الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

حتى تموت الشفاه
Flame of Diablo

الكاتبة : سارا كريفن
-----------------------------
الملخص
******
حين يصادف الانسان حلمه امامه متجسدا في شخص طالما بحث عنه و انتظره , هل يتركه يتجاوزه , ام يلحق بيه و يتشبث به كطوق النجاة , وهل يكون خائناً ان فعل , ميندوزا عاهد نفسه على الانتقام من رودريغو الذي قتل والده و بقى باحثاً عنه , فجأة التقى بسوزان التي كانت تبحث عن شقيقها … هل يساعدها ميندوزا في بحثها و يتشبث بها , ام يتركها و يتابع وحده … وهل يلتقي بحلمه من جديد اذا تركها ؟ لكن ماهو موقف سوزان من شروطه القاسية التي فرضها عليها في سبيل مساعدتها … تقبل ام ترفض ام تنساق لتوقعها اليه ام تطةي سرها ة ترحل ؟ يبقى السؤال يضج في راسها , يحبها ام ان شروطه مجرد كونها امرأة ؟
---------------------------------
الفصل الأول : المرأة الجليدية
---------------------------------
كان الوقت شتاء , وحين دفعت سوزان كريشتون أجرة التاكسي , كانت ندف الثلج تتساقط بكثافة , أسرعت , بعد ذلك , لتقرع جرس البيت في ألحاح , فتحت الباب أمرأة طويلة , نحيفة , ترتدي فستانا أسود وأستقبلتها مبتسمة , وقالت: " ها قد وصلت أخيرا , كان يسأل عنك في أستمرار بينما كان الطبيب كينغستون يريد نقله الى مصح موردانت , إلا أنه يرفض الذهاب قائلا أنه يريد لقاءك أولا , أنه في حالة سيئة فعلا". " أعرف ذلك". أجابت سوزان وهي تضغط في مودة على يد مدبرة المنزل مدركة أن السيدة ثرستون , وهذا أسمها , ورغم مرور عشرين سنة على بدء عملها مع جدها لا تستطيع حتى الآن أن تقبل رفض السير جايلز كريشتون لأي شيء يتعارض مع رغباته. " جئت حين أستلمت رسالتك , كيف حاله ؟ هذا شيء غير متوقع , أذ بدا أخيرا وكأنه تعافى من النوبة السابقة". توقفت سوزان عن الكلام حين رأت أن السيدة ثرستون تهز رأسها . " هذه النوبة أسوأ بكثير من النوبة السابقة , لهذا يريد الطبيب كينغستون نقله الى المصح حيث سيخضع للأشراف المباشر , كنت معه حين أصيب بالنوبة القلبية وظنت أنه هالك لا محالة".
" أوه تريستي! لا بد أنك مررت بوقت عصيب معه , كان يجب علي الحضور فور أنتهائي من العمل في المسرحية , أي منذ أسبوع". قالت السيدة ثرستون وهي تساعد سوزان على خلع معطفها , وأضافت: " قضى السيد جايلز الأسبوعين الآخرين في لندن , وحين حاولت أن أذكره بنصائح الطبيب , كاد ينفجر غضبا , منذ ذلك الحين سكت لكنني أتساءل هل في أمكانه تجنب النوبة لو ألححت عليه في اللجوء الى الراحة؟". " لا أعتقد ذلك يا عزيزتي ثرستي , لا داع للوم نفسك". وتنهدت سوزان وهي تضيف:
" نعرف أصرار جدي على تنفيذ رغباته , ولكن ماذا فعل في لندن؟ هل ذكر السبب؟". " كلا , ألا أنه ظهر في شكل مختلف , ربما كان للأمر علاقة ما بالسيد مارك". " لا أعتقد ذلك". قالت سوزان في هدوء وأضافت: " برغم أملي أن يحقق ذلك , والآن من الأفضل الذهاب برؤيته".
صعدت سوزان درجات السلم المؤدي الى غرف نوم الطابق الأول ثم سارت في أتجاه بابي غرفة النوم , وحين أصبحت على مبعدة خطوات منهما , أنفتح البابان وظهر بينهما رجل أشيب الشعر بدا متعبا وقلقا ألا أن عينيه لمعتا حين رأها , ثم ألتفت الى الغرفة التي غادرها منذ قليل. " كيف حاله يا عم أندرو؟". " لا أسوأ ولا أحسن". قال الطبيب في هدوء وأضاف: " لا بد أن وصولك سيساعده , أعطيته مهدئا وأرجو ألا تدعيه ينفعل لأي سبب سأذهب الآن لتدبير سيارة الأسعاف".
