غير بعيد عن هنا . _ أيجب أن نتوقف أنا لست جائعة . قال ببرود : أجل أنا أنوي أن أتوقف .. فإن لم ترغبي بالانضمام لي فانتظريني بمفردك في السيارة . ضمت هيلاري شفتيها بغضب لأنها لا تنوي أبداً الجلوس في السيارة .. فالقرية التي دخلاها أخيراً ساحرة منازلها جميلة تتجمع حول مروج وبحيرة للبط .. أما النزل الواقع بعيداً عن الطريق قليلاً فهو عبارة عن مبنى طويل مطلي بالأبيض حاولت فتح الباب دون جدوى فاستدار بروس وفتح لها الباب من الخارج .. كانت خائفة للحظة أن يساعدها على الترجل فهي لا تريده أن يلمسها ترجلت دون تلك الرشاقة التي اعتادت عليها فلاحظت الابتسامة الصغيرة الساخرة التي تلوي فمه. وفيما كانا متوجهين إلى باب النزل ظهر كلب ألزاسي من وراء النزل وتوقف عندما رآهما ثم شنف أذنيه تسائلاً وحرك ذنبه قليلاً . صاحت هيلاري باندفاع ومدت يدها : ياله من كلب جميل ! تقدم الكلب يشم أصابعها ثم سمح لها بحك رأسه ……. قال بروس بفظاظة : أنت لا تتعلمين أبداً .. أليس كذلك يا هيلاري ؟ أمسك يدها وقلب راحتها لفوق ليشير إلى علامة بيضاء واهية وقال : ألم يعلمك كلب كايل نيوتن شيئاً ؟ تورد وجهها وهي تسحب يدها من يده .. حدث ذلك في أول صيف قضته في ستونكليف يوم ذاك رأت الكلب في الطريق خارج المنزل فهرعت إلى خارج البوابة تتوق لملاعبته .. حيث ارتد عليها مزمجراً وعض يدها وأدماها صرخت من الرعب أكثر منه من الألم .. بروس الذي كان في المنزل كان أول الواصلين إليها .. فارتمت عليه تنتحب وذراعاها تتعلقان به .. لكنه أبعدها عنه وصحبها بقسوة إلى سيارته ليقلها إلى المستشفى المحلي للاعتناء بالجرح وهناك حقنت بحقنة مضادة للكلب … كانت أسوء من العضة ذاتها تتذكر جلوسها باكية قربه في السيارة وتتذكر ما قاله لها بازدراء و ببرود : ألا تعرفين أن من الخطر مد يدك إلى كلب غريب .. أيتها الحمقاء الصغيرة ؟ لم تقل يوم ذاك أنها تعرف القليل عن الكلاب فالعمة ميلاني لم تكن تملك أي نوع من الحيوانات الأليفة . كم كرهت بروس في ذلك الوقت لأنه لم يتفهمها .. إنه أسوء من ذلك الكلب ! ابتسمت للذكرى : لو كان كلباً شرساً لما تركوه يجوب المكان كما أني تعلمت الكثير عن الكلاب .. لكن الناس هم الذين لا أثق بهم . وفيما تركت الكلب يبتعد ليرحب بالمزيد من الوافدين أضافت بعفوية :فحتى من يبدون متمدينين قد يتصرفون كالحيوانات أحياناً . عندما استرقت النظر إليه رأت أن كلماتها أصابت هدفها فقد شحب لونه فجأة وأصبحت عيناه كما الجليد عندئذ شعرت بالاكتفاء فتقدمته بالمسير . داخل النزل وجدت أن المكان لم يتعرض لأي تغيير فالسقف ما يزال مدعوماً بعواميد خشبية ونار وحطب تشتغل بقوة في موقد حجري قديم ومقاعد من خشب السنديان الصلب المرتفعة الظهور تحيط بالمدفأة وأشار بروس إلى أنهما سيجلسان هناك . أعطاها لائحة الطعام : ماذا تشربين ؟ _ عصير الطماطم فقط أرجوك . كانت لائحة الطعام قصيرة وبدا أنها تتجنب الوجبات الدسمة والشواء وتركز على المعجنات والحساء الساخن البيتي كحساء الخضار وتشكيلة من السندويشات . قال بروس وهو يجلس إلى جانبها على المقعد : _ الحساء هنا وجبة بحد ذاتها .. ولا شك أن هود قد طلب عشاءً للاحتفال الليلة . ردت بلهجة تعمدت أن تكون مرحة : من أجل عودة الابنة الضالة المفضلة .. حسناً إذن سأتناول الحساء مع سندويش جبنة . قال بروس مبتسماً للفتاة التي حملت طلباتهما وقال سأتناول مثل ما طلبته . لاحظت هيلاري أن الفتاة ألقت عليه التحية وكأنها تعرفه خير معرفة وهذا ما فعالته زوجة صاحب المكان التي تخدم الزبائن وراء طاولة القهوة والعصير . رشفت عصير الطماطم وحاولت تجاهل نظرات الفضول الموجهة إليها فقد أوشك الزبائن على التعرف إليها لكن لم تكن كل النظرات موجهة إليها فمعظم النساء كن ينظرن إلى بروس بإعجاب ظاهر ..ساحر حين يختار أن يظهر سحره وهاهي النادلة الشابة واقعة تحت تأثير سحره لكن لم يرمها سوء حظها حتى الآن لترى حقيقته .. وليس لديها فكرة عما يخبئه تحت مظهره البراق المخادع سمعت هوود يوماً يقول لزميله بالعمل : بروس صديق وفي ولكنه عدو لدود أيضاً . حسناً هي خير من تعرف مدى سوء خلقه فقد كاد يحطمها . قال لعلي لم أقاطع حديثاً مهماً عندما كنت في الشقة ؟ فتورد وجهها قليلاً : ليس بشكل خاص لقد قلنا ما نحن بحاجة لقوله قبل عودتك . سألها : كان رجلاً ؟ ردت : أجل . قال : ذلك الرجل .. ؟ قالت : واحد منهم ! وكانت كذبة قد ترتد عليها . _ لا تمنحين حظوتك على ما يبدو إلى شخص معين بشكل حصري ؟ أحست بالازدراء في لهجته .. لكن لماذا تهتم ؟ إنها لا تريده ولا تريد أن يحسن رأيه بها .؟ _ لا يتوقع أحد مني هذا … هل من غرض ما وراء هذا الاستجواب ؟ نظر إليها بقسوة : بالتأكيد أريد أن أشير إلى أن شقيقتي تمكنت خلال غيبتك من تحقيق الاستقرار في حياتها ولا أريد أن يكدر هذا شيء . تسمرت هيلاري .. فقالت ببرود : لا أظن أن لي هذا القدر من التأثير في لورنا . _ أظن أنك تقللين من قدر نفسك . _ في هذه الحالة يذهلني أنك ضغطت علي لأعود معك .. كان يجب أن تبذل ما في وسعك لأبتعد للأبد إلى الأبد . _ لو كان الأمر متروكاً لي وحدي لفعلت ذلك صدقيني هيلاري آخر ما أريده هو أن تعودي إلى حياتها .. إلى حياة أي من .. و أنا أعرف أنك تكرهين عودتك إلينا بمقدار ما نكره . لم تحاول إخفاء السخرية من ردها : شكراً لك ….. _لقد بذلت جهداً كبيراً لأثني لورنا عن مراسلتك لكنها حين أشركت هوود في الأمر وقالت له أنها تحتاج إليك ولا تستطيع تدبير أمورها بدونك وجدت أن لا مجال لدي للمعارضة . _ هذا غير عادي بالنسبة لك وأنت على حق لقد تجنبت الاتصال بك وتجنبت رؤيتك أو التكلم معك مرة أخرى لكنني ما كنت لأفسد علاقتي بأحد لو كنت مكانك بل سأفعل ما تطلبه لورنا ثم أعود إلى حياتي الخاصة . _ طمأنني قولك هذا ولكن ماذا عن هوود هزت كتفيها : سأفكر بقصة ما ترضيه .. لا شك أنه كثيراً ما تساءل عن سبب ابتعادي كل هذه المدة فهل لي أن أعرف ما الذي قلت له هذا إذا قلت شيئاً . _ أقل قدر ممكن ولكنه لم يكن شيئاً قريب من الحقيقة وهل تتصورين أني قادر على ذلك ؟ فضلت أن يبقى له بعض الوهم في نفس هوود عنا .. هل من شيء آخر تريدين معرفته . _ لا شيء . لكن قلبها كان يخفق فالطريقة التي تكلم بها لا تبين لم يراهما أنهما افترقا بعنف ومرارة .. وكانت مسرورة لوصول الساقية التي حملت إليهما الحساء وسلة خبز … ولولا وجود الرجل المعادي الذي يجلس إلى جنبها والمشاكل التي تنتظرها في يوركشاير لاستمتعت بالوجبة . بعد صمت قصير قالت : أما تزال السيدة ستارلت تعد السلطة المطلقة في ستونكليف ؟ قدم لها طبق السندويشات ورد :إذا أحببت وصف الأمر هكذا .. لم تحبيها قط .. أليس كذلك هيلاري ؟ _ ليس كثيراً .. لكنها طالما أوضحت أن لا وقت لديها لي أو لأمي . تقلص وجه بروس لحظات ثم قال : يجب أن تتذكري أنها مع عائلتي منذ زمن بعيد … _من غير المحتمل أن تسمحوا لي بالنسيان . بالعودة إلى الماضي تذكرت كم واجهت أوليفيا صعوبات في الأشهر الأولى على توليها شؤون المنزل كونها سيدة ستونكليف .. في البداية واجهت صعوبة في القبول بالتغيير وزاد من توترها السيدة ستارلت المعتادة على الاعتراض على أي اقتراح إذ كانت تقول بصوت وقح : كانت سيدة البيت تحب هذا بهذه الطريقة . .. لكن تدريجياً تعلمت الثقة بنفسها وبما أن هوود دعمها استولت بهدوء وحزم على زمام الأمور من السيدة ستارلت التي اضطرت إلى التراجع متذمرة .. لكن هيلاري بحساسيتها المفرطة أدركت أن السيدة ستارلت لن تتسامح أو تنسى بأن يحل مكانها كسيدة فعلية للمنزل . امرأة تعتبرها دخيلة .. عانت هيلاري في طفولتها بطرق كثيرة لكنها لم تكن الوحيدة فلم تكن السيدة ستارلت تهتم بلورنا أيضاً كانت تعتبر كالأطفال عوائق أمام إدارة المنزل فلورنا في مراهقتها تعرضت لنوبات اضطراب وصلت أحياناً لحد الهستيريا وتعتقد هيلاري أن ذلك عائد إلى قيام السيدة ستارلت بإجبار الطفلة على النوم في الظلام وهذا ما عرفته منذ وطئت قدماها ذاك المنزل كان الإقناع بالحسنى هو أنجح وسيلة معها لكن ما إن يحاول أحدهم فرض أي نوع من التسلط عليها حتى يأتي رد فعلها شديداً . وتتذكر هيلاري أن الشخص الوحيد الذي كانت لورنا تخاف منه هو بروس الذي طالما قلق عليها من تصرفها المتهور والذي كان مستعداً لتقديم التنازلات من أجلها في أكثر المناسبات . إن عودة هيلاري إلى ستونكليف هي إحدى المناسبات تلك خاصة إذا أظهرت لورنا ميلاً للعودة للهستيريا وهذا سلاح لم تتردد قط في استخدامه . تنهدت متسائلة عما إذا عرف تشارلي ايزيربلورد ما هو قادم … أم اكتشف تركيبة سحرية للسيطرة على لورنا الحب يجترح المعجزات … لكن …. أحست فجأة أن بروس يتفرس فيها عاقداً حاجبيه في عبوس واضح . قالت : آسفة أقلت شيئاً كنت أفكر . قال بصوت جاف : بل كنت ضائعة في أفكارك التي لم تكن لطيفة على ما يبدو .. سألتك إن كنت ترغبين في القهوة . قضمت آخر قضمة في السندويش : أجل أرغب بالقهوة .. كانت الوجبة لذيذة ما أجمل هذا المكان وما أجمل القرية فهي تبدو مثيرة للاهتمام … ما أروع الإقامة فيها ! قال ببرود : أستطيع القول إن من الممكن تدبير أمر هذا .. فلا سياحة في هذا الفصل هنا .. ولا شك أن لديهم غرفاً شاغرة . لما تلاقت عيونهما اتسعت عيناها بعدم تصديق صريح وغزا الدم وجنتيها وقالت بصوت مرتعش : كنت أتحدث بشكل عفوي ولم أقصد بقولي أن أطلق لك دعوة .. ربما كان يجب أن أوضح لك هذا . نظر إليها ساخراً : ربما … قد تكونين امرأة متحررة هيلاري .. ولكنك ما زلت مرغوبة وجميلة .. ولقد قلت في وقت سابق أن لا حق حصري لأحد عليك .. فهل تلومينني حقاً إن جربت ؟ كاد الغضب يهدد بخنقها ولكنها أجبرت نفسها على القول بهدوء : ألومك .. لا .. بل أحتقرك أجل والآن هل لنا أن نغير الموضوع أجد هذا الموضوع مقرفاً . قال ساخراً هذا ما تقوله عادة العذارى المحتشمات لكننا نعرف أن هذا بعيد عن الحقيقة أليس كذلك يا هيلاري ؟ اشتدت قبضتاها بقوة وبدأ صدرها يعلو ويهبط ثم قالت متوترة : هل تذهب الآن أرجوك .. لا أرغب في القهوة . _ كما ترغبين . أشار للساقية لتحمل إليه الفاتورة فاعتذرت هيلاري وتوجهت إلى الحمام حيث وقفت طويلاً وأصابعها تقبض على حافة المغسلة وعيناها تنظران إلى صورتها في المرآة .. ما جنته على نفسها بالموافقة على العودة لا بد أنها فقدت رشدها عندما وافقت . غسلت وجهها وسحبت نفساً عميقاً لتستعيد سيطرتها على نفسها إنها تكرهه تقرف منه فلماذا عندما ينظر إليها وإلى قدها تشعر بتحرك شيء في أعماقها ؟ أحست بالغثيان من الغدر الداخلي .. فالثقة بالنفس التي كسبتها في السنتين الماضيتين بدأت تهجرها ولكن لطالما كان لبروس القدرة على تحطيم ثقتها بنفسها لكن من المهم جداً عدم إظهار دليل على ذلك يجب أن تقنع بروس ونفسها أن ما تشعر به هو عدم الاكتراث وأن أشد ملاحظاته المؤلمة لا تؤثر فيها . سحبت نفساً طويلاً وعادت إلى غرفة الطعام كان بروس واقفاً يتحدث لزوجة صاحب النزل ويبتسم .. وفيما كانت تنظر إليه أحست بجاذبيته لكن يجب ألا تدع نفسها تنسى الجرح الذي سببه لها منذ سنتين أبداً . بدأ المطر يهطل إلى شكل قطرات كبيرة وباردة فبدت نذير شر . كانت تراقب الطريق بشوق لكنها تمكنت من كبت الشوق بتذكير نفسها بأن من المستحيل أن تعود . لكنها عادت وبصحبة الرجل الذي دفعها للهروب في هذه اللحظات فكرت أنها لا شك فقدت عقلها ! قال بروس فجأة : بإمكانك فتح عينيك الآن لقد وصلنا . أطاعته لكنها انبهرت من الأضواء المتدفقة من الطابق الأرضي كان الباب الأمامي مفتوحاً على مصراعيه ورأت جسد لورنا النحيل يتراقص هياجاً . _ آه هيلاري ! هيلاري ! ما أروع رؤيتك أيتها الماكرة كيف ترحلين دون أن تودعيني لقد اشتقت إليك ! عقدت ذراعها حول خصر هيلاري وأدخلتها إلى المنزل كانت السيدة ستارلت بالانتظار في الردهة وكالعادة بدت مرتبة في فستانها الكحلي أما تعابير وجهها فلم تشر إلى الترحاب ولا الرفض . نظرت هيلاري إليها ببرود : مساء الخير سيدة ستارلت . _ مساء الخير يا آنسة إن أحببت أن تلحقي بي لأريك غرفتك . قاطعتها لورنا بنفاذ صبر :لا ضرورة لذلك فهي تعرف غرفتها ألا تتذكرين أنه بيتها ؟ ودادي يريد أن يراها فوراً فهو على أحر من الجمر منذ الغذاء … الحبيب المسكين .. هل أخبرك بروس بحالته . تنهدت هيلاري : أجل لماذا لم تخبريني بذلك لورنا ؟ قالت بانفعال : لو فعلت لخنقني إنه يكره الشفقة ويكره أن يتنازل أحد من أجله يصر على القيام بأكبر قدر من حاجاته بنفسه وظنناه يبالغ في إظهار استقلاليته في البداية ولكن الطبيب قال أن لا بأس بذلك . سحبت نفساً عميقاً وقالت : الآن أنت هنا وسيكون كل شيء على ما يرام لقد عدنا عائلة من جديد . ردت هيلاري : حتى تتزوجي . ضحكت لورنا مترددة : أجل …. هذا ما أعتقد لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة . ضغطت هيلاري على ذراعها بمحبة : حبيبتي هل أنت سعيدة ؟ ردت لورنا بخفة : كأنني في الفردوس .. فتشارلي يعبد الأرض التي أسير عليها . _ الواضح أنه زوج مثالي .. وأرجو أن يكون هذا الإخلاص متبادلاً . _ طبعاً و إلا ما كنت لأتزوجه . اقتادت لورنا هيلاري من الردهة إلى غرفة الاستقبال وهناك فتحت الباب بانفعال معلنة : هذه هي دادي . لم يكن هوارد جيلفورد في الكرسي المتحرك بل كان واقفاً بصعوبة على قدميه يسند نفسه بصعوبة على عكازين .. قال : هيل يا فتاتي العزيزة . وهرعت إليه وحين استطاعت الوثوق بصوتها قالت : هذا ما تفعله ما إن أدير ظهري . قال بصوت أجش : هذا ما يبدوا . وابتسم لها لقد فقد الكثير من وزنه وعلى وجهه خطوط قلق ومعاناة . أردف : لكنني صممت أن أرحب بك وأنا واقف على قدمي وليس في هذا الشيء اللعين . ونظر إلى الكرسي بغضب نظرت إليها هيلاري بانتقاد وقالت : تبدو أنيقة لماذا كل هذه الآلات ألن تريني كيف تعمل نظرت لورنا إليها بامتنان أما هوود فكان يحاول العودة إلى الكرسي ونظر إليهما باعتداد : أستطيع تدبر أمري كما تريان نحن لا نحتاج إلى الممرضة لماذا لا نصرفها من العمل ؟ انحنت لورنا تقبل رأسه : لأنني و هيلاري لن نستطيع خدمتك كما يجب ليلاً ونهار أنت لا تستطيع الحراك دادي وبدل طرد المسكينة يجب أن أقنعها يومياً بالبقاء . تمتم وقد ازدادت نظرة الاعتداد بالنفس عمقاً : المرأة بلهاء أين بروس ؟ دخل بروس الغرفة : أنا هنا كنت أنتظر حتى ينتهي اللقاء . نظر إليه والده عابساً : أوه ..؟ حسناً لدي ما أقوله لك لكما معاً أنا لست أعمى أو غبياً وأعرف أن مشاكل وقعت بينكما قبل أن ترحل هيلاري لا أدري ما السبب ولا أريد أن أعرف أنتما ناضجان الآن ولم تعودا طفلين ومن حقكما أن تختلفا إذا أردتما هذا لكنها عادت إلينا مرة أخرى إنها في بيتها حيث تنتمي وأريد نهاية لكل ما جرى مهما كان يجب أن ينتهي وأريد أن يعم السلام بينكما . قال بروس ببرود إذن ليكن السلام شرط أن تكون هيلاري راغبة . عندما مد يده تركت أصابعه تلامس أصابعها للحظة سريعة بإحساس مخدر وبعدم القدرة على الكلام . _ هذا سلام جليدي قبلها وصالحها يا رجل من يراكما يظنكما غريبين . وقفت هيلاري مشلولة من فوقها رأت وجه بروس محفوراً كالقناع وعندما انحنى نحوها أغمضت عينيها رفضاً لكنها أحست بقبلته وكأنها وشم ساخن . قال هوود راضياً مبتسماً : هكذا أفضل . قال بروس : سأذهب لأضع السيارة في المرآب . وترك الغرفة بدون أن يلتفت إليها . نظر هوود إليه وهو ينسحب : ماذا دهاه الآن ستحمل السيدة ستارلت الشاي بعد لحظات . ضحكت لورنا وقالت بمرح : كأنه بحاجة إلى دوش بارد تعالي فلنصعد إلى فوق ولنتأكد من وجود كل ما تحتاجين إليه قبل وصول الشاي . في الطريق إلى فوق همست لورنا : ما كان كل هذا بحق الله هل كرهت بروس حقاً .؟ هزت هيلاري كتفيها وقالت مراوغة : بطريقة ما . _ أعرف أنه قد يكون خنزيراً قذراً لقد أشعرني أني … أنني حشرة لكن ربما تحسن قليلاً مؤخراً أو أنا أصبحت أكبر سناً إذا لم أعد أخاف منه كما كنت .. أتذكرين ؟ ردت : أذكر جيداً . ضحكت لورنا : طالما دافعت عني أليس كذلك يا حبيبتي فلم تخافي قط من بروس إذن ما الذي قاله لك ليجعلك تتركين البيت هكذا ؟ عم تشاجرتما ؟ اختارت هيلاري كلماتها بدقة :حسناً بإمكانك القول أنا تشاجرنا بسببك . بدت لورنا مدهوشة : بسببي أنا ؟ لكن هذا رهيب لم يكن لدي فكرة أوه هيلاري . ضمتها هيلاري قليلاً : لا يهم حبيبتي كما قال والدك لقد انتهى كل شيء الآن . أو هذا ما آمله فجأة شعرت بالذعر أوه لماذا كان على هوود أن يقول شيئاً ؟ تابعت لورنا بإلحاح : لكنه مهم يجب أن تخبريني ماذا جرى هيلاري لي الحق بمعرفة السبب . فتحت الغرفة التالية بعد غرفتها تلك التي سكنتها منذ كبرا عن المشاركة بغرفة واحدة ترددت هيلاري ثم توجهت إلى السرير تفتح حقيبة زينتها لتبدأ بإخراج مواد التجميل ثم قالت ببطء : يتعلق الشجار بالحفلات التي كنت تذهبين إليها وبتلك الزمر الفظيعة التي كنت تخرجين معها كان بروس على ما يبدو يلومني . قالت لورنا ساخطة : هذا غباء . ثم برزت فكرة صدمتها ونظرت إلى هيلاري نظرة رعب : أكان يعرف بها آه يا إلهي لكنه لم يقل كلمة ولم يلمح تلميحاً أنه يعرف حتى حين داهمت الشرطة منزل هورلي وضبطتهم يدفنون الحشيش . ارتعشت : أشكر الله لأنني لم أكن هناك تلك الليلة . لكنك كنت هناك في ليال أخرى رغم كل ما قلته هزت كتفيها بعدم ارتياح : حسناً أجل يرتكب المرء هفوات في مرحلة ما في حياته . بدا رأس هيلاري يؤلمها فانتزعت الدبابيس منه وتركته ينسدل على كتفيها سألت : ليس جميع الناس فلم يحدث أن فعلت ولا أعتقد تشارلي فعل ذلك . ضحكت لورنا : تشارلي ؟ يا إلهي إنه رجعي لقد نال يوماً مخالفة مرور بسبب ذلك وقوفه في مكان ممنوع فتصرف وأن ذلك نهاية العالم . نظرت إليها هيلاري بقلق في صوتها رنة سخرية لم يفتها سماعها .. قالت بلطف : ليس عيباً أن يتقيد بالقانون تعرفين هذا يا حبي فقلة من الناس هم هكذا في هذه الأيام . أجل أعرف لكن فلنعد إلى ما جرى بينك وبين بروس هل قال إن ذهابي إلى تلك الحفلات هي غلطتك ؟ _ شيء من هذا القبيل . ردت لورنا : وتشاجرتما ؟ _يمكنك قول هذا اسمعي لورنا أفضل أن أفعل ما اقترحه هوود أن أنسى كل شيء . اكتسى وجه لورنا الجميل تعبيراً شيطانياً : إذن سأسأل بروس . نظرت هيلاري إليها برعب : لا ! لا لورنا يجب أن لا تسأليه إن تحدثت بهذا مع أي شخص فلن أسامحك وسأغادر البيت ولن أعود إليه ما دمت حية . تلاشت كلماتها المقطوعة الأنفاس إلى صمت عميق وطويل ثم تكورت شفتا لورنا في صفير صامت ملؤه الذهول قالت ببطء : أرى أنك تعنين ما تقولين أنا آسفة حبيبتي لن أقول شيئاً إذا كانت هذه رغبتك ولن أذكر الأمر مرة أخرى لكن لا تذهبي أحتاج إليك أحتاج إليك حقاً لن أتحمل ذهابك الآن . ارتدت عنها فجأة : أراك في الأسفل بعد قليل . وذهبت إلى غرفة نومها تقفل الباب المشترك بين الغرفتين . أثارت المصالحة التي جرت بينها وبين بروس في الأسفل توترها ورفعت يداً إلى الخد التي لثمها عليه وكم دهشت لأنها لم تر علامة عليه تذكرت بقوة آخر مرة عانقها بقسوة غاضبة . كل الدفاعات التي بنتها بكل حذر ضد الماضي ضد العنف وضد الألم والعذاب والبؤس بدأت تتداعى من حولها الباب السميك الذي تعلمت أن تقفله في رأسها تعطل . هزت رأسها لتنفض عنها الصور التي بدأت تتراكم فيه لو تركت تلك الصور تأخذ مجراها لغادرت المكان حالاً وفوراً لكن لورنا بحاجة إليها قالت لورنا إنها لن تتحمل أن تذهب مرة أخرى . همست لنفسها بصوت مرتجف : لكن … هل أتحمل أنا … البقاء ؟
4- -الفجر الذي مات
لم يظهر بروس عندما تناولوا الشاي .. فشعرت هيلاري بالراحة ولكنها مع ذلك كانت متوترة بحيث لم تستطع إعطاء حكم جيد على بسكوت السيدة ستارلت الهش الرقيق وعلى الكايك بالليمون عبس هوود عندما رأى قلة شهيتها وأحست أن لورنا تراقبها مفكرة في أكثر من مناسبة . أفزعها أن تعرف أنه سيقام حفل صغير على شرف عودتها إلى ستونكليف لكنها حاولت إظهار حماس مقبول فالواضح أن لورنا خططت له عن طيب نية . سألت : من سيأتي بالضبط ؟ _ حسناً .. تشارلي بالطبع .. شخر هوود ساخراًَ وقال يقلدها : تشارلي بالطبع .. إن كمية الطعام التي يأكلها هذا الشاب هنا تجعلني أتساءل عما إذا كان عنده بيت يأوي إليه ؟ نظر إلى لورنا بمحبة وهو يتحدث ممازحاً ولكنها ابتسمت ابتسامة المجبر على إظهار السرور وكأن ما قاله أبوها نكتة تقال دائماً ؟ ارتدت إلى هيلاري : عدا تشارلي دعوت عائلة ميدوينتر تذكرينهما أليس كذلك ؟ ميدوينتر أتقصدين جون وآغنيس يا الله خلتهما في أفريقيا يساعدان بلداً ناشئاً في الوقوف على قدميه . ضحك هوود بصوت مرتفع :هكذا كانا حتى أصبحت تلك البلاد لا تروق لآغنيس فعادا إلى الوطن . أضافت لورنا بعفوية : لقد اشتريا منزل هورلي القديم يعمل جون في ليدز في منزل والد أغنيس . علقت هيلاري : بكلمات أخرى عودة إلى الضوء . قالت لورنا بشيء من الحدة ما هذا بغلطة جون فما دامت أغنيس ممسكة بزمام الأمور المالية فستبقى قادرة على فرض الشروط التي تريدها وتعرفين هذا . هزت هيلاري كتفيها : بالضبط لهذا يدهشني أن تدعيهما الليلة لم تكن أغنيس الشخص المفضل لديك كما أذكر ولم تكن هكذا بالنسبة لي بالتأكيد . نظرت إلى أبيها بحنان : لكن دادي يحبها ويستمتع بمغازلتها أليس كذلك يا حبيبي ؟ ابتسم هوود بهدوء : أغنيس امرأة جذابة تجيد لعب مثل هذه الألاعيب لكن هذا أبعد ما التزم به أما جون فهو ليس رجلاً سيئاً ولم يكن قط لكنني سأحترمه أكثر لو وقف بوجه أغنيس ووالدها بعض الأحيان . ضحكت لورنا : لا تقل ذلك أمام هيلاري كانت تشعر بشيء تجاه جون ولعلها ما زالت دون أن تدري يجب أن نراقبهما عن كثب هذه الأمسية . التوى ثغر هيلاري وهي تفكر بجون الذي كان لفترة ما مثالاً أعلى لتلميذة بشعره الأشقر وبقسمات وجهه النسرية الرومانسية لكن زواجه من المتعجرفة المتسلطة أغنيس شفاها بسرعة من مرض الحب ثم أكمل سفرهما إلى الخارج المهمة . قالت بخفة : فلنقل إنه لمن المثير للاهتمام رؤيته مجدداً . وفيما كانت تتكلم ارتفع بصرها إلى ما وراء لورنا فرأت بروس واقفاً بالباب لم تعرف منذ متى وهو واقف هناك ولكنها علمت أنه سمع آخر ما تحدثت به وعرف على من تنطبق تسارع الدم إلى وجه هيلاري وهو ينظر إليها أرادت أن تقف لتقول له إن لا شأن له بما تقوله وأرادت أن تصرخ بهذا بأعلى صوتها لو لزم الأمر كما رغبت أن توضح له للمرة الأخيرة أن هذه العلاقة اندثرت وماتت بسبب قسوته أرادت أن تصيح هذه غلطتك وأرادت أن توجه إصبعها إليه متهمة كل ما كان في نفسي من حب و عطاء خنقته بيديك وبدل أن أشعر بالدفء بت أشعر بالمبالاة وأنت السبب بروس . لكنها التقطت فنجان الشاي وطلبت من لورنا بهدوء أن تصب له المزيد . ألقت نظرة أخرى فرأت أنه ابتعد بصمت كما جاء وكانت لورنا تقول : كان والدا تشارلي مدعوان لكنهما اتفقا مسبقاً على تناول العشاء مع أصدقائهما ولكنني واثقة أن السيدة ايزيربلود ستقيم إحدى حفلاتها الشهيرة على شرفك وأننت هنا هيلاري . _ يبدو لي هذا مخيف . ضحكت لورنا : حقا لا أدري كيف سأعيش معها خريجة معهد الطهو العالمي ورئيسة الجمعية النسائية وصاحبة الفوز بكؤوس تقدير في تنظيم الزهور إنها لائحة لا نهاية لها . ضحكت متأثرة : يريد مني تشارلي أن أناديها أمي لكنني لا أستطيع أن أناديها أمي فهي مهيبة بحيث أعجز عن ذلك أتتصورينها تقوم بفعل بشري كإنجاب الأطفال ؟ أعتقد أنها طلبت تشارلي و ميريام بواسطة كاتلوج بريدي . قالت هيلاري ببطء : مهيبة ربما لكنها ستكون أفضل بكثير لو ساعدتك في التخطيط للعرس .. بدلاً مني . سارعت لورنا إلى العبوس عنيفاً : لا أريد من هو لي من عائلتي لا من عائلته والحمد لله لأن ميريام في أميركا ولولا ذلك لاضطرت إلى تحملها وهي تسير ورائي في الممر إلى المذبح وكأنها حصان عربة . صدها صوت هوود :لورنا هذا غير عادل ميريام فتاة طيبة وليست أكبر منك أو من هيلاري . قالت لورنا متمردة : لا شأن للحجم بهذا . قاطعتها هيلاري بسرعة : إلى أي حد وصلت خطط العرس ؟ أو ليس من الأفضل أن تقيمه في عيد الفصح ؟ سيمهلنا ذلك مدة كافية ويكون الطقس أخف وطأة . هزت لورنا كتفيها : أصبح الزواج في عيد الفصح أمراً عادياً فظيعاً ليتها تثلج فأنا أحب الثلج وكم أود لو أرتدي ثوباً مخملياً . قالت هيلاري : هذا أحد الأشياء التي يجب أن نفكر بها لا بد أنك طلبت من السيدة انغلوز أن تصنعه لك هل انتقيت القماش هل بدأت القياس لأن ……. أخذت لورنا تدير خاتم خطوبتها الزفيري والألماس في إصبعها بقلق : في الواقع لا أريد منها أن تخيطه لي هيلاري بل أفضل ذاك المحل سيكبتون فمنه أستطيع شراء الفستان . _ لكن السيدة انغلوز تخيط فساتين كل العرائس في المنطقة أولم تجرحي كرامتها ؟ _ أوه لا أظن ذلك لديها دائماً من العمل ما يفوق طاقتها لا أظن أنها ستلاحظ تمنعي عن الذهاب إليها . لم ترد هيلاري التجادل معها ثم فكرت أن لورنا اختارت الدعوات وأرسلتها . قالت : لن أدعو عدداً كبيراً من الناس فلا أريد أن ينقلب عرضاً عاماً وإن قللت العدد من جهتي فهذا يعني أن ايزيربلود سيحذون حذوي . قالت هيلاري بهدوء : فهمت . أو على الأقل بدأت تفهم لقد أرسلت لورنا لها صيحة القلب هذه لأنها تشعر أنها في معركة مع حماتها العتيدة بشأن الترتيبات وتريد من يدعمها ولكن هذا نذير لا يبشر بالخير للمستقبل وأملت أن تتوصل لورنا والتيا ايزيربلود إلى تفاهم معاً وإلا ستكون الحياة صعبة على تشارلي الذي يحبهما معاً . أردفت لورنا : سنقيم حفل الاستقبال هنا لكن ما من مشكلة في هذا لأنني اتفقت مع مؤسسة تقديم طعام من هاروغات وهم من سيرتب كل شيء ولقد أرسلوا إلي قائمة الطعام ولكنني لم أطلع عليها فهل تشرف عليها دادي ؟ نظرت هيلاري إليها بحيرة إنها تتكلم بعفوية وكأنها تحضر لحفلة عادية لا حفلة زفافها حاولت أن تحمل كلماتها شيئاً من التشجيع : حسناً سنضع غداً بعض اللوائح ونرى ما يجب أن نفعله فيما بعد .. أعتقد أن دراسة لوائح الطعام تلك هي أول ما قد نقوم به ثم فستانك الذي ما إن نختاره حتى يتضح أمامي ما علي ارتداؤه . _ ستكونين جميلة حتى لو ارتديت كيساً الآن هذه الفكرة لو كانت ميريام هنا لارتديتما كيسين ولو ضعت ميريام كيسها فوق رأسها . صاح هوود : كفى .. الفتاة شقيقة تشارلي على أي حال ويجب أن تحسني الحديث عنها على الأقل من أجله لا وفري علينا سماع الانتقادات التافهة أيها الشابة . قالت لورنا بخضوع مبالغ : حاضر بابا . هز لها رأسه بسخط زائف وسأل : هل أخبرت هيلاري شيئاً عن الشقة ؟ _ أوه … لا … لم أخبرها . سألت هيلاري : أي شقة ؟ هل يعني هذا أنك وجدت مكاناً تعيش فيه ؟ _ أوه لا شأن لي بهذا لكن أجل لدينا مكان خاص بنا ثمة بناء إسطبلات غير مستخدم في مؤخرة منزل المزرعة كان السيد ايزيربلود يصلحه للسكن لكن حين قررنا الزواج عرضا علينا أن نعيش فيه وكان عرضاً لم نستطع رفضه . _ هذا رائع ! ألست سعيدة ؟ ردت لورنا بعدم حماس : بالتأكيد فذلك يعني أنني لن أضطر إلى العيش في منزل المزرعة وهذا هو البديل الوحيد .. سيكون البناء جميلاً بالتأكيد ولن نبخل عليه بشيء أنا و تشارلي محظوظان حتى الآن ستقومين بتبريجي في اليوم الكبير ..ألم تبريجيني هيلاري ؟ هل تستخدمين مستحضرات آمبر إنها جميلة أعشق العطر كلما ذهبت إلى سكولفيو أطلب من الفتاة أن ترشني من زجاجة التجربة . ضحكت : يوماً ستضطروني وسأضطر لشراء زجاجة . _ لا داعي لكل هذا .. لدي زجاجة إضافية خذيها إن شئت أرادت طرح المزيد من الأسئلة عن الشقة لكن بدا من الواضح أن لورنا تريد إقفال الموضوع . بعدما ارتشفوا الشاي صعدت هيلاري إلى غرفتها تتذرع بالتعب ولكنها متعبة حقاً ومن اللطف أن تخلع نعليها وتستلقي فوق السرير لكن عقلها كان يفكر بلا كلل بحيث لم يسمح لها بالاسترخاء . كانت قلقة من أمور لاحظتها على لورنا .. الواضح أن هناك خطباً ما وجل ما تأمله أن يكون هذا بسبب القلق التي تشعر به كل عروس . غفت وإن بتقطع حتى حل موعد حمامها والاستعداد للعشاء .. كانت قد تعمدت حمل أقل قدر ممكن من الثياب لتبرز للجميع ولنفسها بأنها لا تنوي البقاء كثيراً لكنها جلبت معها فستاناً حريرياً بلون التوباز المتعدد الألوان طويل الأكمام ياقته مثلثة مشطت شعرها على طوله فتدلى حريرياً براقاً على كتفيها وأضافت قرطاً من حجر عين النمر إلى أذنيها وخاتماً مماثلاً في الإصبع الثالثة من يدها اليمنى . عندما ألقت نظرة انتقادية على صورتها في المرآة شعرت بالرضى عن مظهرها ورأت أن الفتاة الكهرمانية الأمبر قد عادت مرة أخرى وأن هذه واجهة جيدة للاختباء خلفها . لن يتعرف أحد من المدعوين في الأسفل إلى تلميذة المدرسة الخجولة التي عرفها معظمهم .. سحبت بضعة أنفاس عميقة طويلة تقوم بها عادة قبل الخروج إلى الكاميرا والمشاهدين ثم خرجت من غرفتها وتوجهت إلى غرفة الاستقبال . الغرفة مضاءة بالمصابيح ومن الموقد الواسعة ترتفع ألسنة النار وقفت هيلاري بالباب لحظة تنظر إلى ما حولها فتعرفت إلى جون ميدونتر ما زال أشقراً جذاباً كما كان دائماً من الجهة الأخرى بدا تشارلي ايزيربلود الواقف معه كما كان دائماً ملاك الأراضي الثري المزارع الذي لا ذرة رقة في جسده أملس ممتلئ الجسم . احتلت أغنيس ميدونتر الأريكة حيث راحت تتحدث إلى هوود بإعجاب كبير بدت أنيقة بفخامة ونحيلة رقيقة كتمثال عرض الملابس هو مظهر مخادع كلياً فأغنيس آخر من قد ينكسر . رفع هوود نظره بعفوية ظاهرة : آه .. هيلاري عزيزتي … ادخلي … ادخلي … تعرفين الجميع هنا … أغنيس أتذكرين ابن زوجتي ؟ _ آه أجل بالتأكيد إنها مشهورة كثيراً الآن . بدا كلامها مشبعاً بالازدراء لكنها تقدمت مبتسمة ففي عالم أغنيس الشهرة تعني الظهور في صور المجلات في حفلات راقصة أوفي حفلات أعياد ميلاد .. قاطعها جون : إنها أكثر من هذا … لماذا لم تحذرينا مسبقاً هيلاري أنك ستصبحين بمثل هذا الجمال . ضحكت هيلاري التي أصبحت معتادة على مثل هذا التعليق بدون أن تعتز به أو تحرج . _ ربما لم أكن أعرف … أو الأصح أنني أردت أن أفاجئكم جميعاً مرحباً جون .. تشارلي .. ما أروع رؤيتكما من جديد ! قال تشارلي بصراحة : إنه لمن الرائع حقاً أن نراك … وبما أنني صهرك فهل يحق لي بعناق . اتجه إليها يعانقها . قال بروس : ماذا أجلب لك من شراب . لم تكن حتى الآن قد ألقت نظرة أقل إحساس بوجوده لكنها عرفت أنه هناك منذ وقفت بالباب .. كانت حتى في صغرها قادرة على التقاط ذبذبات وجوده ربما هذا ما هو عليه الأمر حينما يكره المرء شخصاً آخر .. ربما قوة الكره تجعل المرء شديد الحساسية لوجود من يكره .. أو لغيابه . طلبت عصيراً بصوت عادي غير مرتعش فذهب وعاد به .. تناولت الكأس من قاعدته لتتجنب ملامسته فرأت فمه يلتوي وكأنه عرف ما في نفسها . مع أن الحفلة كلها فكرة لورنا إلا أنها وصلت متأخرة واعتذرت مبتسمة بثقة وكأن من المعتاد من ابنة هذا البيت أن تكون آخر الواصلين بدت صورة تلفت النظر بفستانها الكرزي ولكنها كانت تضع زينة كثيرة وهذا ما لاحظته عين هيلاري الخبيرة . كان العشاء ممتازاً بطريقة عادية … حساء تبعه سمك مع صلصة بيضاء ثم لحم عجل طري مع بطاطا ذهبية . لكن لم يعط أحد العشاء حقه غير هوود و أغنيس فتشارلي كان مشغولاً بمحادثة لورنا التي كان اهتمامها يتنقل بلا توقف من واحد إلى آخر حول مائدة العشاء جون الجالس قرب هيلاري تحدث إليها بمواضيع عديدة ولم تدر لماذا تشعر أن جون الحقيقي متوار مختبئاً في مكان آخر ربما في مكان سري من نفسه حيث لا مجال للوصول إليه . لم يقدر شيء مما قالته أو فعلته أغنيس خلال العشاء أو قبل هذا في غرفة الاستقبال على تخفيف العداء الذي طالما أثارته في نفس هيلاري لكن هيلاري لا تعرف بالضبط السبب لمشاعرها هذه في مستهل حياتها كعارضة التقت من هم أسوء وألأم و أخبث وأثرى من أغنيس والحقيقة أنها كانت تتحملهن لكن أغنيس كانت قادرة دوماً على إثارة أعصابها . عندما عادت النسوة الثلاث إلى غرفة الاستقبال بانتظار القهوة قالت أغنيس تسأل لورنا : هل قررتما أين ستقضيان شهر العسل ؟ هزت لورنا رأسها كتفيها : لقد ناقشنا المسألة .. ولم نتخذ قراراً ثابتاً . ضحكت أغنيس ضحكة خافتة ضحكة لطالما كرهتها هيلاري . _ حسناً الفراش فراش أينما كنتما حبيبتي إلى أي حال يبالغ الناس في تقدير شهر العسل أعرف أن شهر عسلي لم يكن جيداً فعندما ذهبنا إلى كاساو في شهر العسل تسمم جون من الطعام فكان أن ذهبت أستمتع بالتزلج على الماء . قالت هيلاري بجفاء : كان ذلك ممتعاً بلا شك . تطلعت عينا أغنيس الزرقاوان الشاحبتان إليها : ألم يكن هناك جدوى من أن نكون كلانا بائساً . وارتدت إلى لورنا : تأكدي حبيبتي من اختيار مكان تتمكنين فيه من تسلية نفسك حتى لو كان العريس منحرف المزاج . قالت هذا مبتسمة ولكن بسلاطة لسان ذات مغزى وكأنها تشير إلى أن تشارلي قد يخيب أمل عروسه الشابة انتظرت هيلاري من لورنا أن تهب للدفاع عنه . لكنها لزمت الصمت وظهرت بقعتان حمراوان على خديها وزمت عيناها سخطاً وقفت هيلاري واتجهت إلى خزانة مرتفعة تحتوي على التسجيلات : هل لنا أن نسمع بعض الموسيقى ؟ ارتدت أغنيس تسند رأسها : إذا كنت راغبة بذلك . _ هل من طلب محدد . ردت لورنا : أحب موسيقى مندلسون ضعي لنا كهف فينغال هيلاري _ لا أجدها فلنستمع إلى ريفال . شغلت الموسيقى وسرعان ما صدحت الألحان الحنونة المشبوبة في أرجاء الغرفة . كانت غلطة فحالما سمعت الألحان المثيرة تعرقت يداها وغارت أسنانها داخل شفتها السفلى لم تفكر حين اختارت التسجيل أرادت التخفيف من الجو المشحون لكنها لم تنجح في غير نقل التوتر إلى نفسها . كان شريط التسجيل شريطها وهو أحد الأشياء الكثيرة التي تركتها ورائها حين هربت من ستونكليف كان هدية عيد ميلادها السابع عشر من بروس ما زالت تتذكر دهشتها وسعادتها لأنها تلقت هدية منه مع أنها هدية شبه واجبة في عيد الميلاد أو في ذكرى مولدها وكانت المرة الأولى التي يختار فيها شيئاً يعرف أنها تريده هكذا وفي خضم سعادتها كبتت عدائها الغريزي وشكرته وهو أمر تمكنت من فعله بشيء من الارتباك والتلعثم . كانت سنة غريبة مثيرة للاضطراب فيها كان مزاجها سيئاً يتقلب من تطرف عاطفي إلى آخر .. وكانت على استعداد للبكاء بمقدار ما هي على استعداد للضحك . كان هوود متفهماً وقد عزا فرط حساسيتها إلى الحزن الذي مازال في نفسها بعد وفاة أمها لكنها الآن تعرف أن الأمر لم يكن بتلك البساطة . وقتذاك أشعلت هدية بروس شيئاً عميقاً في داخلها .. شيئاً جديداً فتياً وجل ما عرفته أن إحساسها به كان يتزايد بألم فغالباً ما وجدت أنها ترهف السمع لسماع صوت سيارته وهي تدخل إلى طريق المنزل الداخلية …وما أكثر ما كانت تراقبه خلسة في الأمسيات حين يتحدث إلى هوود … وعندما كان يغيب في رحلة عمل كانت تحس بالضياع والخوف … وكأنها مرمية على طوف في بحر عاطفي . حين اصطحب معه صديقته إلى المنزل عانت كثيراً وغدت لا تشارك لورنا بانتقاد نسائه الساخر . خلال هذا العذاب كانت تسمع إلى التسجيل الذي أهداها إياه حتى حفظت حتى عن ظهر قلب كل نغم وكل رنة وكل إيقاع عندما كانت تصغي إلى لحن انبلاج الفجر كانت تحس وكأن الموسيقى تحتوي على كل ما تحس به وكأنها تشير إلى انبلاج فجر ما داخلها شيء رائع بل أروع من أن تفكر فيه . الآن جلست تصغي وأظافرها تنغرز في راحتي يديها ورأسها يضج بدوار. قال هوود بمرح عند الباب وهو يدفع نفسه للداخل : كالأيام الخوالي . تورد وجه هيلاري حاما رأت بروس يسير وراء والده … وتقدم يقول : انبلاج الفجر في المساء ؟ لا أظن هذا . ودنا من الجهاز يطفئه فترك بذلك صمتاً مؤلماً خلفه .. جعلها صوت عميق تدرك أن الجميع قادرون على سماع دقات قلبها البطيئة الغير منضبطة . ثم جاءت السيدة ستارلت بالقهوة وفي هذا الوقت بدأت أغنيس بالتكلم بتشدق عن خطط والدها لتوسيع أعماله ومرت اللحظة الحرجة بأمان وصدحت الموسيقى مجدداً ولكنها في هذه المرة لم ترجع أحد لذكريات الماضي . قالت لورنا فجأة : لو أرجعنا السجادة إلى الوراء لاستطعنا الرقص … فهل نرقص ؟ لم تشعر هيلاري بالرغبة بالرقص وكم ودت لو اعتذرت وانسحبت إلى غرفتها لتبقى هناك بهدوء حتى الصباح.. ولكن لو اعتذرت وانسحبت لانقطعت عرى الحفلة ولخاب أمل هوود هذا إن لم تقل شيئاً عن لورنا . ما إن خلت مساحة كافية حتى عقد تشارلي ذراعه بتملك حول لورنا … ضحكت لها أغنيس مجدداً : ما أروع أن يحب الإنسان ! ونظرت بتحد إلى بروس : حسناً حبيبي .. هل تذكر كيف كانت الأمور يوماً . أدهشتها وقاحة تصرف أغنيس فسارعت تنظر إلى جون لترى ردة فعله .. ولكنه على ما يبدو غير ملاحظ أن زوجته تتعلق بعنق رجل آخر فشعرت مرة أخرى أن عواطف جون بعيدة كل البعد عن زوجته هل نسي ؟لعله غير مهتم بماضي زوجته وبالأخص بعلاقتها مع بروس . نادت لورنا : جون … هيلاري لا ترقص . توردت هيلاري حرجاً وانزعاجاً لأن جون دنا منها معتذراً فقالت : لا بأس جون كان يوماً مرهقاً لذا أفضل الجلوس بهدوء مع هوود . أبعدت لورنا نفسها عن تشارلي المعارض وتقدمت إليهما : أوه لا تفسدي علينا مرحنا حبيبتي أنت تعرفين أنك تريدين مشاركته الرقص . وارتدت إليه : كانت مغرمة بك بقوة يوماً . امتقع وجه هيلاري بشكل مؤلم ولكنها قالت بهدوء : أنا لا أريد أن أرقص شكراً وأنا واثقة أن جون لا يريد سماع تفاصيل مملة عن أوهام أيام الدراسة . تشدقت لورنا : ؟أوه لا أدري قد يجدها تفاصيل ساحرة لقد نسي الإحساس الذي يشعر به المرء عندما تعتبره كل امرأة رجل حياتها . قال جون بقلق : إذا كان هذا ما تقولينه لورنا .. هل أجلب لك القهوة هيلاري ؟ رفضت بهدوء وجلست قرب هوود بعد صمت قال هوود بصوت هامس : لا أعرف ما يدور في خلد لورنا أحياناً إنها بحاجة إلى من يشد لها أذنيها … لكن تشارلي شاب مستقيم وطيب .. وإن كان هناك من يقدر على لجمها فهو القادر على ذلك … _ أجل ……….. لكنها تمنت لو تكون مقتنعة ولو قليلاً . توقفت الموسيقى و تغيرت الأسطوانة .. لتعلن لورنا : يجب أن نغير الشركاء تشارلي ارقص مع أغنيس وأنت هيلاري يجب أن ترقصي هذه المرة .. أقمنا الحفلة احتفاءً بك لا يمكنك الجلوس هكذا . ابتسمت أغنيس : ولم لا قد تستمع بالتجربة الجديدة على أي حال لا أحد يرغب أن يبقى دائماً مركزاً للاهتمام . وقفت هيلاري على مضض وهي تفكر بقبول دعوة جون لكن لم يكن جون من تقدم إليها ليأخذ يدها ويجرها إلى الرقص بل كان بروس .. تشنجت للحظات غير قادرة على السيطرة على نفسها .. ثم أدركت أن هوود يراقبها مبتسماً .. فأجبرت نفسها على الاسترخاء . قال بصوت منخفض ساخر : هكذا أفضل … وكيف تستمتعين بالعجل المسمن ؟ ردت من بين أسنانها : هو طبق لا أحبه . _ لسوء الحظ .. لكنك تجيدين التمثيل . أنت تفعلين هذا يومياً أمام الكاميرا وبإمكانك التمثيل الآن إكراماً لهوود . _ أ،ا أمثل دور اللطيفة بروس … ألم تعرف ذلك ؟ نظر إليها وشفتاه مضمومتان بشدة .. وعيناه كقطعة جليد .. قال : لقد علق والدي أن اليوم شبيه بجو الأيام الخوالي .. لكنه مخطىء فلا مجال للعودة إلى الخطى القديمة في هذا البيت .. وقعت أمور كثيرة غير مسموح بها فلا تفكري في المحاولة ؟ رفعت ذقنها بتحد : لا تقلقن .. حقاً ! أنت تعرف سبب وجودي هنا .. وما إن يتم العرس حتى أذهب اطمئن بالاً فلن أبقى هنا لحظة واحدة أخرى مهما فعل هوود لإقناعي بالعكس . قال متجهماً : يسرني ما أسمع ولكن لدي كلمة أخرى هي بمثابة تحذير .. كنت مغرمة بجون وأنت تلميذة ولكنه اليوم رجل متزوج و أغنيس امرأة لا تتساهل في ممتلكاتها بسهولة .. مهما كانت قيمة هذه الممتلكات صغيرة بالنسبة إليها . ردت بحدة : شكراً للتحذير … وهل تعتبرك أغنيس من ضمن ممتلكاتها … بسبب الأيام الخوالي ؟ أجاب بلطف : لا أظن أن ذلك شأن من شأنك . ردت ساخراً : بكلمات أخرى المقاييس مزدوجة حية وبصحة جيدة وتعيش في ستونكليف .. وهذا جيد لك بروس .. أنت قانون بحد ذاته و أغنيس أيضاً .. وعلى هذا الأساس على الأقل متناسبان . اسود وجه بروس غضباً ولكنه لم يرد انتهت الموسيقى فتحررت من بين ذراعيه وذهبت بحثاً عن قرصين من الأسبرين . كان الطقس بارداً في الطابق العلوي فمكثت هناك فترة حتى تفعل الأقراص فعلها .. عرفت أن عليها أن تعود و إلا أرسل هوود من يبحث عنها .. كادت تبلغ منتصف منبسط الدرج حيث يستدير الدرج العريض حين سمعت لورنا يأتي من تحتها مباشرة : أوه حبيبي … حبيبي لا أستطيع الانتظار أكثر من هذا ! توقفت هيلاري التي أدركت أن خطواتها غير مسموعة بسبب السجادة السميكة . إنه موقف محرج تزج به نفسها لذا سارعت للعودة للأعلى لكنها كانت تحس بالراحة فلورنا تحب حباً عميقاً وستتزوج تشارلي … وتعرف هيلاري سبب إصرارها على السرعة فهي لا تريد الترتيبات الصغيرة والمراسم والتقاليد التي تقيد كل شيء . دخلت إلى غرفتها وأقفلت الباب ورائها ثم نظرت إلى صورتها في المرآة .. فرأت ما رآه الجميع فتاة الأمبر البهية الطلة الواثقة من نفسها الفتاة التي يقبع العالم عند قدميها . راقبت هذه الصورة قليلاً ثم أخذت الصورة بالتواري حتى لم يبقى سوى هيلاري … الوحيدة التعسة الخائفة !
5 -لا خيار أمامها
استيقظت وهي تشعر أنها تختنق وكأن شخصاً وضع يده على فمها يكتم أنفاسها كانت الغرفة مظلمة فحدقت للحظات إلى الظلام بارتياح ثم حاولت تكييف نفسها .. ففهمت ما حصل . كانت متعبة حين آوت إلى الفراش فنسيت إطفاء السخان الكبير أو فتح النافذة قليلاً والنتيجة أن الغرفة أصبحت كالفرن . دفعت عنها الأغطية متنهدة وتوجهت حافية القدمين على السجادة فعالجت أمر السخان أولاً ثم فتحت الستائر السميكة لتصل إلى قفل النافذة .. إن الغرف المفتقرة إلى الهواء تولد في نفسها خوفاً مرضياً . كان قفل النافذة قاسياً فكافحت لتفتحه فجأة أحست بحركة في الحديقة تحتها .. فحدقت إلى الأسفل فرأت طيفاً طويلاً يسير ببطء وبريق نار السيجار أمامه . لم يكن هناك ما يدفعه للنظر لفوق أو ما يدعوه للظن بأن هناك من يشهد سهره مع ذلك ارتدت إلى الوراء خلف الستائر خافقاً قلبها خفقان شديداً .. فلقد صدمتها رؤيته مع أن عليها عدم الشعور بالصدمة فالسير لمسافات طويلة في الظلام وهو يعمل على حل مشكلة إما عملية وإما شخصية أمر لطالما عهدته من بروس … في الواقع بسبب هذا . جمدت هيلاري في داخلها تحاول أن تقفل الباب الذي في رأسها لتحجب الذكريات التي تدفقت لكنها تبدو الآن أقوى منها أمامها أمور كثيرة تتعامل معها .. هذا المنزل .. والموسيقى .. والآن بروس ذاته يذرع الحديقة كما فعل منذ سنتين عادت إلى الفراش مرتعشة فاستلقت تنظر إلى الظلال في الغرفة … ثمة فروقات بالتأكيد كان يومذاك يوماً صيفياً و كانت لورنا في الفراش بالغرفة المجاورة . منذ عادتا من المدرسة و لورنا تسبب المتاعب .. فخلال الفصل الدراسي كانت تسيء التصرف مما أدى إلى مواجهات مع عدد كبير من موظفي المدرسة وأساتذتها وبسبب سلوكها عادت يوماً وهي تطالب بأن يرسلوها إلى مكان آخر و أقسمت ألا تعود إلى المدرسة في أيلول المقبل . كانت المدرسة جيدة وذات صيت جيد فقال لها هوود أن عليها البقاء فيها ثم أضاف بلهجة جليدية أنه يتوقع تقارير أفضل من سابقتها في نهاية الفصل القادم . لكن لورنا صاحت أمام هيلاري حين أصبحتا بمفردهما : لن أعود … أكره المكان ! لقد سئمت ارتداء ذلك الزي الغبي سئمت أن يعاملوني كطفلة و أن يجروني إلى النوم في التاسعة والنصف .. حاولت هيلاري أن تهدئ من روعها : لم يضرنا ذلك بشيء حقاً . لكن لورنا رفض أن تهدأ : ربما عندما كنا صغاراً .. لكنني لست صغيرة .. أنا امرأة الآن . كان هذا ادعاء دفاعي كررته أكثر من مرة في الأسابيع التالية .. حتى أصبحت هيلاري تخاف منه .. في البداية لم تربط تزايد تمرد لورنا بأسرة هورلي .. كانت لورنا التقت لوريس هورلي في ناد تنس محلي كانت تنتمي إليه مع هيلاري أثناء العطلات ومع أن لورنا كانت أصغر من لوريس إلا أنها كانت موهوبة في اللعب والواضح أنها اغترت عندما طلبت منها الفتاة الدخول معها في بطولة الأندية كشريك ثنائي . لم تكن أسرة هورلي قد انتقلت إلى المنطقة منذ وقت طويل .. فالأب صناعي ثري والأم مصممة أزياء تقضي معظم وقتها في لندن وبسبب وضعهما أصبح منزلهما بيد روي و لوريس اللذين كانا يديرانه كما يحلو لهما كان منزلاً كبيراً أثاثه ضخم وهو يقع في بقعة جميلة فيه ملعب تنس ومسبح سباحة يمكن تسخين ماءها ولكن هيلاري وجدته جواراً مغماً للنفس ولعل السبب شعورها بمدى تأثيرهما السيئ في لورنا . لكنها لم تجد طريقة لمنع لورنا من الذهاب إلى هناك كانت تذهب كل يوم للتمرن مع لوريس على التنس في ذلك الوقت وكتمت أمر وساوسها ولم تذكرها حتى لهوود …. وبقيت مترددة حتى بعدما سمعت بعض الإشاعات عن أن الأخوين هورلي يقيمان حفلات صاخبة .. وماذا في هذا .. فكلاهما بلغا السن القانونية وكلاهما كبيران بحيث يحق لهما فعل ما يريدان كان محظوراً على لورنا الذهاب لحفلاتهما لأن هوود رفض أن تذهب لمنزل يغيب عنه الأبوان وطالما احتجت لورنا على هذا ولكن هوود كان مصمماً وحازماً . أو على الأقل هذا ما كانت هيلاري تعتقده حتى أيقظها في أحد الليالي صوت وذهبت إلى غرفة لورنا لتجدها في الثالثة صباحاً في ملابسها وفي تلك اللحظة لاحظت أنها ليست بتوازنها . _ لورنا .. أيتها الحمقاء ماذا يجري الآن ؟ ردت وعيناها غاضبتان عنيدتان : أوه لا تخترعي أغنية وترقصين عليها بما أني أبقى في ذلك السجن ثلاث أرباع العام يحق لي أن أستمتع بما تبقى من العام . سألتها بمرارة : أهذه هي فكرتك عن المتعة ؟ التسلل للخارج والجميع نيام وخيانة ثقة أبيك فيك والعودة على هذه الحال . ردت وبعنف : وماذا في هذا لم أصب بضرر فاصمتي إذن يا آنسة طهارة وتزمت . _ شكراً لك . وارتدت لتذهب طارت لورنا في الغرفة تمسك ذراعها . _ هيلاري ! آسفة .. لم أعن ما قلت .. أجل كنت أسهر ولم يحصل شيء أنا بخير حقاً و هوود لم يعترض يوماً على خروج إحدانا .. _ في الناسبات وفي أعياد الميلاد وفي أيام الآحاد . إنما ليس حتى هذه الساعة المتأخرة .. أبداً .. أنت تحت السنة القانونية لورنا لم تبلغي السادسة عشر بعد فماذا كنت تفعلين هناك ؟ _ ليس ما تظنين هيلاري .. لن تخبري أبي .. لن تكوني شريرة إلى هذا الحد ! أردت بعض التسلية فقط وأنا أحب لوريس و إن كنت لا تحبينها لن أذهب ثانية أعدك بذلك شرط أن لا تخبري والدك . لانت هيلاري وهي تنظر إلى وجه لورنا الأحمر وإلى عينيها المشعتين .. عرفت أن عليها إخبار هوود لكنها عرفت كم سيتكدر وترددت لأنها تعرض علاقتها بلورنا للخطر كما أن لورنا وعدتها … تنهدت : حسن جداً .. لن أقول شيئاً لدادي ولتكن المرة الأخيرة التي تقومين فيها بهذا لورنا الأخوان هورلي فاسدان وتدور حولهما شائعات وسخة .. إن عرف دادي أنك متورطة معهما سيهدم السقف على رؤوسنا .. ومن الأفضل أن تطلبي من لوريس إيجاد شريك جديد للتنس .. دلت ابتسامة لورنا البشعة على أنها أكبر بكثير من عمرها : لا مشكلة ..ولا أظن لوريس مهتمة بالتنس على أي حال. المشكلة أن منزل هورلي لا يبعد عن ستونكليف إلا عرض حديقتيهما المشتركتي الحدود .. لذا سهل على لورنا التسلل خارج المنزل والذهاب إلى هناك بدون أن يراها أحد .. لكن مع أن لورنا وعدت بعدم الذهاب لكن هيلاري تعتقد أن مثل هذا القرار يحتاج إلى تأكيد . في اليوم التالي سارت هيلاري إلى المنزل أما لورنا فمكثت بالسرير مدعية أنها تلقت كمية كافية من أشعة الشمس في اليوم السابق والحقيقة أنها كانت تعاني من التعب من جراء السهر في الليلة السابقة . شقت هيلاري طريقها حول جانب المنزل حيث المسبح الذي كانت لوريس وروي يتمددان قربه .. ومدت لوريس يدها ووضعت المنشفة على نفسها مبتسمة ابتسامة مصطنعة . _ مرحباً ! إلام ندين بشرف هذه الزيارة ؟ قالت هيلاري بجرأة متجاهلة إشارة روي لتجلس : ما هي زيارة اجتماعية .. جئت أخبرك بأنني أعرف أن لورنا تحضر حفلاتكما و أنكما تشجعانها على أشياء يعرف الله ما هي وأقول لكي الآن إن هذا يجب أن يتوقف و إلا بلغت زوج أمي وعندئذ ستجدان نفسيكما في مشاكل لا تحلمان بها . ابتسم روي وجرت عيناه على هيلاري بتقويم وقح : لا تخافي أيتها النمرة .. استرجعيها فهي لا تروق لمعظم الأذواق .. والآن هل تعرضين أن تحلي محلها …. قاطعته ببرود لا … شكراً لك . _ لا يا الأسف ! تبادل الشقيقان النظرات وتبادلا ضحكة اقشعر لها جسد هيلاري لكنها قالت بصوت أجش : شيء واحد آخر أرجو ألا تحاولا الاتصال بها بأية طريقة أو أن تقوما على تشجيعها على المجيء إلى هنا تحت أي ادعاء قالت لوريس ساخرة : تخدعين نفسك حبيبتي إذا لم يكن حملك الوديع بحاجة للتشجيع بل الفكرة فكرتها نحن لا نقيم حفلات للأطفال والآن هل تستطيعين إيجاد طريقك إلى الخارج . وارتدت مبتعدة . وهي في منتصف الطريق المعشوشب الثاني بين المنزلين أحست بدافع للنظر للوراء فرأت أن روي لحق بها ووقف عند بوابة حديقتهم يراقبها ترددت قليلاً فلوح لها بيده ثم وضعها على فمه ليرسل إليها قبلة ساخرة .. فارتدت مبتعدة ببطء لأنها كانت تقاوم اندفاعاً يجعلها تريد الركض … وعندما فتحت باب حديقتهم وخطت إلى دغلة الأشجار الشائكة وقعت يد على كتفها فصرخت لكن الراحة جعلتها تقول بضعف : أوه بروس أنت أجفلتني . رد بصوت متجهم : هذا ما أراه .. أين كنت ؟ هزت كتفيها : أتمشى . _ وحدك ؟ . ردت طبعاً . _ لا تكذبي علي هيلاري .. لقد رأيت وداع مرافقك من نافذتي التي تطل على الحقل . همت بإنكار صلتها بروي حتى انتبهت أن بروس سيسألها عن سبب قيامها بزيارة ذلك المنزل الأمر الذي سيورط لورنا وهذا آخر ما تريده . كانت عيناه كالعاصفة وهو ينظر إليها : لم أعرف أن هورلي من طرازك . حاولت إبقاء كلامها مرحاً : في مكان مثل ستونكليف لا مجال لخيارات كثيرة . التوى فمه بازدراء واضح : أعتقد هذا .. لكنني بدأت أعتقد أثق بعقلك ورجاحته هيلاري وأنا أسف لأني أخطأت . ارتد مبتعداً عنها فودت بيأس أن تقول له الحقيقة ولكن في ظل هذه الظروف أصبح هذا مستحيلاً . مرت الأسابيع الثلاثة التالية بهدوء وتغير الطقس وحل الشتاء فادعت لورنا أنها ضجرة وأن الحياة في ستونكليف أسوأ من الحياة في المدرسة الداخلية . لكن بدا أن لورنا عند وعدها .. وعندما عرفت هيلاري من الشائعات أن الأخوين هورلي رحلا إلى لندن لزيارة أمهما شعرت بالراحة . كانت عودة الصيف نذير خير ولم يعكر مزاج هيلاري شيء حتى سافر هوود إلى أمريكا في رحلة عمل . تقلبت هيلاري في فراشها : ما أشد ما كانت غبية . بدأ الكابوس بهدوء كان يوماً حاراً رطباً واعداً بالرعد وكانت لورنا فاترة الهمة تشتكي صداعاً لذا لم تدهش هيلاري حين قالت بعد العشاء أنها ستنام باكراً . جلست هيلاري تستمع لموسيقاها المفضلة كانت غارقة بسماعها فلم تسمع صوت السيارة بل لم تدرك أنها لم تعد بمفردها حتى رفعت بصرها ووجدت بروس ينظر إليها لم تتوقع عودته قبل اليوم التالي ترجلت عن الأريكة صائحة صيحة صغيرة . _ أوه لقد عدت لماذا لم تخبرنا لو علمنا لحضرنا لك العشاء … لكن رفع يده متعباً : لا بأس لست جائعاً ستحمل السيدة ستارلت القهوة وبعض السندويشات للمكتبة . استجمعت ابتسامة صغيرة : أوه إن كان هذا ما تريد . يكفي هذا .. سأتركك الآن تستريحين … أين لورنا ؟ أحست فجأة بجفاف فمها فبللت شفتيها بلسانها : أرادت النوم باكراً .. لا داعي لتأكل بمفردك في المكتبة بروس بإمكانك أن تأكل هنا . التوى فمه قليلاً : لم أظن أن رفقتي أمر مرحب به هكذا . ردت بصوت هامس والرعدة تسري بجسدها : أنت من يتجنبني دوماً . _ هذا تصرف شاذ مني هل أطلب من السيدة ستارلت إحضار الطعام لهنا ؟ _ ولم لا ؟ نظر إليها بروس نظرة طويلة غامضة ثم تقدم من الباب وخرج . استندت هيلاري إلى وسائد الأريكة من جديد وأغمضت عينيها ولكنها شعرت بقلبها يخفق بشكل غريب لقد سبق أن كانت بمفردها مع بروس فهما يعيشان في المنزل نفسه هما جزء مت عائلة واحدة … ولكنها عرفت أن هذه المرة مختلفة .. ففي هذه المرة كان الخيار متعمداً من كليهما . ابتلعت ريقها وأحست باندفاع الدم المجنون في شرايينها ثم وقفت لتتجه إلى الهاي فاي لتختار أسطوانة موسيقى . عمت الموسيقى في أرجاء الغرفة فعكست التشوش العاطفي داخلها … ثم راحت تعد طاولة صغيرة قربتها من الأريكة ثم جلست تنتظر ويداها مطويتان في حضنها وقلبها يخفق بألم . حين عاد بروس حاملاً صينية رأته في سروال رمادي و كنزة صوفية بدل تلك البذلة القاتمة التي كان يرتديها . ارتفع حاجبيه حين شاهد الطاولة … وعلق : منظر منزلي . تورد وجه هيلاري التي قالت بصوت منخفض : أنت تسخر مني . وضع الصينية من يده : هذا غير مسموح ؟ حسناً .. ربما بسبب العلاقات القديمة هذا صحيح … قهوة ؟ هزت رأسها رفضاً … كانت ترتجف في أعماقها لذا ظنت أنها لن تستطيع حمل الفنجان بدون أن ينسكب منه السائل . لو كانت في أي وقت آخر لما همها الأمر أما هذا المساء فبدا أن لكل شيء أهمية بالغة . قال بنفاذ صبر : يجب أن تتناولي شيئاً … أنت تخسرين من وزنك . مد يده يرفع ذقنها وراح يتفرس في وجهها وكأنه لم يره من قبل : ما الأمر ؟ _ لاشيء .. أنا .. لم أكن أنام جيداً هذا كل شيء وأعتقد أن السبب هو الطقس الحار. _ أو الضغط العصبي قلقة بشأن المدرسة ؟ بشأن المستقبل أم ماذا ؟ ابتلعت ريقها : لا … لا شيء . رد : فهمت . صمت لحظات ثم ترك ذقنها وارتد يسكب القهوة في فنجانه ويمد يده لأحد السندويشات . _ على أي حال … لماذا لا تسرين لي بشيء ؟ فلم أشجعك قط على هذا . _ لا . _ اكنني أستطيع أن أشجعك على الأكل … دجاج أم لحم ؟ تناولت سندويشاً أجبرت نفسها على أكله شعرت أنه يراقبها بعينين رماديتين باردتين مترقبتين . حين أنهى طعامه أعاد فنجان قهوته وطبقه إلى الصينية ومال إلى الخلف مغمضاً عينيه وتحركت هيلاري لتعيد الصينية للمطبخ لكن يده أمسكت معصمها : اتركيها .. اجلسي واستريحي قليلاً .. تبدين وكأنك عالقة بين أسلاك شائكة . عادت إلى الوسائد وراحت تعض على شفتها متوترة .. ففقد بدأت أطراف أصابعها تصرخ رعباً بسبب وجوده . قالت وهي تحاول الحديث : أتظن أن العاصفة على وشك أن تهب ؟ إنها تهدد بهذا طوال اليوم … والهواء ثقيل . قال بكسل : وهل تخافين من العاصفة ؟ وأخذت إصبعه تتحرك مداعبة معصمها من الداخل : ألهذا أنت متوترة ؟ جعلت المداعبة العفوية نبضاتها تتسارع بجنون … في الماضي لم يكن الجسدي بينهما … لذا لم يكن هناك سبيل لمعرفة ما إذا كان هذا تأثير لمسته الرقيقة لا … قال برقة : أراك ترتجفين هيلاري … هل السبب قلقك من العاصفة .. أم السبب هو هذا ؟ مال إليها يعانقها عناقاً خاطفاً فشهقت شهقة كانت أشبه بدعوة خرساء له فسحب نفساً حاداً وشدها إليه . فجأة قست عينيه وسلب عناقه منها كل الوعي والتعقل . لم تعد تشعر إلا ببروس وبيديه الممسكتان بها كان تجاوبها معه كاملاً .. إنه أمر تاقت إليه منذ أشهر طويلة دون أن تعرف هذا … أو تترف به . كان عناقه عميقاً .. كانت كمن يسبح في مياه عميقة مليئة بالتيارات المجهولة ….. كرهته دائماً ولم تثق به قط مع ذلك فها هو يحرك أحاسيسها كلها لم تكد تستطيع التنفس أما عينيها فاتسعتا وبرقتا ببهجة … كانت تعي وهي في خضم تلاطم مشاعرها صوت الموسيقى انبلاج الفجر وهبوط الفرح .. في كل انبلاج للنهار … بين ذراعي بروس . ثم … سمعت صوتاً آخر كان أشبه بماء بمياه باردة تسقط على رأسها … سمعت وقع أقدام السيدة ستارلت وهي تتقدم في الممر ثم تلا ذلك قرع الباب . انكسرت العلاقة السحرية الحساسة التي كانت تربطهما وابتعد بروس لاعناً متمتماً . ممرراً أصابعه في شعره الأشعث . قال بصوت متوحش : اجلسي جيداً ولملمي شتات مشاعرك . وأطاعته هيلاري .. لكن السيدة ستارلت قرعت الباب مرة أخرى بنفاذ صبر أخيراً نادى بروس ادخل . كان واقفاً قرب الباب الزجاجي ينظر للحديقة يرجع الستار بيده … دخلت السيدة ستارلت على عجل ثم توقفت : لم أعرف أن الآنسة هيلاري هنا … سيدي ؟ أحست هيلاري بتورد شديد بسبب الاستهجان الذي بدا في صوت المرأة .. رغم وجودها بطرف و بروس في طرف آخر … قال بروس ببرود : هل هذا مهم ؟ _ المسألة أن هناك مكالمة هاتفية لها سيدي أظن أنكما لم تسمعا رنين الهاتف بسبب الموسيقى لما صعدت لغرفتها ولم أجدها اضطررت لإبلاغ المتصل أنها خرجت لتتمشى . سألت هيلاري : من كان التكلم سيدة ستارلت ؟ _ إنه السيد روي هورلي آنسة هيلاري … طلب مني أن أقول لك أن الدعوة مازالت قائمة لهذه الليلة . جمعت السيدة ستارلت الصينية وغادرت , فسأل بروس متجهماً : منذ متى تقبلين الدعوات من الأخوين هورلي ؟ _ أنا لا أقبلها .. ولا أدري ماذا يعني لا شك أنها مزحة سخيفة . _لكنها واضحة لي .. من الواضح أن لديك موعداً معه الليلة .. يبدو أني أخرتك بكل أنانية عنه , أعتذر . وقفت هيلاري : لكن هذا غير صحيح ! لست خارجة معه .. إنه لا يعجبني حتى . _ بدا أنك على وفاق تام معه منذ أسابيع .. ومع ذلك تنكرين أية علاقة معه .. لماذا هيلاري ؟ هل السبب معرفتك أن هوود لن يوافق ؟ منذ لحظات كان معلمها الوحيد… لكنهما الآن بعيدين أميالاً أخرى … و ها قد عاد العداء القديم وعدم ثقة الواحد منهما بالآخر . قالت غاضبة : لا بالتأكيد لن يوافق ولا أظنه يوافق على تصرفك معي قبل قليل … ولا أظنه يوافق على تصرفك معي قبل قليل . رد ساخراً : إن هذا صحيح ! لقد جاءت السيدة ستارلت بالوقت المناسب هل من عادتك التصرف بهذا النحو ؟ إذا كان الأمر هكذا أنصحك أن تكوني أكثر حذراً خاصة مع هورلي والزمرة التي حوله . رفعت ذقنها بتحد : شكراً للتحذير لكنه غير ضروري … لأنني قادرة على الاعتناء بنفسي . ثم ارتدت تاركة الغرفة . ظنت في البداية أن صوت الرعد هو الذي أيقظها .. فاستلقت في الظلام مسمرة تصغي إلى المطر وهو يقرع بشدة على نافذتها .. لقد انفجرت العاصفة ويبدوا أنها تمطر بَرداً .. كان نقر البرد على الزجاج كنقر الحصى .. وكأن شخصاً ما يرمي حفنة من الحصى الناعم . دفعت عنها الأغطية وهبت من السرير فتحت النافذة تنظر إلى الخارج فشهقت بسبب اندفاع الهواء البارد الرطب البارد إليها … ومض البرق ..فظنت أنها رأت وجهاً بيضاوياً شاحباً يتطلع إليها بتوسل إليها .. وقبل انفجار الرعد سمعته يهمس هيلاري . إنه صوت لورنا .. لكنها نظرت إلى فراشها في وقت سابق فرأتها فيه .. ردت بصوت هامس : إني قادمة ! خرجت من غرفتها بدون خف أو روب ونزلت الدرج متوجهة إلى الباب الخارجي التي لاحظت أنه غير موصد بالرتاج .. حين فتحته رأت لورنا متكورة في الشرفة المسقوفة في الخارج وحولها معطف واق من المطر لكن كان وجهها مبللاً وقدماها حافتين موحلتين . شهقت هيلاري : لورنا … ستصابين بالتهاب رئوي ! و أدخلت الفتاة المرتجفة إلى المنزل وهزتها … _ أين كنت بحق الله ؟ نظرت إليها لورنا نظرة تثير الشفقة : _ أوه هيلاري ! لا بأس عليك .. تعالي إلى فوق فوراً وتخلصي من هذه الملابس المبتلة … أين حذاؤك ؟ _ لقد رميته … خلعته لأستطيع الركض بشكل أسرع .. سمعت شخصاً يلحق بي فذعرت ورميته و .. كان حذائي الجديد العالي الكعب …و .. قالت بلطف : لا بأس عليك حبي … لا بأس .. لا تتكلمي الآن فلنصعد لفوق وندفئك . وفيما كانت تجر لورنا إلى فوق وجدت نفسها تتساءل ما الذي جعل لورنا تهرب حافية القدمين في العاصفة … أحست بيديها تتجمعان في قبضتين وهي تفكر في الأخوين هورلي . حمدت الله لأن هوود ليس موجود بالمنزل فغرفته أقرب غرفة إليهما و لا شك أنه كان سيسمع الصوت .. فقد أجهشت لورنا بالبكاء بصوت عال . وضعتها هيلاري في غرفتها ونزعت عنها ثيابها ثم وضعت عليها غلالة النوم و فتحت حنفية الماء الساخن في مغطس الحمام المشترك وعبأت زجاجة ماء حارة عندما حملتها إلى غرفتها أطلقت شهقة بسبب الشكل الذي لا يحرك ساكناً الملقى على فراش لورنا .. قالت لورنا : استخدمت الوسائد الإضافية … عرفت أنك ستبحثين عني إن وجدت الفراش فارغاً . أرجعت هيلاري الغطاء إلى الخلف ورمت الوسائد إلى الأرض : ذكية كم مرة لعبت هذه اللعبة القذرة ؟ _ إنها المرة الأولى … أعرف أنك لن تصدقيني … لكن … _ ولماذا أصدقك ؟ لقد وعدتني ثم حنثت بوعدك . وضعت زجاجة الماء الساخن في الفراش وأعادت الأغطية . قالت لورنا بقلق : لم أقصد هذا .. كنت .. ضجرة .. عندما صعدت السيدة ستارلت لتقرع الباب عليك وقالت أن روي يتصل بك قررت الذهاب إلى هناك .. ولكنني لن أعيد هذا مرة أخرى .. ما جرى هناك فظيع لم تكن الزمرة العادية بل حضر أناس كبار .. لم يعجبوني .. قالوا أننا سنلعب بعض الألعاب .. وسألت أي نوع .. لأنهم بدوا لي كبار في السن فعلاًَ فضحكوا وقالوا أنها ألعاب لحفلة … وإنني سأستمتع بها . وضعت يدها على فمها وأغمضت عينيها : حين أدركت ماذا كانوا سيفعلون .. وماذا يريدون أن أفعل .. ذعرت وهربت .. فلحق بي روي وأخذ يقول لي أشياء رهيبة . لقد إنني متزمتة سخيفة هادمة اللذات وأن علي أن أؤدي الغرامة لأنني لم أكن مدعوة . صمتت وراحت تنظر إلى هيلاري وعيناها متسعتان . لقد هربت . أحست هيلاري بالغثيان لكنها ابتسمت بمرح وتشجيع وقالت بصوت هادئ : أحسنت صنعاً .. لقد انتهى الأمر الآن ولن تري أي منهما بعد الآن . أدخلتها إلى المغطس الساخن حيث جعلتها تسترخي وبعد ذلك ساعدتها على تجفيف نفسها وكأنها طفلة صغيرة وألبستها بيجامتها .. بدت لورنا صغيرة بوجهها المتورد المتورد الممتلئ ذعراً . قالت هيلاري : حاولي أن تستريحي حبيبتي يكاد الفجر يبزغ سأترك باب غرفتي مفتوحاً .. ناديني إذا احتجت لشيء . أمسكت يد لورنا بيدي هيلاري بذعر : أريد شيئاً أريد حذائي … أرجوك هيلاري .. يجب أن تذهبي لتجلبي الحذاء . _ سأجلبه ……… سأجلبه غداً . _ لا الآن أرجوك اذهبي الآن إن تركته حتى الغد فقد يجده أحد سواك .. وقد يحمله إلينا فيعرف بروس الذي سيسارع لإخبار دادي .. أرجوك هيلاري .. أرجوك .. أحضريه لي . أبعدت هيلاري نفسها بلطف .. لقد مرت العاصفة وانقطع المطر لكن التفكير في الذهاب إلى الخارج للبحث عن حذاء ضائع لم يرق لها البتة .. قالت على مضض : حسن حبي … سأذهب الآن. عادت إلى غرفتها وارتدت الفستان الذي كانت ترتديه في وقت سابق وانتعلت صندلاً له أربطة حول ساقيها .. بعد ذلك وجدت مشعلاً وارتدت معطف لورنا الواقي من المطر حول كتفيها قبل أن تنزل إلى الأسفل . في هذه المرة وجدت الباب الجانبي مقفلاً والمزلاج عليه فعرفت أنها لم تقفله لأنها كانت مشغولة بلورنا فتحته بحذر ثم تركته مفتوحاً ستبحث بسرعة عن الحذاء وإن لم تجده ستبحث عنه بالصباح . لكنها وجدت الحذاء دون صعوبة تذكر فعادت إلى المنزل بهدوء وأقفلت الباب مجدداً ووضعت المعطف و الحذاءين في غرفة الملابس في الأسفل وتوجهت إلى الدرج حتى أحست بيد تهبط على كتفها .. وصوت بروس يقول : أهلاً بعودتك . كان غاضباً غضباً شديداً ولكنها رأت مع الغضب عاملاً آخر لم تستطع أن تحلله بسهولة أقلقها هذا فحاولت التراجع .. لكن قبضته اشتدت عليها حتى تأوهت ألماً . كان يرتدي روب حمام وشعره مبلل و كأنه كان يستحم . قال ببطء : تعجبت حين وجدت الباب الجانبي مفتوحاً غير مقفل بالمزلاج لكنني ظننت أن السيدة ستارلت نسيت إقفاله .. كان علي أن أعرف بعد تلك المخابرة .. هل استمتعت بالحفلة .. هيلاري ؟ تقول الإشاعات إنها حفلات صاخبة … لكن على أي حال لم أعتقد أنك حتى أنت ستهبطين إلى مثل هذا الدرك . أردف بصوت لاسع : أتحاولين التفكير في قصة مقنعة إنسي الأمر هيلاري .. أقدر على رؤية بوابة الحقل من غرفتي .. ألا تذكرين ؟ رأيت مشعلك يدور فوق الأرض لماذا لم تبقي الليل كله .. أم لعل عشيقك ضجر منك بسرعة ؟ قالت : ليس لي عشيق . التوى فمه : لا ؟ أمر عجيب فلا أظنك تفتقرين الرغبة .. أيضاً حبيبتي ؟ أنت لا تحبينني ومع ذلك تجاوبت معي بشغف .. أتعرفين ما الذي منعني عنك .. عدا السيدة ستارلت ؟ ظننتك طاهرة بريئة لا تعرفين ما الذي تفعلينه .. ولم أرغب بإفساد براءتك . ضحك بوحشية : يا إلهي ما أغباني ! لم أستطع النوم الليلة .. فخرجت أتمشى فكل ما كنت أراه هو وجهك كنت كرجل يتضور جوعاً يراقب مائدة عامرة من بعيد ولكنك كنت طوال الوقت مع ذلك النكرة الذي جعلته يحولك إلى وجبة سائغة له . كان يمسكها بكلتي يديه فظنت أن عظام كتفيها ستنكسر لكنها لم تترك نفسها تصرخ . قالت : أستطيع الاعتناء بنفسي . لان صوته ولكن أبقى فيه رنة جعلت دمها يبرد . أنا واثق من هذا هيلاري .. لذا فلنبدأ من جديد يا حلوتي هيلاري ذات العينين البريئتين الناعستين ؟ إنما في هذه المرة لن أزعج نفسي بالتفكير ببراءتك .. دعيني أرى أي خداع مازال مختبئاً فيك . تأوهت برعب صرف .. قالت باحتجاج : بروس … لا ليس الأمر كما تظن حقاً . ضحك بسخرية : لا الأمر لم يكن قط كما أظن .. لذا لا داعي للتفكير … حبيبتي . رفعها بين ذراعيه ليحملها إلى غرفته رافساً الباب ليقفله خلفهما كانت تقاوم كالحيوان تعض وتخدش لكنه لم يلاحظ شيئاً . _ بروس … لا … أرجوك … لا ؟ جعلته ابتسامته الساخرة يبدو كالشيطان . قال بصوت أجش : بلى هيلاري بلى … لا خيار للفاسقات وقد خسرت خيارك وستدفعين الغرامة . الغرامة .. تحدثت لورنا عن الغرامة وكانت مذعورة … فهربت وهي الآن مذعورة بل لم يسبق أن شعرت قط بمثل هذا الذعر …..
6 -اكرهني أكثر
قالت : أكرهك يا إلهي كم أكرهك ؟ _ اكرهيني قدر ما تشائين .. لكنك لن تغادري هذا المكان ما لم أنتهي منك هيلاري … حاولت رفع اليد التي أمسكت بها وكأنها حيوان مذعور … فقال : هش .. لا تقاوميني هيلاري لا تقاومي نفسك . تصاعدت المرارة في حلقها .. يا إلهي يحب أن تبتعد عنه وعن ستونكليف . قاومته ولم تعرف كيف استطاعت الإفلات من بين يديه فهرعت إلى الباب فلحق بها ولكنها سبقته إلى فتح الباب وخرجت لا تلوي على شيء كانت تركض وقلبها يخفق بين جنبيها بقوة لم تظن أنه يملكها لما وصلت إلى غرفتها أخيراً أوصدت الباب خلفها خشية أن يلحق بها ثم انهارت على السرير تبكي وتبكي حتى جفت مآقيها من الدمع . منذ تلك الليلة انصب تفكيرها على أمر وهدف واحد وهو ترك ستونكليف .. لتفر إلى الأبد من بروس جيلفورد . نجحت هذه الفكرة لفترة …. أو هكذا بدا لها لكن لم يكن هنالك مجال للهرب حقاً … مع ذلك فقد كان الأمر ضرورياً فبعد أشهر على ترك ستونكليف كانت الذكريات تلاحقها .. وكم ليلة استيقظت خائفة من مشاعرها التي مازالت تحن إلى ذلك النذل . كم مرة لعنت نفسها لأنها لا تقدر على نسيانه مع أنها حاولت كثيراً ومع ذلك لم تنجح فها هي الآن مستيقظة كل عصب وكل إحساس فيها موجه إلى الرجل الذي يشق طريقه وحيداً في الظلام خارجاً . وحيداً ؟ ضحكت بازدراء … لا شك أنها وجهة نظر رومانسية للموقف .. فبروس مغرم بالسير ليلاً .. وطالما فعل فهذه المسيرات تساعده على رؤية المشاكل بوضوح .. ويمكنها أن تعرف المشكلة التي تمنع عنه النوم هذه الليلة . تسللت من جديد تحت أغطية الفراش متنهدة . لكن .. وحيد.. ؟ لم يكن لديها قط أدنى سبب لتفكر في أنه من بين الناس جميعهم قد يكون وحيداً .. فإن لم يدع أي سيدة للعشاء معه هذه الأمسية فهذا لا يعني أن لا امرأة في حياته . ارتدت على وجهها تغمض عينيها بشدة حتى آلمتاها .. وفكرت بائسة : يا إلهي .. اجعله يكرهني .. اجعله يحتقرني إذا أراد .. مادام ذلك السبيل الوحيد لأبقى آمنة منه ! لا بد أنها نامت بعد ذلك .. فالشيء التالي الذي وعت عليه كان نور النهار ووجه لورنا التي كانت واقفة قرب سريرها مبتسمة وفي يديها فنجان شاي . قالت متذمرة : هذه الغرفة ككوخ في القطب الشمالي .. نسيت أنك تحبين الهواء النقي . جلست هيلاري وتناولت منها فنجان الشاي : آسفة .. ضعي روبي حولك إن كنت باقية . _ بالطبع باقية . جلست على حافة السرير وبدأت تحتسي فنجانها . _ أوه هيلاري ما أجمل عودتك إلى المنزل ! كنت بائسة في السنتين المنصرمتين . مازحتها بلطف : بائسة ؟ وأوقعت تشارلي في حبك ؟ _ أوه .. لا أعني هذا .. لكن لم أجد من أتحدث إليه . _ خلتك عينت أغنيس لتسري لها بأسرارك . _ إنها ليست بالسوء الذي تظنين . _ هذا ما أرجوه .. وماذا قصدت من وراء إيحائك للجميع بأنني كنت أموت حباً بجون ؟ تعرفين جيداً أنه كلام سخيف . هزت لورنا كتفيها : خلت أن قولي ذاك سيجعل أغنيس أقل غروراً ولو لمرة إنها متملكة بشكل رهيب . هزت هيلاري رأسها : وهي الآن تكرهني .. شكراً يا صديقتي . وضعت الفنجان من يدها : والآن ما هو برنامج اليوم ؟ ابتسمت ابتسامة ماكرة : لن نفعل شيئاً كثيراً .. يجب أن نؤقلمك بهدوء بعد بقائك في الجنوب الكسول . _ لكنني لم آت إلى هنا من أجل هذا .. المفترض بي مساعدتك على التحضير للزفاف .. ويجب أن نبدأ بالتحضيرات إلا إذا كنت تريدين تأجيل المراسم . _ لا .. لا أريد لا تفتعلي ضجة هيلاري .. سيتم كل شيء في حينه .. إن أردت نذهب لنلقي نظرة على الشقة .. تحثني ماما ايزيربلود على إبقاء عيني على تقدم العمل .. تعتقد أن علي الإشراف على وضع كل أداء صغيرة في مكانها. قالت هيلاري بصراحة : حسناً تحب الفتيات هذا .. ولا يحصل الجميع على بيت مفصل كما يريدون . _ ربما .. لكنني أعتقد أن التحضيرات المنزلية أمر متعب ……… أنهت شايها ووقفت متمتمة : أترغبين في الاستحمام أولاً ؟ _ لا استحمي أنت أولاً . عاد إلى هيلاري اضطرابها لم تعرف السبب لكنها فكرت ما أشد حماقتي .. إنهما متحابان وقد شهدت البرهان ليلة أمس لا بد من وجود ثغرة ما .. و أتمنى لو تتحدث لورنا عنها لأنها لا تجعل من الحبة قبة . حين نزلت إلى غرفة الفطور أدهشها ألا تجد لورنا فيها .. كان هوود جالساً مع الممرضة وهي امرأة معقولة المظهر ذات شعر رمادي .. بروس هناك أيضاً .. يأكل اللحم المقلي مع الفطر والطماطم انتفضت هيلاري عندما رأته فالأحداث التي مرت بخاطرها ليلة أمس جعلتها حية وكأنها حدثت بالأمس .. لذا صدمتها رؤيته جالساً بهدوء . نادها هوود بمرح : هاأنت إذن حبيبتي . وارتد إلى الممرضة : لا أظنك تعرفين ابنتي .. ابنة زوجتي .. هيلاري هذه دوير التي تعتني بي والتي جعلتني أقوم بتماريني الجهنمية . قالت الآنسة دوير : واثقة أنك لا تقول كلمات كهذه من وراء ظهري . وصافحت هيلاري . دخلت السيدة ستارلت حاملة إبريق قهوة كبير وضعته على المائدة وسألت : هل تتناولين فطوراً مطبوخاً آنسة هيلاري ؟ _ لا شكراً سأتناول التوست والقهوة فقط . عبست السيدة ستارلت دليل على عدم موافقتها ولكنها لم تعلق بشيء بعد ذهابها قال هوود : يجب أن تأكلي أكثر من هذا يا هيلاري .. أنت نحيلة جداً . ابتسمت هيلاري : لن يوافقك جول الرأي أبداً . سأل بروس وهو يلوي فمه : من هو جول ؟ ردت ببرود: إنه مصوري أو على الأقل المصور الذي أعمل معه أكثر من غيره . علقت الآنسة دوير : ويلتقط صور رائعة … كنت آمبر غيرل فتاة الكهرمان أليس كذلك يا آنسة جيلفورد ؟ هزت هيلاري رأسها مؤكدة .. لكن بروس سارع يقول : اسمها كوارثمان .. هيلاري كوارثمان , بدا الحرج على المرأة : بالتأكيد .. كان يجب أن أعرف .. قال هوود بمرح : إنها شكليات ليس إلا .. هيلاري جزء من عائلة جيلفورد إلا من جهة الاسم أليس كذلك حبيبتي ؟ أجبرت هيلاري نفسها على الابتسام فقد كانت واعية لنظرة بروس الساخرة . إذا كان هذا ما تريده هوود … هل يعرف أحد أين لورنا ؟ قال هوود هي لا ريب في الخارج تتمشى فهذا ما تقوم به دائماً قبل الفطور . ارتفع حاجبي هيلاري عجباً … وضحكت : حقاً ! يا إلهي لقد تغيرت ! تركزت عينا بروس عليها : وماذا توقعت ؟ أن يكون كل شيء هنا في فراغ بانتظار عودتك ؟ ردت بحدة : بالتأكيد لا .. لكن التنزه في الصباح عادة لم أعهدها في لورنا … هذا كل شيء . رفع عنه طبقه ومد يده إلى سلة التوست : ربما تعتبرين ذلك حقاً حصرياً لك أم لعلك تغيرت أنت أيضاً على الأقل في هذا المضمار . فكرت بجنون .. كيف يجرؤ ؟ كيف يجرؤ على السخرية منها هكذا وهو يعرف أنه غير قادرة على الدفاع عن نفسها بوجود هوود والممرضة ؟ قالت بخفة متعمدة : وأنا أيضاً لم أعان من الفراغ . التفتت عيناه إليها بقسوة وقال : لا . في تلك اللحظة دخلت لورنا وعيناها براقتان وخداها مشرقان ودارت حول الطاولة وهي تكاد ترقص . _ مرحباً جميعاً ………. قبلت هوود وعانقت هيلاري : أليس يوماً جميلاً ؟ قالت الآنسة دوير : تنذر الأرصاد الجوية بهطول الأمطار . ضحكت لورنا : لا يهمني ما يحصل فيما بعد طالما تشرق الشمس في الصباح سآخذ هيلاري لنرى الشقة . وصبت لنفسها طبق سيريل أما بروس فابتلع آخر قضمة من التوست ووقف يقول لوالده : إن اتصل هيبورغ فقل له أنني في مدينة ليدز طوال اليوم . هز هوود رأسه وقالت لورنا : آه بروس حبيبي .. إذا كنت باقياً في ليدز فهلا أتيت لاصطحابنا للغذاء لقد مر زمن طويل منذ فعلت ذلك . تردد .. ولكنه لم ينظر إلى هيلاري : ليس اليوم لورنا … لدي جبل من الأعمال .. ربما في وقت آخر . غضبت لورنا فقال هوود : لا يمكنك رفض عرض كهذا يا فتى .. عليك أن تأكل ولا شك أن تناول الغذاء مع فتاتين جميلتين سيساعد جبل العمل على الانتهاء . تجهم وجه بروس بشدة … وقال ببرود : حسناً تعاليا إلى المقهى في الثانية عشر والنصف .. لورنا .. وسأرى ما أستطيع أن أتدبر . _ حبيبي .. أنت أخ رائع .. أليس كذلك هيلاري ؟ وضعت هيلاري قطعة التوست من يدها وتمتمت بكلام غير مفهوم وكانت تعي نظرة بروس الساخرة ولكنها عندما رفعت رأسها لم تجده فتمكنت من الاسترخاء قليلاً . بعد الطعام ترافقت الفتاتان إلى الكراج حيث تقف سيارة لورنا السوداء الميني .. علقت هيلاري : رائعة .. ضحكت لورنا : إنها مكافأة .. لم يصدق دادي أنني قد أنجح في امتحان القيادة ولكنني نجحت في المحاولة الرابعة . عندما كانت هيلاري تراقب لورنا وهي ترجع السيارة إلى الوراء وتتقدم إلى الطريق الداخلية تساءلت إن نجحت فعلاً في المرة الرابعة فعلاً .. فقد ابتهلت إلى الله حتى تصلا سالمتين . يقع منزل ايزيربلود بعيداً عن الطريق داخل ممر خاص مرصوف تحده بوابتان وسياج خشبي خاص بالمواشي .. كان المبنى كبيراً رحباً بني من حجارة محلية تقليدية تحيط به حديقة رسمية كبيرة كانت معظم مباني المزرعة بما فيها مخزن الغلال الذي سيتحول إلى شقة تشارلي و لورنا في مؤخرة الأملاك .. لكن لورنا لم تتوجه إلى هناك مباشرة بل توقفت أمام المنزل ثم نظرت إلى هيلاري عابسة وقالت : تعالي .. من الأفضل أن نعلن عن وصولنا إلى العمل . أدخلتهما مدبرة المنزل ثم اصطحبتهما إلى غرفة جلوس كبيرة واسعة … وهناك وجدتا السيدة ايزيربلود جالسة وراء منضدة قرب النافذة تكتب لكنها وقفت مبتسمة ابتسامة ترحيب للفتاتين . _ لورنا عزيزتي .. ما أروع هذا فنحن لا نراك كثيراً .. وهذه هيلاري بالتأكيد يا لنجاحك الباهر .. لقد تابعنا عملك الناجح باهتمام كبير هنا . عندما ارتدت السيدة ايزيربلود إلى مدبرة المنزل لتطلب القهوة تمتمت لورنا همساً إلى هيلاري : أعلن الآن عن افتتاح البازار . عبست هيلاري في وجهها مؤنبة وحضرت نفسها لما لا يقل عن نصف ساعة من الحديث عن عملها في عرض الأزياء . قالت السيدة ايزيربلود وهن يتناولن القهوة : كنت آمل أن أتصل بك لورنا .. إذ يكاد العمال يبدؤون بتبليط المطبخ والحمام ولقد وصلتني نماذج عن البلاط التي أريد عرضها عليك لست مضطرة للاختيار منها عزيزتي فهناك كاتلوجات كثيرة هل نظرت إلى تلك التي أعطيتك إياها عزيزتي ؟ هزت لورنا كتفيها بعدم اكتراث : لم يكن لدي الوقت … واثقة أن ما تختارينه سيكون جيداً . _ لكنني لم أختر شيئاً عزيزتي .. الخيار خيارك وخيار تشارلي إنه منزلكما .. لقد تركت النماذج في الشقة وليس عليك إلا اتخاذ القرار و إخبار رئيس العمال به . تنهدت : أملت أن يكون تشارلي هنا هذا الصباح لكنه اضطر للذهاب مع والده . وضعت لورنا كوب القهوة على الطاولة : لا يهم أردت أن تلقي هيلاري نظرة على الشقة فقط تعالي هيلاري … من الأفضل أن نبدأ يجب أن نكون في ليدز في الثانية عشر والنصف لا تنسي . وهما تسيران في فناء المنزل الخلفي قالت هيلاري : لورنا .. كدت تكونين فظة معها . _ حسناً ما تقوله سخيف تعرف أنها هي التي ستختار نوع البلاط في النهاية تماماً كما اختارت كل شيء آخر آه .. كل شيء ساحر وجميل لكن ما يعجبني هو دائماً " ليس مناسب يا عزيزتي " ربما أنها تدفع التكاليف فقرارها هو الأخير حسناً هاقد وصلنا . بدا تحويل المخزن إلى شقة جيداً جداً فالطابق الأرضي تحول إلى كراج وقاعة استقبال و غرفة ملابس .. وهنالك سلم من خشب السرو يفضي إلى غرفة جلوس كبيرة تشرف على منظر الوادي الخلاب أما المطبخ فبدا كبيراً لتناول الطعام فيه وإضافة إلى حمام صغير رأت غرفتي نوم مقبولتي الحجم . نظرت لورنا إلى صندوق كرتوني موضوع أرضاًُ : أعتقد أنها النماذج التي تكلمت عنها ما رأيك هيلاري ؟ عليك إلقاء نظرة لتقرري فأنت من سيعيش معها على أي حال . تمتمت بلهجة تكاد تكون متوحشة : أجل هذا صحيح .. سأعيش مع الجميع . دنت من النافذة الواسعة ونظرت للخارج فلاحظت هيلاري أن بريق الصباح الذهبي قد خبا وأن غيوما ًرمادية قاتمة تتلبد في الجو .. انضمت إلى لورنا وعلقت قائلة : سيتساقط الثلج .. ياله من منظر رائع . ضحكت لورنا : أليس كذلك ؟ والمناظر من النافذة الأخرى أفضل بكثير انظري ! قطعت الغرفة ومدت يدها بحركة مسرحية دراماتيكية .. فقالت هيلاري بعد صمت : إنه المنزل الرئيسي . _ أجل .. المنزل الرئيسي .. هانحن .. منفصلان كلياً .. ومكتفيان كلياً ومع ذلك لا نغيب عن الأنظار أبداً ويا لها من حياة ! ضحكت بعدم ثبات . _ هيا الآن أنت على مسافة من المنزل . _ إنها تراقب فكلما جئت إلى هنا تراقبني وقد لوحت لي أكثر من مرة فهل تتصورين ما سيكون الأمر عندما أعيش فعلاً هنا ؟ تنهدت هيلاري : أوه لورنا إنها ملهوفة على قرانكما فهي تريد أن تساعد وأن تتأكد أن كل شيء كامل فتشارلي هو ابنها الوحيد على أي حال . ردت لورنا بتمرد : ألا أعرف هذا ؟ وضعت هيلاري يديها على كتفي لورنا ونظرت بقلق إليها : لورنا ما دام هذا شعورك فلماذا لا تؤجلين الزفاف فترة أمهلي نفسك فترة لتتأكدي ! نفضت لورنا عنها قبضة هيلاري بلؤم تقريباً : عم تتحدثين ؟ أنا واثقة سأتزوج تشارلي في الموعد المتفق عليه المشكلة أن أمه تحبطني . جادلتها هيلاري بلطف : وهل من المستحيل إيجاد مكان آخر تسكنان فيه؟ تقدمت لورنا إلى صندوق البلاط : لا بأس بهذا سأعتاد ………… أخرجت بعض منها : هذه مناسبة للمطبخ ما رأيك ؟ وهذه المذهبة مناسبة للحمام سأعطيها لرئيس العمال .. ثم ننطلق إلى ليدز . تنهدت هيلاري : أترينها فكرة صائبة ؟ بدا واضحاً أن بروس لا يريد منا أن نذهب . لوحت لورنا بيدها مستخفة : أوه قد يفيده أن ينزعج بعض الأحيان كما أنني أريد الذهاب إلى ليدز للتفتيش عن ثوب العرس . _ ظننتك ذاهبة إلى محل معين في سيكبتون . _ قد افعل لكن فلنفتش في ليدز أولاً . وضعت يدها على ذراع هيلاري متوسلة : أوه حبيبتي … هل أنا مشكلة رهيبة لك ؟ ابتسمت : كالعادة . قالت بسعادة : إذن سنعود إلى المنزل لنبدل ملابسنا سترتدين ما يصرع عيني بروس لقد آن لكما أن تعقدا الصلح بشأن كائناً ما وقع خلافكما عليه أنا واثقة أنه يهواك في سره لم يعجبه الأمر حين مازحتك بشأن جون . _ لا أهتم بهذا .. لكن أرجوك لا تدعي خيالك يجمع بشأني وشأن بروس .. نحن هكذا سعيدان ببغضنا المتبادل . _ لكن لا يجب أن تكونا على بغض فأنت رائعة الجمال هيلاري فصورك في كل تلك المجلات مذهلة .. و بروس مثير جداً فحتى أنا ألاحظ هذا . بللت هيلاري شفتيها وضحكت ضحكة قصيرة متوترة : انسي يا لورنا أية معادلة تعملين عليها في عقلك لا يمكنك جمع الناس معاً والحصول على النتيجة المرغوبة والحقيقة أننا لا نتبادل الإعجاب . قالت لورنا بعناد : لكنني أريد أن تتبادلا الإعجاب وهذه أمنية هوود أيضاً حين سمع بخبر عودتك إلى البيت وحين علم أن بروس هوود الذي سيصحبك تهلل ابتهاجاً وقال إن أغلى أمنية لديه هي أن .. قاطعتها هيلاري بحدة : أرجوك لورنا لا أريد سماع المزيد ولا أريد مناقشة المسألة أكثر من هذا …. الأمر كله سخيف وإن أصررت فلن أرافقك إلى ليدز بل سأعود حالاً إلى لندن . نظرت لورنا إلى هيلاري بحيرة ووعدت : حسناً لن أضيف كلمة أخرى . حافظت لورنا على وعدها لكنها لم تكن رحلة هادئة إلى ليدز بأي حال من الأحوال فقد كانت قيادة لورنا رعناء وعاشت هيلاري على أعصابها حتى وصلا أمام أبواب مصنع جيلفورد . سارت بثقة إلى مكتب الاستعلامات تلقي التحية على العاملة هناك وقالت من فوق كتفها وهي تتجه إلى المصعد : قولي للسيد جيلفورد إننا في الطريق إليه . لم تتغير المكاتب في الطابق العلوي كثيراً بعد انقطاع هوود عن المجيء تذكرت هيلاري بحنين كيف كانت أوليفيا تحضرها وهي طفلة إلى هنا لتراه وتتذكر كيف كان يجلسها على كرسي دوار وتذكر أن الآنسة كرومر سكرتيرته الكبيرة في السن لأعطتها مرة بعض الحلوى من علبة في درج مكتبها وتركتها تطبع اسمها ببطء شديد على آلة طباعة إلكترونية براقة . ما زالت هناك خزانة الملفات المرتفعة والسجادة الخضراء الكبيرة والمكاتب السنديانية الصلبة السوداء . لكن لم تعد الآنسة كرومر موجودة وتشك هيلاري أن يكون لدي الشقراء النحيلة الجالسة وراء الكمبيوتر أي حلوى في الدرج . كان بروس يتحدث هاتفياً فانتظراه بضع دقائق وبدأت لورنا بالتحدث مع السكرتيرة أما هيلاري فدنت من النافذة ووقفت تنظر للخارج .. في الجو ما يدل على اقتراب موعد تساقط الثلج فها هي بضع غمامات بيضاء تمر بالأجواء .. ولكنها أملت أن لا تتلبد فقيادة لورنا على الطرقات الجافة سيئة فكيف هي على طرقات يتساقط عليها الثلج . انفتح الباب في الجهة الأخرى وقال بروس بصوت جاف : لقد حجزت مائدة في وارف كورت في الساعة الواحدة لذا يجب أن نسرع هل أنتما جاهزتان ؟ ارتدت هيلاري بسبب ظهوره المفاجئ فاصطدمت يدها بكومة ملفات تطايرت أرضاً . صاحت محبطة : آه ! وهرعت لتلتقطها كان على الأرض أوراق وأوراق مغطاة كلها بالأرقام … قال بروس : دعيها ستهتم بها الآنسة كارلايل . وقفت ببطء وبوجه متورد : لم أنتبه . _ بالتأكيد لا كنت مهتمة فقط بمصلحة العائلة وبأعمالها حسناً اطمئني بالاً فشركة جيلفورد لا تعاني أيداً من الركود الاقتصادي والمالي . _ لم أكن أتطفل .. حقاً .. ولا شأن لي في هذا . _ ولكنه شأن من شؤوني فأنا الذي أعمل على إيصال المصروف الذي خصك به والدي ولا داعي للحرج فالآنسة كارلايل تعرف هذا لأنها من ينظم انتقال المال إلى حسابك شهرياً . قالت هيلاري وهي ترتجف غضباً : إذن أستطيع أن أريحها من مهمة صعبة .. أرجو أن تلغي ما خصني به هوود منذ الآن فلست بحاجة إليه . طافت عيناه بها ساخراً : لا أعتقد أنك بحاجة له ولكنك ستجدين له طريقة للاستخدام على أي حال أضيفي إلى هذا أنها رغبة أبي لا رغبتي فإن أردت أن تتغير الترتيبات فاطلبي منه هو ذلك . عندما لحقت به إلى الخارج كانت هيلاري مخدرة الإحساس من فرط الغضب أما لورنا فنظرت إليها بعطف وشفقة . عندما وصلوا اعترضت لورنا على الجلوس في المقعد الأمامي بحسب رغبة هيلاري : يجب أن تجلسي أنت في المقدمة فعلى أي حال أنت ضيفتنا اليوم .. وأنا شقيقته . قال بروس بتجهم : لم أعرف أن أية واحدة منكما هي ضيفة علي اليوم فلو تكرمت إحداكما بالدخول إلى السيارة لتمكنا من الذهاب إلى الغذاء . صعدت لورنا إلى الخلف ونظرت إلى هيلاري نظرة انتصار فكان أن رضخت للأمر الواقع وجلست في المقعد الأمامي يقع المطعم الذي يقصدونه في بقعة ساحرة وهو عبارة عن منزل ريفي جميل حول بمهارة إلى فندق ومطعم ولو كانت هيلاري بصحبة أخرى لتطلعت شوقاً إلى وجبة الطعام لكنها والحال هذه لم تعط اهتماماً للائحة الطعام وطلبت الحساء والسمك النهري المشوي وهذا ما خيب أمل كبير النادلين وكان أن طلب بروس ما طلبته ولكن لورنا رفضت الاستعجال واختارت اللحم الستيك المطهو بالفطر وأخيراً البطيخ . قالت لورنا وهم يتوجهون إلى طاولتهم : السير مع هيلاري كالسير في موكب ملكي الرؤوس كلها تلتفت لدى مرورها . قال بروس هذا ما لاحظته . قالت لورنا مؤنبة : مزاجك نكد اليوم يا حبيبي أما زلت غاضباً لأننا دعونا أنفسنا إلى الغذاء ؟ لكن ليس لديك من تخرج معه فما زالت ديلسي في برمودا .. أليس كذلك ؟ قال باختصار : أجل . فكرت هيلاري : إذن اسم السيدة الحالية ديلسي .. شقراء .. فطالما أحب بروس الشقراوات ولا شك أنها ثرية مثله فهذا هو الطراز المعتاد . سألها بروس ببرود رسمي وكأنها امرأة غريبة مجبر على إظهار الأدب واللباقة معها : هل ذهبت إلى الشقة . ردت هيلاري بكياسة باردة مماثلة :أجل .. وأظنها ستكون ساحرة . هز كتفيه : إذا كان هذا ما تريده لورنا . لكن هل هذا صحيح ؟ لماذا لا نكشف جميعاً أوراقنا لنرى ماذا تريد لورنا حقاً ؟ أنت شقيقها فلماذا لا تفضي ما بنفسها إليك ؟ لكن النادل جاء حاملاً الطبق فلزمت الصمت وبقيت صامتة . لم تلمس من الطعام الذي أمامها سوى القليل حينما جاءت عربة الحلويات اختارت قصعة صغيرة من سلطة الفاكهة الخالية من الكريمة فضحكت لورنا : تحافظين على رشاقتك مجدداً حبي ؟ لا حاجة بك إلى هذا حقاً . ردت هيلاري : هذا ما تظنيه أنت فلدى من أعمل معهم عين صقر فترينهم يعرفون إذا زاد وزني غراماً واحداً . سأل بروس : بمن فيهم جول ؟ _ إنه واحد منهم . وكان ردها حاداً أكثر مما أرادت . _ أليس متزوجاً ؟ _ أجل . وأخذت قطعة أناناس وعنب من السلطة : لكن هذا الأمر لا يضرني . وهذا صحيح كلياً فما تفعله هو تعديل التركيز قليلاً لطالما كان جول أخاً كبيراً لها يشغل المكان الذي تخلى عنه بروس لكن هل أرادت من بروس أن يلعب دور الأخ ؟ تعرف أنها تصرفت بحماقة لكن ماذا يهم ؟ فبروس يحتقرها وطالما احتقرها وسيظل يحتقرها لذا لن يكون لما تقوله فرق كبير مالت لورنا إلى الأمام وعيناها تبرقان مكراً : ما كل هذا ؟ هل لجون المسكين منافس ؟ ووضعت يدها على فمها عيناها تتراقصان : أوه هيلاري آسفة .. أعرف أنك طلبت مني عدم التكلم عنه . تساءلت هيلاري كيف نسيت ميل لورنا إلى المكر قالت : ليس هذا ما قصدته . قال بروس بلسان سليط : أعتقد أن له عدداً كبيراً من المنافسين . و أشار للنادل أن يحمل القهوة فقالت هيلاري بخفة لم تشعر بها : يقال إن الأمان في الكثرة . قالت لورنا لبروس : سترافقني هيلاري للتفتيش عن ثوب العرس _ إذن من الأفضل أن أقلكما إلى مركز التسوق .. هل أنتما على استعداد ؟ _ على أتم استعداد . ودفعت عنها فنجان القهوة وقالت لهيلاري : أليس طعمها مراً ؟ انتظرت هيلاري خروج لورنا من غرفة السيدات ولكنها انتفضت شاهقة حين أحست بيد تهوي على كتفها .. قال بروس متجهماً : حذار هيلاري .. العبي ألعابك الوسخة في لندن ولا تلعبيها هنا لن أسمح بفضيحة محلية تزعج والدي وتشوه زفاف شقيقتي .. هل هذا مفهوم ؟ لم تحاول إخفاء مرارتها أو عدوانيتها : فهمتك نعم الفهم . أنزل يده عنها فاتجهت إلى الباب وخرجت إلى حيث تقف السيارة . عادت الريح تنذر بتساقط الثلج فتوقفت هيلاري قليلاً والريح تكاد تقطع أنفاسها وتجعلها تشد معطفها حولها ترنحت قليلاً فاصطدمت ببروس الذي لحق بها إلى الخارج وفي اللحظة عينها رفعت الريح شعرها المنسدل فنفخته على وجه بروس لم يتحرك لبضع لحظات بل وقف جامداً ثم شتم شتيمة مكتومة وانتزع الخصلات عن فمه وخديه .. كان وجهه شديد الشحوب وقرب فكه عضلة تنتفض بشدة . قال بفظاظة : اللعنة عليك هيلاري .. لماذا عدت إلى حياتنا ؟ ثم سار بسرعة نحو السيارة وتركها واقفة بمفردها في وجه الريح الباردة .
7 -كلمات تجرح
عندما وصلتا إلى قسم العرائس في مخزن البيع الكبير كانت هيلاري قد استعادت هدوءها . لم يتحدث إليهما بروس واكتفى بأن قال للورنا بحدة أن تستقل سيارة أجرة إذا ساء الطقس كثيراً وأنه سيتدبر أمر إعادة السيارة فيما بعد لم يقل كلمة واحدة لهيلاري ولم ينظر إليها حتى .. لكنها كانت تحس به وكأنه يضمها بين ذراعيه . كانت تلك الثواني القليلة التي استراح فيها جسمها على جسمه تجربة مدمرة .. ولكن عليها ألا تفكر في هذا فأجبرت نفسها على تأمل أقمشة الساتان و الدانتيل والشوفان الموضوعة على تماثيل بلاستيكية . ظهرت بائعة لطيفة متوسطة العمر وعرضت خدماتها . قالت لورنا : أريد رؤية أثواب العرس قياسي عشرة . أدخلتا إلى غرفة فيها مرايا وهناك علقت البائعة معطف لورنا وفستانها ثم ساعدتها على نزع حذائها الطويل الساقين لتنتعل بدله حذاء من الساتان الأبيض ثم أخذت شريط القياس .. فقالت لورنا متوترة : لا داعي لهذا قلت لك إنني أرتدي قياس عشرة . تمتمت البائعة شيئاً عن رغبتها في التأكد ومررت شريط القياس حول صدرها وخصرها وأردافها ثم اختفت . علقت لورنا ما أسخفهم ! سنرى إن كان عندهم أثواب وصيفات .. سأختاره أخضر . قالت هيلاري : يشاع أن اللون الأخضر لا يجلب الحظ . عادت البائعة مع زميلة لها وهما تحملان أثواباً بيضاء .. راقبتهما لورنا مفكرة وهما تعرضان الأثواب . _ همم .. ما رأيك هيلاري ؟ _ فستان الشوفين ساحر يعجبني الدانتيل كذلك .. لكني لا أحب الساتان ولو كنت مكانك لتجنبته . _ إذن سأجرب الشوفين فلألق نظرة واحدة . وبدأت تتأمله بدقة ولكنها عبست فجأة وظهر في عينيها ذلك البريق الخطير وقالت : ثمة خطأ إن مقاسه اثنا عشر وأنا قياسي عشرة . نظرت البائعة إليها باعتذار : آسفة سيدتي . لكنني أخذت قياسك وأظن أن أوزاننا جميعاً تزداد في الشتاء بدون أن نلاحظ .. جربي الفستان . قالت لورنا من بين أسنانها لم يزدد وزني ولن أجرب فستان مقاسه غير مناسب لمقياسي … إنها مضيعة للوقت إذا كنت لا تريدين جلب مقاسي الصحيح فقولي هذا ودعيني أذهب لمكان آخر . تورد وجه البائعة : لا بأس يا سيدتي … سأحمل إليك قياس عشرة . قالت هيلاري بحدة : لورنا حباً بالله أحسني التصرف ! ربما تغير مقاسك قليلاً .. أنكرت بحرارة : لا ريب أن شريط المقاس الذي استخدمته غير صالح . _ حسناً .. لكنني أظن أن من المؤسف ألا تسمحي للسيدة انغلواز بحياكة فستانك .. إنها خياطة رائعة و .. كادت تضرب قدمها بالأرض وهي تقاطعها : لا.. لا أريد أن تقترب مني تلك المرأة الفضولية الثرثارة ! _ لكن الأعراس شؤون عامة . ردت بوجه متجهم : عرسي لن يكون هكذا . صمتت قليلاً ووضعت يدها على رأسها : المكان حار بشكل فظيع هنا ليت تلك المرأة تسرع ! نظرت هيلاري إلى ملابس لورنا الداخلية : من غير المفترض أن تشعري بالحر . _ المكان خانق ألا تشعرين بهذا ؟ _ ليس تماماً … أوه .. ها قد جاء الفستان . كانت البائعة تبتسم مجدداً .. ربما عزت إظهار لورنا للغضب إلى توتر العروس . _ هذا قياس عشرة يا سيدتي .. هل لك أن ترتديه ؟ و الآن هناك سحاب خفي وصف أزرار وهمي في الخلف .. دعيني فقط .. رفعت السحاب عدة إنشات ثم رأت هيلاري أنها تتبادل النظر مع مساعدتها قبل أن تعاود رفع السحاب .. الواضح أن الفستان ضيق فعلاً يكاد يتمزق . قالت بسرعة : كفى شقيقتي فلنر تأثير الفستان قالت البائعة وهي تتراجع إلى الخلف : إنه رائع .. ومقاسه مناسب .. صاحت لورنا غاضبة : إنه القياس الصحيح لم تحاولي حتى رفع السحاب تفتعلين مشكلة لأنك لا تحبين الاعتراف بخطئك . أظهرت تعابير وجه البائعة أنها تعتبرها من يفتعل المشكلة ولكن صوتها كان رقيقاً ومؤدباً فالفستان مرتفع الثمن وقماشه في غاية الرقة لذا قد يؤدي الضغط المتزايد إلى كارثة . صاحت لورنا غاضبة : إذن انزعيه عني .. وأبعديه .. أبعدي جميع الفساتين إنها لا تعجبني ! كانت هيلاري تهم بالاعتذار عندما أوقفتها صيحة مكتومة من المساعدة .. فارتدت في الوقت المناسب لترى لورنا بيضاء الوجه شاحبة تترنح ويدها على رأسها ثم وقعت على السجادة السميكة . كانتا لطيفتين و كفوءتين .. فقد جلبت إحداهما كوب ماء وساعدتا في حملها إلى مقعد مغطى بالساتان جلب من غرفة العرض ..وذهبت فتاة أخرى على طلب هيلاري لاستدعاء سيارة أجرة . ركعت هيلاري وأمسكت يد لورنا أخيراً تحرك جفناها وعاد قليل من اللون إلى وجهها .. قالت : هيلاري .. لا أريد شراء الفستان اليوم .. أشعر أني مريضة . _ سنعود إلى المنزل لا تحاولي الكلام . وجف فم هيلاري فجأة .. فقد لاحظت معنى النظرة التي تبادلتها البائعة مع مساعدتها .. وفكرت .. لورنا … يا إلهي .. أهذا صحيح ؟ لم تجد الفرصة المناسبة للتحدث في سيارة الأجرة ولكن حين تصلان إلى ستونكليف ستواجهها . ما إن توقفت السيارة أمام الباب الرئيسي حتى خرجت السيدة ستارلت التي بدت مذعورة . آنسة لورنا … أبك خطب ؟ قالت هيلاري بصوت هادئ مطمئن : إنه دوار بسيط .. هلا عبأت زجاجة ماء ساخن لها .. أين السيد جيلفورد ؟ لا أريد أن يقلق ؟ _ إنه يستريح .. تبدو شاحبة .. هل أعد لها بعض الشاي ؟ _ أجل … رجاء . وتساءلت إن كانت لورنا ستتذمر من مرورة الشاي كما تذمرت من القهوة وقت الغذاء . أوصلت لورنا إلى غرفتها وألقتها في السرير حيث كانت لورنا مستقلة مغمضة العينين . قالت بلطف وثبات : حان وقت الحقيقة لورنا .. أنت حامل .. أليس كذلك ؟ فتحت لورنا عينيها بشدة وقالت بفظاظة : لا أدري عما تتحدثين . قالت هيلاري بغير إشفاق : بل تعرفين وهذا يفسر كل شيء .. زيادة وزنك مزاجك المتقلب وافتقارك للشهية والإغماء … ثم استعجالك بالزواج .. لهذا السبب ترفضين أن تخيط لك السيدة انغلوز ثوب العرس إذ تخشين أن تشك فيك . _ ستشك بالتأكيد لأنها شديدة الملاحظة . أمسكت يد هيلاري بقوة : ويجب ألا تعرف .. يجب ألا يعرف أحد .. العرس قريب .. وفي بعض الأحيان يلد الطفل الأول قبل أوانه .. أليس كذلك هيلاري ؟ وتذكرت الذعر في صوتها حين قالت منذ زمن بعيد ليس هناك ما هو مخيف في الظلام .. أليس كذلك هيلاري ؟ ليس هناك غول يأتي إلي إن لم أنم ؟ توسلت لورنا مرة أخرى : ألا يأتون هكذا ؟ تنهدت هيلاري : لا أعرف حبيبتي .. ربما .. وهل يهم على أي حال ؟ قد تحدث أمور كهذه .. قالت لورنا بسرعة وهي تتعلق بيد هيلاري : لكن الأمر مهم .. لا أريد أن يعرف أحد …. ابتسمت هيلاري مؤنبة : لكن الناس يعرفون .. فأنا عرفت .. وهناك تشارلي .. _ لا حدقت إليها بذهول : لا أفهم . بللت لورنا شفتيها بطرف لسانها : أنا .. لم أخبره . سألت بذهول : لكنه لم لا ؟ حبيبتي … له الحق أن يعرف .. يجب أن تفهمي هذا .. يجب أن تفهمي هذا وهل تظنين أن لهذا فرقاً كبيراً ؟ تعرفين أنه يحبك . _ أجل أعرف .. ولكنني لا أريد أن يعرف … بأمر الطفل . ارتجفت فجأة : لا أريد أن يعرف أحد سواي . نظرت إليها هيلاري باضطراب واعتقدت أنها فهمت فقد يقول تشارلي لأمه التي ستستغرب وترفض وسيظهر هذا في تصرفها نحو لورنا والله يعرف أن الأمور متوترة بما فيه الكفاية . انحنت تلثم وجنة لورنا : حاولي أن تنامي حبي .. وقبل أي شيء انتبهي لنفسك فهذا يضر الطفل . اشتدت أصابع لورنا حول أصابع هيلاري لحظة ثم استرخت : هيلاري ! أنا سعيدة لأنك معي .. أنا مسرورة بعودتك .. أنا بحاجة إليك فعلاً . ابتسمت هيلاري لها : هذا عظيم … ما أروع أن يشعر المرء بأن أحداً يحتاج إليه . نزلت للاتصال بالمصنع بغية إخبار بروس بأن لورنا لن تأخذ سيارتها . طلبت رقم المصنع ثم طلبت مكتب بروس كانت تتوقع سماع صوت سكرتيرته ولكنها فوجئت بصوت بروس يقول : نعم قالت مقطوعة الأنفاس : إنها لورنا .. لقد عدنا إلى المنزل باكراً لأنها لم تكن بعافية وأعتقد أن عليك أن تعرف . قال ساخراً : حسناً ..عرفت .. ما بال لورنا ؟ قالت كاذبة : لا أدري .. ربما أنفلونزا … إنه موسمها . فكرت : لماذا أتحدث بأمور تافهة وهناك أشياء هامة أخرى يجب أن أقولها … ليتني أجد الكلمات المناسبة . _ حسناً .. قولي لها ألا تقلق بخصوص السيارة .. أما السيدة ستارلت فأخبريها بأنني لن أعود إلى المنزل للعشاء . _ سأقول لها .. وداعاً بروس . علقت السماعة بسرعة . مل إن ابتعدت عن الهاتف لتبلغ الرسالة حتى تساءلت لماذا لن يأتي إلى العشاء أهو موعد عمل .. أم شيء خاص ؟ وجدت نفسها تتساءل كيف سيكون الأمر لو كانت واحدة من نسائه ترى ماذا سيكون الأمر لو كانت هيلاري كوارثمان غريبة تلتقي بروس جيلفورد فجأة في حفلة فيدعوها إلى العشاء ؟ .. وما هو الإحساس بأن تكون معه بدون الحاجة إلى الخفاء ؟ أن تكون بين ذراعيه … أن تعرف السعادة بدل ألم الحب ؟ همست لنفسها : أن أعرف أنه بحاجة إلي ولو لفترة بسيطة .. مرت الأيام التالية من دون أحداث تذكر .. واجتازت لورنا أزمتها بدون أن يلاحظ أحد شيئاً . بعد ظهر أحد الأيام ذهبت الفتاتان إلى سيكبتون حيث اشترت لورنا فستان الزفاف في هذه المرة لاحظت هيلاري أنها طلبت قياس اثنا عشر . كانتا تسيران في الشارع الرئيسي تشاهدان منصات السوق حيث حياهما أحدهم .. نظرت هيلاري حولها بدهشة إنه جون ميدوينتر . تهلل وجه لورنا : جون ما أجمل أن نراك ماذا تفعل هنا ؟ أزور زبوناً .. وماذا عنكما ؟ _ نتسوق …… وانتظرت هيلاري منها أن تذكر ثوب العرس لكنها تابعت بالقول بصوت عفوي : كنا سنتناول الشاي هل لديك وقت ؟ رد مبتسماً ووضع نفسه بينهما : دائماً .. أعتقد أنه يوم سعدي . قالت لورنا بعد جلوسهم على طاولة الشاي :لماذا تزور الزبائن ؟ خلت أن مركزك أهم من أن تزورهم . كشر وجهه قليلاً : اسمياً أجل .. لكن عملياً أنفذ ما يطلب مني . اختلست إليه هيلاري النظر وهو يهذر مع لورنا إنه جذاب جداً لكن في فمه وذقنه ضعفاً أساسياً لم تلحظه من قبل .. ربما أن حياته سهلة وتذكرت جمال أغنيس ووقاحتها وفظاظتها معه ولكنها لم تكن قط مختلفة عما هي عليه الآن ولا ريب أنه عرف هذا حين تزوجها . فكرت : يا للغرابة كيف شعرت يوماً بميل تجاهه .. ولكنها في تلك الفترة من الأيام كانت تنظر للحب من وجهة نظر مثالية ورومانسية ولكن ما فات قد مات وقد تهشمت مثالياتها إلى الأبد . التقطت فنجان الشاي ترتشفه في محاولة لتهدئة الضيق المؤلم المفاجئ في حلقها .. كانت غارقة في أفكارها العميقة وهم يعودون إلى موقف السيارات ولكنها انتفضت عندما سمعت صيحة لورنا : أوه اللعنة لقد نسيت قفازي على طاولة المقهى .. يجب أن أعود لأسترده . قالت هيلاري التي لاحظت علامات التعب عليها : لا ابقي هنا في السيارة .. سأذهب أنا . أسرعت إلى غرفة الشاي تبحث عنه فلم تجد أثراً للقفاز أخيراً عثرت عليه في المحل حيث اشترتا الفستان .. دفعته هيلاري على عجل إلى حقيبتها ثم عادت تركض إلى موقف السيارات . ولكنها لم تجد أثراً للمينى السوداء وبدل ذلك أبعد جون نفسه عن روفر خضراء وتقدم منها معتذراً . _ اضطرت لورنا للذهاب .. تذكرت أنها على موعد مع القسيس لأمر يتعلق بالزهور في الكنيسة .. وطلبت مني أن أعيدك . كادت هيلاري تصرخ غيظاً .. لكنها جمعت ابتسامة هادئة وكلمة شكر مهذبة ثم صعدت إلى سيارته لولا سخافة الفكرة التي طرأت على بالها لظنت أن لورنا ناورتها لتكون بصحبة جون .. فهذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها عن موعد القسيس .. لقد تقرر معظم التفاصيل حول مراسم الزواج وانتهى أمرها .. وبسبب ملاحظة لورنا عن حب هيلاري القديم له بدا من المحرج أن تكون في صحبته هكذا . تبادلا أحاديث عامة منها الفرق بين السكن في يوركشاير ولندن .. بدا جون في هذا حسوداً قليلاً .. فسألت : أليس لشركة والد زوجتك فرع في لندن ؟ تستطيع الانتقال إلى هناك بالتأكيد . بالسهولة التي تبدو .. إذ يعتبر الانتقال إلى هناك عادة مكافأة على تصرف جيد .. ولا أظن أنني أتأهل لهذا ! سألت : يا الله!ماذا فعلت ؟ رد بخفة : خطيئة إهمال الواجب .. على الأقل هذا ما أظنك ستسمينه والفشل في الوفاء بعملي مائة بالمائة و الأخطر فشلي في التوفير حفيد ووريث للاينر العجوز . _ ولكن مازال الوقت باكراً على الإنجاب فلم يمض على زواجكما سنوات عديدة وقد ينتهي بكما الأمر بأن تنجبا ستة أولاد . قال جون ساخراً : أشك كثيراً في هذا . غيرت هيلاري دفة الموضوع بسرعة لأنها تتطفل على مسائل خاصة مع أنها لم تلق صداً من جون ولاذا بالصمت حتى وصلا إلى ستونكليف فأحست هيلاري بالسعادة لانتهاء الرحلة .. والتفتت إليه تشكره وتدعوه إلى فنجان قهوة لكنه رفض كما توقعت . ثم سرعان ما شعرت بالصدمة فقد وصلت سيارة خلف سيارة جون .. سيارة باتت تعرف صوتها جيداً . تمتمت بوحشية : أوه اللعنة ! ودخلت المنزل تاركة بروس و جون يتبادلان التحية ولم تكد تصل الدرج حتى ظهر بروس في الردهة السفلى فناداها بصوت حاد هامس : هيلاري ! هل لك أن تنزلي إلى هنا أرجوك ؟ أريد كلمة معك . ترددت هيلاري .. فأضاف برقة : أرجوك لا تضطريني إلى الصعود لأنزلك هيلاري . ارتدت على عقبيها عائدة أدراجها فمرت به ثم دخلت إلى المكتبة فلحق بها ورمى حقيبة أوراقه على الطاولة وعندما راح يتأملها بدا وجهه قاتماً ومخيفاً . قال : أنت لا تصغين أبداً للتلميحات أو للتحذيرات كم مرة يجب أن يقال لك إن جون ميدوينتر ليس لك ؟ ارتجف صوتها وهي ترد : وكم مرة يجب أن أقول إنني لا أهتم به أبداً ؟ _ لا أظن زوجته تجد تأكيداتك مقبولة وقد تتساءل لماذا اخترت قضاء بعد ظهر اليوم معه وكيف يستطيع جون أن يجد وقتاً ليجوب الريف معك . _ ما أسهل أن يفترض المرء ما يريد بروس لم أقض بعد الظهر معه .. كنت مع لورنا في سكيبتون إلى ما قبل النصف الساعة الأخيرة ولكنها تركتني مقطوعة هناك فوجدتني بين أمرين إما القبول بعرض جون .. أو الانتظار ساعات حتى استقل الباص . التوى فمه بعدم تصديق : وهل التقيت به صدفة ؟ وهل قررت لورنا لعب دور كيوبيد .. عجباً .. فكرة من هذه ؟ انتفضت هيلاري .. أهذا دافع لورنا ؟ أتصدق تلك الغبية أنها لا تزال تحمل في نفسها حباً لجون ؟ رفعت ذقنها تنظر إليه بتحد : ليست فكرتي بالتأكيد .. فجون لا يؤثر في أبداً . _ هذا مؤكد فتاة الأمبر قادرة على اختيار من تشاء .. وهو بالنسبة لمرتزقة فاسقة حقيرة مثلك فاشلاً عديم الشأن . صعقتها وحشية كلماته لكنها قالت ببرود : شكراً … هل لي أن أذهب الآن ؟ أم لديك بعض الإهانات الأخرى ؟ قال ساخراً : الحقيقة مؤلمة .. أليس كذلك ؟ _ الحقيقة ! وماذا تعرف عنها ؟. _ أعرف كل ما أحتاج إليه هيلاري … تعرفين أنني درست الموضوع عن كثب سنين عدة إذا كنت تذكرين ورغم كل الدلائل كدت تخدعيني فترة حتى بدأت أظن .. وتردد ثم شد فكيه ورأت عضلة صغيرة تنتفض بلا توقف … ثم قال : هذا غير مهم الآن . ابيض وجهها غضباً : إنك لعلى حق … فرأيك بي لا يهم أبداً فطالما كرهتك وطالما عرفت أنك متعجرف قذر لا تهتم بشيء … _وماذا عنك أنسيت روي هورلي ؟ أنسيت أنك استسلمت له كامرأة عديمة الأخلاق ؟ وقعت كلماته كضربات المطرقة على وعيها .. و لأنها ترفض أن تتركه يعرف مدى ألمها جعلت صوتها حلواً كالسم : ولماذا بروس .. هل تغار من روي المسكين ؟ رأت قبضته تتكور بشدة فذعرت وتساءلت ما إذا كان العنف في صوته سيتحول إلى واقع جسدي . لكنه أجاب : لا حبيبتي .. لا أغار منه أو من أي غبي مننت عليه .. بسخاء لكنني لا أريد أن يصبح جون أحدهم فهو صديق .. ولا أظنه قادراً على التحمل حين يكتشف أن هذا غير صحيح ! _ وما هو غير صحيح ؟ كانت حمقاء لأنها طرحت هذا السؤال _ مظهرك هيلاري … هاتان العينين البريئتان وهذا الفم الشهي … لا شك أن حواء كانت هكذا حين استيقظ آدم في الجنة فرآها قربه .. يا حلوتي .. لكنك لست حواء .. بل أنت ربة الشر الفاسقة ذات الوجه الملائكي والروح الفاسدة . ارتفعت يده فأمسكت ذقنها بقوة حتى أنها تساءلت بذهول عما إذا كان وجهها سيصبح مكدوماً : لا آبه كم رجلاً في حياتك في لندن هيلاري ولا تهمني طبيعة الحياة التي تعيشينها هناك .. ولكنك هنا وسيكون عليك أن تحسني التصرف إذ أرفض أن يتعرض هوود أو لورنا للمعاناة بسبب المزيد من الكلام عنك . _ مزيد من الكلام . انتزعت نفسها منه بالقوة : هلا شرحت لي عما تتكلم ؟ قال ببرود : أتكلم عن أمر حدث قبل سنتين هل تصورت أن زياراتك للأخوين هورلي والآخرين لم يلاحظها أحد ؟ أو ظننت أن ما من أحد من المجتمع سيعرف أو يتكلم ؟ لقد قيل لي تلميحاً بأن علي أ أفتح عيني على نساء منزلي .. أتعرفين هيلاري … لم أصدق في الواقع ما يقال و أظنني ضحكت يومها وقلت أنهم مخطئين وسخرت من الشائعات والنظرات الجانبية والتلميحات المستورة حتى رأيتك بأم عيني تعودين من منزلهم في وضح النهار فحاولت أن أقنع نفسي أن الشائعات المحلية تجعل من الحبة قبة وأن البراءة في عينيك حقيقية . أفلتت شهقة من شفتيها .. إذن رغم كل ما فعلته .. ورغم كل ما قاسته .. ما تزال هناك شائعات و أدركت أن لورنا هي المجهولة التي كان يهتم بها أدعياء الخير وأن ما من أحد منهم قد ذكر اسماً .. ولكن يا للأسف افترض بروس أنهم يشيرون إليها ! وكان الافتراض طبيعياً لأن لورنا أصغر سناً من أن يشك فيها أحد 0 أحست بالغثيان فجأة … _ حسناً ؟ أليس لديك ما تقولينه ؟ _ وهل من جدوى ؟ هل لي أن أذهب الآن ؟ _ بكل سرور … لكن أريد منك أولاً وعداً مهما كانت قيمته بأنك ستتركين جون وشأنه لا أعرف أي خداع استخدمت لإقناع لورنا بتركك معه ولكن .. قاطعته متوترة : لو قلت لك لن تصدقني حسناً لك وعدي سأبتعد عن جون فهل اكتفيت الآن ؟ ظل صامتاً لحظات ثم ابتسم ابتسامة قاسية لا شفقة فيها وقال ساخراً يقلدها : لو قلت لك لن تصدقني . كانت آخر سنتين قاحلتين أقنعت نفسها فيهما أن قسوة بروس المتعمدة قتلت فيها ينبوع الدفء والعطاء في داخلها … لقد استخدمت جاذبيتها وشهرتها وفتنتها لإبقاء العالم بعيداً عنها ولقد نجحت . أما الآن فتعرف أنه نجاح واه … لقد تصرفت ببرود وأبقت معجبيها على بعد ذراع ليس لأن فيهم عيباً بل لأن حبها لبروس لم يمت . يا إلهي … فكرت مذهولة .. ليته يلمسني … ليته يعانقني . رأته يدنو خطوة منها ثم يتوقف وفمه يلتوي بازدراء ذاتي . قال : سألت إذا كان بإمكانك الذهاب … فماذا تنتظرين ؟ تحركت شفتاها لتقولا بصمت كلمة : لا شيء . ثم ارتدت على عقبيها مبتعدة .
8 - جنون لا يشفى
ذلك المساء كادت هيلاري تتشاجر مع لورنا قالت غاضبة : ما الذي دهاك لتفعلي شيئاً كذلك لتفعلي شيئاً كهذا ؟ لقد جعلتني أبدو غبية بلهاء .. ثم ما هذا الموعد المزعوم مع القسيس ؟ هزت لورنا كتفيها بعدم اكتراث .. كانت جالسة إلى طاولة الزينة تسرح شعرها فنظرت إلى هيلاري إلى هيلاري والقلق في عينيها : إنها مشكلة تتعلق بالتراتيل . تراتيل ؟ ظننتها تتعلق بالزهور . وهذه أيضاً … تعرفين كيف هي هذه الترتيبات الصغيرة … لكن تلك الكلمات لا تخدع هيلاري . ولم تستطيعي الانتظار خمس دقائق ؟ لقد تأخرت .. ولم يعترض جون … أنا واثقة . أما أنا فأعترض … وأرادت أن تضيف : وكذلك بروس لكنها أردفت : وهل أتممت كل الترتيبات في الكنيسة ؟ تلاعبت لورنا بفرشاة شعرها : ليس تماماً .. لم أجد القسيس الذي خرج لعيادة مريض لذا كان كل شيء مضيعة للوقت . تنهدت هيلاري متعبة : حباً بالله لورنا .. ماذا تحاولين أن تفعلي ؟ لا أصدق أنك كنت تريدين مقابلة القسيس . ران صمت قصير ثم قالت لورنا بتمرد : حسناً … شكراً لم لأقابله الحقيقة أن جون أزعجني فصعدت إلى السيارة وانطلقت غاضبة .. أنا .. أنا لم أفكر فيك إلا عندما أصبحت في منتصف الطريق .. وبدا لي من غير المجدي أن أعود فقد عرفت أن جون سيقلك . _ حسناً شكراً على كل الأحوال .. ما الذي قاله لك حتى أثيرت حفيظتك على هذا النحو . وضعت لورنا بعض قطرات من العطر على معصميها . ضحكت مترددة . لن أجادلك لأنني لا أعرفه إلى هذا الحد .. هل سيأتي تشارلي إلى العشاء الليلة ؟ _ لا .. لأنهم يتوقعون زواراً من أقاربهم وعليه أن يساعد في تسليتهم . دهشت هيلاري : ألم يطلب منك أن تكوني هناك ؟ ردت لورنا بحدة : بلى .. طلب لكنني رفضت .. فبعد الزواج سأرى ما فيه الكفاية من أفراد عائلته الكبيرة ولم أرى سبباً يدعوني للبدء منذ الآن . ثم ابتسمت لهيلاري .. _ هل ننزل الآن ؟ أحب فستانك .. ليتني أرتدي هذا اللون الأخضر .. إنه لون لطيف . عندما دخلتا إلى غرفة الجلوس حيث كان هوود بانتظارهما وجدتاه مسروراً وأعلن أن علاجه الفيزيائي قد بدأ يعطي ثماره قال مبتسماً لهما : وقد أعود إلى حقل الغولف مجدداً … والتفتت إلى لورنا : لكنني لن أستطيع تسليمك إلى عريسك حبيبتي إلا إذ أردت تأجيل الزواج بضعة أشهر . صاحت لورنا بعنف تقريباً : لا ! ونظر إليها والدها مستغرباً قبل أن يلتفت بروس الواقف في نهاية الغرفة قرب النافذة أجبرت لورنا نفسها على الابتسام ولكن هيلاري لاحظت أن مفاصل أصابعها المشدودة معاً كانت بيضاء من فرط التوتر . _ أنا … آسفة دادي . قال هوود بلطف : لا يهم حبيبتي لم أكن جاداً على أي حال .. لن أقف في وجه حب الشباب .. من المؤسف ألا يكون تشارلي هنا ليسمع صرختك اليائسة .. فلو كان موجوداً لأشتد غروراً دون شك ! تمتمت لورنا رداً ما ومرت لحظة التوتر . أخذت الهدايا مع اقتراب موعد العرس بالوصول بكثرة . قالت بغضب تقريباً ذات صباح وهي تنظر إلى آخر الهدايا : ليتني لا أتلقى هدية من أحد ! ليس عندي مكان لكل هذا . قالت هيلاري : لكنك لن تقضي حياتك كلها في تلك الشقة .. حين تكبر عائلتك فستحتاجين إلى المنزل أكبر .. أما هذه الأشياء فيمكن خزنها حتى ذلك الوقت . ارتجفت لورنا قليلاً : هذا صحيح . سألتها هيلاري : ما الأمر حبي ؟ _ كنت أفكر .. في السنوات القادمة التي سأكون فيها زوجة تشارلي يبدو لي هذا غريباً . نظرت هيلاري إليها بقلق فابتسمت : أنا سخيفة فقط .. أتعتقدين أن هذا ما تشعر فيه كل عروس . _ ربما … لا أدري .. _ لا .. ألم تفكري قط بالزواج هيلاري ؟ وبما أنك عارضة ناجحة لا فلا شك أنك قابلت العديد من الرجال ألم يكن بينهم من أعجبك ؟ _ هذا غير كاف للزواج . وأضافت بينها وبين نفسها : أو للحب . وابتسمت : اكتفي بزواجك حبي ولا تحاولي تزويجي أنا سعيدة بما أنا عليه . سعيدة جعلتها الكلمة تنكمش في داخلها .. هل كانت يوماً أقل سعادة من الآن ؟ حتى العذاب البارد و الإذلال اللذين دفعاها بعيداً عن هذا المكان أصلاً .. أفضل بكثير من الجحيم الذي تجد نفسها فيه . أخذت تتجنب بروس قدر الإمكان وكانت مهمة سهلة بسبب غيابه شبه الدائم عن المنزل .. ذات صباح تذمر هوود لأنهم لا يرونه كثيراً هذه الأيام وهذا ما جعل هيلاري تعتقد بأنه يختلق الأعذار للبقاء بعيداً .. قالت لنفسها إن عليها أن تكون شاكرة صنيعه ولكنها في الواقع كانت تبكي في داخلها . قريباً ستتزوج لورنا وقريباً تترك ستونكليف إلى الأبد .. فعندما تعود سيكون عملها بانتظارها وسيكون ستانلي منتظراً أيضاً . جاء الزوجان ميدوينتر إلى العشاء في بعض المناسبات و أحست هيلاري ببرودة مميزة في تصرف أغنيس نحوها لا شك أن أحداً أخبرها بأنها كانت في سيارة جون .. لكن هيلاري لم تتوقع التطور التالي .. فقد كانت بمفردها في غرفة الجلوس ذات ظهيرة حين انفتح الباب ودخلت أغنيس ترافقها السيدة ستارلت المرتبكة المنظر .. وضعت هيلاري الصحيفة التي كانت تقرأها من يدها ووقفت : أوه مرحباً أغنيس .. هل تريدين محادثة لورنا ؟ إنها غير موجودة .. إنها .. قاطعتها أغنيس : لا أريدها بل أريدك أنت . قالت هيلاري بحذر : لا أفهم . ضحكت أغنيس ضحكة مقرفة : أوه .. بل تفهمين . دنت بعدوانية من هيلاري ووقفت تنظر إليها : ابتعدي عن زوجي ! انفجرت هيلاري : أوه .. هيا الآن أ،ا لم أره إلا معك . _ كذابة ! كنت معه في سيارته يوماً . أظنك تقابلينه سراً .. أنا لست غبية ! ضبطت هيلاري غضبها بجهد : نعم أنت ليست غبية .. لكن توشكين أن تجعلي من نفسك غبية وبلهاء .. لقد أوصلني جون مرة .. مرة واحدة فقط والحقيقة أننا لا نهتم ببعضنا بعضاً أبداً . ضحكت أغنيس حكة وعدم تصديق : وتتوقعين أن أصدق قولك ؟ تغير منذ عودتك كلياً أصبح مزاجياً قلقاً ويكاد لا يرد علي بأدب .. و أصبح غير قادر على تنفيذ عمله كما يجب ولهذا غضب والدي منه . _ ربما هو مريض . _ ربما مريض بالحب .. هو متأثر باهتمامك به .. إنه رجل بكل ما للكلمة من معنى .. لكن لا تتصوري أن وراء هذا التأثر شيئاً آخر .ز جون هو زوجي وهو يعرف حده .. ولن يتركني . أحست هيلاري بالقرف والقلق بسبب تعابير أغنيس السوقية . _ هل أنت واثقة من هذا حقاً ؟ أعتقد أن زيارتك اليوم دليل على عدم الأمان . ارتفعت يد أغنيس التي طبعت صفعة على خذ هيلاري استجابت لها بصرخة . في هذا الوقت بالذات أتاهما صوت من ورائهما يسأل : ماذا يجري هنا بالضبط ؟ ارتدت إليه أغنيس شاكية : بروس آسفة على الفضيحة .. ولكنني لم أستطع التفاهم مع هذه الفتاة .. إ،ها لا تدرك مدى الأذى الذي تسببه لي ولزوجي .. جئت أتوسل إليها أن تبتعد عن زوجي ويبدوا أني فقدت أعصابي .ظ قال بروس بصوت لطيف : أقترح أ، تعودي إلى بيتك أغنيس .. لن يفيدك وجودك هنا .. سأتعامل مع هيلاري . رافقها إلى الباب واختفيا معاً … عندما عاد بروس كانت تغلي من الغضب فقالت بغيظ : قبل أن تتفوه بكلمة .. لا علاقة بيني وبين جون وإن كان على علاقة مع امرأة أخرى والله يعرف أني لا ألومه فعلى امرأته الفاتنة أن تبحث في مكان آخر عن شريكته . _ أيتها الحمقاء الصغيرة ! ألم أحذرك من أغنيس ومن غيرتها ؟ الله يعلم أنك بذلت كل ما في وسعك لتصبي الزيت على النار منذ رحت تتحدثين عن حبك له في الطفولة وقبلت أن يقلك بسيارته . أرادت أن تحتج .. فليست هي من ذكر حب الطفولة بل لورنا .. و لورنا هي التي أجبرتها على موقف اضطرت فيه للعودة مع جون إلى البيت أرادت أن تقول ذلك ولكن شيئاً ما أبقاها صامتة .. تابع بروس بقسوة لا تلين : من الأفضل أ، تشكري حظك لأنها صفعتك فقط .. فما كان سيفيد وجهك كثيراً لو استخدمت أظافرها .. وهذا ما هي قادرة على فعله عادة . أحست بموجة من الغثيان فقد ظلت ترى وجه أغنيس متجعداً بالغضب والغيرة .. للحظات ارتفعت يدها إلى وجهها المحترق . _ هيلاري . في صوت بروس حدة تشبه القلق فردت عليه بصوت منخفض : أنا بخير .. دعني أجلس لحظة . تمتم بين أنفاسه وتحرك كنمر ينقض على فريسته ورفعها بين ذراعيه ليضعها على الأريكة . فتصلبت ذعراً : دعني وشأني ! _ اصمتي .. سأحضر لك القهوة . _ لا أريدها . وأجهشت بالبكاء .. تساقطت من مآقيها دموع غزيرة لم تستطع السيطرة عليها ..كانت تتدحرج على خديها الشاحبين . _ دعني بمفردي .. أرجوك .. أوه .. لماذا أجبرتني على المجيء إلى هنا ؟ ليتني مت أولاً ! قال بصوت أجش : و أنا ؟ وماذا تتصورين شعوري ؟ أتظنين أنني لم ألعن اليوم الذي جئت فيه إلى هنا ؟ أتعلمين أ،ني تمنيت لو أن الماضي مات ودفن ألف مرة ؟ لكن المسألة ليست بهذه السهولة هيلاري … وانخفض صوته حتى الهمس : أنت كالجنون داخلي .. أنت حمى لا أستطيع الشفاء منها . دس أصابعه في شعره بقسوة حتى كاد يشده .. ثم تحولت نظرته إليها إلى وجهها الجميل. فأضاف بصوت أجش هامس لا يكاد يسمعه أحد : يا الله ! هيلاري .. أعيدي لي راحة البال ! ومال إلى الأمام يرفعها عن الأريكة يضمها .. حاولت المقاومة ولكنه أثبتها على الوسائد فلم تقدر .. أمسك بوجهها بين يديه برقة فتلاشت تحت سيادة لمسته كل رغبة عندها بالمقاومة . سمعت هيلاري نفسها تتأوه وانسلت يداها إليه بلهفة فطوقتا عنقه .. فجأة غابت مرارة السنيتين وعادت مرة أخرى فتاة صغيرة يخفق قلبها بجنون وجنون من قلبها المجنون . أدركت الآن الحقيقة فقد كانت تقول لنفسها طوال حياتها إنها تكرهه ولكن هذا غير صحيح وهذا ما تعرفه الآن .. آه ! في البداية رفضته كرهت تسلطه لكن أراءه كانت مهمة جداً عندها وكانت تتأثر بأية كلمة إطراء منه ولو عرضية ومع أنها كانت نادرة إلا أنها كانت تعتز بكل واحدة منها وعندما نتبادل المزاح مع لورنا عن فتياته كانت تشعر بذلك الألم الغريب الحاد في أعماقها . أقنعت نفسها أن تصرفه الغاضب المزدري معها كبت أنوثتها وفرض عليها حملاً لن تستطيع معه أن تستعيد حيويتها .. وكلما كان يقترب منها أي رجل كانت تتشنج .. وها هي الآن تعرف السبب . حملتها غريزتها كالعمياء نحو الخضوع .. وهذه هي السلطة التي يملكها عليها .. بحيث أنها وهي مجروحة الكرامة إلى أقصى مدى منه تبقى مستعدة للزحف عند قدميه من أجل كلمة حنان أو عناق . فجأة صاح متأوهاً لا . وابتعد عنها رأت ناراً تحترق في أعماقها وكانت خصلات شعره تتدلى على جبينه .. نظرت هيلاري إليه ليقرأ ما في قلبها من حب له . همست بشوق : بروس . هز رأسه وتمتم : يا إلهي هيلاري .. ماذا نفعل ؟ جننا بلا ريب . نظر حوله مزدرياً نفسه : في غرفة جلوس أبي وهي غرفة ممكن أن يدخلها أي شخص ولكنك تجعلينني أنسى كل شيء حتى الإحساس بالحشمة . أحنت هيلاري رأسها بانكسار فمد يده يمسح بها على شعرها وكأنها عادت طفلة صغيرة وبعد قليل شعرت به يرفع شعرها البني الأحمر بين يديه ويحمله إلى فمه ويدفن وجهه في أعماقه الكثيفة ارتجفت وتذكرت أنه منذ أيام ارتد بقرف لأن شعرها لامس وجهه .. ولكنه ابتعد متمتماً بشيء من بين أنفاسه وارتمى رأسها إلى الخلف على كتفه . قال بصوت أجش : ماذا تفعلين بي ؟ أنت تدمرنني ! ثم توقف هنيهة قبل أن يردف : أخرجي قبل أن يأتي أحد . سمعت أصواتاً تقترب من غرفة الجلوس فهبت مسرعة وخرجت من الأبواب الزجاجية إلى الهواء النقي البارد .. إنها فترة العصر ويكاد الظلام يحل والثلج لا يكاد بل بدأ بالتساقط ولكنها رغم ذلك نزلت درج الشرفة المسقوفة إلى الممر المرصوف بالحصى الذي يدور حول المنزل غير عابئة بالبرد . لن تستطيع مواجهة أحد أو المشاركة بالحديث ومشاعرها مشتتة . لقد اتضح لها الآن أن بروس لم يقل كلمة واحدة عن الحب تكلم عن الرغبة وعن الحمى .. وهذا كل شيء .. ارتجفت فجأة تقول لنفسها إن الثلج والريح يؤثران فيها فقررت السير ببطء حول المنزل لتحمي نفسها . قالت لنفسها : لا تكوني حمقاء ! إنه لا يبحث عن علاقة دائمة بل عن دواء للحمى التي فيه . وقفت تحدق أمامها بدون أن ترى شيئاً وكانت رقع الثلج على وجهها كالدموع المتحجرة . عادت إلى المنزل من الباب الجانبي وفي نيتها التسلل إلى غرفتها بهدوء لتغير ملابسها استعداداً للعشاء لكن الردهة بدت مزدحمة على غير العادة و هوود هناك يبدو وسيماً وأنيقاً في إحدى ستراته المخملية و بروس واقف خلفه . خفق قلبها بشدة .. وفكرت : يا إلهي كم أحبه ! أرادت منه أن ينظر إليها أن يبتسم لكنه لم يبتسم بل بدت عيناه بعيدتين متحفظتين كعيني غريب . قالت لورنا : آه ! ها أنت يا حبيبتي .. هيلاري هل خرجت من تحت الثلج بدون معطفك ؟ ستصابين بإلتهاب رئوي لهذا لم أستطع أن أجدك ! _ وهل كنت تبحثين عني ؟ سؤال غبي .. لكن ماذا يهم ؟ فلا تريد أن تعرف إلا سبب ظهور بروس فجأة بمظهر غريب . ضحكت لورنا : في سائر أنحاء المنزل تلقيت مخابرة هاتفية من شخص صوته مثير جداً . اسمه ستانلي ويبدو مشتاقاً إليك . تسمرت هيلاري في أرضها وقالت : هذا مستحيل لأنني لم أذكر له المكان الذي أقصده . ضحكت لورنا : لقد عرف عنوانك من فتاة تدعى جوليا وقال أنك ستسامحينه على هذا حسناً حبيبتي أعتقد أن عليك إبداء السرور .. أليس من الرائع وجود شخص مخلص يتشوق لعودتك ؟ لم تنظر هيلاري إلى بروس وقالت بخفة : أمر رائع والآن هل عذرتموني .. سأصعد لأغير ملابسي . سألت لورنا : لكن ألن تتصلي به ؟ اشتدت أصابع هيلاري على خشب درابزين الدرج وقالت : فيما بعد ربما . وتابعت الصعود بدون أن تنظر للخلف . حين أصبحت في غرفتها فكرت في أن ستانلي كما هو واضح شرح للورنا عن تقاربهما والواضح أنه مستاء من اختفائها المفاجئ من حياته ولكنه يا للأسف اختار أسوء لحظة ليثير اهتمامها وأطلقت تنهيدة مسكين ستانلي سيستاء كثيراً حين يعرف أنها لم تفكر فيه بالأيام الأخيرة ليس له أية أهمية ف حياتها ولن يكون له أبداً وهذا أمر يجب أن يعرفه بلطف قدر المستطاع متى التقيا مجدداً . استحمت وغيرت ملابسها .. مشطت شعرها حتى أصبح براقاً ومشعاً ووضعت قرطاً من اللؤلؤ في أذنيها . حين نزلت إلى غرفة الجلوس وجدت تشارلي هناك ولكنها رأت أن هناك خطباً ما .. فقد وقف مع لورنا قرب النافذة يتحدث إليها همساً وبدا غاضباً و لورنا متمردة .. غار قلب هيلاري عندما تناولت كوب عصير من بروس وشكرته بلطف رسمي فارتد صامتاً وراح يتحدث إلى هوود في الناحية الأخرى .. يا إلهي أتمنى ألا يعود إلى بروده فقلبها لا يتحمل منه الجفاء والنبذ .. دنت من النافذة ووقفت تتطلع إلى الظلام في الخارج .. بدا أن الثلج يتساقط بسرعة فائقة .. راقبت هيلاري لورنا أثناء العشاء وأقلقها أن ترى أنها و تشارلي لم يتبادلا الحديث إلا قليلاً وأنه يضع على وجهه ملامح الشخص المجروح ولم يكن من المستغرب بعد إدخال السيدة ستارلت للقهوة إلى غرفة الجلوس أن تعلن لورنا فجأة أن لديها صداع و أنها ستذهب لتنام ولم يكن مستغرباً بأن يختلق تشارلي عذراً واهياً بعد دقائق .. أما بروس فانسحب لمكتبه مع القهوة لإنهاء أعمال مكتبية . حين صعدت إلى غرفة لورنا دقت بلطف على بابها آملة أن تكون مستيقظة لتتحادثا قليلاً ولكنها لم تلق جواب . دخلت إلى غرفتها متألمة من برودة بروس وراحت تفكر في ما عليها فعله لتبعد عنه تلك البرودة والقسوة وبعد تفكير وجدت أن لا سبيل لمحادثته لتعرف ما يضايقه فآخر ما تريده في هذه المرحلة أن يسيء الظن بها أو يفسر كل ما يتعلق بها على نحو خاطئ . خرجت من الغرفة وتوجهت نحو الدرج حين وصلت إلى الردهة رأت شعاع نور رفيع من تحت باب المكتبة ففتحت الباب ودخلت من دون أن تقرع . كان مصباح المنضدة مشتعلاً والأوراق منثورة على سطحها الأملس المصقول لكنه لم يكن يعمل بل كان مرتداً في كرسيه إلى الوراء وقد خلع سترته وربطة عنقه أما أكمامه فمرفوعة بدون ترتيب لتكشف عن عضلات ساعديه القوية وشعره الأسود يتدلى بغير ترتيب على جبهته . سأل بهدوء : ما الأمر هيلاري ؟ لم ترد عليه بل وقفت تنظر إليه فكرر : ما الأمر هيلاري ؟ أتريدين شيئاً ؟ فتحت يدها أمامها وكأنها تتوسل : أريد محادثتك . _ عم تريدين التحدث ؟ _ عنا ؟ عني وعنك . رد ببطء : لا تفسري ما حدث بعد الظهر على نحو خاطئ .. فقد محت أحداث أخرى كل شيء وأنا لا أحتاج إليك ولا أطلب وجودك هنا . أجفلت وسألت همساً : لكن .. لماذا ؟ لماذا تفعل بي ذلك ؟ رفع كتفيه : لعدد من الأسباب لن أزعجك بها كلها فلنقل إنني أفكر في ذلك المسكين المنظر في لندن الذي يعتقد أنك تستحقين الانتظار . _ ستانلي ؟ أتعني ستانلي ؟ لكنه لا يعني لي شيئاً لي .. _ لا شك أنه يعني لك شيئاً ما دمت تشاركينه حياتك . _ حياتي ؟ ثم صمتت لأنها تذكرت كيف أنها تعمدت تضليله في أنها و ستانلي يعيشان معاً .. وابتلعت ريقها بصعوبة : أوه فهمت . يسرني أنك فهمت . استقام في جلسته ونظر إليها من بين عينين نصف مغمضتين : وجهك جميل هيلاري وجسدك مغر لكن هذا كله مجرد واجهة فلا شيء أبداً وراء عينيك وابتسامتك لا وفاء لا إخلاص لا أنوثة ولا دفء .. ألهذا تضيعين نفسك في علاقات عابرة لأنك تعرفين أن لا عمق في طبيعتك يخولك إقامة علاقة حقيقية مع رجل ؟ لماذا لا تحطمين هذه القوقعة التي أحطت نفسك بها ؟ إذا كان ستانلي هذا يحبك قاطعته بهدوء إنه لا يحبني .. ولا أحبه .. فكما قلت إن علاقتنا عابرة . أضافت لنفسها : لكن ليس كما تظن .. وأكملت بصوت مرتفع : بروس ما إن ينتهي العرس حتى أرحل ولن تراني مجدداً قال بصوت أجش : أعي ذلك صدقيني . عليها أن تجمع شتات شجاعتها : أعرف أن رأيك بي منحط ولم تردني قط أبداً عضواً في عائلتك ولم ترد أمي حتى . _ لقد تعلمت نقبل أمك . ووضع فنجان القهوة من يده بقوة فانسكب البن على المكتب المصقول . قالت هيلاري لقد سكبت القهوة .. سيدبغ الخشب .. أليس معك منديل ورقي أو قطعة قماش ؟ قال ساخراً أتحاولين إقناعي بكفاءتك المنزلية ؟ لن يفيدك ذلك هيلاري .. فابتعدي عني . عقدت ذراعيها أمامها وكأنها تحمي نفسها من الازدراء الذي في صوته .. أرف بصوت خال من الشفقة : لقد تكلمت للتو عن أمك .. ماذا سيكون رأيها لو رأت بعضاً من صورك منشورة في المجلات ؟ ذلك المايوه المذهب مثلاً ماذا كانت ستقول لو رأت طفلتها الصغيرة مصدر فخرها وسرورها معروضة في ذلك الثوب ليراها العالم كله ؟ ألن تتساءل من أين تعلمت تلك النظرة التي توحي بأنك تعرضين الجنة في عينيك ؟ همست : كنت أنظر إليك بروس . _ لي أنا ؟ وضحك بوحشية : ولماذا أنا .. هيلاري ؟ ما الذي جعلني مميزاً بين الكثيرين ؟ داخلت المرارة صوتها : أو ليس من التقاليد أن تتذكر الفتاة أول حب لها . _ الحب … يا إلهي ! رمت رأسها إلى الوراء تحدق إليه : لقد تكلمت عن أمي وعما ستظنه بي وبحياتي كعارضة أزياء ..وماذا كانت ستعتبرك بروس ؟ ماذا لو عرفت بما كدت تقدم عليه تلك الليلة قبل سنتين ؟ قال ساخراً : تفكير سليم هيلاري لكنه غير مقنع فذلك الخنزير القذر روي هورلي لا يعاشر عذراء أبداً وتلك الحفلات التي يقيمها حفلات فجور وفسق ولولا مداهمة فرقة مكافحة المخدرات المنزل لقام بذلك عدد من المحليين كيف تجروءين بعد اختلاطك بنذل مثله على إدعاء البراءة . _ ومن قال أني اختلطت به ؟ الشائعات القيل و القال الغمز واللمز ؟ لكنني أقسم أن ما من أحد ذكر اسمي .. ما من أحد قال لك إن هيلاري كوارثمان كانت في إحدى حفلات روي هورلي .. هل سمعت باسمي بروس ؟ لا أحد يستطيع لأنني لم أكن هناك قط إلا بعد ظهر ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى هناك لأحذرهما .. وصمتت لأنها أدركت أنها تخوض في منطقة خطرة . _ تحذرينهم مم ؟ من المداهمة الوشيكة ؟ أمن فرقة الانتقام المحلية التي أنشئت ؟ هزت كتفيها بيأس : لأحذرهما فكما قلت لقد ساءت سمعتهما . قال ساخراً : يا له من اندفاع للخدمة العامة وهل من المفترض حقاً أن أصدق هذه الخرافة ؟ حركت هيلاري يديها بقلق : وهل يهم لو صدقت ؟ ولكن مهما كانت القصة التي سأقولها فستبقى على رأيك ولن تصدق إلا أسوء الأمور عني أصبحت معتادة على هذا الآن . وضحكت بوحشية : يا إلهي كم اعتدت على هذا كنت حمقاء لأنني صدقت أن الأمور قد تختلف ! _ إنها وجهة نظر واقعية بكل تأكيد أما بالنسبة لنا أنا و أنت فعاجلاً أم آجلاً سيتدخل ستانلي أو أي شخص سواه ولا أنوي أن أحول نفسي إلى علامة افتخار أخرى تعلقينها على حزامك .. يا حلوتي . جاء دورها للسخرية : حذار يا حبيبي … فهذا اعتراف صريح بضعفك . ؤد بهدوء : إن كان ما تقولينه صحيح فاعلمي أنني قادر على التغلب على هذا الضعف .. شكراً لك والآن عودي لغرفتك وغداً نتابع حياتنا كالعادة ونتظاهر بأن ذاك العناق المجنون الذي تبادلناه لم يحدث . ابتسمت ساخرة : ما ألطفك ! لكنني لا أستطيع النسيان بسهولة فأنا .. أريدك بروس . لم تؤثر فيه كلماتها وظل جامداً كالحجر . _ ليس الأمر بهذه البساطة بالتأكيد المسألة مسألة أولويات .. وأولوياتك في مكان آخر والآن اخرجي من هنا . ظلت واقفة للحظات وهي غير قادرة على تقبل فشلها ونبذها مرة أخرى الأمر تقريباً ينافي العقل إنها تعرف دون أي غرور تأثيرها في معظم الرجال .. في وجه ستانلي جوع كلما نظر إليها مع ذلك و ها هي واقفة أمام بروس تخبره بمشاعرها فيرفضها ويطردها من حياته . سوت هامتها بوقار مثير للشفقة وحاولت بصمت السيطرة على مشاعرها . وقف بروس : حباً بالله .. اذهبي من هنا . في صوته حدة فعلى ما يبدو أن سيطرته على نفسه بدأت تهتز ولكنها لم تتحطم وليس لها هنا سوى النبذ والرفض .. ارتدت على عقبيها بصمت وغادرت الغرفة أحست بالخدر وهي تتسلق السلم ما عدا ضيق في حلقها و إحساس حارق وراء عينيها لكنها لن تترك نفسها تبكي لقد ذرفت الكثير من الدموع في السابق .. فيما بعد فكرت بتحفظ إنها على الأرجح ستشعر بالعار للطريقة الفاجرة التي عرضت فيها نفسها لكن ليس الآن . كل ما تستطيع التفكير به الآن هو أن تهرب تبتعد عن هذا المكان .. بعيداً عن هذا الرجل إلى الأبد .
9 - ينقذها الظلام الفصل
دخلت هيلاري إلى عتمة غرفتها ووقفت هناك تحاول لملمة شتات أفكارها التي بدت تظن في عقلها . لكن ماذا ؟ من المستحيل أن تغادر الآن عليها الانتظار للنهار لتذهب إلى ليدز سعياً وراء أول قطار يتوجه إلى لندن وعليها أ، تفكر في قصة ترضي هوود وعليها أن تقول للورنا إنها لن تستطيع البقاء حتى موعد العرس وعليها أن تجد تفسيراً مقنعاً لغيابها على ألا تكون الحقيقة بالتأكيد لأن ذلك مستحيل . حين سمعت صوت نحيب مخنوق ظنت أنه يصدر منها فوضعت يداً على فمها . ثم أدركت أن الصوت قادم من الغرفة الملاصقة فذعرت وحاولت إقناع نفسها بأن أذنيها تسمعان ما هو غير موجود ربما حلم مزعج فالناس يصرخون أحياناً عندما يحلمون أحلاماً مزعجة لكن حتى وهي تبرر ما سمعت أصبح صوت بكاء لورنا أكثر ارتفاعاً وأكثر إلحاحاً . تلاشى بعض التوتر من نفس هيلاري وتصاعدت تنهيدة كبيرة في أعماقها إنها تعسة يائسة ومع ذلك فلورنا هي التي تبكي في ظلام الليل . كان المصباح إلى جانب السرير مضاء في غرفة لورنا وكانت مستلقية على عرض السرير وجسمها يرتج وجهها مدفون في الوسادة جلست هيلاري على السرير ووضعت يداً عطوفاً على كتفها وراحت تنظر إلى ثيابها فهي ما تزال مرتدية كل ثيابها . قالت بلطف : حبيبتي ما الأمر ؟ أرجوك قولي لي . ردت بصوت تخنقه الآهة : لا أستطيع .. لا أستطيع إخبار أحد . تنهدت هيلاري : ولا يمكنك المضي هكذا إلى الأبد ما الأمر ؟ صمتت تتذكر غضب تشارلي وقت العشاء والجو العاصف بينهما : هل تشاجرتما ؟ ساد صمت ثقيل .. ثم جلست لورنا التي رمت ذراعيها حول هيلاري ووضعت وجهها المبلل على كتفها . قالت وجسدها النحيل ينتفض : أجل .. أجل آه هيلاري ! لا أستطيع التحمل لن أراه مجدداً . عضت هيلاري شفتها : لورنا حبيبتي إنها أمور تقع أحياناً قبل موعد الزواج ولكنها لا تكون جادة رأيت أنكما غير متفقين .. لكن .. _ لكنها جادة حقيقية قال إن علينا عدم التلاقي ثانية قال إن الأمر جنون .. كدت أخبره بأمر الطفل أردت أن أخبره لكنني لم أجد الكلمات المناسبة . _ أتريدين أن أخبره بنفسي ؟ صمتت لورنا قليلاً ثم هزت رأسها : لا قالت هيلاري بحدة :لكنه لا يستطيع التهرب من هذه المسؤولية هكذا موعد الزفاف قريب جداً ماذا ستقول عائلته ؟ ضحكت لورنا ضحكة متكسرة : عائلته أتقصدين ايزيربلود ؟ أتظنين أني أتكلم عن تشارلي ؟ أحست هيلاري بالبرد يسري في كل جسدها . _ بالتأكيد أليس هذا ما تقولينه إنك تشاجرت مع تشارلي ؟ هزت لورنا رأسها نفياً وكانت عيناها مغرورقتين بالدموع وهي تنظر إلى هيلاري . قالت والغصة في حلقها : إنه جون .. جون ميدوينتر أحبه منذ أكثر من سنة ولكنها لا تريد أن تتركه .. إنه ملك لها .. أحد ممتلكاتها التي اشترتها أموال أبيها ليس لديه شيء له حتى المنزل باسمها وهو لا يحبها فهي تعامله وكأنه تدوسه وليس كذلك فحسب بل تلومه لأنهما لم ينجبا أطفالاً .. وتقول إن العيب منه ولكنها مخطئة . تمتمت هيلاري : يا إلهي ! لورنا .. أتقولين إن جون هو والد الطفل ؟ ردت ببساطة : أجل . وماذا عن تشارلي .. أين مكانه في كل هذا ؟ هزت لورنا كتفيها تدافع عن نفسها : أراد أن يتزوجني .. ولأنني لا أستطيع الحصول على جون ولأنني أحتاج إلى أحد يرعاني قبلت به . صاحت هيلاري بجنون : لكن لا يمكنك فعل هذا ألا حشمة لديك أو أخلاق ؟ أتتزوجين رجلاً لتؤمني لطفلك أباً جاهزاً ؟ إن هذا فجور . تغير وجه لورنا إلى عبوس متمرد : لكن تشارلي يريد الزواج بي طالما دار حولي إنه سعيد فلماذا تفتعلين مشكلة ؟ _ لم يبد سعيداً الليلة . هزت لورنا كتفيها بسرعة : أوه هذا لم يكن شيئاً مهماً فكل ما علي هو إظهار بعض اللطف له سوف يرضى سريعاً . _ إذن بدل أن تعملي على ترتيب شقتك تقومين بلقاءاتك الغرامية المحرمة مع جون وهذا أيضاً يفسر النزهات المبكرة هل لي أن أسأل لماذا حاولت دفعي نحوه ؟ مدت لورنا شفتها السفلى إلى الأمام وبدت صغيرة فتاقت هيلاري إلى شد أذنيها . _ بدأت الشكوك تساور أغنيس التي اتهمته بأنه على علاقة .. هكذا … _ ففكرت أن تجعلي مني هدفاً لنوبات جنونها شكراً كثيراً لك ! لن أحسدك حين تكتشف الحقيقة .. لأنها ستمزقك إرباً _ لن تخبريها … هيلاري عديني ! وقفت هيلاري : لن أقول كلمة .. فأنا راحلة في أول قطار في الصباح على أي حال . _ لهذا السبب ؟ _ بل لأسباب خاصة بي . _ لكنك لن تكوني هنا يوم الزفاف . كانت هيلاري تهم بالخروج ولكنها عادت إلى لورنا .. _ لورنا هل أنت مجنونة ؟ لا يمكنك المضي في هذا الزواج .. لا يمكنك أن تفعلي شيئاً كهذا إنك لا تحبين تشارلي وهذا أمر أكثر من واضح لقد حولت حياتك إلى فوضى رائعة إنما لا يمكنك جره إليها هذا عمل ظالم . قالت لورنا بذعر : لكن لا يجب أن أتزوجه ! ماذا عن الطفل ؟ ماذا أفعل به ؟ تأوهت هيلاري وجلست مجدداً على السرير . _ سيطري على حياتك بدل أن تسيطر عليك لا يمكنك الهرب والمراوغة والاختباء خلف الآخرين إلى الأبد .. ثم هناك وجهة نظر عملية قد يكون تشارلي مغرماً بك لكنه ليس غبياً فلن يقبل بالطفل لأنك لم تقيمي علاقة فعلية معه أليس كذلك ؟ نظرت لورنا إلى الأسفل .. ثم قالت : أجل . كانت ترتجف وأصابعها تمسك باللحاف تشد الخيوط : هيلاري أنا خائفة ! أرجوك ساعديني ماذا أفعل ؟ قالت على مضض : رافقيني إلى لندن .. لدي متسع لك في الشقة وسأعيلك حتى تلدي الطفل على الأقل .. كان والدك يخصني بمصروف شهري لم ألمسه حتى الآن سأستخدمه من أجلك . همست بعينين متسعتين : لا أستطيع .. سيعرف الجميع بأمري .. ولا أتحمل هذا . _ عليك عاجلاً أم آجلاً مواجهة المسألة هل فكرت في ما سيحدث حين يعرف جون بحملك ويقوم ببعض الحسابات ؟ قالت : لن يفعل ولن أستطيع إلغاء الزفاف هيلاري يجب أن تفهمي هذا لم يستعد دادي صحته وقد تؤذيه الصدمة . تهلل صوتها قليلاً وكأنها وجدت المبرر لنفسها . قالت :لا أستطيع مجادلتك أكثر من هذا لورنا .. سنتحدث غداً قبل أن أسافر .. هل أستطيع الاعتماد عليك في إيصالي إلى ليدز للحاق بالقطار ؟ _ بالتأكيد .. ولكنني لن أسافر معك هيلاري .. لا أستطيع . ابتسمت هيلاري غصباً : إذن لن أقول شيئاً آخر لكن فكري في ما قلته لك لورنا لا يمكنك تدمير حياة الناس من أجل حماية نفسك . عادت تستلقي في سريرها لكن النوم جافاها فراحت تفكر في لورنا بدل التفكير في بروس في داخلها نبع من العذاب ينتظر فرصة للإطلاق نفسه .. ولن تستطيع السماح لهذا أن يحدث . ربما على أي حال كانت حمايتها للورنا إساءة لها فقد كان عليها بدل تلقي اللوم أن تخبر بروس أن لورنا هي التي تسللت إلى منزل هورلي وحفلاتهم .. أرادت حماية لورنا من غضبه فجلبت الغضب على نفسها . لو فعلت ذلك لتغير كل شيء ماذا كانت نتيجة التستر على لورنا ؟ كانت النتيجة مزرية فها هي لورنا المحمية تعتقد أنها فوق قوانين المجتمع الأخلاقية . لقد عاملوها جميعاً بقفازات حريرية اعترفت هيلاري لنفسها بهذا بمرارة .. ما إن انبزغ الفجر بنوره حتى وضبت حقائبها بسرعة لقد توقف هطول المطر ليلاً لكن الأرض في الخارج تبدو معادية وغريبة في ثوبها الأبيض عضت شفتها حتى أدمتها فقد خشيت ألا تتمكن من السفر ولكن بائع الحليب وصل ومن بعده وصلت الصحف وعربة البريد فاسترخت فالطرق سالكة مع أنها لا تصلح للقيادة . انتظرت في غرفتها حتى رأت سيارة بروس تختفي نزلت إلى الأسفل لتتناول فطوراً سريعاً من القهوة و التوست وبعد ذلك قصدت غرفة هوود الذي كان مرتدياً ملابسه وجالساً في كرسيه المتحرك . تهلل وجهه لما رآها : ها أنت حبيبتي .. سيكون عرس لورنا أبيض بأكثر من طريقة . ردت بثبات : أجل .. صحيح ولكنني مضطرة للتخلف عنه وصلتني رسالة من مدير أعمالي هذا الصباح .. لدي عمل مهم ولن ينتظر .. وإن لم أعد إلى لندن اليوم خسرته . بدا الحرج على هوود : وهل هذا أمر رهيب ؟ أحست هيلاري بالذنب فقالت بلطف : إنها المهنة التي تعيلني . _ أردت مكالمتك بالموضوع لا حاجة بك إلى العمل لتعيشي هيلاري فما زلت قادراً على إعالة عائلتي ولله الحمد بالرغم من الضائقة الاقتصادية العامة .. وسيكون المنزل موحشاً بعد ذهاب لورنا .. وكنت آمل أن تبقي . تكسر صوتها قليلاً : لا أستطيع .. أنا .. أنا يجب أن أعود إلى لندن أنا لا أنتمي إليكم هوود أنا غريبة وسأبقى غريبة أحبك وسأبقى شاكرة لك معروفك إلى آخر عمري لكن من الأفضل للجميع أن أذهب … صدقني . غادرت الممرضة الغرفة بلباقة فمال هوود إلى الأمام وجهه قلق :ابنتي الحبيبة لا أريد التطفل هل بروس السبب ؟ إنه قاس أعرف ذلك هل جرحك ؟ سأكلمه . _ لا أرجوك ليس بيد أي شخص حيلة .. نحن أفضل حالاً بعيدين .. هذا كل شيء .. ما كان يجب أن أعود .. آسفة . قال بلطف : وأنا أيضاً .. آسف أسفاً لا يمكنني التعبير عنه لكن لك حياة تعيشينها هيلاري ولا أستطيع التدخل فيها هل أنت مضطرة حقاً للسفر قبل الزفاف ؟ ستتكدر لورنا .. والجميع . _ لقد شرحت للورنا أنني لن أستطيع أن أكون موجودة وأظنها فهمت . حين عادت إلى غرفتها كانت لورنا بانتظارها أشارت إلى الحقائب ثم سألت : أنت جادة إذن ؟ أنت راحلة .. وبسببي ؟ _ لا . نظرت لورنا إليها بلهفة متألمة : هل ودعت دادي ؟ هل .. أخبرته ؟ تنهدت هيلاري سخطاً : لا .. لا بأس عليك لورنا سرك كالعادة في بئر عميقة . طبعت لورنا على وجنة هيلاري قبلة سريعة : أنت ملاك ! سينجح كل شيء هيلاري سترين . قالت بمرارة : أنت موهوبة في خداع نفسك .. ولكننا لن نناقش هذا الآن أتريدين المخاطرة بتوصيلي أم أطلب سيارة أجرة ؟ ردت بإهمال : أوه الثلج لا شيء .. أليس هناك شخص آخر تريدين وداعه ؟ _ لا .. لا أحد . هزت لورنا كتفيها : إذن .. من الأفضل أن ننطلق . بدا صوتها مرحاً لكن نظرتها إلى هيلاري بدت قلقة . فكرت هيلاري وهما تبتعدان عن المنزل أن لورنا سعيدة لأنها راحلة تكلمتا بكلمات مختصرة وكانت هيلاري مسرورة لأن لورنا تركز على القيادة ولا تخاطر كما حدث في مناسبات أخرى … قالت لورنا فجأة : هذا غريب .. ها هو بروس . استوت هيلاري جالسة : أين ؟ لا يمكن .. لقد ذهب إلى المصنع رأيته بأم عيني يغادر المنزل . _ ربما اضطر للعودة من أجل شيء ما . وقبل أن تستطيع قول شيء أطلقت لورنا زمور السيارة ولوحت بيدها وأضافت برضى :لقد رآنا . كبتت هيلاري آهة وقالت بلهفة : لا تتوقفي . _ ماذا لكنه لن يتوقف الواضح أنه يريد مكالمتنا . _ أنا لا أريد مكالمته .. لورنا حباً بالله تابعي السير .. أرجوك . نبضت الأحاسيس في صوتها فنظرت لورنا إليها بحيرة : آه حسناً ولكنه لن يكون راضياً . ورفعت قدمها عن المكابح فانطلقت السيارة إلى الأمام ارتدت هيلاري إلى ظهر مقعدها لكن كلمات لورنا التالية جعلتها تستدير بسرعة : إنه يلحق بنا . _ لكن هذا سخيف ! _ أتريدين أن نتركه في الخلف ؟ أستطيع المحاولة لو أحببت . وداست على دواسة الوقود فانطلقت السيارة الصغيرة إلى الأمام بسرعة لكن هيلاري ارتاعت من الفكرة : لا .. لا تسرعي ! نظرت لورنا في المرآة وضحكت : إنه يومض بأنوار سيارته .. يريد منا أن نتوقف .. سنجعله يجري وراءنا . وعادت إلى السرعة مرة أخرى فقالت هيلاري : لورنا .. أبطئي سيرك حباً بالله . سألت بطيش : ولماذا ؟ على أي حال أنت من أردت عدم محادثته . _ لكننا لا نستطيع التغلب على سرعة سيارته ولو كانت الطريق سالكة . وأخذت تراقب تصاعد مؤشر السرعة بحذر .. تنهدت لورنا : لا تفتعلي مثل هذا الضجيج الطريق غارقة بالثلج لا بالجليد . عندما كانت تتكلم ترنحت السيارة وانزلقت جانبياً .. رأت هيلاري وجه لورنا الأبيض وتمسكها بالمقود فحاولت تحذيرها ولكن الكلمات علقت في حلقها و أحست بالسيارة ترتفع وهي تصطدم بحافة الطريق ثم تتابع الانزلاق إلى الخنق أحست بشيء يصدم رأسها ثم تحول كل شيء إلى ظلام . كان هناك نور ضبابي .. و أصوات .. أصوات ملهوفة .. لكن من بعيد حاولت أن تجيب لأنها ظنت أنها تسمع اسمها لكن لم يخرج منها صوت وكأن عضلات حنجرتها لم تطعها أخيراً تمكنت من إخراج صوتا ما آهة متكسرة ربما لإرضاء تلك الأصوات التي توقفت وتمكنت من النوم . عادت إلى الوعي ببطء فشعرت بألم نابض في صدغها وبألم عام في جسدها وأطرافها كان أول من رأته هوود الجالس إلى جانبها .. كانت في فراش في غرفة غريبة .. الواضح أنه عنبر مستشفى . ابتسمت له مستخدمة عضلات وجهها بصعوبة قالت : أشعر أن كل جسدي مكدوم . أمسك هوود يدها : ستشعرين بهذا مدة يوم أو يومين .. فقد انقلبت السيارة اللعينة بكما . همت أن تسأله سؤالاً .. لكن ذكره للسيارة أعاد كل شيء إلى ذاكرتها . _ لورنا .. هل لورنا بخير ؟ بعد صمت قليل رد بصوت أجش : ستكون على ما يرام . نظرت إلى وجهه ورأت المعرفة فيه والأسى فسألت بصوت هامس : فقدت الطفل أليس كذلك ؟ هوت كتفاه مثل المهزوم : أجل .. أنا أحاول أن أقنع نفسي أن هذا هو الأفضل .. لا أكاد أصدق لقد صدم تشارلي صدمة قوية أما أنا فألغيت الزفاف . _ لقد حاولت نصحها … _ وهل كنت على علم بأن تشارلي لم يكن الأب ؟ _ أجا .. عرفت .. أخبرتني .. وانتظرت السؤال التالي ولكنه لم يأت على ذكره بل ابتلع ريقه وقال : ألوم نفسي لم تكن قوية في صغرها لذا استسلمت لنزواتها أكثر مما يجب لو عاشت أمك لاختلفت الأمور كثيراًَ كانت لورنا تهتم لها تهتم لرأيها لكننا بعد وفاتها حميناها كلنا هز رأسه كمن يتساءل : لكنها كانت تخدعه تخدع الشاب المسكين الذي أرادها زوجة وهذا ما أجده صعباً لقد تصرفت وكأنها امرأة عديمة الأخلاق . عرفت هيلاري أنه بحاجة إلى البوح عما في نفسه ووجدت أن أقل ما يجب أن تفعله هو الاستماع إليه لكن عندما وصلت الآنسة دويرز لترافقه إلى ستونكليف كان رأسها يضج ألماً . أصبحت الغرفة لها وحدها الآن فاستلقت على الوسائد و أغمضت عينيها ثم ما لبثت أن انحدرت دمعتان على وجنتيها الشاحبتين . سأل بوس بفظاظة : أتبكين على جمالك الذي تدمر ؟ فتحت عينيها بحدة وشهقة مجفلة تنظر إليه منذ متى وهو يراقبها تبكي ؟ ثم استقر معنى كلامه في وعيها فرفعت يدها تلمس الضمادة على جبينها فانتفضت أردف الصوت المتجهم : لا تظهري مثل هذا الذعر ليس جرحاً خطيراً لقد قيل لي إنه لن يترك أثراً لقد نجوت مرة أخرى هيلاري . همست : لا تبدأ بهذا .. يا إلهي ! أرجوك لا تفعل ! أمسكت يده بمعصمها فآلمت لحمها حتى صرخت لكنه سألها ببرود : إلى أين كنت تظنين نفسك ذاهبة هذا الصباح ؟ كيف أقنعت لورنا باصطحابك في مثل هذه الظروف الجوية ؟ تعرفين أنها ليست سائقة ماهرة حتى في أفضل الأحوال الجوية لكن هذا لا يهمك أليس كذلك هيلاري ؟ الهرب هو الرد الوحيد الذي تعرفينه ولم يهمك أن تخاطري بحياتك وحياة أختي كذلك . أغمضت عينيها أمام البريق المرير القاسي في عينيه إنه يلومها على ما حدث يظنها شجعت لورنا على السرعة أرادت أن تدافع عن نفسها و أن ترد كلماته في وجهه لكن رأسها كان يؤلمها كثيراً وأحست بضعف شديد . قالت بصوت هامس : لم أقصد أن يحدث هذا . _ أوه أصدقك في هذا لكن هناك أشياء لن تتمكني من التهرب من مسؤوليتها ودمار حياة أختي أحد تلك المسؤوليات . _ وكيف أكون مسؤولة عن هذا ؟ أرادت أن تحتضن رأسها بين يديها ولكنها عرفت أنه سيفسر الحركة على أنها توسل للشفقة . _ أي مثال كانت تحتذي به ؟ إنه مثالك أنت هيلاري فقط أنت كانت تؤمن بك كثيراً هل عرفت بعلاقتك مع روي هورلي ؟ هل اعتقدتها علاقة رومانسية ؟ وماذا عن تلك العلاقات الشائنة في لندن .. هل وجدتها رائعة ؟ أوه بلى يا فتاة الأمبر أنت كنت مثالها الأعلى تباً لك لقد جعلت فتاة بريئة تظن أن العبث مع الرجال هو نوع من المرح ! كانت كلماته كالسياط على قلبها . أردف : تحطمت حياة لورنا أما أنت نجوت بخدش بسيط والنموذج يتكرر دائماً بلا نهاية أدركت الآن لماذا كنت الوحيدة التي تريد لأنك تعرفين ما تفعلين أليس كذلك هيلاري ؟ أكنت ستجدين لها وسيلة تخلصها من ورطتها .. أكنت ستؤمنين لها عيادة جيدة للإجهاض حيث لا يطرحون الكثير من الأسئلة ؟ لكن نصيحتك كانت مختلفة قلت لها تابعي مهزلة الزفاف ولتتحمل عائلة ايزيربلود النتائج . قالت بصوت واهي : لا . كاد فمها يحترق جفافاً ومرارة ثم تراقصت أنوار ملونة صغيرة أمام عينيها وبدا لها بروس يطل من بعيد وها هما الغضب والعتمة حوله يصلان إلى لب روحها مدت يدها تبحث عن زر الجرس ولكنها لم تجد القوة في أصابعها لتضغطه وما لبثت أن تجمعت العتمة حولها لكنها هذه المرة رحبت بها وكان آخر ما رأته قبل أن تقع صارخة بصمت في لجة فراغ عميقة المرارة في عينيه . أحست من بعيد بصوت تبعته حركة فألم حاد سببته الحقنة التي حقنت بها ذراعها فكان أن استسلمت مجدداً إلى أحضان نوم آمن . كان ضوء النهار ساطعاً حين فتحت عينيها إنه يوم مشرق بارد سماؤه زرقاء صافية انفتح الباب ودخلت ممرضة تحمل طشتاً ومنشفة . قالت بمرح : هل أنت أفضل حالاً اليوم يقول الدكتور إنك باقية عندنا مدة يومين آخرين بسبب ما حدث ليلة أمس ولن يسمح لك بالزوار إذا كانوا سيزعجونك . لامست ابتسامة مغصوبة ثغر هيلاري لأنها سمعت لهجة اللوم في صوت الممرضة وقالت : اتركي لي الطشت والماء أستطيع الاغتسال بنفسي . _ حسناً .. نظرت الممرضة الشابة إلى ساعتها . _ سيحين موعد جولة الأطباء كلنا اليوم متأخرين عن مواعيدنا سيأتي أحدهم ليغير لك الضمادات . وخرجت مجدداً تاركة هيلاري تستمتع بالانتعاش الذي يبعثه الماء إلى وجهها . كان الجرح الحقيقي في أعماقها عميقاً ووحشياً فلن يصدق بروس أبداً إلا أسوء الأمور عنها وستدينها دائماً الدلائل . فكرت : إنه يحب لورنا ويهتم بها في هذه اللحظة عرفت أنها لم تكن في هذه اللحظة عرفت أنها لم تكن تحمي لورنا وحسب في تلك الأيام بل كانت تحمي لورنا فحسب في تلك الأيام بل كانت تحمي بروس أيضاً من ألم خيبة الأمل من الشقيقة الصغرى التي يحبها لو عرف هوود و بروس الحقيقة لتألما لهذا لزمت الصمت وبسبب هذا الصمت عانت وتعاني وحدها . تلقت الزهور في هذا اليوم من هوود ثم قالت لها الممرضة إنها تلقت مكالمات هاتفية عديدة وهي بمعظمها من الصحافين . تأوهت هيلاري لقد نسيت أن فتاة الآمبر لا تزال تحتل الأخبار الرئيسية وسرها أن تكون أنظمة المستشفى الصارمة قد حمتها من غزو الصحافيين لقد قال لها الدكتور سولون مسروراً منها عندما قام بزيارتها المسائية أن بإمكانها العودة إلى المنزل بعد غد لكنه انزعج حين قالت له أنها ستعود إلى لندن حالما تغادر المستشفى . قال بصراحة : لا أوافق على هذه الفكرة لقد تلقيت صدمة شديدة وضربة سيئة على الرأس وتحتاجين إلى الراحة في مكان يعتني بك فيه جيداً على الأقل مدة أسبوع سأتكلم مع زوج أمك . لم تجادله هيلاري لكنها عزمت أن لا مجال للعودة إلى ستونكليف مهما كان ضغط الطبيب أو هوود عليها . لتغير الموضوع وسألت عن حال لورنا فقيل لها إنها بخير ولكنها لا زالت تحت التخدير وقطب الدكتور سولون قليلاً _ جسدياً هي مستريحة لكنها لا تساعد نفسها إنها في حالة نفسية سيئة ونجد صعوبة كبيرة في معالجتها وكنت أرجو أن يساعدنا خطيبها على هذا لكن الفكرة أصابتها بنوبة جنون فلم أستطع متابعة الموضوع . عضت هيلاري شفتها : لقد فسخت الخطوبة . بدا الدكتور مستهجناً : هكذا إذن . _ هل أستطيع رؤية الآنسة جيلفورد ؟ لكن الطبيب هز رأسه رافضاً : إنها نائمة معظم الوقت أضيفي إلى ذلك أننا تلقينا أوامر بألا يزورها أحد غير أفراد عائلتها والدها قادم هذا المساء . صممت هيلاري فلا حاجة لتسأل من أصدر مثل هذه التعليمات . في الصباح صدمتها الصحف فقد ذكرت معظمها أنها مصابة بشكل خطير وأنها ستشوه مدى الحياة . سخرت إحدى الممرضات وهي تغير ضمادة هيلاري بأصابع بارعة : يا لهذه السخافة ! .. فلن يترك هذا الجرح الصغير أثراً أيعتقدون أننا لن نجيد الاعتناء بك ؟ لاحظت هيلاري الامتعاض في صوت الممرضة وكأنها هي نفسها مسؤولة عن الرد على ما في الصحف لا شك الآن أن كل من في المستشفى يعرف أن بروس منع هيلاري عن رؤية لورنا ولا شك أنهم يتساءلون عن السبب .. غفت قليلاً بعد الغذاء ولكنها ما لبثت أن استيقظت على صوت خفيف فلما فتحت عينيها وجدت جون ميدوينتر واقف إلى جانب السرير وهو يحمل باقة الزهور بين يديه قدمها لها مرتبكاً . _ أنا آسف .. لم يخبرني أحد بأنك نائمة . جلست هيلاري وحاولت الابتسام : لم يعرفوا بأنني نائمة أشعر أنني مخادعة لأنني أستلقي هنا فقد أصبحت بخير وعافية . رد جون رداً مهذباً ثم جلب كرسياً ليجلس قرب السرير بعد صمت قليل قالت هيلاري متحفظة : لطف منك أن تعودني ولكنني لا أعتقد أن أغنيس … قاطعها بعنف مكبوت : فلتذهب إلى الجحيم أغنيس ..! كان يجب أن أجيء هيلاري يجب أن أعرف تاحقيقة ثمة شائعات كثيرة تدور وعلي أن أدعي أنني متباعد وغير مهتم في الوقت الذي أكاد فيه أفقد عقلي . هل صحيح أن لورنا أجهضت؟ أطرقت هيلاري رأسها ببطء .. وخرجت أنفاسه بآهة عميقة ثم قال بصوت متحشرج : آه يا إلهي ! أكان طفلي ؟ هل أخبرتك شيئاً ؟ .. عنا .. ؟ قالت هيلاري بحذر : لقد أفضت لي بسرها قبل الحادثة مباشرة كانت متكدرة قالت إنكما تشاجرتما . ضحك بمرارة : أجل .. تشاجرنا .. حاولت أن أقول لها إن علينا التوقف عن التقابل و إن زواجها سيغير كل شيء وبدا أنها ظنت أن علاقتنا ستدوم إلى الأبد ولأنني أعرف أنها لا تحب ايزيربلود حاولت إقناعها بعدم الزواج به . سألت ببرود : لماذا ؟ لتبقيها أنت الرجل المتزوج منفعة حصرية لك ؟ ما أروع هذا ! انتفض : أجل أعتقد أن هذا ما قصدته حتى وإن لم أكن على استعداد للاعتراف به لكنني أحبها هيلاري نحن متحابان إنها سبب حياتي . قاطعته بسخرية : أوه يجب أن نكون حذرين لئلا يصل الخبر إلى مسامع أغنيس كيف ستشرح لها سبب زيارتك لي .. هل لي أن أسأل ؟ هز كتفيه عاجزاً : لا أدري أعرف أنك تحتقريني هيلاري .. أرى هذا في عينيك ووجهك لكنني أعلم أن خسارة الطفل غيرت نظرتي إلى العالم إنها مفارقة .. أليس كذلك ؟ لكنها الحقيقة أنا و لورنا ننتمي لبعضاً بعضاً والآن أكثر من أي وقت مضى يجب أن يكون لي الحق في مواساتها أنا بحاجة إلى هذا الحق وقسماً بالله سأحصل عليه ! _ أتعني أنك على استعداد لترك أغنيس والتخلي عن الحياة الرغيدة ؟ تورد وجهه لسخريتها : الشيء الوحيد الجيد في حياتي هو لورنا لقد اعتمدت على أغنيس لأنني لم أكن أهتم حقاً بما يحدث لي ولكنني أستطيع النجاح بمفردي كنت سعيداً حين كنا في إفريقيا كان عندي وظيفة هناك وكنت بارعاً فيها و أظن أن هذا هو سبب إصرارها على العودة إلى الوطن لأنها أرادت أن يكون لها اليد الطولى وهذا ما هي معتادة عليه حسناً جداً إن لم توافق على الطلاق فسأنتظر سنتين فأحصل عليه من دون موافقتها فلا سبب يدعو المرء للارتباط بزواج فاشل في هذه الأيام . نظرت إله هيلاري طويلاً لم تشك أنه جاد في كلامه ولكن لماذا لم يفكر بهذا في بداية علاقته مع لورنا ؟ لا شك أن فقدان الطفل أثر هو الذي جعله يعيد التفكير بمسألة تدمير وجوده كزوج لأغنيس . مال إلى الأمام يمسك يدها بقوة ويقول بلهفة : هيلاري أصغ إلي أيمكنك رؤية لورنا ؟ أيمكنك إيصال رسالة لها ؟ هزت هيلاري رأسها نفياً : مستحيل غير مسموح لي أن أراها وقعت الحادثة حين كانت تقلني إلى ليدز لألحق بقطار لندن ويظنون أنني الملامة . نظر إليها بعدم تصديق : يظنون ؟ لا أصدق أن هيوارد جيلفورد بهذا الغباء فلورنا أسوء سائقة في العالم . أحنت هيلاري رأسها : مع ذلك حظر علي بعدم رؤيتها . بدت الخيبة على جون : إذن ماذا علي أن أفعل ؟ _ أنا واثقة أنك ستفكر بحل ما فقد أفلحتما حتى الآن بالتكتم . بدا جون غير واع للسخرية غي صوتها : أجل سأكتب لها رسالة فقد أقنع ممرضة لتحملها إليها أما زلت مؤمنة أنني نموذج تعس ؟ لكنني سأعوض عليها كل شيء هيلاري .. أقسم على هذا .. تكسر صوته فجأة ..وانحنى يدفن وجهه في غطاء السرير الطري و أردف قائلاً : لم أشعر قط بهذا الشعور تجاه امرأة … يجب أن تصدقيني . نظرت هيلاري إلى رأسه بشفقة ولا مست شعره بحنان وقالت بلطف : أصدقك . تناهى إلى مسمعيها صوت خفيف ليس أكثر من أنفاس عميقة وهذا ما حذرها إلى وجود أحد معهما رفعت نظرها مجفلة كان باب غرفتها مفتوحاً و بروس مسمراً هناك . تلاقت عيونهما من فوق رأس جون وفي عينيها تحد وفي عينيه تعب وازدراء وعدم تصديق . ثم ذهب كما ظهر و أقفل الباب وراءه بينهما وكأنها النهاية .
-10 العتمة والفجر
جلست فيرا وجول على جانبي سرير هيلاري ووجهاهما مشبع بالقلق والحب الذي بدأ يزيل الثلج عن قلب هيلاري . قالت فيرا : لقد انقلب كل هذا إلى فوضى عارمة ! _ ما أروع أن أراكما ! إنها مفاجأة . قال جون متجهماً : ليست بمقدار نصف مفاجأتي التي طالعتني حين فتحت صحف هذا الصباح لقد سارعت للاتصال بالمستشفى ألم يبلغوك الرسالة ؟ هزت رأسها : لا أظن أنني مريضتهم المفضلة الآن أنا هنا لأنه عنبر خاص ولأن زوج أمي يدفع مالاً ليعتنوا بي لكنهم يعتقدون أني سليمة وأنني أميل إلى المسكنة . قالت فيرا ساخطة : يا للوقاحة . _ يا للوقاحة . نظرت إلى اللصوق على جبين هيلاري بلهفة : وماذا تحت هذا ؟ اتسعت شفتاها بابتسامة حقيقية : لا شيء كثير . _ شكراً لله على ذلك . مازحها جول مبتسماً لقد خسر فيك العالم ديبلوماسية رائعة حبيبتي أعتقد أن الضرر غير دائم أليس هذا ما قالوه لك ؟ بلى لقد طمأنني الطبيب سولون كثيراً وأتمنى لو كنت أهتم بهذا أكثر . مرر جول إصبعاً على خدها : هاي ! سنهتم نحن به ركزي أنت على استعادة عافيتك أنت أحد مصادر عيشي ألا تذكرين هذا ؟ كانت فيرا تنظر حولها وأنفها يتحرك : رائحة المستشفيات متشابهة في كل مكان ..كم ستمكثين هنا ؟ هزت هيلاري رأسها : لا حاجة بي للبقاء وأظنهم سيسعدون برؤيتي أرحل .. هل أستطيع مرافقتكما إلى لندن ؟ ردا بصوت واحد : بالتأكيد .. أضافت فيرا : كنا سنقترح عليك هذا ستقيمين معنا حتى تستعيدين صحتك حقاً . حاولت هيلاري الاعتراض لكن فيرا كانت عازمة : أجل .. يجب .. لا أريد أن تبقي بمفردك بالشقة لقد مددت جولة جوليا وكم تحب أن تبقي معنا .. استسلمت هيلاري لأنها تشعر بالضجر إن عادت إلى شقة فارغة .. لكن لا أحد قد يضجر بين جول وفيرا . _ سأكلم الطبيب سولون . _ وسنعود غداً في الصباح لتصحبك معنا . ابتسمت فيرا لهيلاري ثم أضافت : على أي حال يجب أن تعودي معنا لأننا قلنا لبيتر إننا سنجلبك معما وقد تواجه جحيماً إن عدنا دون آنتي هيل . _ وأين بيتر ؟ _ تركناه عند عرابته .. يعاني من الأنفلونزا لذا فضلنا لذا فضلنا عدم اصطحابه .. تعرفين ما يقال عن جليد الشمال . ـ أحست هيلاري بسعادة عمرة بعد مغادرة فيرا و جول فنهضت من السرير وجلست قرب النافذة فترة … دقت الجرس فلما وصلت إحدى الممرضات قالت لها إنها تاركة المستشفى في الصباح لذا تريد أن تستحم بدت الفتاة مذعورة وبدأت تهم بقول شيء عن الطبيب سولان لكن هيلاري كررت كلامها .. أخيراً وافقت الفتاة على مضض .. لكنها قالت : لكن شاحبة جداً .. هل تريدين أن أساعدك ؟ قالت هيلاري بأدب : لا شكراً لك ؟ أحست بروعة الحمام .. وكم سعدت بارتداء ثيابها بدل ثوب المستشفى . كانت الممرضة على صواب .. هذا ما فكرت فيه وهي تنظر إلى نفسها منتقدة إنها تبدو شاحبة فعلاً فلا أثر للاسمرار الكهرماني الكاريبي الذي اكتسبته في وقت مضى . وهي في الطريق إلى الحمام توقفت أمام باب غرفة لورنا لكنها لم تحاول الدخول أو قرع الباب وقالت بصمت : وداعاً لورنا .. كوني سعيدة .. أرجوك كوني سعيدة . وارتدت على عقبيها …… بعد أسبوع على خروجها من المستشفى وذهابها لمنزل جول وفيرا شعرت أنها أصبحت أفضل حالاً .. كانت فيرا طباخة ماهرة سخية في سكب الطعام للمرة الثانية .. وكانت عائلتها سعيدة بهذا وصممت على أن تسعد هيلاري كذلك . قريباً .. ستكون مستعدة لمعاودة العمل هذا ما قالته لجول ولكنه أجاب : مهلك حبيبتي … فعرفت عندئذ أنها لم تستعد جمالها كلياً . لقد نزعت اللصوق عن جبهتها و أخفت الأثر البسيط تحت شعرها ولكنها لم تستطع إخفاء النظرة التائهة في عينيها .. كانت موجودة و جول يعرفها لأنه مصور وفنان ومدرب على التفتيش عن هذه الأشياء ولو صورها الآن فلن تظهر كما كانت في فتاة الكهرمان .. في هذه الأثناء سرها أن تساعد فيرا في تنظيف المنزل الفيكتوري الطراز الذي تعيش فيه واللعب مع بيتر الصغير والحديث مع فيرا وصديقاتها حين يأتين لزيارتها شعرت أنها عادت فرداً من عائلة ولكنها لم تجد في هذه العائلة اضطهاد ستونكليف وتوترها … ما أغباها لأنها فكرت يوماً وحلمت بأن الأمور بينها وبين بروس قد تختلف وتساءلت عما كانت عليه ردة فعله حين علم أنها رحلت مع رجل متزوج إلى لندن لأن الحظ شاء أن يصل جول بمفرده ليصحبها من المستشفى . كانت جالسة بعد ظهر أحد الأيام في المطبخ غير المرتب تراقب فيرا وهي تحضر الطعام فجأة قالت فيرا : ستانلي قادم إلى العشاء الليلة وأرجو ألا تمانعي منذ سمع بوجودك وهو يلمح لنا لندعوه . هزت هيلاري كتفيها فستانلي آخر همومها : لا أمانع بالتأكيد . نظرت فيرا إليها متسائلة : هذا ما ظننته مسكين ستانلي ! أم علي أن أقول مسكينة هيلاري ؟ استجمعت هيلاري ابتسامة : بل الحمقاء هيلاري .. كنت بلهاء لأنني تركت ستانلي يتسلل من بين أصابعي فجمالي لن يدوم إلى الأبد .. وعرض الأزياء هو لعبة الشباب . لوحت فيرا بملعقة الطبخ : أوه فليذهب ستانلي إلى الجحيم فأنا مهتمة بالرجل الآخر .. ذلك الذي يجعلك تبدين كالأموات كلما فكرت فيه وأنت تظنين أن لا أحد يراقبك قد لا تعرفين هذا حبي لكنك بين الحين والآخر تغرقين في تفكير عميق ولا أصدق أن ما تفكرين فيه يجلب إليك السعادة . عضت هيلاري شفتها السفلى من الداخل . _ هذا صحيح وأنا لا أستطيع التحدث عنه فيرا قد يحدث ذلك ربما في يوم ما سأتمكن من الكلام .. أما الآن فلا . ابتسمت لها فيرا بحرارة : كلي آذان صاغية يا حبي فاختاري الوقت الذي يناسبك فأنا هنا . لم يكن ستانلي المدعو الوحيد ولكن الزوجين الآخرين المدعوين اتصلا ليقولا بأنهما يواجهان مشكلة مرافقة أطفالهما فكان أن أصبح المدعو الوحيد وصل مبتسماً حاملاً باقة ورد ولكن بدا تحت ابتسامته رجلاً حزيناً . قال لهيلاري : مرحباً أيتها الغبية الجميلة . وقبل خدها لكن كلماته حملت قسوة . ردت : مرحباً ستانلي . كان الطعام لذيذاً المفترض أن تكون مناسبة مفرحة .. ولكنها لم تكن كذلك بعد انتهاء العشاء اعتذر جول وفيرا بحجة أن عليهما تنظيف أطباق العشاء فكان أن تركا هيلاري و ستانلي بمفردهما في غرفة الجلوس في الطابق الأول . قال ستانلي بحدة : أتستمتعين بالإقامة هنا ؟ _ كثيراً . _ عرفت أن جول وفيرا ذهبا إلى المستشفى واصطحابك إلى هنا ألم يخطر ببالك أن تطلبي مني هذا ؟ _ بصراحة لا .. لم يخطر ببالي . قال بمرارة : لا ..! لقد مرت أسابيع هيلاري لم أسمع فيها كلمة منك وهذا ما أظهر لي بوضوح قيمتي في حياتك . _ لم أعرف أنك تسعى إلى شيء آخر . لم يكن هذا صحيح كلياً .. ولكنه يعطيه فرصة للتخلص من هذا الموقف بوقار . _ يا إلهي بل تعرفين .. لا بد أنك عرفت ما هو شعوري نحوك .. ولو طلبت مني المجيء لجئت من آخر العالم وعدت بك إلى لندن .. وكنت سأبقى حتى لو كانت تلك الروايات الشنيعة في الصحف صحيحة . افترضت أنه صادق .. ولكن الدراما في صوته كانت محرجة .. فسمعت نفسها تقول بصوت واهن : لم أعرف .. خلتنا مجرد صديقين ألا يمكن أن نكون صديقين ؟ _ أريد منك ما هو أكثر من الصداقة هيلاري .. وقف وهو يتكلم فأوقع ما تبقى من قهوته على سجادة فيرا فهبت هيلاري واقفة : أوه .. يا الله من الأفضل أن أجلب قماشاً ما . فجأة بدت غرفة الجلوس التي تجلس فيها بمفردها مع ستانلي مكاناً غير جيد لتكون فيه فقالت لنفسها ليت جول وفيرا يأتيان . قال بعنف : دعي السجادة اللعينة فيرا وسخة لن تلاحظ . هذا إجحاف بحق مضيفته ارتدت هيلاري إلى الوراء خطوة فتقدم هو خطوة ليعقد ذراعيه حولها ويشدها إليه كانت أنفاسه حارة فأشاحت بوجهها . قال بصوت أجش : لا تعامليني وكأنني غريب هيلاري حاولت الظهور بمظهر بارد لأنني ظننت أنك تريدين هذا .. لكن لا يمكن أن نستمر على هذا الحال .. أنت جميلة بل خلابة وأنا أريدك .. يجب أن أحصل عليك ! وراح يعانقها فشهقت : ستانلي حباً بالله ! لكنه بدا غافلاً في مكان ما من أفكارها تناهى إليها صوت جرس الباب فدعت لله أن يكون القادم الزوجين اتكنسون المدعوين الذين قالا أنهما قد يأتيان للسهر في وقت لاحق .. على شخص ما المجيء ليخلصها من هذا الكابوس . سمعت وقع أقدام تقترب وصوت فيرا : من هنا . فكرت لقد وصلت النجدة ! عندما انفتح الباب تركها ستانلي فجأة فتهاوت متعثرة ثم وقفت بجهد تحدق إلى الباب قال ستانلي : من أنت بحق الله ؟ _ اسمي جيلفورد .. والواضح أني أتطفل على شيء ما .. أنا آسف سأذهب . _ لا .. ظنت هيلاري أنها صرخت بالكلمة .. لكنها خرجت مخنوقة : لا .. لا تذهب .. أرجوك ! تصورت كيف يبدو منظرها .. فثيابها مشعثة وشعرها الذي عقصته في بداية السهرة كان منسدلاً حول عنقها . قال ستانلي بصوت أجش : ما هذا بحق الله ؟ جيلفورد ؟ إنه اسم العائلة التي كانت تقيم معهم هيلاري في يوركشاير .. هل أنت واحد منهم ؟ تقدم بروس إلى الداخل يراقب ستانلي بثبات ويداه على خصره : أجل . قال ستانلي ساخراً فهمت يا إلهي فهمت كثيراً ! لا غرابة أن تمتنعي عن إرسال أي رسالة وعن الاتصال .. لا غرابة أن أصبح فجأة شخصاً لا وجود له في حياتك . ضحك بفظاظة ثم راح يراقب تصاعد الدم المفاجئ إلى وجه هيلاري .. أردف : يا إلهي ما أغباك ! حسناً ها هي يا صديقي هيلاري كوارثمان الجميلة .. لك وليتك تحصل منها على تعويضات أكثر من التي حصلت عليها من هذه اللعينة الباردة . ضربه بروس فتهاوى إلى الخلف ووقع على أحد المقاعد ثم وضع يده على فكه ليتحقق من سلامته ونظر إلى بروس بعدم تصديق . قال بروس بتوتر : لا تكن هنا عندما أعود . وأخذ هيلاري من ذراعها يجرها دون احترام إلى خارج الغرفة .. قال أين يمكن أن نتحدث . كان المنزل كبيراً فيه غرف كثيرة وأية غرفة منها صالحة لينفردا فيها لكنها لم تستطع سوى أن تنظر إليه كالبكماء .. قال : يا إلهي , فتح أقرب الأبواب ودفعها إلى الداخل ثم قدم لها كرسياً مرتفع الظهر فجلست إليه . _ هذا هو ستانلي ؟ هزت رأسها . _ حين دخلت كنت تقاومينه .. أو تحاولين مقاومته فماذا عن هذا وعن ملاحظته السافلة الأخيرة .. هل أفهم أنك لا تعيشين معه ؟ استعادت رباط جأشها : وهل هذا مهم كثيراً .. انظري إلي هيلاري . كانت تنظر إلى يديها المنقبضتين فرفعت عينيها إلى وجهه . قالت ببطء : كيف عرفت أين أنا ؟ _ لم أعرف .. لكن المستشفى أكد لي أنك رحلت إلى لندن مع جول غاميل فعندما لم أجدك في الشقة قررت أن أزوره لأسأله عنك . للحظات كان ينظر إليها ولا يصدق .. ثم أضاف بصوت قلق : هل أخفتك إلى هذه الدرجة هيلاري ؟ لقد جئت إلى هنا لأعقد صلحاً معك إذا كان ذلك ممكناً .. هل أقول أنني تفاجأت بالسيدة غاميل .. وأترك الأمر عند هذا الحد ؟ _ كما قلت من قبل وهل هذا مهم ؟ طالما أسأت الظن بي وإن شئت صدق ما تريد عني .. وعن جول . قال : إساءة الظن بك عادة اكتسبتها .. في الباغية كانت سهلة .. لأنني كنت شاباً غبياً متعجرفاً كرهت كل من يريد أن يحل محل أمي .. لكن لا أحد قادر على أن يكره أوليفيا طويلاً ومع الوقت تعودت عليها أما أنت فكنت أمراً مختلفاً لأنك كرهتني أيضاً وكان ذلك تحدياً لي بطريقة ما .. ثم عدت يوماً ووجدتك مختلفة عن تلك الطفلة القذرة ..كنت على وشك أن تصبحي امرأة وكم بدوت جميلة كنت عند فجر ذلك الجمال لذا اشتريت لك الاسطوانة في يوم مولدك حاولت أن أقنع نفسي أني سأكون سعيداً بالحصول على أختين جميلتين ولكنني لم أنجح ومع الوقت اضطررت للتوافق مع الحقيقة حقيقة عدم رغبتي في أن أكون أخاك فلم أرد أن تكوني أي نوع من الأخت لي . قالت ببرود ووضوح : لكنك أردتني وأظنك أثبت هذا بدون مجال للريبة وتهجمت علي .. انتفض فأذهلتها انتفاضته : صحيح وليسامحني الله لا أتوقع تسامحيني لقد ارتكبت أغلاطاً كثيرة بتعاملي معك . توقف هنيهة ثم قال : كان علي الاعتراف أنك طاهرة بريئة غير قادرة على إقامة علاقة مع أي رجل ولكنني تعاميت عما كان واضحاً ورحت أسيء الظن بك حين سمحت لنفسي أن أعيد التفكير أدركت أن ما من أحد يملك الخبرة التي افترضت يفر مذعوراً هكذا أمام الوحشية التي أظهرتها . صمت قليلا ً ثم أضاف : عدت لأراك لمحاولة إجلاء كل شيء لأرى إن كان بالإمكان إصلاح الأمور بيننا لكنني لم أجدك فقد رحلت . قالت من بين شفتين جافتين : وبالتأكيد لم تستطع أن تلحق بي . قال بوجه متجهم : كان يمكن هذا لولا جولة المبيعات الأوربية التي التزمت بها طالما اتخذت منهجاً في حياتي وهو عدم ترك حياتي الخاصة تقف في طريق عملي والحقيقة أن الأمور لم تكن على ما يرام في الشركة وكان هوود يعمل لاهثاً في أمريكا لكنني وعدت نفسي بالبحث عنك بعد انتهاء جولتي . _ لكنك لم تبحث عني . _ حين عدت كنت قد أصبحت مشهورة .. فتاة الكهرمان تلك الصور اللعينة كانت في كل مكان وكنت كلما فتحت الصحيفة أجد مقالاً أو شائعة عنك تربطك برجل أو بآخر وكان علي أن أستنتج أن ما ظننته بك لم يكن خاطئاً على أي حال وكنت غاضباً لأن رحيلك آلم هوود و لورنا أحسست أنك خنتهما لقد عاملك هود وكأنك ابنته ولورنا اعتمدت عليك في كل شيء مع ذلك تركتهما . همست : لكنني كنت مضطرة للرحيل . تأوه : لأنني أجبرتك ؟ كنت في الطريق إلى ليدز حين خطر لي فجأة أنك قد تهربين مجدداً لم يكن هناك منطق يفسر شعوري لكنني عرفت فجأة أنني لا أستطيع السماح بحدوث هذا مرة أخرى فكان أن عدت ووجدتك في سيارة لورنا كان ذلك تكراراً لذلك الكابوس وحين قلبت السيارة في الخندق كدت أجن .. هز رأسه متذكراً : .. سحبتكما من السيارة وكان الدم يغطي وجهك بسبب وبسبب خوفي الشديد عليك لم أدرك أن لورنا هي التي تحتاج إلى العون الطبي أكثر منك ثم لما عرفت بخطورة حالتها شعرت بالغضب منك مجدداً … لأنني ظننت أنك أجبرتها على المخاطرة والقيادة بسرعة . أحست هيلاري وكأنها تحلم .. كأن كل شيء غير حقيقي أمسكت بالقش الذي يكسو المقعد وتركته يترك أثراً على لحمها .. ماذا تفعل في الغرفة ؟ كيف لها أن تكون مع بروس الذي يتكلم عن الغضب وهو غير غاضب ؟ .. أمر غير معقول .. أحست بألم حاد على خدها فغاصت إلى الوراء شاهقة .. وقال بروس : كفى لقد كفاني من جنون لورنا في الأيام المنصرمة ما يكفيني إلى آخر العمر . احتجت : صفعتني ؟ _ وسأعانقك تعويضاً . أمسكت يده ذقنها ورفع وجهها ينظر إليها وكأنها وردة نادرة .. قالت مقطوعة الأنفاس : كيف حال لورنا .. أما زالت في المستشفى ؟ _ لا .. هي الآن تنتظر جون أن يطلق زوجته لتتزوجه ويبدوا أنهما يخططان بعد زواجهما للسفر إلى أفريقيا و أتمنى أن يكون هذا سريعاً . _ وكيف تلقى هوود الخبر ؟ _ كان وقعه عليه قاسياً ولكنه شخص قوي لذا ما زال متماسكاً رغم كل ما يشعر به ولكنه ضغط على لورنا فأخبرتنا كل شيء . هز رأسه ببطء : بدءاً من حمايتك الدائمة لها في المدرسة وصولاً إلى تورطها مع هورلي فالطريقة التي حاولت فيها إخفاء علاقتها بجون .. كل التفاصيل بما فيها توسلك لتبطئي السرعة وقد صعب الأمر كثيراً عليه ولكن لم يدرك أبي أو لورنا الضرر الحقيقي الذي وقع .. وقع علينا . ساد الصمت .. ثم قالت هيلاري : إذن أنت الآن تعرف .. أمن أجل هذا جئت ؟ _ ليس هذا فقط .. بل جئت أسأل لماذا ؟ لماذا تحملت الملامة عن حماقة لورنا ؟ عندما اتهمتك للمرة الأولى لماذا امتنعت عن إخباري بالحقيقة ؟ رفعت كتفاً بيأس : وهل كنت ستصدقني ؟ _ ربما ليس فوراً ولكنني كنت سأتأكد من صحة قولك والله يعرف أن لورنا كانت بحاجة عمن يوقفها عند حدها لقد تركنا لها جميعاً المجال في الماضي ربما بسبب توترها الدائم كانت تقلق هوود منذ سنوات أنا لا أحاول إيجاد أعذار لها ولكن لو اجتمعنا جميعاً منذ سنوات وكشفنا أوراقنا لكان بإمكاننا إنقاذها وإنقاذ أنفسنا من الفضيحة التي سببتها محاولتها المجرمة المتعمدة للزواج بتشارلي ايزيربلود . تنهدت : كيف كان بإمكاني البوح بالحقيقة ؟ لقد عاملني هوود كأنني ابنته أما أنت فكنت بالنسبة لك دائماً الدخيلة الغريبة أنت و هوود و لورنا كنتم دائرة مغلقة لم أستطع خرقها ولم أستطع خرقها ولم أستطع القيام بما قد يضر هذه الدائرة .. فهل أكافئ هوود على طيبته معي بأن أحطم آماله في ابنته ؟ _ لذا وبدلاً من ذلك اخترت تدمير ثقتنا بك .. أوه .. يا إلهي ؟ يا لك من حمقاء صغيرة ! لكن لدي سبب آخر للمجيء إلى هنا .. أنا أطلب منك أن تسامحيني هيلاري على كل ما قلته وفعلته لأذيتك وعن كل سوء ظني بك وأنا مستعد لطلب الغفران و أنا جاث على قدمي إذا كان هذا ضرورياً أو إذا كان هذا ما تريدينه .. وأريد منك أن تعودي معي إلى ستونكليف هوود بحاجة إليك . هزت هيلاري رأسها : لا أستطيع العودة إلى هناك . صمت لحظات ثم وقف بعدما كان راكعاً قرب كرسيها وابتعد .. قال بهدوء : إّن لا تستطيعين مسامحتي هل يؤثر في قرارك إن علمت أني على استعداد لترك المنزل ؟ عاد الألم الداخلي العميق حاداً وشرساً حتى كاد يمزقها إرباً إرباً أحنت رأسها وسمحت لشعرها الأشعث بالسقوط على وجهها : لن يكون لهذا فرق . سمعته يتنهد : فهمت هيلاري .. أنا آسف هيلاري .. أعرف أني كدرتك كثيراً .. وهذا آخر ما أريده .. سأذهب . فكرت والعذاب يتآكلها : سيذهب ولن أراه مجدداً سمعت صوتاً بالكاد تعرفه : قلت أنك ستعانقني تعويضاً . كان بروس قد وصل إلى الباب ومد يده ليمسك المقبض .. ولكنه توقف مسمراً وارتد بحدة وما هي إلا خطوتين حتى أصبح قربها يرفعها عن الكرسي ويضمها إليه شوق متألم تعلقت به وسالت الدموع التي كانت تحتجزها على وجهها وهي تستجيب بكل جوارحها إلى شوقها إليه أخيراً انتزع نفسه عنها متأوهاً وأمسك وجهها بين يديه .. وقال : لا أهتم كم رجلاً مر بحياتك هيلاري لأنني سأكون الأول والأخير .. أنت لي .. ولن أدعك تذهبين مرة أخرى سنعود إلى يوركشاير غداً . حاولت الابتسامة : لأن هوود بحاجة إلي ؟ _ بل لأنني أنا بحاجة إليك لأننا سنتزوج .. لقد أضعنا سنتين من حياتنا وسأكون ملعوناً إن سمحت بإضاعة المزيد منها . ضحكت بعدم ثبات : وماذا سيقول هوود ؟ و .. ديلسي ؟ التوى فمه قليلاً : ديلسي غير مهمة .. إنها صورة جميلة فاتنة فشلت كل الفشل في إبعاد تفكيري عنك .. بل لم تنجح امرأة في هذا قط .. أما هوود .. فهو يعد العدة للاحتفال .. طلب مني عدم العودة إلى المنزل بدونك .. شهقت : أوه .. ! إذن أنت كنت واثقاً مني كل الثقة ؟ قال بهدوء : لم أكن واثقاً .. رأت في عينيه القلق .. وهو ضعف لم تعهده فيه فتلوى قلبها .. أضاف بل لم أثق أنك ستسمعينني ولم أعتقد أنك ستفهمين ما هو شعوري أردت أن أطلب أكثر بكثير.. بكثير من الغفران ولكنك كنت جالسة في هذا الكرسي اللعين كشبح صغير ولم تكادي تقولين كلمة . _ كنت أنتظر الكلمة الوحيدة التي تظهر اهتمامك بي أعرف أنك أردتني لكن هذا غير كاف فطالما رغبت أن تحبني حتى في طفولتي حتى وأنا مؤمنة بكرهك لي كانت كلمة مديح واحدة منك تفرح قلبي وترقصه لهذا قلت أني لا أستطيع العودة إلى ستونكليف .. أفضل الموت مع العيش تحت سقف واحد معك مرة أخرى وعلى الأساس القديم ذاته . قال بروس ببطء : أعرف أنني انتظرت طويلاً لأعترف هيلاري .. لكنني أحبك ومن العبث القول إن المرء يؤلم ويجرح دوماً مشاعر من يحب في حالتنا هذه القول صحيح لكنني سأعوضك عن هذا . ابتسمت ودست ذراعيها حول عنقه : سيعجبني هذا فهي المرة الأولى التي يطلب فيها أحد يدي .. سأل بصوت هادئ : ألم يطلب ستانلي يدك ؟ _ لم يطلب .. لم أدع أحداً قط يصل إلي .. وصلت علاقاتي دوماً إلى هذه المرحلة فقط .. ولم يكن هذا عدلاً لقد سمعت ما قاله .. إنني باردة .. حسناً بطريقة ما كان هذا صحيح .. رفضت أن يلمسني أحد .. بعدك .. وكنت ألومك على هذا .. قلت لنفسي إنك منعتني من الإحساس بمشاعري كامرأة .. لذا لن يكون هناك غيرك .. لقد أردت أن تكون الأول والأخير .. حسناً .. وستكون الأول والأخير حبيبي .. الأول والأخير والرجل الوحيد في حياتي . نظر إليها طويلاً ثم قال بصوت أجش : لا أستحق هذا . وعانقها بحنان ورقة فعمت قلبها البهجة . كان في ماضيها عتمة .. ومرارة .. أما الآن فستصبح المرارة والعتمة في غياهب الزمان . وسيبزغ فجر صيف جديد
تمت

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع