في ليل كنشاسا الحار الرطب ، تحت الناموسية المشبعة بالدي دي تي ، التي يحاول البعوض اقتحامها للفتك بي ، يبدو الكلام عنك أو معك منعشا ككوب من عصير الليمون البارد ... في ليل كيشاسا الحار الجاثم كالخرتيت على روحي ، أستعيد مشاهد بيتنا الصغير و طفلتنا .. الأزهار التي تستبدلينها يوميا في ذلك الأصيص الأنيق .. مدخل البيت الذي زرعت فيه نباتات لا أعرف اسمها و لن أحفظه بعد ألف عام .. مذاق الأطباق التي تطهينها .. في ليل كينشاسا الكئيب ، يلذ لي أن أكتب لك هذا البريد الالكتروني ، و أتصورك و أنت تطالعين السطور ، كنت طيلة حياتي أمقت كتابة الخطابات لأنها تجعل الناس يردون .. فأضطر إلى الرد .. لكنني اليوم أشعر أنها اختراع عبقري .. ما زلت أرى ابتسامتك الذكية المتفهمة ، و أسمع قرقرة سارة المحببة و هي نائمة في غرفتها و ترنو إلى السقف و تحلم مع الظلال .. أنا خلقت كي أكون هناك معك و ليس هنا .. لو كنت أريد الترقي في عملي ، فالهدف أن أبلغ درجة وظيفية تجعلني أنا من ينفي الآخرين و لا أحد ينفيني أنا .. أنا من أحب افريقيا و أحمل لها كل تقدير .. إنها مليئة بالأسرار و يمكن للمرء أن يتعلم شيئا جديدا كل دقيقة ، لكن الحقيقة هي أنني كذلك بحاجة إلى الاستقرار أريد نعمة المكان الواحد .. بدت لي أنجاوانديري هي هذا المكان الواحد لفترة ، لكنهم في كل مرة ينزعون المسمار ليضعوه في ثقب آخر .. سوف أحاول أن أنقل لك بعضا من حياتي هنا ، و لعلني أنجح في ذلك .. كما تعرفين فإن وحدة الكونغو هي سافاري سبعة .. أكبر وحدة سافاري في افريقيا كلها ، و لسوف تجدين أن وحدة سافاري الكاميرون أقرب لمدرسة أطفال صغيرة .. هكذا يمكن القول أنني صرت أعرف وحدات سافاري في الكاميرون و كينيا و جنوب افريقيا ، كما أنني عملت لفترة في بوركينا فاصو .. المدير هنا افريقي أسود اسمه آرثر برسين ، و هو من الطراز الذي يجعلك تشعرين أن اللون الأسود هبة .. فهو فاخر لامع له صوت ستيريو غليظ مؤثر .. أما مساعدته فهي من بقايا الاستعمار البلجيكي ، لكنها لطيفة فعلا ، و اسمها آن ليراي .. هي لا تشبه اللعين باركر في أي شيء ، لكنها تدخن كمحرقة الجثث .. التوازن هنا واضح جدا .. فالمدير أسود و نائبته بيضاء .. هذا يحدث في معظم وحدات سافاري .. الوحدة لها نفس شكل حرف إل الانجليزي المميز لكل وحدات سافاري ، و خلفها تقف سيارة الإسعاف .. و هناك مهبط هليوكوبتر كالعادة .. لدينا هنا ثلاث طائرات .. لكن المباني أقدم من أي وحدة سافاري رأيتها ، مما يدل على أن ترقيم سافاري سبعة لا يدل على الترتيب البناء ، و إلا لكان اسمها سافاري واحد