ثم توجه نحو السلم. كانت غرفة النوم دافئة , لهيب النار في الموقد القديم يرتفع , نظرت سوزان الى جدها المستلقي في فراشه , كان شاحبا جدا , لكنها حرصت ألا تظهر قلقها وهي تخطو بأتجاه الكرسي قرب السرير , جلست منتظرة أن يفتح هينيه ويراها , غير راغبة في إيقاظه , أخيرا فتح عينيه بدتا وكأنهما فقدتا بعض بريقهما السابق , نظر السيد جايلز اليها للحظة ثم قال: " وأخيرا أنت هنا". حاولت سوزان تجاهل لهجته التهكمية وتذكرت ما قالته السيدة ثرستون عن ذهابه يوميا الى لندن بدون أن يحاول الأتصال بها هناك , حاولت أيضا نسيان موقفه منها منذ ولادتها , لأنه أراد أن يكون المولود الأول صبيا , وبقي شعوره هكذا حتى بعد ولادة مارك. أنحنت وطبعت قبلة على خده وهي تقول:
" أنا الى جانبك يا جدي , هل تحتاج شيئا؟". " كلا يا طفلتي". بدا وكأنه يبذل جهدا كبيرا ليتحدث , أغلق عينيه مرة أخرى وبقي صامتا , كان يسترجع قواه , ثم قال : " هل سمعت شيئا عن مارك؟". " كلا , لا شيء أبدا". " ليس هذا مهما , أعرف أين هو". " هل تعرف ذلك حقا ولم تخبرني من قبل؟". " ها أنا أخبرك يا طفلتي". قاطعها , فهدأ غضبها وهي تتذكر نصيحة الطبيب ألا تدعه يغضب , ثم أضاف: " أكتشفت ذلك صدفة , أذ توجب علي الذهاب الى لندن وبعد تناول الغداء في النادي , جاء لاري فورسايث , هل تذكرينه؟".
" أعتقد ذلك". أجابت سوزان في آلية وهي ما تزال مشغولة بالخبر الذي سمعته عن مارك , ثم سألت: " هل كان ديبلوماسيا؟". " نعم , ولا يزال , أنه يعمل في كولومبيا منذ سنوات , وقد ألتقى مارك هناك منذ ثلاثة أسابيع". " في كولومبيا؟". وسألت سوزان ثم قالت:
" أنه أمر لا يصدق , هل كان متأكدا من أنه مارك نفسه؟". " طبعا كان متأكدا , عرفه فورا , وقد تعرّف عليه مارك أيضا , وهو يتناول العشاء مع مجموعة من الأصدقاء بينهم شخص اسمه أرفاليز , وكما يتذكر لاري فان أرفاليز هو أحد المحامين المشهورين في العاصمة الكولومبية بوغوتا". " أتذكر أن لمارك صديقا يحمل هذا الأسم , كان معه في الجامعة , لكنني لم أعرف بأنه من كولومبيا كما لم أعرف بأنه صديق مقرب من مارك". توقفت عن الكلام مدركة أن مارك لم يكن يخبرها كل شيء عن صداقاته وعلاقاته بالآخرين. قطبت جبينها للحظة ثم سألت جدها . " هل أخبرك فورسايث ما يفعله مارك هناك؟". " كلا , لا بد أنه أفترض أنني ملم بالموضوع , هل تعتقدين بأنني مستعد لنقاش قضايانا الخاصة مع الآخرين؟". ألتمعت عينا السيد جايلز مما دفع سوزان الى الأجابة بسرعة: " كلا , كلا , كان سؤالا سخيفا , هل تحدّث اليه مارك في أي موضوع؟". " كلا , لذلك سألتك أذا سمعت شيئا منه , ظننت أنه بعد أدراكه لمعرفتنا بمكانه , قد يكتب اليك".
سكت الجد ليستعيد أنفاسه , سوزان شاركته السكوت مستعيدة في الوقت نفسه بعض أحداث الماضي. في الماضي أعترض الجد بعنف على أختيارها التمثيل , لم يستطع تقبل فكرة أختيار حفيدته التمثيل كمهنة ولكنه لم يكن جديا في أعتراضه , أذ فكر أن لا ضرر في أمتهانها التمثيل لحين عثورها على زوج ملائم , أما بالنسبة الى مارك , فقد كان الوضع مختلفا حيث خطط الجد لمستقبل مارك بدون الأخذ في الأعتبار شغف مارك بدراسة الجيولوجيا ومن ثم رغبته في مواصلة دراسته الجامعية , أعتقد الجد أن دراسة الجيولوجيا لم تكن غير رغبة صبيانية وأن مارك سيتخلى عن الفكرة , ألا أن مارك أثبت عكس ذلك وتخرج ليبحث عن عمل له كجيولوجي. وهكذا بدأت المعركة الحقيقية بين الأثنين وشهدت سوزان ذروة الخصام حين جاءت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة ولم تستطع التدخل بين الأثنين وكانا على وشك تمزيق أحدهما للآخر. حدثت المواجهة بينهما مساء يوم أحد أثناء تناولهم وجبة العشاء , نظرت سوزان اليهما وفكرت أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنهما يتشابهان , حيث أن كلا منهما يعتقد أنه المحق دائما وأن لا وجود لأي وجهة نظر أخرى , جلست سوزان بينهما مقاومة رغبة ملحة في وضع يديها على أذنيها لتصمهما عن سماع الأتهامات المتبادلة , بلا توقف , بين الأثنين. " ستكون مسؤولا , هل تسمعني ؟ ما الذي تتوقعه غير منصب بائس في جامعة تتسول الصدقات قاضيا عطلاتك كدليل لعجائز في رحلات تجمع فيها الأحجار , هل هذا المستقبل الملائم لشخص ينتمي الى عائلة كريشتون؟". " أنت تثير فيّ التقزز , أنت وأفقك الضيق وعدم أقرارك لما يفعله الآخرون , هل تعرف ما هو الراتب الذي يتقضاه جيولوجي من الدرجة الأولى يعمل في أحدى شركات النفط؟". " هل تظن أنك جيولوجي من الدرجة الأولى؟". ضحك السير جايلز بسخرية وأضاف: " يتطلب الأمر سنوات لتصبح كذلك وأظن أنك ستعود الى هنا بعد عام لتستجدي مصروفك اليومي , حينئذ ستسمع أي جواب ستتلقى". شحب مارك لدى سماعه هذه الكلمات ثم حدّق في وجه جده وقال في صوت واضح:
" أذا ما عدت في يوم ما , فسأكون غنيا , سأملك من المال ما يكفي لجعلك تبتلع كل كلمة قلتها الآن . لن أعود ما لم أحقق ذلك". ترك مارك الغرفة وتبعته سوزان طالبة منه العودة لكنه نظر اليها وكأنه لا يستطيع رؤيتها , قالت له أخيرا: " مارك , أنه رجل عجوز , يجب عليك معاملته بطريقة أخرى , لا تتركه أرجوك". " هل يبيح له التقدم في العمر الحق في أن يدوس على رغبات الآخرين؟ منذ وفاة الوالد والوالدة ونحن نعاني من تعسفه , أعتقد أنني نلت الكفاية حتى الآن ولا أرغب في مواصلة ذلك طوال حياتي , يعتقد أن المال غير موجود في أي مدينة عدا لندن , سأحاول جهدي أن أثبت عكس ذلك". ثم قال لها: " سأعود ذات يوم يا سوزان , فلا تقلقي". بعد أسبوع , عانى الجد من نوبته القلبية الأولى , كتبت سوزان الى مارك تخبره بما حدث , ثم حاولت الأتصال به لكنها لم تستطع العثور عليه في أي مكان , فقد أخلى شقته وأختفى , أتصلت بأصدقائه ولم ييجبها أحد بشكل واضح , منذ ذلك الوقت والأسرة في أنتظار سماع أي شيء عن مارك , وها هو جدّها , بعد ستة أشهر من أختفاء مارك , يخبرها أنه موجود في كولومبيا. نظرت مرة أخرى الى وجه جدها , وذعرت للجفاف الذي كساه , كم يبدو متعبا ومريضا.... هل صحيح أنه في طريقه الى النهاية؟ لم يقترح العم أندرو من قبل , نقله الى المصح , لا بد أن حالته خطيرة في هذه المرة , لجأت الى الصمت وأنتظرت.
قال الجد فجأة : " كنت على وشك الذهاب لأعادته , أعددت كل شيء للسفر , ستجدين كل شيء في درج مكتبي تذكرة السفر وحجز غرفة خاصة في فندق بوغوتا , خططت للذهاب الأسبوع المقبل الآن عليك الذهاب بدلا مني ". للحظات ظنت سوزان أنها لم تسمع جيدا ما قاله , لكنه كرر ما قاله وأضاف: " نعم عليك الذهاب يا سوزان , أنها الطريقة الوحيدة لأعادة مارك اليّ قبل فوات الأوان". كانت سوزان تخبر الطبيب كينغستون بكل ما جرى لها في لقائها مع جدها المريض. قال كينغستون بغضب:
" هذا أسخف شيء سمعته في حياتي , أنك لا تعنين ما تقولين فعلا؟". أجابت سوزان بصوت متعب: " هل لديّ خيار آخر ؟ أخبرتني كم هو مريض وأنه معرض للأصابة بنوبة أخرى في أي لحظة..... أنه يريد رؤية مارك قبل أن يموت وسأحاول تحقيق رغبته , ثم أن مارك وريثه ومن حقه رؤيته". هز الطبيب كينغستون رأسه في يأس , كانا في مكتبه الخاص في مصح موردانت حيث نقل الجد منذ نصف ساعة فقط. رافقت سوزان جدها الى غرفته لتتمنى له ليلة سعيدة , لكنه كان تحت تأثير المهدىء , لم يتعرف عليها , كل ما قاله كان : " يا طفلتي العزيزة".
ثم صمت.
قالت سوزان: " كل شيء مهيأ , حتى أنني حصلت على موعد , غدا , لأجراء التلقيحات المطلوبة , جوازي معد أيضا ولا أحتاج الى أية تأشيرة سفر لأنني لا أتوقع البقاء أكثر من ثلاثة أشهر". قطب الطبيب كينغستون وقال: " عزيزتي , أنه أسوأ شيء يمكن أن يحدث لفتاة جميلة مثلك , ما الذي كان جايلز يفكر فيه حين قرر أرسالك وحدك الى أميركا الجنوبية؟". قالت في هدوء: " كان يفكر في أعادة مارك".
ساد بينهما الصمت وأنشغل كل منهما بأفكاره الخاصة , تذكر كينغستون المقالة التي كتبها في أحدى صحف الأحد عن سوزان وكيف أن الكاتب وصفها بأنها فتاة المسرح الجليدية , ولعل الكاتب نسي أن ينظر الى عينيها وأن يحدس أية مشاعر يمكن يخفيها هذا الوجه المحاط بشعر أشقر وطويل. قال كينغستون موجها سؤاله اليها: " ولكن ماذا عن عملك ؟ المسرحية التي تمثلين فيها والبرنامج التلفزيوني؟". ابتسمت سوزان وهي تجيب : " انتهت المسرحية كما أنني أنهيت البرنامج التلفزيوني , قدم الي وكيلي الفني بعض العروض ألا أنها ليست مهمة جدا , أطمئن من الناحية العملية ليس هناك ما يؤخر ذهابي الى كولومبيا , كما أنني أفكر بعطلة أرتاح فيها من الشتاء الأنكليزي". " أطمئني من هذه الناحية , فالجو هناك مختلف تماما". " لن أتراجع عن وعدي الذي قطعته لجدي , خاصة أنك حذرتني من مخاطر تعريضه للغضب , أعتقد أنه الوقت الملائم لكليهما لأنهاء هذا الخصام السخيف بينهما , أنا متأكدة بأن مارك سيعود معي حالما يعرف خطورة حالة جدي". سأل كينغستون :
" ولكن هل يتوجب عليك الذهاب بنفسك؟ أليس في مستطاع فورسايث القيام بذلك؟". تنهدت سوزان وقالت: " ألا ترى أن جدي يرفض تدخل أي شخص غريب في شؤوننا العائلية الخاصة , أنك الوحيد المطّلع على ما يجري بين أفراد العائلة , وكل شيء مهيأ لسفري , كل ما عليّ عمله هو معرفة مكان عائلة أرفاليز , ثم أقناع مارك بالعودة , هذا أذا أراد رؤية الجد حيا , أعتقد أن بقائي في العاصمة سيكون قصيرا". أومأ الطبيب كينغستون برأسه بينما واصل تحريك قلمه في هدوء , ثم قال: " يا طفلتي العزيزة , ما الذي تحاولين أثباته؟". رأى تغير لونها وسمعها تقول: " ليس من العدل أن تقول ذلك".
" أنها الحقيقة يا سوزان , أجيبيني".

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع